الوطن -

د. أحمد بن علي المعشني:



يتجه العلاج البديل إلى تحفيز البعد الروحي داخل الإنسان كوسيلة للسعادة والحب والتسامح والشفاء ومن خلال فتح قنوات الاتصال الروحي يتصل الإنسان بحقل الشفاء المطلق الذي نثره الله في كل ذرة هواء وجعل مفتاح الوصول إليه تنشيط البعد الروحي للمريض. إن رخاء البعد الروحي بداخل كل شخص لا حدود له، ولا كوابح تحد من تدفقه. يحتاج الشخص فقط إلى يقين و إلى أن يتحرر تماما مما تبرمج عليه حول الصحة والمرض وأن يزيل المستحيل من عقله ويؤمن بالمطلق وبأن الله سبحانه وتعالى بيده الشفاء وبيده الخير.

ومن تقنيات الشفاء الروحي الرائعة والكثيرة جدا، تقنية ( داووا مرضاكم بالصدقة) وهذا مقطع من حديث للمصطفى صلى الله عليه وسلم. يذكر والد طفلة صغيرة أصيبت بمرض عضال في رقبتها، أن الطفلة كانت تصرخ وتبكي فكان أبوها يشعر بألمها ويشفق عليها كثيرا ما تعانيه. وبعد مرور سنة كاملة من المعاناة والألم، علم أحد أصدقائه بقصته فاتصل به، وذكرّه بهذا الحديث، وحيث أن الرجل لم يكن غنيا، فقد اكتفى بإخراج ما يستطيع بدون أن يتحمل فوق طاقته، وصار يتلمس الأسر الفقيرة والأشخاص المحتاجين ويضع في أيديهم من قدره الله عليه. واستمر الرجل يفعل هذا بينما بدأت الطفلة تتعافى حتى شفيت تماما.

و يشرح (س) قصته حيث ذهب إلى إحدى المستشفيات، وأظهرت الفحوصات استفحال مرض عضال في مخه، فأيقن الشاب أن الشافي والمعافي هو الله سبحانه وتعالى، وشرع يعطي من ماله بحجم ما يستطيع، ومرت أيام وإذا بالمرض يتلاشى تماما. أعرف امرأة كبيرة لا تزال على قيد الحياة دأبت أن تغدق العطاء وتوزع الطعام والكساء والمال بين أرحامها وأقربائها ولم تكن ترد سائلا ولا محتاجا. ومرت هذه السيدة الجليلة بظروف قاسية فاحتملتها ودفعتها بالصدقة وصلة الرحم والاستغفار.

وفي هذا المقال أتذكر قصة لمريض ليبي لقيه أحد الأقارب في بلد عربي قبل أكثر من اثني عاما قصد ذلك الشيخ تلك الدولة لاستبدال كلية تالفة عن طريق شاب فقير قرر الشاب أن يتبرع بكليته مقابل مبلغ 1500 دولار لإعالة أسرته الفقيرة أيام اشتداد الحصار الاقتصادي على بلده. وكان الشيخ قد شارف على السبعين عاما، وعندما جاءه الشاب الذي كان في ريعان شبابه ، سأله الشيخ: يا بني ما الذي حملك على بيع كليتك بهذا المبلغ الزهيد؟ فتلعثم الشاب ولم يحر جوابا! فاستطرد الشيخ الليبي قائلا: يا بني لقد عشت عمرا طويلا واستمتعت بشبابي وسافرت كثيرا وتزوجت وأنجبت وليس بيني وبين الله خصومة أو أوزار، وثقتي بأن الله سيشفين إذا علم أن الحياة خير لي وسوف يقبضني إليه إذا علم أن الموت راحة لي. وأخرج المبلغ من جيبه ودفعه إلى ذلك الشاب وأقسم بالله أنه لن يسترده ولن يأخذ كليته وعاد أدراجه إلى بلده، ولم يكن في عقل ذلك الشيخ أي غرض آخر غير حفظ ماء وجه الشاب وصحته ومساعدته. وبعد بضعة شهور بدأ ألم الرجل يتلاشى، وتعافيت كليته وأعاد الفحص فإذا بالكلية المريضة تعمل بكل طاقتها.

عندما يعطي الإنسان يجب أن تبرأ نيته من أي غرض، يعطي في سبيل الله فحسب بدون أن يفعل ذلك بنية نفعية، ويجب عليه أن يتحرر من جميع المنافع والنتائج ولا يربط نفسه بها. يعطي بسخاء على قدر ماله ولا يتكلف ما لا يستطيع وإذا لم يستطع أن يعطي مالا، يتطوع بعمل خيري، أو يقدم خدمات تفيد الناس كأن يصلح طريقا أو يزرع شجرة أو يعود مريضا أو يساعد محتاجا بسيارته أو بنفوذه إن كان له نفوذ، فالعطاء متعدد الأشكال والنتيجة والفائدة واحدة.