محاولة أخرى لفهمِ عُمان ــ الفرَّامات العُمانية ..
الهويات والانتماءات والقرارات والخيارات الشخصية ..
كلامٌ عُمانيِّ جدَّا يحاولُ جاهدا أن يفهمَ ..
إلى أستاذي الشيخ المفكِّر خميس العدوي تفصيلاً لحديثٍ عابر:
صباحَ الخير يا أصدقاء، آمل أن تكونوا جَميعاً بخير، مسقطُ الآن تخلعُ ثوبَ الشتاء وتلبسُ ملابس الحرِّ البيضاء التي تجعل العُمانيين يتمنون المشيَ عُراةً على رأسهم مكيِّفاتٍ من نوع [جنرال ليس في متاهته]. مؤخراً كما يبدو بدأتُ بشدَّة في تنقيعِ رأسي بالكثير من المفاهيم التي اكتشفتُ أنها متكئة على عشٍّ واهٍ من الأفكار والتصورات والصور النمطية، أعني ليس ذلك في سياق بشري أمراً جديداً أو مهما، ولكن بالنسبة لمن يحاول الفهم، أو يحاول أن يكونَ مخلصاً أو مفيداً لفكرة اجتماعية قد أرى أن إلزام النفس بتغيير الفهم وإكثار مناهجه وتعميقِها وتوسيعِها وبغض النظر عن الجهات التي أستعيرُها الآن لتجسيد هذه الفكرة، على المرء أن يتقبَّل الآثار الجانبية لمحاولات الفهم المتواصلة.
&&&
فكرة عابرة عن النحت في الفكرة:
لا أعرف كيف يبدو شكلَ عالم الفكرة، ولكي أستطيع فهمَه ــ كما يبدو مؤخرا ــ يجب أن أجسدَه. تجسيدي سيكون على هيئة الحفر في جبلٍ كَبير.
الانطلاق في فهمِ فكرة اجتماعية انطلاقاً من تجربة العيش في هذا المُجتمع ــ عُمان ــ قد يكون مفزعاً ومخيفاً، أعني ثمة مئات من السنوات والبشر يدرسون المجتمعات وتوصلوا إلى [مصطلحات] تعورف على استخدامِها، تواضعَ الناسُ عليها وأصبحنا مثلا نعرِّف نحن الناس العاديين والشباب تصرفات مثل [التحضر ــ البداوة ــ المدنية ــ المنظومة السياسية] وإلى آخرِه.
النحتُ دون الاتكاء على الإرث السابق والمحاولات السابقة في فهمِ المُجتمع يوقع الفاعل [المُستفهم في هذه الحالة] في معضلة حقيقية، وهي كيفية إيصال [القَصْد] يعني كلمة حرب واضحة المَعنى، ولكن في حالة عُمان قد لا يكون التناوش بين قبيلتين حرباً وفق المعنى المُتعارف عليه. هي حرب في شكلِها عبارة عن تقاتل بين مجموعتين من الناس ولكنها تختلفُ عن الحرب المُعتادة، تختلف تماماً عن معارك الرسول، وتختلفُ تماما عن كلام الدين أو علماء العسكر. لذلك يلجأ الناحت [المُستفهمُ] هُنا إلى لغتِه الخاصَّة مستخدما ما أمكنَه من تقريبٍ إلى اللغة العامية التي هي الأصلُ الآن بينما تعود اللغة الفصحى إلى المَراجعِ واعدة إياناً بالغياب الأزلي كما يفعلون في إيران أو اندونيسيا.
&&&
في مقالٍ سابقٍ بعنوان [مقاربة فهم] لا أتذكر الآن أين يقعُ في هذه المدونة التي أصبحت مترامية الأطراف والأعضاء، تحدثت عن الأمر، أعني الآن كشابٍّ عُماني يمكنني الاكتفاء بكوني عُمانياً سمائليا رواحيا مسلماً ذا نزوع خفيف عن اليسار ونزوع خفيف إلى اليمين، ويمكنُ الإكثار من التصنيفات ذات الدلالة الجغرافية أو النفسية أو حتى فصيلة الدمِّ والجنس .. الخ.
أعني يمكنني تماماً الاكتفاء بذلك والعيش ومواصلة الحياة والإنجاب وبناء منزل صغير ذي حيطان عالية جدَّا وحِماية نفسي من [الفرَّامة الكُبرى] للأفكار والقدرات البشرية وهي الساحة العُمانية التي بها [دولة ــ دين ــ انتماءات] والتي تنزع من الإنسان نفسَه وقيمتَه محولة إياه إلى عبدٍ مسخَّرٍ يخدمُ أفكاراً كليةً وأهدافاً ساميةً يضعها غيرُه ويغيِّرُها متى ما شاء. في ذلك خيارٌ، وخيارات لها علاقة بالقوَّة، القوة الفعلية والقوَّة التاريخية. الفعليةُ بما للقائد ــ قائد الفكرة ــ أو قادتِها أو المجموعة التي تعتني بمنظومة الأفكار على هيئة [لجنة ــ منظمة ــ دولة] أو القوَّة التاريخية المتوارثة والمتواترة المشوَّهة أو المنقَّاة حسب السياق والحالة.
ما دام المرء يريد أن يفهمَ فعليه ــ كما يفترض عقلي الصغير سناً وخبْرةً ــ أن يقدَّم تنازلاتٍ على صعيدِ رغبتِه، أعني لا يمكن أن يخوضَ من يريد ذلك في معركةِ من أجل وكالة وزارة !! كذلك لا يمكنه أن يكون تاجراً ينافسُ الجار والأخ والصديق ويبيع للجار والأخِ والصديق. ما دام يريدُ أن يفهمَ مبدئيا [لم نحدد حتى الآن ما يفعل المرء بهذا الفهم] فعليه أن يتخلَّص وأن يتجنَّب تماماً الدخول في الفرَّامة التي تخرج الناس أنصاف أجساد وأنصاف عقول، الفرامات العُمانية ليست غريبة علينا أولها الحكومة وثانيها الوسط الديني وثالثها الوسط الثقافي، جَميعها منظومات متباينة في القوة وفي التأسس وفي المكوِّنات الرئيسية لها، وتبقى الدولة التي يرأسها السلطان الرأس لكلِّ شيء، رأس الأفكار والدين والثقافة والصوت والخطاب، أعني ليس هذا مديحا أو ذمَّا في حقِّ الدولة الحالية ولكنها محاولة فهم كما قلتُ لكم.
&&&
يدهشني هؤلاء الذين يستطيعون الذهاب أبعد من التفاصيل الحاضرة، أؤلئك المولعون بالكليَّات، أعني بينما يرى كتابٌ عُمانيون كُثُرٌ موضوعاً مثلَ [الدين ــ الثقافة ــ الدولة] في عُمان، يخرجُ لك البعض بفكرةٍ كليَّة، يستخدم التاريخ وأرقاماً بسيطة ليقولَ لك [كل شيء يبدأ الآن ــ وبعضه ينتهي] الدين ينتهي، واللغة تنتهي والأنظمة القائمة تتغيَّر والعالم يتغيَّر والتضخم المناخي. كلُّ هذا الكلام الذي يجعلُ رأسي منفوخا لعدة أيام فلا أستطيع سوى المشي خمس ساعات كاملة وإنهاك جسمي والعودة للنوم وأنا أصرخ [لحِّفوني ــ لحِّفوني]، بصدق أقول لكم هذا الكلام، لا أستطيع أبداً فهمَ هؤلاء لأنه الوصول إلى هذا الفهم يحتاج إلى سنوات من المران والخبر والتدرُّب على الفهم وعلى استخدام وتجريب مناهج مختلفة ومقاربات متعددة، تلك حالة خالصة جدَّ، حالة كما يبدو لي تلدُ في النهاية من يشبه فوكوياما أو الدكتور صاحب كتاب [المجتمع العربي المعاصر] نسيت اسمَه الآن.
أؤلئك تمظهر حقيقي لمشروع إنسان واحدٍ قاتلَ من أجل البقاء، يمكنُ للكليين أن يشبهوه بسنة الكون التي تجعلُ من الحيوانات المنوية الخارجة من الخصيةِ الواحدة تتقاتلُ من أجل تلقيح بويضة ووضع مواد كيميائية ستعيق الحيوانات الأخرى، نعم يحدث أن ينجح اثنان، ولكن الأصل أن ينجحَ واحدٌ، يدهشني هؤلاء ولا أتمنى أن أكون مثل واحدٍ منهم بقدر ما أتمنى أن أكون سالكاً لدى أحدهم أقوم بقتلِه ببرود بعد الانتهاء منه [ويقبلُ هو ذلك ببرود] لأسلكَ درباً آخر، ممم لا يبدو لي ذلك من الحكمة ــ قول ذلك علناً ــ ولكن من الذي ينتبه أصلا؟؟؟ يكتفي مئات بالتأطير وقد يكون هذا حاميا جيِّداً للمرء يساعده على عدم الدخول في [الفرَّامة].
&&&
الفرَّامة ليست حالة تاريخية ــ كما يبدو لي ــ وليست حالة مقصودة أو واعية قام أحدهم بخلقِها، الفرَّامة هي منظومة أفكار وسلوكيات عُمانية اتحدت وتخلٌَّت بسبب مئات المتغيرات والشخوص [بشكلٍ أو بآخر كلمة المتغيرات تشبه كلمة الجينات التي نلقي عليها باللائمة على كلِّ ما لا نستطيع الإحاطة به فهماً] الذين كوَّنوا هذه المنظومة هي أحداث وحالات غير مُدركة، تشبه أيضا الجينات التي تصنع إنساناً واحدة أو مجموعة من الناس يتشابهون في شكلِ العين، يا إلهي هذا الكون له سنَّة كبيرة جدَّا يمكن أن تتجلى للمرء وهو يفكِّر بشكلٍ عابرٍ في قضيةٍ أخرى، اللعنة سأصاب بالجنون ولا ريب.
&&&
عودةً للفرَّامة.
لا يبدو الحالُ في عُمان مفرحاً، أعني الكلُّ يصفُ حالة الهلع التي أصابت البشر ــ وهذه مشاهدة ــ ويصفها بتغيِّر النفوس أو طغيان الماديَّة، بل حتى الخليلي الشيخ المفتى لم يرعوِ أن يصرخَ في الناس التي مرَّ عليها جونو مدمراً بيوتَها وقاتلاً أبناءها أن يصرخَ فيهم [هذه معصية] وكأنهم يقولُ لهم [جلبتم ذلك على أنفسِكم] ومع احترامي لكلِّ من يقول أن المجتمع يؤمن بهذا الكلام هو مخطئ، الدولة تتحدث عن [قلقِها حيال ظهور نمط رقمي من السلوك الاجتماعي المقلق وزيادة حالات الإجرام] موظفو الدولة اكتفوا بالتناوش والتقاتل مثل الحيوانات المنوية وصولاً على البويضة [الوزير] الذي يحيي ويميت ويمنح المال والترقيات، وكلما صعدنا أو نزلنا تظهر كما يبدو [هذه السنَّة الكونية] ناسفةً كلَّ ما أريدُ قولَه ــ لا عليكم دعوكم من فكرة السنة الكونية خلونا في الدولة الآن ــ وهلمَّ جرَّا.
في نقاشٍ مع صديقٍ عزيز كان يحدثني عن عمليةٍ أجراها في الدماغ كان يتحدث عن فكرة الدولة، ببساطة بالغة هو يرى أن الدخول في معاركِ الدولة والقتال على المناصب، سواء كان قتالاً في المستوى الأعلى [وزراء يتقاتلون لنيل رضى على بن ماجد أو رضى أحمد مكي] أو قتالا على المستوى الأدنى [قتال مدراء عموم على وكيلهم ووكلاء على وزيرهم] أو قتال صغار المفتين على المفتي وقتال صغار الشيوخ على شيخ التميمة، وقتال صغار منزلٍ على رضى الأمِّ وقيسوا على ذلك. يرى صديقي كلَّ ذلك أمراً قاتلا لقيمةِ المرء. ها هنا أستفيد من نصيحة الشيخ خميس العدوي وأقولُ أنني يجب أن أتعامل مع هذه الفكرة بصورتِها الكلية، أعني لا أجزم أنني أستطيعُ ذلك، ولكن أليس كل شيء في عُمان كذلك؟ كلُّ شيء ما عدا المجتمع المغلوب على حالِه والمحاصر من كلِّ جانبٍ ومن كلِّ حدب وصوب. انظروا لما يحدث:
الدخول في القتال من أجل المناصب: هو في حقيقته تقديم تنازلات أخلاقية كبيرة، والقَبول بسيطرة فكرية وفعلية من قبل إنسان متسلِّط وجودُه قائم على قربِه أو بعدِه من أحد القريبين من رؤوس المنظومة القائمة. أعني هذه خسارة في النهاية للذات، والابتعاد عن ذلك ليسَ [أخلاقاً] أو [قراراً] وإنما في جوهره ــ الذي يبدو لي من زاويتي ــ شراء للنفس بالطريقة القديمة، شراء للنفس والبقاء دون أن يدين المرء بالطاعة والقَبول التام لإنسانٍ مثلِه.
القتال في الساحة الدينية: الأمر كذلك، لا أعرف الكلمة المناسبة للفظة [التسخير] ولكنه هي بالفعل تسخير، الديني الأكبر يسخِّر عقلَ الديني الأصغر الذي بدورِه يسخِّر عقل دينيين أصغر وأصغر وهلمَّ جرَّا حتى نصلَ إلى الحالة الرئيسية [التوظيف والجذب].
الساحة الثقافية: بمعنى الكتاب والمفكرين، وفي عُمان أين هم؟ أعني جَماعتنا لا يزالون يلتفون حول نيافة البابا الذي يريدون غصبَه أن يكون كذلك، وهو بعيد عنهم تماماً. آخرون كشروا عن أنيابَهم مؤخرا، وظهرت السلوكيات نفسَها الموجودة في الدينيين وفي أهل السلطة، الفارق أن التجربة الثقافية لا تزال بالمفهوم الكلِّي [طفلةً] أي هي تنمو الآن وتتكوَّن وتنشأ هكذا ردَّ الشيخُ العدوي على تساؤلي في حديثنا العابر، وأجد كلامَه منطقياً جدا.
أعني ليست المسألة الآن مسألة التفاف مع أو ضد السلطة، ولكن هؤلاء من نسميهم كتاباً وصحفيين ومفكرين عصب مهم للغاية في صناعة عقول شابَّة مؤمنة بالوطن، وعوضاً أن يلتفتَ هؤلاء إلى ذلك تراهم غارقين في القتال مثل الحيوانات المنوية التي تريد الوصول إلى بويضة أحلامِهم، أعني ربما أقول هذا الكلام لأنني بحاجة إليهم، أو لأنني أفترض أن عُمان كما أفهمُها بحاجة إليهم، لا أنادي بتأديبهم أو بقمعِهم فهم كما يبدو يقومون بذلك نيابة عن الدولة ونيابةً عن الدينيين، يتقاتلون ويتآكلون لحماً وربما يسعفنا الحظ فتموت أحقادهم الشخصية بداخلِهم أو ذواتِهم النرجسية المنفوخة على لا شيء ويرجعون إلى المجتمع وإلى أبناء عمومتهم وأبناء أخواتِهم وأبناء ويرونَ أمَّهاتهم اللواتي غرسنَ بهم العنصرية القبلية والمذهبية واللونية ويتخذون موقفاً حقيقياً أن يغيروا العالم أو يغيروا ما بأنفسهم، عم هذه ليست مسالة التفاف حول السلطة، أحترمُ بشدة الحرامية واللصوص لأنهم يسرقون وفقَ رؤية تقول [ما دام ما حد ماسكنك اسرق يوم ترون] ولا هؤلاء الذين يتلمظونَ ويشتهونَ ويحبون المال والقوةَ حبا جما ولكنهم يتذرعون بالأخلاقيات الثقافية التي تحرمهم من الحصول على القوة والمال، هؤلاء حالة غريبة عجيبة والعيش بدونِهم وبعيداً عنهم خيار وقرار ليس سيئا أبداً.
&&&
بعض الأشياء جديرة بالترك للموت، ويؤسفني أن أقولَ ذلك عن جمعية أهلية كنتُ أنظرُ إليها بالكثير من الحَماس والحَماسة. أنظر إلى النشاط الهائل والتضحيات التي يقوم بها عُمانيون مخلصون مثل سعيد الهاشمي، وناصر البدري، وجابر الرواحي، وآخرون لا مجال لذكرِهم الآن وأرى كم يخسرون من مالِهم ومن أنفسهم ومن حيواتهم العائلية من أجل حفنة من البشر غارقة في ذواتِها ولا تريد الخروج منها، لستُ ضد العزلة ما دامت تفرز خيراً، والخيرُ فهمٌ يجب أن أحسمه [قلتُ لكم عقلي سينفجر ذات يوم].
أرى كل هؤلاء وما فعلوه وما يفعلونه واشعر بالأسى والحزن، أعني لم يسلم منهم أحدٌ من اتهامٍ من قبل قملات الدولة بالمعارضة وعداء الوطن، أو من قبل المثقفين بأنهم يفعلون ذلك من أجل مصالحهم الشخصية وهلمَّ جرّا وجذبا و [جبْذاً J] جمعية الكتاب والأدباء كما يبدو لي في رأيي البسيط قد تحتاجُ إلى أن تتركَ لتموت، كما يفعل العُمانيون بالصرمة التي يسكنها الدود [لا أقول أن أحد الكتاب دودة حاشا لله] ولكن وزارة التنمية وما تفعله بالجمعية هذه بالتحديد تستدعي أن يهجرَها الكتاب ويقولون للدولة التي تباهي بالجمعية ونظامِها الأساسي [خذوا جمعيتكم لكم] أعني من الناحية الكليَّة يبدو الأمر مريحا تخليصُ المكان الثقافي في عُمان من التهابٍ جَماعي، وما أن يزول الالتهاب يمكنُ أن يعاد النظر، ما دمنا الآن نحكُّ تلك المنطقة من عُمان حكا شديداً ويختلف الناس على علاجِها، ربما تركُها للشفاء والهدوء وتزول السخونة وحينئذٍ يمكننا أن نتحرَّك بهدوء لفهمِ ما تريد وزارة التنمية. هذه قضية هامشية جدا وليست كونية إطلاقاً، فقط لأنها تهمني ذاتياً أفسحت لها مجالا، ممم لحظة .. أنا أفسح مجالا لكلِّ شيء أصلا. لا عليكم دعوني أعود إلى فكرةِ تحديد الولاءات والانتماءات.
&&&
كل هذا السرد المؤسِّس السابق يقود إلى هذه الفقرة، الفقرة التي لا يعنيني أن يقرأه غير الشبابٍ الذين هم في مثل عُمري من نساء ومن رجال. هي تجربة إنسانٍ واحدٍ ربما لا تكون كافية تماماً لكم ولكنني أقول هذا لله ابتغاءً للأجر ولعُمان ابتغاءً للخير كما أفهمُه.
من الخيرِ تماماً أن يتوقع الإنسان الالتهابات الحاصلة في عُمان، مثل ذلك الوظيفة، أعني التفجُّع على أنَّ المدراء سفلة، والموظفون متسلقون كلاب، أو الثقافة والمثقفون كذاذيب لهم مصالح شخصية أو الدولة، والوزراء لصوص ويسرقون الأخضر واليابس.
بصدق يا أصدقائي لا أقول لكم كونوا سلبيين، ولكن ثمة ما لا يمكنُ الجمع بينهما دون تنازلات أخلاقية، مثلُ ذلك الذي يتزلفُ إلى وزيره الفاسد، أو الذي يخافُ لومة لائم إن قالَ كلمة حقِّ، أو الديني الذي يقرع أذنَك ليل نهار أن الدولة دولة عدل ونحن نعرف أن المذهب الإباضي لا يمزح في مسألة إمامة العدل وإمامة الشورى والكتمان والدفاع والظهور. لا أقول كونوا سلبيين ولكن أقول كونوا واقعيين، ثمة أشياء بحاجة بالفعلِ إلى تغييرات كليَّة، والحال في عُمان لم يعد يتجه للأحسن، أعني لا أقول هذا في سياق متشائم، المصيبة في النهاية تخلق الثورات وتخلق التغيير، ودائما لا بدَّ من [دماء] لكي تحقن دماء، لا بد من حروب لكي يحدث سلام هذه حالة الكون منذ أن تكوَّنت الأرض.
&&&
بصدق يا أصدقائي البنات والأولاد نحن في السفينة نفسِها نتفجَّع على الوضع ونحزن ونقول في أنفسِنا [ما بها عُمان تتجاهلنا؟؟] أعني نحن في النهاية عماد المستقبل والوعد القادم والتغيير ونحن الآن بصحة جيدة تمكننا أن ننتجَ، فما بال هؤلاء الذين يفترض بهم أن يكونوا مسؤولين [ومساءلين] عنَّا [سافهين بنا] جالبين من الشباب [المتردية والنطيحة] ليمرروا أجندات لا تخدم البلد لا عمليا ولا تاريخيا، تتساءلون كما أتساءل والحلُّ لا يبدو في الثورة [أعني تقوم الدول على السلام والثورات في النهاية تعبير بعدما تصل الحالة إلى احتياج حقيقة للكي] وإنما التطلع إلى المستقبل. الاتكاء على وضع تجاري أو أرض [ذات يوم ستغلى] أو وظيفة [ذات يوم سأترقى] أو علاقة [ذات يوم ستكون مفيدة] ضرب من ضروب إضاعة العُمر في الأوهام، الأوهام الجَميلة التي تقول لكم أنكم ذات يوم [ستفوزون بمائة ألف من بنك مسقط] أو [سوف تحصلون على قطعة أرض في القرم] أو سوف تقفون على بوابات بيت البركة وتحصلون على مليون ريال كما يتبادل الناس هذه الأكاذيب معبرة عما يهجسون به. كلَّ ذلك [مؤثرات] تعيدُنا إلى حالتِنا الأولى، حالةِ من هم قبْلنا الذين انشغلوا تماما بملاحقة الرزق، ومن ثمَّ انشغلوا بالركض وراء هذه الحالة الحالية من الدولة التي خلقت بشراً ومجرمين وجعلت من المئات مشاريع نجاح وفشل، أعني يجد المرء عبرةً كافيةً فيمن أمامَه، يجد عبرةً في رئيس القسمِ الذي قضى ثلاثين عاماً في وزارتِه وهو يقبِّل يدَ ومؤخرة المدير العام كي يكون [صاحب وظيفة هيكلية] كما يجدها في ذلك الذي باعَ كلَّ شيء، وأضاعَ في الطريق ابنا من أبنائه، أو بنتاً من بناتِه ناسيا إياهم مقصراً في حقوقِهم من أجل حلمٍ بعيد المَنال، أن يكون وزيراً أو وكيلاً. كما يقول الدكتور محمَّد العريمي: عشرة آلاف حامل دكتورة، والمناصب لا تتسعُ لمائة.
في ذلك عبرة كافية لنا لنعقلَ وننظر للحياة بمنظار آخر، منظار [المتوقّع فعليا] عوضاً عن منظار [الممكن نظرياً] نعم من الممكن نظرياً أن يحدثَ لكم ما حدث للدكتورة شريفة اليحيائية التي جاءها اتصال يقول لها مبروك أصبحت وزيرة [ولو أن تولي الوزارة أمر يستدعي الدعاء أن يقويها الله على هذه المسؤولية الجَسيمة لا المباركة] يمكنكم أن تكونوا ما شئتم، فقط في اللحظة التي تتنازلون فيها أخلاقيا عن مبادئكم، وتتقبلون نظريا السوء الذي تحاربونَه من أجل أبنائكم، وتقْبلون التنازلات التي ستودي بكم، حينئذ بعدما تصلون للخَمسين وقد نالَ منكم القلق والكحول والدخان والآمال العريضة ولكن ابنٌ في السجن بسبب سوء تربيتكم له وابنة لها كرش تتون يكبرُ شهرياً، وديون في البنك كنتم تنتظرون من المرسوم السلطاني أو القرار الوزاري أن يسددها نيابةً عنكم. عندما تصلون إلى ذلك العُمر، ولم يعد ممكنا لكم العودة يمكنكم على الأقل أن تتذكروا أنَّه كان بإمكانكم فعل وأن أيديكم أوكت، وأفواهكم نفخت.
&&&
الأمر ليس بتلك السوداوية طبعاً، لا تلتفوا كثيراً إلى الأمثلة الاكتئابية التي أضربُها ذلك سببه إصابتي الآن بصداع هائل لأنني لم أنم بالأمس. أعني الوضع يقول لنا بهدوء تام، الدولة سوف ينضب نفطُها، وبالضرورة سوف تتراجع مئات الشركات عنَّا، سوف يهتمون بالسياحة وسوف يقتصر هذا الاهتمام على لوبيات معيَّنة [أعني هذا واقع الدول العربية كاملاً] وسيضطر الكثير منكم إلى الذهاب لقطر والإمارات والسعودية لإيجاد مصدر رزق، والذي سبق ولحق وحصل على شهادة جامعية كان بها، وإن كانت الدكتوراة فخير ونعمة وإن كان الدبلوم فالحمد لله.
أعني الدولة القائمة على أموال النفط كم ستعيش؟؟ مليون سنة؟؟ نحن في العشرين وإن انتهى النفط بعد عشرين سنة سنكون شباباً في الأربعين؟ هل حينهاً سنكون مستعدين لما سيحدث؟؟ هل تتخيلون ما الذي سيحدث لنا حينَها؟ الاعتماد على الدولة أمر كلنا مكرهون عليه، ومن يستطيع أن يخرجَ وأن يزعجَ هذه الدولة فخيرٌ ما يفعل أعني ما دام يزعجها من أجل الصالح العام لا من أجل مصالح شخصية. يمكنكم فعل ما شئتم، ويمكنكم فعلَ ما تحتاجون إليه، أو فعل ما عليكم فعلَه، القرار قرارُكم والأمر بيدكم.
&&&
كلمة أخيرة:
مؤخرا ظهرت لنا فكرة [العريضة] المطالبة بدستور تعاقدي، وصحيح أن الفكرة في حدِّ ذاتِها بعيدة كلَّ البعد عن التحقق [هذا ما أذهب إليه من رأي]، إلّا أنني استبشرتُ خيراً بما يُقال، فرحتُ جدَّا بالفكرة. فوجئت بعدَها بخروجَ بعض من حملَها في كتاباتٍ حاقدة كارهة، وبغض النظر إن كانت الكراهية مستحقة أول لا، لا يمكن الوثوق بمن تحركه الكراهية.
تجادلت مع صديقي وأخي والإنسان الذي أحترمُه كثيرا وأنتظر منه الكثير في هذا الجانب، كان منزعجا من انسحابي، ولكنني كنت مصراً بشدَّة، لم أنتبه إلى المكتوب حتى عدت لعُمان، وهالَني ما قرأتُ صباحاً.
لا أحتاج لأقول لكم أنني أتكلم عن محمد اليحيائي، ولا أحتاج أن أقول لكم أنني أقصدُ كلامَه السيء جدا بحقِّ سيف الرحبي، نعم عندما يجدُّ الجد كلاهما بالنسبةِ لي عُماني رائع ومُنتج، ولكنني آخذ على محمد اليحيائي كثيرا هذا الأمر، أعني كيف قبل دقائق كنتَ تكتب عن قضية وطنية، وفي الموضوع نفسِه في الساقية نفسِها في الحارة العُمانية يخرجُ لنا بكلامٍ عن سيف الرحبي.
نعم يا أستاذ محمَّد لا يعنيك سيف الرحبي أن يكون عضواً في مجلسِ الدولة، ولا يعنيني أيضا ذلك، ولكن تذكَّر أن العريضة التي أصررتَ تماماً على أن تكون المتحدِّث باسمِها تتحدث عن عُمان بأكمِلها، لستَ بحاجةٍ لتثبتَ لأحد أنك رجل ناجح رجل حاصره الروَّاس كثيراً ونفذ بجلدِه في قناةٍ عالمية، الفكرةُ ليست في رفض الفكرة، ولكن في التضحية من أجلِها، كان عليك في اللحظة التي وجدتَ فيها شباباً متحمسين مثل حمد الغيثي وناصر البدري وعمار المعمري والرائعة بسمة الكيومية أن تقول لهم [هاكم الفكرة واعتنوا بها]، أمَّا أن تعرف تماماً أنَّ المحيطَ يرفضُ الفكرة الأمريكية [التي لا أتهمك بها] وتجادلُ أنَّك لستُ منبتاً منها [ولا أقول أنك كذلك] ومع ذلك تصرُّ على نسب الوثيقة لكَ في كل محفلٍ وفي كلِّ مكانٍ فهذا يا أستاذي العزيز والرائع ليسَ إخلاصاً من أجل الوثيقة، هذا يفتح باباً للتساؤلات والتكهنات عن مآرب شخصية، ولا أقرأ ما في قلبِك، ولكن العَريضة الآن لم تعد تسمى عريض الوطن أو عريضة الدستور بل أصبحت [عريضة محمد اليحيائي؟؟] أتراكَ أردتَ ذلك؟؟ أعوذ بالله من سوء الفهم، صدقني وأقسمُ لك أقول هذا الكلام من قلبٍ يحبُّك كعُماني ناجح، لا أجد أن عريضة الدستور [معارضة] كما يقول البعض أو أنادي بتجريم موقعيها كما ينادي البعض الموغل في الغلواء.
لم تخرج العريضة بنتائج حَسنة، هام الآن المثقفون يتقاتلون، وهاهم الآن الناس يتهمونَك أنتَ قبل كلِّ أحد باستغلال حماسة شباب رائعين مثل عمار وحمد وبسمة، وهاهم الآن ينسبون إليك تهمة العَمالة للمخابرات والعَمالة لكائنات خرافية، أوقن بداخلي أنَّ الكائن العُماني بداخلِك هو الذي يحركك، وموقنٌ تماماً أنَّك ربما وإن انجرفت في الأمر فإنك ستعود وتراجع نفسَك وتقوم من الرماد [وحاشاك أن تحترق] ولكنّ هذه أيضا سنة الكون.
أعني يا أستاذي العزيز أتريد أن تصلَ فكرة الدستور وأنت حتى هذه اللحظة تقول للكلِّ ما يسيء للعريضة؟ أكلمك بصدق، وإن كنت ستتهمني بشيء وتقول لي قلْ هذا لمن قالوا لي أن أسألك فسأقول لك [افعل ما شئت ولكن أجبني] لماذا ذكر قرابتك مع أولاد طارق؟؟ ألا تدرك أن هذا سيفتح جبهةً عليك باسم العائلة الحاكمة وسوف يخرجُ من يخرج ويقول [أولاد طارق يريدون إعادة دستور والدهم؟؟] لماذا أقحمت سيف الرحبي إقحاما في اجترارِك للشقاء الذي واجهتَه في عُمان من قبل الروَّاس؟؟ لماذا أصررتَ على أن يحملَ معرِّف كل مشاركة لك اسمك الشخصي [محمد اليحيائي] بدلا من اسمِ [عريضة الدستور] أو أن تتركَ أحدا غيرَك أكثر قَبولا اجتماعياً يتولى المهمة. كل هذه الأسئلة موجهة إليك ولا أنتظر إجابة، ففي أمر عريضة ودستور لا يمكننا ترك مجال للأسئلة لتكبر، يمكننا ترك مجالٍ لأسئلة صغيرة، ولكن الأسئلة هُنا جوهرية وكَبيرة وستبقى محاولةُ توقيع عريض من أجل الوصول لدستور تعاقدي مسجلة باسمك.
أنا نفسي كنتُ فرحاً عندماً شعرتُ أنَّك ربما تجاوزتَ ما تعرضتَ له في عُمان، وأنَّ عودتك تريد بها في الحقيقة جلبَ الخير الذي تراه هُناك إلى بلدِك، ولكنك تركت لي ولغير مجالا للتساؤلات، ولا أحب أن أتساءل وما دمت كاتباً عامَّا فسأكتب على ضوء ما قرأتُه لك في العموم، أعني محمد اليحيائي الذي أتحدث معَه هاتفيا هو إنسان آخر، هو صديق حميم أشعرُ أنَّه بالفعل يريد أن يفعلَ خيراً من أجل هذه البلاد، هل أنت غير ذلك؟ لا أريد إجابة ولا أحد يستطيع قراءة ما بالنفوس، هذا كلام اعتلجَ في صدري وأردت قولَه لك. أعني ما دمتَ في أمريكا فستتعبُ لأنَّ عُمان [وأنت أدرى بها مني] لن ترحمَ شاباً صغيراً مثل عمار المعمري يحاول جاهدا إيجاد نفسِه وقولَ شيء منفصل عن المنظومة القبلية القادم منها والمنظومة السابقة التي لجأت إليه، عمار نفسُه لم يرحمه أبناء بلدِه العُمانيين مثلَه الذي هو يقاتلُ من أجلهم واتهموه بالعَمالة والخيانة، واحتقروه وصغَّروه وهو لم يقل أكثر مما يقوله كلُّ قانوني له عقل وفهم في الأرض. فما بالك بك أنت؟ أعني أنت أدرى بذلك ولكن ربما الكلمة من هذا المهذون الصغير قد تفتح باباً في عقلِك سيدي الفاضل.
&&&
كلمة أخيرة ثانية: [ما أكثر الكلمات الأخيرة]:
بشكلٍ عامٍ تبدو الأشياء واضحة بعض الشيء، أعني ليست بذلك السوء، ربما كانت بسوءٍ أقل مما كنت أتوقع. الحياة ليست سيئة وجميلة وبها ما يستحق العيش لأجلِه، على المرء فقط أن يكونَ بعض الشيء قادراً على فهمِ ما يدور، وأن يكون شاكَّا دائما في فهمِه لما دار. من الغباء أن أقول لكم أن مدونا في السادسة والعشرين قد هدأ واستقر ذلك غباء، ولكن بشكل تقريبي أشعر أن الأشياء واضحة، وهذه المرَّة لن يكون الأمر كالسابق، أعني سأقاتل ليكون دائما هادئا وخالياً من الكراهية، ولكن أن يعود كالسابق، لن يعود أبداً ..
أطلت عليكم يا أصدقائي، فقط لا تحرموني من نصحَكم وملاحظاتِكم، أنا بحاجةٍ إليها دائماً ..
مودتي
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions