ثقافة الجمال

    • ثقافة الجمال

      الشبيبة -

      محمد بن سيف الرحبي:



      تخيلت الشاعر علي بن الجهم يقف أمام الخليفة المتوكل مادحا إياه وهو يقول:

      أنت كالكلب في حفاظك الو د ....... وكالتيس في قراع الخطوب

      أنت كالدلــو لا عــــدمنــــاك دلــــواً ....... من كبار الدلاء كثير الذنوب

      حمل إليه ثقافة الصحراء، فالكلب ليس كتلك الضالة في حارات السيب وضواحيها أو بين (درامات الكشرة) في مطرح، إنما الكائن الأهم في معركة البدوي مع الصحراء، ولو أن ابن الجهم وقف أمام الحكام الطغاة وقال ما قاله لقفز رأسه من فوق جسده في لحظات، لكنها حكمة العربي الذي أدرك ثقافة البدوي الشاعر، وأمر أن يترك يرتع في مدينة بغداد وقد كانت في أوج عزها، فجاءت قصيدته تالية حبلى بالأنيق من الألفاظ، تاركا الكلاب والتيوس والدلاء لترسم العيون والمها والهوى بالكلمات:

      عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسـرِ جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

      خَليلَــــيَّ ما أَحلى الهَـــــوى وَأَمـــ ـــَرَّهُ وأَعْرَفنــــــي بِالحُلــــــوِ مِنـــــهُ وَبِالمُـــــرِّ

      كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً لَوَ اَنَّ الهَــــــوى مِمّا يُنَهنــــَهُ بِالزَجـــــرِ

      بِما بَينَنــا مِن حُرمَــةٍ هَـــل علمتمــا أَرَقَّ مِنَ الشَـــكوى وَأَقســـى مِنَ الهَجرِ

      وَأَفضَــحَ مِن عَينِ المُحِــــبِّ لِســـِرِّهِ وَلا ســـِيَّما إِن أَطلَقَـــت عَبـــرَةً تَجـــري

      وإن أنســت للأشياء لا أنسَ قولَهــا لِجارَتِهـــا ما أَولَـــــعَ الحُـــبَّ بِالحُــــــرِّ

      وتستمر القصيدة بلذة الكلمات وجمال المعنى، كأنها الماء يجري فوق جفاف أرض البدوي فما كان من المتوكل أن قال: أوقفوه فأنا أخشى أن يذوب رقة ولطافة!

      استرجع تلك الحكاية محاولا تصور الطبيعة التي حدت بابن الجهم بكتابة تلك الأبيات، وتأثير الحياة من حوله على قاموسه الشعري وما يمكن أن تحدثه تلك المعطيات على قصائد شعراء عصرنا (وبلادنا) في وقت لم تبق فيه عناصر الجمال على عفوية المرأى حيث يلتقي الناظر بالمنظور عبر بلاغة الكلمات، تلك التي يجيدها الشعراء فيقولون ما يدهشنا، فإن عشقوا حسبنا أنفسنا من عشق، وإن وصفوا رأينا الصورة في الكلمات تكاد تنطق.

      لماذا جفت أصابع الحروف في قصائد شعرائنا، وبتنا لا نقرأ إلا الكثير من المواجع والألم والخيبات كأننا في مناحة عالمية لا يرى المرء فيها سوى الغيوم السوداء والغابات التي تحترق والزهور المتساقطة تحت جنازير الدبابات فيما أن الحياة بها السحب الممطرة والغابات الرائعة والزهور الناطقة بألف معنى؟

      تساؤلاتي تتعاظم كلما أمحلت الكلمات من الجمال المحفز لرؤية الحياة بصفاء (على الأقل)، إلا تلك البكائيات تنهال مع الكتّاب حتى وهم يخطّون الحرف الأول في نقوش كلماتهم، يستدعون كل مروّعات الحياة.

      على مقهى دمشقي يطل على شارع بالقرب من مبنى لجامعة هناك سألني صديق: هل نلوم نزار قباني حينما يكتب من أجل المرأة؟ وأجبته: كان علينا أن نلومه لو لم يكتب عن المرأة، وعلينا واجب السؤل أيضا: هل يمكن للمرء وسط هذا الجمال (في البشر والشجر والحجر) إلا أن يكون شاعرا.. مفعم الإحساس بالجمال.

      تذكّر صاحبي مقولته عن (الشمطاوات ذوات الشنب) واللاتي يمكنهن قتل الشاعر قبل أن يقتلن القصيدة في داخله، ولذا ليس من العيب ما يفعله أولئك الذين يكتبون المرثاة تلو المرثاة في قصائدهم متفجعين كأن الموت والجوع يحاصرهم من كل صوب!!


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions
    • أنت كالكلب في حفاظك الو د ....... وكالتيس في قراع الخطوب

      أنت كالدلــو لا عــــدمنــــاك دلــــواً ....... من كبار الدلاء كثير الذنوب

      حروف أكثر من رائعة :)
      لو علم الحب بمقدار حبي لك لتمنى الحب ان احبه$$e