كتبت - مديحة عثمان

"عش ذاتك" هو ملخص الحديث الذي تمحورت حوله محاضرة "تعزيز الثقة والدافعية لدى الفنان" التي ألقاها الفنان عبدالناصر الصائغ مساء أمس، بمقر الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، وحضرها جمع من الفنانين التشكيليين، ومحبي الفنون ومهارات التنمية البشرية.

حيث استهل الصائغ المحاضرة بشرح مفهوم الثقة، وهي إيمان الإنسان بقدراته ومواهبه وإمكانياته، التي تبدأ بالموافقة على الذات، وإعطاؤها إذنا للتقدم، عوضا عن التقوقع والنظر إلى ما قدمه الآخرون والبقاء أسيرا في شبكة اعتقاداتهم، وربما يضطره الأمر إلى العيش ضمن حياة منسوخة عنهم، ولا تمثل ذاته وكيانه ولا تمثل اعتقاداته، فيصبح كالطائر الذي يطير في سماء غير سمائه، ومثل اللاعب الذي يلعب في ملعب الآخرين بأوراقه وليس بأوراقهم فلا يفقه أسس اللعب ويخسر المباراة.

ويشير إلى أهمية التخلص من المشاعر المؤذية التي من شأنها تثبيط ثقة الفرد في نفسه، منها تغيير أفكاره وعقليته التي تبرمجت على الأفكار السلبية مثل "لا أقدر" التي بها يقع في غياهب الخوف والتردد من إظهار ما لديه من إمكانيات وتغييرها إلى افكار إيجابية كالتي يحتاجها إلى مساعدته في الإنتاج والعطاء وتحقيق أهدافه، وعدم الالتهاء بأمور تشغله عن ذلك.

ويضيف أن الفرد لا يجب أن يكون مثل الجرة التي تذهب أينما تجرها الحبال، ولكن يفترض أن يتقبل ذاته، ويفتخر بـ"الأنا" المتواضعة، وإن كان ضعيفا ومبتدئا ما دام قد قطع شوطا معينا, وبعد حديثه عن المفهوم والعلل عرج إلى الوسائل التي من شأنها زيادة ثقة الفرد بنفسه، منها تغذية الروح، بتقوية الصلة بالرب وممارسة الرياضة، ووضع مجموعة من الأهداف والسعي إليها، ومرافقة المتفائلين من الناس، والاستماع إلى الآراء على اختلافها وتقبلها، واكتشاف مهاراته ومواهبه واستثمارها والانتباه على النقاط الإيجابية، واستحضار الموافقة الذاتية على الدوام حين يشرع في تطبيق فكرة معينة.

وذكر أن الفنان حين يؤسس نفسه تأسيسا نفسيا وذهنيا بصورة صحيحة، يصبح قادرا على البحث في نفسه عن مواضع الإبداع والابتكار، وبالتالي إفراز ما لديه من المواهب في لوحاته، ويصبح قادرا على فرض أسلوبه في الساحة التشكيلية، دون الالتفات إلى انتقادات الآخرين التي من شأنها تثبيطه، وربما دفعه إلى التغيير من أسلوبه، والتي بدورها تؤدي إلى ضياعه وضياع موهبته، عوضا عن صقلها وترك مسألة القبول من الرفض على الطرف الآخر وليس على نفسه.

وعن سر اختياره لهذا الموضوع ليكون بداية سلسلة المحاضرات التي يلقيها في الجمعية خلال الفترة القادمة، تحدث إلى "الشبيبة" قائلا:" هناك معاني وقيم عديدة للحياة التي يجب أن يقف عندها الفرد سواء أكان فنانا أو محاميا أو موظفا عاديا، ممن يبتغي الحياة السعيدة، أو كما يرسمها لنفسه، فيغرس في نفسه الثقة والطمأنينة والحافزية واحترام الذات من أجل تحقيق أهدافه، والملاحظ أن هناك العديد من الفنانين ممن يمتلك مقومات وامكانيات عديدة تؤطر في إطار نظرة واعتقادات الآخرين لذا بقي في الظل، ومن خلال هذه المحاضرة نحفزه لإعادة النظر إلى نفسه مرة أخرى والتيقن أنه إنسان غير قابل للتكرار".

وختم حديثه قائلا:" كل العظماء، كانوا نكرة وأقزاما قبل أن ينتبه إليهم التاريخ، وهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا حين تخلصوا من حاجز الاتكاء على الآخرين، والتسلح بالثقة والدافعية من أجل تحقيق ذلك، فغدوا عظماء وتخلدت تجاربهم، وهي تجارب وأمثلة لا بد من الرجوع إليها، واقتفاء آثارهم دون التقليد الأعمى".

بقي أن نذكر أن المحاضرة هي سلسلة من الأنشطة والفعاليات التي تقيمها الجمعية، من أجل تفعيل المراسم الفنية باستضافة أساتذة وفنانين متخصصين، وأيضا للرقي بالفن التشكيلي ولنشر الوعي بأهمية التشكيل في الحياة، وهي محاضرات مفتوحة لجميع الفنانين والمهتمين ولن تقتصر فقط على أعضاء الجمعية حرصاً من الجمعية العمانية للفنون التشكيلية على زيادة الوعي التشكيلي لجميع فئات المجتمع.