عُمان -

سالم بن حمد الجهوري:



هاييتي ذلك البلد المتخندق في عنق اليابسة الرابط بين أمريكا الشمالية والجنوبية وتحديدا جنوب كوبا وغرب جمهورية الدومنيكان متوسدة بحر الكاريبي، تتميز بأطول ذراع ترابي لها في مياه المحيط الهادي المحاذي للسواحل الامريكية الغربية، أفاقت صباح الثلاثاء الماضي على كارثة طالت البشر والحجر فيها عندما اهتزت عند 7 درجات على مقياس ريختر لتسجل تقريبا عاشر اقوى هزه تصيب الكرة الأرضية في العصر الحديث وأكثرها فاجعة على البشرية.

صعب التخيل ان تتحول بلد في لمحة الى اثر بعد عين فالعاصمة بورت أو برنس اطاح الزلزال بثلاثة أرباعها ناهيك عن اقتراب توقعات ارتفاع الأموات الى ربع مليون مفقود، وفي الأيام المقبلة سوف نشهد قصصا انسانية للمحاصرين تحت الانقاض منذ 5 أيام، الذين بعضهم لا زال يتنفس حتى الآن، لكن كيف يمكن الوصول اليهم.

زلزال هاييتي كارثة انسانية بمعنى الكلمة فقد ترك العالم همومة السياسية خلفه وتوحد معا ليسابق الزمن على تنظيم أكبر عملية انقاذ في تاريخ البشرية حتى يستطيع انقاذ ما يمكن انقاذه، فليس بمقدور هاييتي لوحدها أن تواجه هذة المحنة التي أصابتها نظرا لحجم الكارثة التي شردت الملايين من السكان في العراء.

فهذه الدولة البالغ عدد سكانها قرابة 8 ملايين نسمة وبها جالية عربية من اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين يدين 96% منهم بالمسيحية، 80% منهم« روم كاثوليك » و16% «بروستانت»، ويمثل السود فيها 95% وتعد من أقل دول العالم دخلا، حيث يعيش 80% منهم في فقر مدقع ويعمل 66% منهم بما يعادل ثلثي السكان في الزراعة التي تشكل 30% من نسبة الناتج المحلي، الى جانب 20% في الصناعة ويعمل بها 9% من السكان و50% في الخدمات الأخرى ويعمل بها 25% من اليد العاملة، وميزانيتها السنوية أقل من مليار دولار تقريبا فقط، فقد كانت آخر الاحصائيات في 2000-2001م بلغت فيها موازنة 360 مليون دولار.

لا يمكن لهاييتي ان تنهض من كبوتها الى ما كانت عليه قبل الزلزال دون مساعدة الاسرة الدولية ناهيك عن تراجع الخدمات من كهرباء وهاتف ومياه وطرق وجسور وتأثر المطار وغيرها وغياب الأمن وفقدان السلطة لقدرتها على بسط أدائها بعد وفاة الكثير من الوزراء والمسؤولين وانهيار مؤسسات الدولة، لتصبح مدن أشباح لدرجة تولي الولايات المتحدة الامريكية ادارة المطار الرئيسي لتأمين وصول المعونات والامدادات من دول العالم التي تحتاج الى تنسيق.

الخوف من تزايد أعداد الموتى وعدم القدرة على الوصول الى الجثث التي يتوقع ان تنتشر منها رائحة الموت في كل مكان تأثر بالزلزال نظرا لانهيار المباني على رؤوس ساكنيها، لا فرق بين صغير وكبير وتزايد عدد الوفيات بعد الزلزال لعدم توفر وسائل وصول الى المصابين تحت الانقاض كلها عوامل تزيد من المعاناة وتحدي الفرق التي هرعت لتقديم يد العون، أضف الى عدم توفر مخيمات ايواء للناجين وهم بالملايين خاصة في العاصمة والمدمن القريبة منها والافتقار الى الغذاء والدواء وانهيار المستشفيات والمرافق الصحية، وكثرة الناهبين للمتاجر والأسواق وتزايد المصادمات بينهم للاستيلاء على كل ما يمكن الوصول اليه.

أمام دول العالم تحد كبير وغير عادي ليظهر تضامنه كأسرة دولية "واحدة" تعمل في مثل هذة الحالات معا من اجل الانسانية لا فرق بين غنيها وفقيرها كل يؤدي دوره على ضوء قدراته وامكانياته وعلى الدول القادرة ماديا وبشريا ان تساهم بفاعلية في عملية الاغاثة التي تعد الاكبر في التاريخ الحديث، فهذه الحادثة هي أكبر اختبار يواجه العالم لتجاوز محنته التي تحتاج الى المزيد من التنسيق والتكاتف تحت راية الامم المتحدة.