د. زغـلول النجـار
يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه:﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِياًّ ﴾ [ مريم:54 ـ55].
والآيتان فيهما أمر من الله ـ تعالى ـ إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يذكر للناس ما أنزل عليه من القرآن الكريم في سرد قصة رسول الله إسماعيل بن خليل الرحمن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ الذي كان مثالا في صدق الوعد, وقد أثبت ذلك حين وعد أباه بالصبر على ذبحه له وفاء بأمر الله ـ تعالى ـ لأبيه أن يذبحه, و وفى إسماعيل بوعده وفاء كاملا, ففداه الله الكريم بذبح عظيم, وأكرمه وشرفه بالنبوة والرسالة عندما بلغ سن النبوة.
وتذكر الآيتان الكريمتان من مناقب هذا الرسول الكريم أنه كان يأمر أهله بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, حتى بلغ مقاما كريما من رضا ربه عليه: هذا وقد جاء ذكر عبد الله ورسوله إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ اثنتا عشرة(12) مرة.
ومن الدروس المستفادة من عرض القرآن الكريم لقصة نبي الله إسماعيل ما يلي:
1 ـ أن الإنسان إذا حرم شيئا من خير الدنيا دون تقصير من جانبه, فعليه بالدعاء الصادق إلى الله ـ تعالىـ فقد قارب نبي الله إبراهيم سن التسعين دون أن يرزق الولد, فألح على الله بالدعاء أن يهبه الذرية الصالحة, فاستجاب الله الخالق الباريء المصور دعاء عبده ونبيه إبراهيم ورزقه ابنه إسماعيل على الكبر من زوجته الثانية السيدة هاجر عليها رضوان الله, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ﴾ [ الصافات:99 ـ101].
2ـ أن الثقة في الله ـ تعالى ـ هي مصدر كل خير, فقد ابتلى نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ بالأمر الإلهي أن يضع زوجه السيدة هاجر ورضيعها إسماعيل في بقعة محددة من وادي مكة عند قواعد البيت الحرام, وهي يومئذ أرض قفر لا ماء فيها ولا بشر, وترك عندهما جرابا فيه شيء من التمر, وسقاء فيه قليل من الماء, ثم قفل راجعا في طريقة إلى فلسطين, فتبعته أم إسماعيل قائلة: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا نبت ولا ماء؟ ورددت أم إسماعيل خطابها هذا لزوجها الراحل عنها مرارا, وهو لا يلتفت إليها فأدركت بفطرتها حتمية أن يكون ذلك الأمر من الله ـ تعالى ـ لعلمها بأن زوجها من أولي العزم من الرسل فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فأدار وجهه إليها قائلا:"نعم" فردت على الفور بيقين الواثق بالله, المؤمن به, والمتوكل عليه قائلة إذا لا يضيعنا ثم رجعت إلى حيث تركت رضيعها, وانطلق إبراهيم ـ عليه السلام ـ في طريقه حتى إذا كان عند الثنية استقبل بوجهه موضع قواعد البيت ورفع يديه داعيا الله ـ تعالى ـ أن يخلفه في زوجه ووحيده , وفي ذلك يقول القرآن الكريم على لسان نبي الله إبراهيم ما نصه:﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾[ إبراهيم:37].
فاستجاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدعوة عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ وأكرم زوجه السيدة هاجر ـ عليها رضوان الله ـ جزاء ثقتها المطلقة في رحمة الله, فأرسل عبده جبريل ـ عليه السلام ـ وقد نفد الماء من السقاء, وبدأ الرضيع في البكاء وأخذت أمه تهرول بين الصفا والمروة, وتعلو كل واحدة منهما عساها أن ترى طيرا يحط فوق شيء من الماء , أو قادما يحمل معه سقاء, وفعلت ذلك سبع مرات دون جدوى, فجاءها جبريل ـ عليه السلام ـ قائلا: لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه, وإن الله لا يضيع أهله, ثم قام بضرب الأرض بجناحه أو بعقبه فانفجرت بئر زمزم , وفرحت بها أم إسماعيل فرحا شديدا وخشيت أن يفيض الماء في الوادي فأخذت تحوط البئر بالرمال والحصى والأحجار وتقول لها زمي زمي ولذلك عرفت البئر باسم زمزم, وفي ذلك يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم: رحم الله أم إسماعيل لو تركتها كانت عينا معينا.( مسند أحمد).
وبقيت بئر زمزم تفيض بخير ماء علي وجه الأرض( كما وصفه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم) وظلت تفيض لقرابة أربعة آلاف سنة من صخور نارية ومتحولة عديمة المسامية لتبقى آية شاهدة على كرامة المكان, وكرامة لنبي الله إسماعيل ولأمه ـ عليهما السلام ـ ثم شاء الله ـ تعالى ـ أن يمر بوادي مكة نفر من قبيلة جرهم عائدين بتجارتهم من بلاد الشام إلى أرض اليمن فتعجبوا من وجود الماء في عين زمزم, فاستأذنوا من أم إسماعيل أن يجاوروها وابنها إسماعيل فأذنت لهم, وتحققت دعوة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ التي يسجلها القرآن الكريم علي لسانه بقوله::﴿ ... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [ إبراهيم37].
3 ـ أن الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان واختبار, وأن النجاح في الابتلاءات الدنيوية هو الطريق إلى جنة الخلد بإذن الله, وعلى ذلك فإن الإنسان إذا تعرض لشيء من الابتلاء فرضي بقضاء الله وقدره, وصبر عليه, فإما أن يرفع الله ـ تعالى ـ عنه البلاء أو يبين له خير هذا القضاء أو القدر.
ويتضح ذلك جليا في موقف كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل من أمر الله ـ تعالى ـ له أن يضع رضيعه الذي منحه على الكبر مع أمه في واد غير ذي زرع على بعد آلاف الكيلومترات من مسكنه. ويرضى كل منهم بقضاء الله وقدره, وبعد أن شب الرضيع وبدأ يتحمل مسئوليات أمه يأمره الله أن يذبح وحيده الذي رزقه في شيخوخته, بعد أن شب وحيده وأصبح قادرا على السعي معه في تحقيق مطالب العيش ومستلزمات الحياة, وهو ابتلاء لا يقوى عليه أشد الناس إيمانا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ونجح كلاهما في هذا الابتلاء نجاحا استحق جزاء الله وثناءه على كل منهما, وجعل من هذا الموقف النبيل سنة النحر في عيد الأضحى, إحياء لذكرى هذا الحادث العظيم الذي يبقى رمزا لحقيقة الإيمان بالله, والتسليم الراضي لقضائه, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾ [ الصافات102 ـ110].
4 ـ أن الدعاء هو مخ العبادة, وإذا صدر من القلب بإخلاص وتجرد لله ـ تعالى ـ استحق الإجابة, وإن عزة الإنسان في الدنيا ونجاته في الآخرة قائمان على درجة إيمانه بالله ـ تعالى ـ وإسلامه الوجه له, وعلى الخضوع بالطاعة لجلاله, والاستعداد لسرعة التوبة إليه, والثقة الكاملة بطلاقة القدرة الإلهية, واليقين الجازم بأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله , وقد اتضحت كل هذه القيم الإيمانية بجلاء في استعراض القرآن الكريم لسيرة كل من نبي الله إبراهيم وولده الصالح إسماعيل ـ عليهما من الله السلام ـ ولذلك شرفهما الله ـ سبحانه وتعالى ـ بتكليفهما برفع القواعد من البيت العتيق, بعد أن كان قد تهدم ومحيت آثاره إلا القواعد, وهو عمل تقف دون تحقيقه جهود آلاف الرجال, وأكرمهما الله ـ تعالى ـ باستجابة دعائهما بتحقيق البركة في ذريتهما وببعثة الرسول الخاتم من تلك الذرية المباركة, وفي ذلك يقول القرآن الكريم:﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [ البقرة127 ـ129].
وهذا موقف من مواقف العبودية الحقة يرجو فيه نبيان من أنبياء الله أن يثبتهما الله ـ جلت قدرته ـ على الإسلام الخالص وأن يثبت ذريتهما عليه , ويطلبان من الله ـ تعالى ـ الهداية وقبول التوبة, لأنهما يعلمان تمام العلم بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
5 ـ أن الله ـ تعالى ـ يصطفي من عباده الصالحين من يبلغ هدايته إلى الناس, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [ الحج75]. ولهذا الاصطفاء الإلهي ضوابطه: من سلامة الجسد, ورجاحة العقل, وطهارة القلب, وسلامة الفطرة, لتوافر هذه الصفات في عبد الله إسماعيل بن إبراهيم, فقد من الله ـ تعالى ـ عليه بالنبوة وبالرسالة, وبعثه إلى كل من العماليق وقبيلة جرهم, وقبائل اليمن فنهاهم عن عبادة الأصنام والأوثان, ودعاهم إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد كما دعاهم إلى تنزيهه ـ تعالى ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, فآمنت له طائفة منهم وكفرت غالبيتهم, وظل يدعوهم حتى وافته منيته , ودفن في حجر الكعبة. حيث كانت قد سبقته إليه أمه فسمي باسم حجر إسماعيل وكان من ذريته العرب العاربة.
ويصف القرآن الكريم النبي الصالح إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ بقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلا له:( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)[ مريم54 ـ55].
ولما كان كل من النبوة والرسالة قد ختم ببعثة الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن على كل من يريد أن يحظي برضاء ربه أن يتأسي بنبيل الصفات التي وصف بها ربنا ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ ومنها: صدق الوعد, والاجتهاد في الدعوة إلى دين الله , والحرص على أمر الأهل بأداء الصلاة وإيتاء الزكاة, وفي ذلك يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته, فإن أبت نضح في وجهها الماء, ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبي نضحت في وجهه الماء" ( سنن ابن ماجه).
هذه الدروس الخمسة المستفادة من استعراض القرآن الكريم لسيرة عبد الله ورسوله إسماعيل بن إبراهيم هي من جوانب الإعجاز التربوي والتاريخي في كتاب الله ; وذلك لنبل مقاصدها التربوية , ولعدم وجود أية إشارة لها في كتب السابقين, خاصة أن نبي الله إسماعيل قد عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد , أي قبل تنزل القرآن الكريم بأكثر من ألفي سنة. فالحمد لله على نعمة الإسلام, والحمد لله على نعمة القرآن, والحمد لله على بعثة خير الأنام ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه:﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِياًّ ﴾ [ مريم:54 ـ55].
والآيتان فيهما أمر من الله ـ تعالى ـ إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يذكر للناس ما أنزل عليه من القرآن الكريم في سرد قصة رسول الله إسماعيل بن خليل الرحمن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ الذي كان مثالا في صدق الوعد, وقد أثبت ذلك حين وعد أباه بالصبر على ذبحه له وفاء بأمر الله ـ تعالى ـ لأبيه أن يذبحه, و وفى إسماعيل بوعده وفاء كاملا, ففداه الله الكريم بذبح عظيم, وأكرمه وشرفه بالنبوة والرسالة عندما بلغ سن النبوة.
وتذكر الآيتان الكريمتان من مناقب هذا الرسول الكريم أنه كان يأمر أهله بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, حتى بلغ مقاما كريما من رضا ربه عليه: هذا وقد جاء ذكر عبد الله ورسوله إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ اثنتا عشرة(12) مرة.
ومن الدروس المستفادة من عرض القرآن الكريم لقصة نبي الله إسماعيل ما يلي:
1 ـ أن الإنسان إذا حرم شيئا من خير الدنيا دون تقصير من جانبه, فعليه بالدعاء الصادق إلى الله ـ تعالىـ فقد قارب نبي الله إبراهيم سن التسعين دون أن يرزق الولد, فألح على الله بالدعاء أن يهبه الذرية الصالحة, فاستجاب الله الخالق الباريء المصور دعاء عبده ونبيه إبراهيم ورزقه ابنه إسماعيل على الكبر من زوجته الثانية السيدة هاجر عليها رضوان الله, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ﴾ [ الصافات:99 ـ101].
2ـ أن الثقة في الله ـ تعالى ـ هي مصدر كل خير, فقد ابتلى نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ بالأمر الإلهي أن يضع زوجه السيدة هاجر ورضيعها إسماعيل في بقعة محددة من وادي مكة عند قواعد البيت الحرام, وهي يومئذ أرض قفر لا ماء فيها ولا بشر, وترك عندهما جرابا فيه شيء من التمر, وسقاء فيه قليل من الماء, ثم قفل راجعا في طريقة إلى فلسطين, فتبعته أم إسماعيل قائلة: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا نبت ولا ماء؟ ورددت أم إسماعيل خطابها هذا لزوجها الراحل عنها مرارا, وهو لا يلتفت إليها فأدركت بفطرتها حتمية أن يكون ذلك الأمر من الله ـ تعالى ـ لعلمها بأن زوجها من أولي العزم من الرسل فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فأدار وجهه إليها قائلا:"نعم" فردت على الفور بيقين الواثق بالله, المؤمن به, والمتوكل عليه قائلة إذا لا يضيعنا ثم رجعت إلى حيث تركت رضيعها, وانطلق إبراهيم ـ عليه السلام ـ في طريقه حتى إذا كان عند الثنية استقبل بوجهه موضع قواعد البيت ورفع يديه داعيا الله ـ تعالى ـ أن يخلفه في زوجه ووحيده , وفي ذلك يقول القرآن الكريم على لسان نبي الله إبراهيم ما نصه:﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾[ إبراهيم:37].
فاستجاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدعوة عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ وأكرم زوجه السيدة هاجر ـ عليها رضوان الله ـ جزاء ثقتها المطلقة في رحمة الله, فأرسل عبده جبريل ـ عليه السلام ـ وقد نفد الماء من السقاء, وبدأ الرضيع في البكاء وأخذت أمه تهرول بين الصفا والمروة, وتعلو كل واحدة منهما عساها أن ترى طيرا يحط فوق شيء من الماء , أو قادما يحمل معه سقاء, وفعلت ذلك سبع مرات دون جدوى, فجاءها جبريل ـ عليه السلام ـ قائلا: لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه, وإن الله لا يضيع أهله, ثم قام بضرب الأرض بجناحه أو بعقبه فانفجرت بئر زمزم , وفرحت بها أم إسماعيل فرحا شديدا وخشيت أن يفيض الماء في الوادي فأخذت تحوط البئر بالرمال والحصى والأحجار وتقول لها زمي زمي ولذلك عرفت البئر باسم زمزم, وفي ذلك يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم: رحم الله أم إسماعيل لو تركتها كانت عينا معينا.( مسند أحمد).
وبقيت بئر زمزم تفيض بخير ماء علي وجه الأرض( كما وصفه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم) وظلت تفيض لقرابة أربعة آلاف سنة من صخور نارية ومتحولة عديمة المسامية لتبقى آية شاهدة على كرامة المكان, وكرامة لنبي الله إسماعيل ولأمه ـ عليهما السلام ـ ثم شاء الله ـ تعالى ـ أن يمر بوادي مكة نفر من قبيلة جرهم عائدين بتجارتهم من بلاد الشام إلى أرض اليمن فتعجبوا من وجود الماء في عين زمزم, فاستأذنوا من أم إسماعيل أن يجاوروها وابنها إسماعيل فأذنت لهم, وتحققت دعوة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ التي يسجلها القرآن الكريم علي لسانه بقوله::﴿ ... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [ إبراهيم37].
3 ـ أن الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان واختبار, وأن النجاح في الابتلاءات الدنيوية هو الطريق إلى جنة الخلد بإذن الله, وعلى ذلك فإن الإنسان إذا تعرض لشيء من الابتلاء فرضي بقضاء الله وقدره, وصبر عليه, فإما أن يرفع الله ـ تعالى ـ عنه البلاء أو يبين له خير هذا القضاء أو القدر.
ويتضح ذلك جليا في موقف كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل من أمر الله ـ تعالى ـ له أن يضع رضيعه الذي منحه على الكبر مع أمه في واد غير ذي زرع على بعد آلاف الكيلومترات من مسكنه. ويرضى كل منهم بقضاء الله وقدره, وبعد أن شب الرضيع وبدأ يتحمل مسئوليات أمه يأمره الله أن يذبح وحيده الذي رزقه في شيخوخته, بعد أن شب وحيده وأصبح قادرا على السعي معه في تحقيق مطالب العيش ومستلزمات الحياة, وهو ابتلاء لا يقوى عليه أشد الناس إيمانا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ونجح كلاهما في هذا الابتلاء نجاحا استحق جزاء الله وثناءه على كل منهما, وجعل من هذا الموقف النبيل سنة النحر في عيد الأضحى, إحياء لذكرى هذا الحادث العظيم الذي يبقى رمزا لحقيقة الإيمان بالله, والتسليم الراضي لقضائه, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ﴾ [ الصافات102 ـ110].
4 ـ أن الدعاء هو مخ العبادة, وإذا صدر من القلب بإخلاص وتجرد لله ـ تعالى ـ استحق الإجابة, وإن عزة الإنسان في الدنيا ونجاته في الآخرة قائمان على درجة إيمانه بالله ـ تعالى ـ وإسلامه الوجه له, وعلى الخضوع بالطاعة لجلاله, والاستعداد لسرعة التوبة إليه, والثقة الكاملة بطلاقة القدرة الإلهية, واليقين الجازم بأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله , وقد اتضحت كل هذه القيم الإيمانية بجلاء في استعراض القرآن الكريم لسيرة كل من نبي الله إبراهيم وولده الصالح إسماعيل ـ عليهما من الله السلام ـ ولذلك شرفهما الله ـ سبحانه وتعالى ـ بتكليفهما برفع القواعد من البيت العتيق, بعد أن كان قد تهدم ومحيت آثاره إلا القواعد, وهو عمل تقف دون تحقيقه جهود آلاف الرجال, وأكرمهما الله ـ تعالى ـ باستجابة دعائهما بتحقيق البركة في ذريتهما وببعثة الرسول الخاتم من تلك الذرية المباركة, وفي ذلك يقول القرآن الكريم:﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [ البقرة127 ـ129].
وهذا موقف من مواقف العبودية الحقة يرجو فيه نبيان من أنبياء الله أن يثبتهما الله ـ جلت قدرته ـ على الإسلام الخالص وأن يثبت ذريتهما عليه , ويطلبان من الله ـ تعالى ـ الهداية وقبول التوبة, لأنهما يعلمان تمام العلم بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
5 ـ أن الله ـ تعالى ـ يصطفي من عباده الصالحين من يبلغ هدايته إلى الناس, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [ الحج75]. ولهذا الاصطفاء الإلهي ضوابطه: من سلامة الجسد, ورجاحة العقل, وطهارة القلب, وسلامة الفطرة, لتوافر هذه الصفات في عبد الله إسماعيل بن إبراهيم, فقد من الله ـ تعالى ـ عليه بالنبوة وبالرسالة, وبعثه إلى كل من العماليق وقبيلة جرهم, وقبائل اليمن فنهاهم عن عبادة الأصنام والأوثان, ودعاهم إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد كما دعاهم إلى تنزيهه ـ تعالى ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, فآمنت له طائفة منهم وكفرت غالبيتهم, وظل يدعوهم حتى وافته منيته , ودفن في حجر الكعبة. حيث كانت قد سبقته إليه أمه فسمي باسم حجر إسماعيل وكان من ذريته العرب العاربة.
ويصف القرآن الكريم النبي الصالح إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ بقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلا له:( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)[ مريم54 ـ55].
ولما كان كل من النبوة والرسالة قد ختم ببعثة الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن على كل من يريد أن يحظي برضاء ربه أن يتأسي بنبيل الصفات التي وصف بها ربنا ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ ومنها: صدق الوعد, والاجتهاد في الدعوة إلى دين الله , والحرص على أمر الأهل بأداء الصلاة وإيتاء الزكاة, وفي ذلك يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته, فإن أبت نضح في وجهها الماء, ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبي نضحت في وجهه الماء" ( سنن ابن ماجه).
هذه الدروس الخمسة المستفادة من استعراض القرآن الكريم لسيرة عبد الله ورسوله إسماعيل بن إبراهيم هي من جوانب الإعجاز التربوي والتاريخي في كتاب الله ; وذلك لنبل مقاصدها التربوية , ولعدم وجود أية إشارة لها في كتب السابقين, خاصة أن نبي الله إسماعيل قد عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد , أي قبل تنزل القرآن الكريم بأكثر من ألفي سنة. فالحمد لله على نعمة الإسلام, والحمد لله على نعمة القرآن, والحمد لله على بعثة خير الأنام ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions