الوطن -
سالم الرحبي:

قبل عقد من الآن أسر لي صديق عزيز بنصيحة، وأنا أخطو خطواتي الأولى في الحقل الصحفي قائلا: "عليك بجذوة الكلمة، تمسك بها ما حييت"، وها أنا بعد عقد كامل تتراءى أمامي هذه العبارة بكل معانيها الجلية والعميقة.
الصحافة تلك المهنة المغرية للكثيرين، والغامضة للأغلب، بكل تفاصيلها ودهاليزها ومساراتها الصعبة، وطرقاتها الوعرة، ومنحنياتها الخطرة، وجروفها السحيقة، لم تتوقف حتى الآن عن مشاكساتها ومعاكساتها ودورها، وإن تغيرت أشكال بعضها وتعددت قوالبها، بين تقليدي والكتروني.
وقفة قليلة مع النفس والزمن، ترتب فيها الأوراق لتبدأ مرحلة جديدة، تجدد فيها دماء قلمك، وأفكارك وترسخ فيها قناعاتك ومبادئك .. وقفة تستذكر فيها كل ما مر من إرهاصات وصعوبات وهفوات وأخطاء.. أحد الأصدقاء يقول لي: "لا تنس كل موقف تمر به، فمهما بدا صعبا، سيبدو مضحكا في ذاكرتك لاحقًا"..
ترى ما الذي قدمته لي الصحافة بعد عشر سنوات كاملة بين جنباتها؟.. سؤال لا يبدو سهلا على الإطلاق لمن اختار "مهنة المتاعب"، وإن كنت أفضلها "مهنة المصائب".. لا يعرف القارئ سوى أقلامها ولكن بين دهاليزها طاقم يملأ ما بين الأرض والسماء نشاطًا وجهدًا وسهرًا.
أولى محطات التعب التي واجهتها مع المهنة هو تغير نظامي اليومي لأصبح بومة ليلية.. أقنعت نفسي بعدها أني "نجم".. أنام النهار وأسهر الليل.. أن تتغير ساعتك البيولوجية فتلك أم المصائب لتبقى على علاقة مع العالم أجمع في الوقت الذي أنت فيه بعيد فيزيقيًا، علاقتك به من خلال وكالات الأنباء التي تمخر عبابها في الليلة ألف مرة، أما علاقتك بالواقع فلا تعدو حضور الفعاليات والتواصل مع بعض الكتاب، فيما تتمترس مجبورًا بين أروقة الصحيفة.
هل تمنحك الصحافة علاقات عامة واسعة؟.. سؤال يعتقده البعض صحيحًا إلا من ذاق حلاوة مرارتها .. وحلاوة المرارة هذه معادلة صعبة تشبه الحب، حين تكتوي بناره وتتلذذ بها في الوقت ذاته.. معادلة ستصبح لاحقًا رديفة الألم في البحث عن كلمة تائهة واقتناص فكرة تطاردها وتنصب لها الشباك كوعل بري بين الوديان، تطاردك أحيانًا كبعوضة مشاكسة وتركض وراءها أحيانا كظبي نافر.
مرة اخرى يلح عليك السؤال: هل تمنحك الصحافة علاقات عامة واسعة؟.. باختصار إذا ما خبرت الصحافة جيدًا، فستكتشف انها قربة مثقوبة يتسرب منها الأصدقاء كما يتسرب الرمل من بين الأصابع، عليك ان تخسر الكثير من الأصدقاء في ظل الحفاظ على مهنيتك، وقد تخسر الكثير، لتخرج مع نجمة الفجر من مبنى الجريدة وحيدًا، لا أحد يسامرك سوى برودة الفجر التي ترشفها مع فنجان قهوة يقاسمك الوحدة، وبعضًا مما علق في أنفك من حبر المطبعة.
أصدقاء الصحافة هم وحيدون أيضًا يحملون شباك صيدهم علّهم يجدون فكرة طائرة يقتنصونها، الوحدة شعارك للبحث عن الأفكار ولتحقيق السبق.. السبق الذي يتطلب مصادر تجبرك على أن تظهر ما لا تبطن في أحيان كثيرة!.. والعبارة لا يعرف كنهها سوى زملاء المهنة.
إذًا هل أنت قريب من المجتمع؟.. أنت قريب من وجع المجتمع فقط، لصيق ألمه وأنينه، تبحث في خدوشه لترتقها بكلمة صادقة، فيما ينام المعني قرير العين.. حسنًا وإذا أخطأت؟، أنت أيضا لصيق الألم وسكاكين النقد.
يقول لي صديق آخر: "أنت تتبع مبدأ التقية".. فأجيبه في سري: دعني أحافظ على ما تبقى من رمل في يدي قبل أن يتسرب .. ورغم هذا أجدني أفقده شيئًا فشيئًا.
بين المنشور واللا منشور يُنشر الصحفي، والنشر هنا ليس بمعناه الورقي بل بمعناه "المنشاري" فأنت منشور بالوقت الذي يحكمك، ومنشور بالأمانة الملقاة على عاتقك، ومنشور بالبعد عن عالمك الواقعي، ومنشور بالقارئ الذي ينتظرك ليشرب كلماتك مع كوب شايه الصباحي الساخن على مكتب وثير.. مكتب وثير!!.. ولكن تذكر ان هناك من يقرؤك على قارعة الطريق، وعلى ربوة مرتفعة بين المزارع، وعلى سيف البحر بين النوارس، وعلى مقعد الدراسة، وفي منزله، وبين زملائه وأصدقائه، وفي المقهى.. حسنًا هذه نماذج تكفي جدًا للمواساة.
رغم كل ما قلت أنا مدين للصحافة بأفضل جميل حصلت عليه بأن أصبحت قلمًا في بلدي ، يخط أفراحه ونجاحاته ، ويذود عمّن يحاول خدش جماله.. وهي سر المواساة التي تجعلنا نحن معشر الصحفيين شاهرين القلم رغم السؤال الذي يباغتنا أحيانًا: "ما الذي تقدمه لنا الصحافة؟"...
سالم الرحبي:

قبل عقد من الآن أسر لي صديق عزيز بنصيحة، وأنا أخطو خطواتي الأولى في الحقل الصحفي قائلا: "عليك بجذوة الكلمة، تمسك بها ما حييت"، وها أنا بعد عقد كامل تتراءى أمامي هذه العبارة بكل معانيها الجلية والعميقة.
الصحافة تلك المهنة المغرية للكثيرين، والغامضة للأغلب، بكل تفاصيلها ودهاليزها ومساراتها الصعبة، وطرقاتها الوعرة، ومنحنياتها الخطرة، وجروفها السحيقة، لم تتوقف حتى الآن عن مشاكساتها ومعاكساتها ودورها، وإن تغيرت أشكال بعضها وتعددت قوالبها، بين تقليدي والكتروني.
وقفة قليلة مع النفس والزمن، ترتب فيها الأوراق لتبدأ مرحلة جديدة، تجدد فيها دماء قلمك، وأفكارك وترسخ فيها قناعاتك ومبادئك .. وقفة تستذكر فيها كل ما مر من إرهاصات وصعوبات وهفوات وأخطاء.. أحد الأصدقاء يقول لي: "لا تنس كل موقف تمر به، فمهما بدا صعبا، سيبدو مضحكا في ذاكرتك لاحقًا"..
ترى ما الذي قدمته لي الصحافة بعد عشر سنوات كاملة بين جنباتها؟.. سؤال لا يبدو سهلا على الإطلاق لمن اختار "مهنة المتاعب"، وإن كنت أفضلها "مهنة المصائب".. لا يعرف القارئ سوى أقلامها ولكن بين دهاليزها طاقم يملأ ما بين الأرض والسماء نشاطًا وجهدًا وسهرًا.
أولى محطات التعب التي واجهتها مع المهنة هو تغير نظامي اليومي لأصبح بومة ليلية.. أقنعت نفسي بعدها أني "نجم".. أنام النهار وأسهر الليل.. أن تتغير ساعتك البيولوجية فتلك أم المصائب لتبقى على علاقة مع العالم أجمع في الوقت الذي أنت فيه بعيد فيزيقيًا، علاقتك به من خلال وكالات الأنباء التي تمخر عبابها في الليلة ألف مرة، أما علاقتك بالواقع فلا تعدو حضور الفعاليات والتواصل مع بعض الكتاب، فيما تتمترس مجبورًا بين أروقة الصحيفة.
هل تمنحك الصحافة علاقات عامة واسعة؟.. سؤال يعتقده البعض صحيحًا إلا من ذاق حلاوة مرارتها .. وحلاوة المرارة هذه معادلة صعبة تشبه الحب، حين تكتوي بناره وتتلذذ بها في الوقت ذاته.. معادلة ستصبح لاحقًا رديفة الألم في البحث عن كلمة تائهة واقتناص فكرة تطاردها وتنصب لها الشباك كوعل بري بين الوديان، تطاردك أحيانًا كبعوضة مشاكسة وتركض وراءها أحيانا كظبي نافر.
مرة اخرى يلح عليك السؤال: هل تمنحك الصحافة علاقات عامة واسعة؟.. باختصار إذا ما خبرت الصحافة جيدًا، فستكتشف انها قربة مثقوبة يتسرب منها الأصدقاء كما يتسرب الرمل من بين الأصابع، عليك ان تخسر الكثير من الأصدقاء في ظل الحفاظ على مهنيتك، وقد تخسر الكثير، لتخرج مع نجمة الفجر من مبنى الجريدة وحيدًا، لا أحد يسامرك سوى برودة الفجر التي ترشفها مع فنجان قهوة يقاسمك الوحدة، وبعضًا مما علق في أنفك من حبر المطبعة.
أصدقاء الصحافة هم وحيدون أيضًا يحملون شباك صيدهم علّهم يجدون فكرة طائرة يقتنصونها، الوحدة شعارك للبحث عن الأفكار ولتحقيق السبق.. السبق الذي يتطلب مصادر تجبرك على أن تظهر ما لا تبطن في أحيان كثيرة!.. والعبارة لا يعرف كنهها سوى زملاء المهنة.
إذًا هل أنت قريب من المجتمع؟.. أنت قريب من وجع المجتمع فقط، لصيق ألمه وأنينه، تبحث في خدوشه لترتقها بكلمة صادقة، فيما ينام المعني قرير العين.. حسنًا وإذا أخطأت؟، أنت أيضا لصيق الألم وسكاكين النقد.
يقول لي صديق آخر: "أنت تتبع مبدأ التقية".. فأجيبه في سري: دعني أحافظ على ما تبقى من رمل في يدي قبل أن يتسرب .. ورغم هذا أجدني أفقده شيئًا فشيئًا.
بين المنشور واللا منشور يُنشر الصحفي، والنشر هنا ليس بمعناه الورقي بل بمعناه "المنشاري" فأنت منشور بالوقت الذي يحكمك، ومنشور بالأمانة الملقاة على عاتقك، ومنشور بالبعد عن عالمك الواقعي، ومنشور بالقارئ الذي ينتظرك ليشرب كلماتك مع كوب شايه الصباحي الساخن على مكتب وثير.. مكتب وثير!!.. ولكن تذكر ان هناك من يقرؤك على قارعة الطريق، وعلى ربوة مرتفعة بين المزارع، وعلى سيف البحر بين النوارس، وعلى مقعد الدراسة، وفي منزله، وبين زملائه وأصدقائه، وفي المقهى.. حسنًا هذه نماذج تكفي جدًا للمواساة.
رغم كل ما قلت أنا مدين للصحافة بأفضل جميل حصلت عليه بأن أصبحت قلمًا في بلدي ، يخط أفراحه ونجاحاته ، ويذود عمّن يحاول خدش جماله.. وهي سر المواساة التي تجعلنا نحن معشر الصحفيين شاهرين القلم رغم السؤال الذي يباغتنا أحيانًا: "ما الذي تقدمه لنا الصحافة؟"...
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions