
عندما أنشأ حسن البنا رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين ، أنشأها كبديل عملي لمشروع الخلافة الإسلامية الذي لم يكن قد مضى على سقوطه خمس سنوات ، فإعلان الدولة التركية في مارس 24 ، قابله بشكل ما ، إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في عام 28، و هو ما أعطى بعدا أمميا للجماعة ، ليس فقط بسبب الظرف التاريخي لسقوط الخلافة ، و لكن هذا السبب كان الأكبر بطبيعة الحال. فطرح الأستاذ البنا ، و فكرة الحكومة المسلمة التي تنطلق للخلافة الإسلامية و منها إلى أستاذية العالم ، أزكى هذا التوجه في فكر الإخوان المسلمين ، كبرى الحركات الإسلامية في العالم.
و مع رحيل الاستعمار الأجنبي عن البلاد العربية مع منتصف القرن العشرين و قبله و بعده ، و بداية تشكيل حكومات وطنية في كل الدول العربية و الإسلامية ، و إعادة تشكيل الخريطة في بعض مناطق العالم ، الهند على سبيل المثال و نشأة باكستان ، ابتعد الواقع أكثر و أكثر عن الجامعة الإسلامية ، أو المنظور الإسلامي أو القومي للوحدة .
لكن العديد من الحركات الإسلامية ، لم تطور كثيرا من خطابها ، أو من مفاهيمها ، رغم تطور مفهوم الدولة ذاته ، و انتقاله ، إلى مرحلة الدول الوطنية . بل إن بعض تلك الحركات الإسلامية ، بصفتها رد فعل لسقوط الخلافة ، استطاعت أن تنشئ كيانات ضخمة ، تعطي لها ذلك البعد الأممي الذي افتقدته الدول الإسلامية مع سقوط الخلافة.
الطرح الذي يهمني أن نتناقش حوله أو نطرحه على دوائر البحث في "مطابخ" الحركة الإسلامية ، و الإخوان على وجه الخصوص ، هو مدى جدوى التفكير بهذا الشكل ، و هل هناك بالفعل معنى للتفكير في "الخلافة الإسلامية" بمعناها التراثي ، و هو ما يعتقده عشرات الآلاف من الجنود المخلصين للحركة الإسلامية في مصر و حول العالم .
و هل لو اختلفنا أو اتفقنا حول أن هناك إمكانية تاريخية ، و واقعية ، و مقاصدية ، للتفكير في الخلافة الإسلامية كهدف للسعي وراءه ، و تحفيز الجموع الغفيرة و استنفارها له ... هل هذا يعني أن هذه الحركة أو الحركات ، يجب أن تطبق في نفسها نموذج الخلافة الإسلامية أو الدولة الأممية؟
إن ما أعنيه يمكن أن ألخصه في نقطتين أساسيتين :
نقطة التنظير في بعدها الحركي: و أعني بها مدى وضوح المفهوم عند جنود الحركة الإسلامية الذين يسمعون و يطيعون ، و هم عندما يسمعون الأستاذ عاكف يقول أنه ليس لديه مشكلة في أن يحكم مصر مسلم ماليزي ، فهم سيأخذون الكلام على ما يعتقدون أنه فكر الجماعة ، القائم على المفهوم المتعولم الشامل ، فبالتالي يبدو ما قاله الأستاذ المرشد السابق ، ليس زلة لسان بالنسبة للعديد من شباب الحركة الإسلامية ، لكنه معبر واقعي عن التوجهات التي تتخذها الجماعة ، بداية من الفكر و الأدبيات ، و انتهاء بما يعرف بالتنظيم الدولي ، و انتشاره في أكثر من كذا و كذا دولة حول العالم .
النقطة الثانية هي نقطة التنفيذ في البعد الواقعي : فهل يمكن تطبيق فكرة الخلافة بمفهومها التقليدي ، في هذا الوقت ، و مع هذه التطورات على مستويات عديدة تبدأ عند مفهوم الدولة الحديثة ، و تنتهي عند المقصد من وجود الخلافة بشكلها التقليدي.
-----------
عندما نتحدث عن التنظير الحركي للخلافة الإسلامية ، و دور الحركة الإسلامية فيها ، نجد أن طرح الأستاذ البنا يعزز فكرة الإخوان و دورهم في بناء الخلافة الإسلامية بصفتها غاية حقيقية لتوجيه العمل و تحفيز الصف. و أكد هذه الفكرة في عقول الصف الإسلامي و الإخواني على وجه الخصوص ، التأكيد الدائم على انتشار التنظيم فيما يقرب من ثمانين دولة حول العالم .
لي هذا فحسب ، بل إن الأمر تجاوز التنظير ، إلى الواقع المعاش ، فاهتمام الحركات الإسلامية منصب تماما على البعد الإسلامي (الأممي) ، فكانت أول مظاهرة للإخوان المسلمين لمناقشة أوضاع وطنية ، هي مظاهرات الإصلاح 2004 .
لكن بنظرة سريعة على تاريخ الحركة الإسلامية ، و مواقفها المختلفة ، و توجه أبناءها ، ندرك أن الاهتمام بالقضايا الوطنية ، يأتي في مرتبة ثانية أو ثالثة ، بعد قضايا لا يمكن أن نتجاهلها ، لكنها تؤكد أن مفهوم الدولة الأممية طغى على مفهوم الوطن عند العديد من أبناء الحركة الإسلامية .
كما أن الحركة الإسلامية التي تعطي لنفسها بعدا أمميا على المستوى التنظيري ، يظهر ذلك في رؤيتها لذاتها واقعيا و عمليا ، فمثلا ، يقدس العديد من أبناء الحركة الإسلامية التنظيم على الدولة ، و هذا واقع عملي ، و إن لم يقله أحدهم ، بل إننا يمكن أن نلحظ ذلك بشكل ما في الشكل الذي أديرت به الانتخابات الأخيرة لمكتب الإرشاد ، و النتائج التي أسفرت عنها تلك الانتخابات ، و التي تؤكد تغليب معظم أبناء الحركة الإسلامية للتنظيم و بناءه ، و الحفاظ عليه ، من الاهتمام بالتواصل مع المجتمع ، أو مدى القبول الوطني الداخلي للحركة الإسلامية و للمشروع الإسلامي بوجه عام. و أتحدث هنا عن إقصاء الوجوه المعتدلة التي تستطيع إجراء حوارات مع النظام ، و المعارضة ، و لديها قبول من جميع الأطراف الفاعلة على الساحة ، إقصاء هذه الوجوه لصالح الوجوه التنظيمية ، التي يظهر التنظيم في أفكار بعضها غاية و ليس وسيلة.
أعتقد أن المهم في الفترة المقبلة هو توضيح الأولويات ، بشكل عملي ، و ليس في خطابات التنصيب و الرسائل الأسبوعية ، فمثلا يجب أن يكون هناك حلول حقيقية للأزمات المختلفة التي يعانيها الوطن ، لتظهر مدى تفاعل أبناء المشروع الإسلامي مع قضايا المواطن المصري ، الذي بالطبع ستختلف وجهة نظره عندما يسمع هتافات الإخوان في مظاهراتهم ضد الظلم و ضد الاستبداد ، قبل أن يستمع إلى هتافاتهم ضد احتلال العراق و أفغانستان .
لا أدعو هنا إلى توجيه جهدنا للداخل و نسيان قضايا الأمة الكبرى ، لكن يجب علينا أن نجتهد في إصلاح البيت الداخلي (مصر في حالتنا) قبل أن نجتهد في تحفيز الناس للعمل لقضايا الأمة .
إنني أقول أنه ينبغي علينا أن نعلن و بوضوح أن الحركات الإسلامية ليست مجتمعا منفصلا عن الوطن ، تختلف مصلحته عن مصلحة الوطن ، أو يبدو كل منهما في طريق ، لكن المصلحة واحدة ، و اختيار الجماعة لقرار ما يكون بناء على فهم عميق لوضع الوطن و فئاته المختلفة و مكوناته المختلفة .
إن واجب الحركة الإسلامية في هذه المرحلة أن تسعى لوضع مفهوم وطني يضمن تركيز جل اهتمامها على الواقع المعطوب الذي ينبغي علينا إصلاحه ، مع عدم نسيان القضايا الكبرى ، التي من الممكن اعتبارها من صميم القضايا الوطنية ، مثل الاحتلال الاسرائيلي على حدودنا الشرقية ، أوغيرها من القضايا التي من الممكن أن تأخذ بعدا وطنيا يضاف إلى بعدها الأممي الإسلامي .
كما أن هذا المفهوم الوطني يجب أن يترجم إلى واقع ، فمبادرة الإصلاح التي أعلنها الأستاذ عاكف في مارس 2004 ، و التحالف الوطني الذي برز فيه الدكتور محمد حبيب ، و الراحل عزيز صدقي ، يجب أن يعاد تفعيلهما بشكل عملي ، و هذا يتطلب بالطبع جهدا وطنيا مشتركا ، من جميع الاطراف الوطنية المعارضة ، و التي تريد مصلحة هذا البلد .
كما يجب الفصل الحقيقي و الواقعي ، بين أبناء الحركة الإسلامية في الأقطار المختلفة ، فليس من المنطقي ولا من المقبول ، أن يكون هناك تنظيم شمولي ، يسيطر ، و هذا ليس موجودا حسب ما نعلم ، لذلك فمن وجهة نظري أن وجود تنظيم عالمي ، و مجلس شورى عالمي ، و مكتب إرشاد عالمي ، في حالة الإخوان المسلمين ، هو من معوقات هذا الفهم ، و هذا التطبيق ، لأن الفكرة العالمية ليست بحاجة إلى تنظيم عالمي ، و من الممكن أن نوجد ببساطة بديلا لفكرة التنظيم الدولي ، بشكل أهدأ ، و يحترم الأنظمة الوطنية ، و لا يمنع الاستفادة من الخبرات المختلفة ، لكن ليس باسم التنظيم الدولي .
كما أننا نرهق أنفسنا في تحقيق مفهوم الوحدة حيث لا يجب ولا يجوز تحقيقه ، فنحققه في تنظيماتنا الضيقة ، و نعولمها ، و نعطيها شكلا شموليا مقيدا ، و نريح ضمائرنا قائلين أننا على الطريق ، و نحن أبعد ما نكون عنه واقعا و نظرية .
هذا بخصوص النقطة الأولى المتعلقة بالتنظير و علاقته بالواقع الحركي للحركات الإسلامية و المؤمنين بالمشروع الإسلامي .
---------
النقطة الثانية و المتعلقة بالتنفيذ ، أظن أنه يمكن إظهار البديل الأممي في شكل أوضح ، و تحوير الهدف أو إعادة صياغته ليصبح كومنولث إسلامي ، أو وحدة آسيوية إفريقية ، أو غيرها من مصطلحات و أهداف تناسب الواقع ، ولا تنفي فكرة الدولة الوطنية و سيادتها ، و كذلك لا تبتعد كثيرا عن أحلام ملايين الإسلاميين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الخليفة الذي يلبس ريشة ، يحكم ، و يفتح الدنيا و يعيد أسبانيا إلى أحضان المسلمين !
فليست الخلافة هل الحل في هذه المرحلة ، بمعناها الشمولي ، لكن تجمعات الدول ، الاتحاد الاوروبي مثالا ، و ربما في مرحلة ما يبدو الحل الفيدرالي مناسبا للأمة ، لكن هذا سيكون في مرحلة متقدمة للغاية ، لا أظن أن هناك مجالا للحديث عنها الآن ، إلا من باب التنظير العميق حول ما يمكن أن تكون عليه الدولة .
إن علينا أن نوضح تماما أمام أنفسنا و أمام العالم ، إلى أي اتجاه نسير ، و ما هي أهدافنا و أولوياتنا ، بشكل عملي على الأرض .
المصدر مدونة غريب
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions