وقود الاستبداد

    • وقود الاستبداد

      الشبيبة -

      سعيد بن سلطان الهاشمي:



      يُعلّق معظمنا أسباب الاستبداد على من هم على رأس السلطة. فهم المتهمون أبدا بممارسته وتكريسه سلوكا ومنهجا. وهم القادرون على توليده والتخويف به. وهم لوحدهم من يجيدوا استخدامه وتوظيفه خدمةً لمصالحهم، وتأمينا لبقائهم، واستمرارا لوجودهم.

      لكننا نتغافل عن جذوره الأولى، بل نتحاشى الاعتراف عن بذوره الأساس، وهي القابعة في دواخلنا منذ البدء. ربما؛ هروبا من ذواتنا التي تتلذذ في التملص من المسؤليات، أو خوفا من مواجهة البدائل؛ القائمة على النضال، ومكافحة الاستبداد في كل مفصل من مفاصل حياتنا؛ بدءاً بتماسنا الصادق مع نفوسنا، ومرورا بعلاقتنا مع أسرنا، وتعريجا على منظومة شبكاتنا الاجتماعية كيف نشكلها وعلى ماذا نؤسسها، وأخيرا طبيعة معاملاتنا مع السلطة ، والتي تتأثر بكل ما سبق من تصرفات. إن وقود أي استبداد يقبع في ذواتنا.

      فعندما تصبح الذات عبئا على صاحبها، يصاب الإنسان بالخوف، ولا يشعر بالأمان، بل على العكس تماما يجد هذا الأمان المنشود في التخلص من حريته؛ والرضى بالخضوع لأي شخص من الخارج؛ زوج، زوجة، أب، مدير، وزير، أو حاكم. إن سلسلة الاستعباد الطوعية التي نتلذذ في لفها على أعناقنا باكرا هي التي تعيق تنفسنا الطبيعي لهواء الحرية، والعيش بكرامة وإنسانية بعد ذلك. وهي ذاتها التي يستخدمها الحاكم المستبد في تخويفنا بقطعها إذا ما رفعنا سقف المطالبات والآمال ذات يوم. إنها أشبه بالحبل السري الذي لا يراد قطعه، لا من قبل الحاكم، ولا من طرف الناس؛ الذين استمتعوا بالشعور بالضآلة والعجز، وأعفوا أنفسهم من أية مسوؤليات والتزامات، إلا تلك التي تمرر عبر ذلك الحبل السري. و هو أمر يتنافى مع سنن النمو، وفطرة التطور الطبيعي.

      إن حياة الجموع التي يأمن الناس العيش معها؛ ما هي إلا تعبير عن هروب من أساس معالجة داء الاستبداد واستئصال جذوره. يقول الفيلسوف إيرك فروم في كتابه" فرارٌ من الحرية" : "في سبيل البحث عن معنى، والتغلب على الشعور بالدونية تحاول الشخصية أن تصبح جزءاً من كل أكبر وأعظم وأشد خارج ذاتها تنغمس فيه، وتشارك فيه، وقد تكون هذه القوة الكبرى هي الزعيم القائد، أو قد تكون إله، أو مؤسسة، أو أمة" .

      الخطورة التي تنتج عن مسألة التخلي عن الذات في مجتمعاتنا هي شعور الفرد بأمان جديد؛ ليس أمانه الداخلي بل أمان نابع من تلك القوة الكبرى، والتي يشعر معها بأنه معفي من تحمل أية مسوؤلية، حتى تلك المتعلقة في شؤون حياته وإدارتها. فكل ما يخطر للفرد في هذه الأجواء من سؤال يجد له إجابة عن طريق علاقته بالقوة التي ارتبط بها؛ فسيده هو الذي يحل كل مشكلة تجابهه، ويشبع له أي رغبة يتمناها، وينتظرمبادرته لحل ذاك الإشكال، ويحرص على الالتزام بتوجيهاته . هكذا يتوهم، وهكذا يتحدد معنى حياته، وهويته، وذاته عن طريق الكل الأكبر الذي يغمره ويضيع بداخله.

      إن وقود الاستبداد هو تلك الذوات المسلوبة، المؤجرة للغير، القادرة على المضي مع كل أنواع القطعان والجموع وفي أي مكان، ومن أجل أي قضية مهما تكن عبثية؛ فقط تحاشيا للحظة صدق مع نفسها، فهنيئا للمستبد بهكذا نفوس.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions