في صباح أول يوم في رحلتي للهند جاء ضيوف يزورون داوود في منزله فجلسنا خارج المنزل نشرب الشاي ويأتي الناس يسلمون على داوود وعليه ضيفه العربي - المخلوق الغريب - وكل واحد منهم لديه شيء يريده، هذا يريد منا زيارة منزله وذاك يريد أن نزور منطقته لنرى المسجد وكيف أنهم بحاجة لتوسعة، ثالث جاء مع مظروف كبير وأخرج منه ما يشبه الإعلانات التي تعلق على الجدران، يقول الإعلان أن العالم الفلاني الكبير سيأتي من كيرلا وسيلقي محاضرة في يوم ما، يسمون اليوم "ذكر" وهو في الحقيقة محاضرة والهدف هو حث الناس على التبرع لبناء مسجد أو توسعة آخر، وفي الإعلان ذكر أن هناك ضيوف سيأتون منهم داوود وأنا.
سبق أن حدثني داوود عن الموضوع في أبوظبي وكنت رافضاً للأمر، هم يريدون التفرج على هذا العربي والتبرك بقدومه وأنا أشعر بأن ذهابي لهناك غير ضروري فلن أقوم بعمل مفيد، الشيء الوحيد الذي يريدونه هو أن أجلس أمام الناس ويقولون "انظروا هذا عربي بيننا" أشعر بأنني سأكون مجرد دمية يتفرجون عليها، رفضت مرة ومرتين وثلاث ثم وافقت لنصف ساعة وليتني لم أفعل.
في اليوم المحدد وبعد صلاة العشاء انطلقنا لمكان "الذكر" وهو لا يبعد عنا إلا مسافة عشر دقائق بالسيارة، ما إن وصلنا للمكان حتى عرفت كم سأندم على حضوري، يا إلهي ماذا فعلت بنفسي؟ لماذا علي أن أوقع نفسي في هذا الاحراج؟ صوت العالم الكبير يخرج مدوياً من سماعات كبيرة، الرجال يجلسون على كراسي البلاستك الموزعة في ساحة المسجد، قدرت عددهم بألفي رجل وكان تقديري قريباً من العدد الفعلي وللنساء مكان مخصص وعددهن وصل لأكثر من ألف.
جاءت لجنة استقبال وتتكون من أحد الأئمة الذي لبس عمامة صغيرة لفها بأناقة على رأسه ويلبس ثياباً بيضاء ويبدو شاباً لا يكبرني بأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، معه فريقان من الأطفال وقفوا على شكل سطرين، أوقفني وداوود في المنتصف، الأطفال يحملون دفوفاً صغيرة ويلبسون العمامات البيضاء وثياباً بيضاء، وأنا أحاول التهرب من هذا الموقف بالحديث مع داوود الذي لم يرى مشكلة في أي شيء نراه، كنت أريد أن تبتلعني الأرض في هذه اللحظة أعرف ما الذي سيأتي ولا أريد أن أبقى لحظة هناك.
الإمام تأكد أن الكل جاهز ثم أعطى إشارة البدء، رفع الأطفال دفوفهم وهزوها بطريقة عجيبة وضربوا عليها لحناً بطيئاً معروفاً، الإمام رفع رأسه وبدأ في الغناء "طلع البدر علينا" وأنا أريد حقاً أن تبتلعني الأرض أو أختفي من على وجه الأرض بأي طريقة، أشعر بالإحراج الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، كنت أريد تقليد عادل إمام عندما قال حكمته الشهيرة "يا خرابي!" لكن بلا فائدة، المفاجأة كانت من العيار الثقيل جداً ووجهي يكاد يشوي نفسه من الحرارة، لم أمشي مع ضاربي الدفوف والتفت لداوود للمرة الألف أريده أن ينقذني وداوود يكتفي بالابتسامة دون فعل شيء فهو أيضاً يعيش نفس الموقف.
الإمام غضب وأمسكني من يدي يجرني بعنف وهو يكمل الغناء، غريب أن ترى وجه الرجل غاضباً وهو يغني "من ثنيات الوداع، وجب الشكر ..." لم يكمل لأن الخطيب طلب منه أن يهدأ، "أوف، الحمدلله" انتهى الاحراج والآن مرحلة أخرى مختلفة من المجاملات الاجتماعية التي أمقتها، دخلنا والخطيب يسأل هل هذا عربي واحد أم اثنان؟ داوود يلبس ثوباً كالذي نلبسه في الإمارات فظنوه عربي مثلي، ثم بدأ الإمام في التكبير والحمد لأن عربياً بينهم، الإحراج ذهب وجاء الغضب.
لماذا يبالغون في التحية والسلام والانحناء ورسم الابتسامات؟ أقدر ذلك لكنني أرى أنني لا أستحق كل هذا وكوني عربي لا يجعلني أفضل منهم والأفضلية في ديننا أساسها التقوى لا كون المرء عربياً أو غير ذلك، غضبي ازداد إلى حد لا يمكنني وصفه عندما جاء رجل ومد يده يسلم فسلمت فجرها وقبلها، أخذت يدي ونهرته فابتعد مبتسماً، لا أحب المديح بكل أشكاله وأستعيذ بالله منه فلا يدري أحدنا متى يدخل الكبر قلبه ويعجب بنفسه ويبدأ في الحديث عن الأنا، أنا فعلت وأنا فعلت.
التقدير والاحترام شيء وأن يرى الإنسان أنه أقل من الآخرين شيء آخر، منذ صغري وأنا لدي فكرة مجنونة - في هذا الزمن على الأقل - تقول بأن الناس كلهم سواء وكلهم يستحق التعامل باحترام وتقدير إلا إن فعلوا ما يجعلهم يستحقون غير ذلك، ولا فرق لدي بين الفراش وأكبر رأس في البلد بل أتواضع للفراش أكثر لأنني أجد البركة بين البسطاء والمساكين من الناس، ومن المفترض ألا يرى الفراش أو المسكين نفسه أقل من الآخرين لقلة ماله أو لتواضع مكانته في المجتمع ومن المفترض ألا يراه الآخرون بنظرة دونية، لكن هذه مثالية في عالمنا اليوم لأننا نعيش في زمن يرى فيه بعض الناس أنه من الوقاحة أن أقول ما قلت وأن ألمح إلى أن الناس متساوون فكيف يستوي علية القوم مع من دونهم؟
بقينا لنصف ساعة كما وعد داوود ونزلنا من المنصة وأذناي تريدان التبرأ مني بعد أن وقفتا أمام سماعات تصرخ في وجوهنا مع كل كلمة يقولها العالم الخطيب، والخطبة لديهم ليست كالخطب التي نعرفها، العالم لم يكن يتكلم بقدر ما كان يغني، يسرع في نطق الكلمات في أول الجملة ثم يمد آخر جملة كأنه يؤذن، أخي مرشد يعرف جيداً كيف يقلد هذا الأسلوب ويستخدمه في الوقت غير المناسب دائماً.
الرجل الذي حج ولم يحج
إحدى القصص المحزنة التي سمعتها هناك قصة رجل ذهب عقله لشدة رغبته في الذهاب إلى أرض الحرم، يشتاق لرؤية الكعبة وزيارة المدينة وفي كل عام يقول للناس أنه سيذهب إلى هناك لكن الفرصة لا تأتي أبداً وقد لا تأتي لأنه رجل فقير والحج يكلف الكثير، بدأ يحمل صورة للكعبة معه ويريها الناس ويخبرهم أنه سيذهب، ثم تغير شيء ما فيه جعله يصدق نفسه أنه ذهب فأصبح يخبر الناس أن ذهب وطاف ورأى وفعل وهو لم يفارق المكان الذي ولد فيه.
شريط يومي مسموع
قصة أخرى لكنها مضحكة، أخبرني داوود عن رجل هناك يعمل في التجارة والأعمال وله اتصالات كثيرة بالآخرين، عندما ينام الرجل يفعل شيئاً عجيباً، فهو يكرر اليوم الذي مر به بشكل صوتي، بمعنى أنه يعيد تسجيلاً صوتياً ليومه، فلنتصور مثلاً أنه في ذلك اليوم اتصل بفلان ثم خرج من المؤسسة وقاد السيارة وذهب إلى بيت فلان وضغط الجرس، ما سيفعله الرجل أثناء نومه هو تكرار صوتي لليوم، سيعيد المكالمة ثم سيقلد صوت السيارة ثم يقلد صوت الجرس "دينغ دونغ" ثم سيكرر حواره مع فلان، يفعل هذا في كل ليلة! ولا يحاول أي شخص إيقاظه لأنهم جربوا ذلك من قبل ولم يجدوا سوى صفعات على وجوههم يعود بعدها الرجل لنومه وإكمال شريطه الصوتي.

المصدر : مدونة عبدالله المهيري
سبق أن حدثني داوود عن الموضوع في أبوظبي وكنت رافضاً للأمر، هم يريدون التفرج على هذا العربي والتبرك بقدومه وأنا أشعر بأن ذهابي لهناك غير ضروري فلن أقوم بعمل مفيد، الشيء الوحيد الذي يريدونه هو أن أجلس أمام الناس ويقولون "انظروا هذا عربي بيننا" أشعر بأنني سأكون مجرد دمية يتفرجون عليها، رفضت مرة ومرتين وثلاث ثم وافقت لنصف ساعة وليتني لم أفعل.
في اليوم المحدد وبعد صلاة العشاء انطلقنا لمكان "الذكر" وهو لا يبعد عنا إلا مسافة عشر دقائق بالسيارة، ما إن وصلنا للمكان حتى عرفت كم سأندم على حضوري، يا إلهي ماذا فعلت بنفسي؟ لماذا علي أن أوقع نفسي في هذا الاحراج؟ صوت العالم الكبير يخرج مدوياً من سماعات كبيرة، الرجال يجلسون على كراسي البلاستك الموزعة في ساحة المسجد، قدرت عددهم بألفي رجل وكان تقديري قريباً من العدد الفعلي وللنساء مكان مخصص وعددهن وصل لأكثر من ألف.
جاءت لجنة استقبال وتتكون من أحد الأئمة الذي لبس عمامة صغيرة لفها بأناقة على رأسه ويلبس ثياباً بيضاء ويبدو شاباً لا يكبرني بأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، معه فريقان من الأطفال وقفوا على شكل سطرين، أوقفني وداوود في المنتصف، الأطفال يحملون دفوفاً صغيرة ويلبسون العمامات البيضاء وثياباً بيضاء، وأنا أحاول التهرب من هذا الموقف بالحديث مع داوود الذي لم يرى مشكلة في أي شيء نراه، كنت أريد أن تبتلعني الأرض في هذه اللحظة أعرف ما الذي سيأتي ولا أريد أن أبقى لحظة هناك.
الإمام تأكد أن الكل جاهز ثم أعطى إشارة البدء، رفع الأطفال دفوفهم وهزوها بطريقة عجيبة وضربوا عليها لحناً بطيئاً معروفاً، الإمام رفع رأسه وبدأ في الغناء "طلع البدر علينا" وأنا أريد حقاً أن تبتلعني الأرض أو أختفي من على وجه الأرض بأي طريقة، أشعر بالإحراج الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، كنت أريد تقليد عادل إمام عندما قال حكمته الشهيرة "يا خرابي!" لكن بلا فائدة، المفاجأة كانت من العيار الثقيل جداً ووجهي يكاد يشوي نفسه من الحرارة، لم أمشي مع ضاربي الدفوف والتفت لداوود للمرة الألف أريده أن ينقذني وداوود يكتفي بالابتسامة دون فعل شيء فهو أيضاً يعيش نفس الموقف.
الإمام غضب وأمسكني من يدي يجرني بعنف وهو يكمل الغناء، غريب أن ترى وجه الرجل غاضباً وهو يغني "من ثنيات الوداع، وجب الشكر ..." لم يكمل لأن الخطيب طلب منه أن يهدأ، "أوف، الحمدلله" انتهى الاحراج والآن مرحلة أخرى مختلفة من المجاملات الاجتماعية التي أمقتها، دخلنا والخطيب يسأل هل هذا عربي واحد أم اثنان؟ داوود يلبس ثوباً كالذي نلبسه في الإمارات فظنوه عربي مثلي، ثم بدأ الإمام في التكبير والحمد لأن عربياً بينهم، الإحراج ذهب وجاء الغضب.
لماذا يبالغون في التحية والسلام والانحناء ورسم الابتسامات؟ أقدر ذلك لكنني أرى أنني لا أستحق كل هذا وكوني عربي لا يجعلني أفضل منهم والأفضلية في ديننا أساسها التقوى لا كون المرء عربياً أو غير ذلك، غضبي ازداد إلى حد لا يمكنني وصفه عندما جاء رجل ومد يده يسلم فسلمت فجرها وقبلها، أخذت يدي ونهرته فابتعد مبتسماً، لا أحب المديح بكل أشكاله وأستعيذ بالله منه فلا يدري أحدنا متى يدخل الكبر قلبه ويعجب بنفسه ويبدأ في الحديث عن الأنا، أنا فعلت وأنا فعلت.
التقدير والاحترام شيء وأن يرى الإنسان أنه أقل من الآخرين شيء آخر، منذ صغري وأنا لدي فكرة مجنونة - في هذا الزمن على الأقل - تقول بأن الناس كلهم سواء وكلهم يستحق التعامل باحترام وتقدير إلا إن فعلوا ما يجعلهم يستحقون غير ذلك، ولا فرق لدي بين الفراش وأكبر رأس في البلد بل أتواضع للفراش أكثر لأنني أجد البركة بين البسطاء والمساكين من الناس، ومن المفترض ألا يرى الفراش أو المسكين نفسه أقل من الآخرين لقلة ماله أو لتواضع مكانته في المجتمع ومن المفترض ألا يراه الآخرون بنظرة دونية، لكن هذه مثالية في عالمنا اليوم لأننا نعيش في زمن يرى فيه بعض الناس أنه من الوقاحة أن أقول ما قلت وأن ألمح إلى أن الناس متساوون فكيف يستوي علية القوم مع من دونهم؟
بقينا لنصف ساعة كما وعد داوود ونزلنا من المنصة وأذناي تريدان التبرأ مني بعد أن وقفتا أمام سماعات تصرخ في وجوهنا مع كل كلمة يقولها العالم الخطيب، والخطبة لديهم ليست كالخطب التي نعرفها، العالم لم يكن يتكلم بقدر ما كان يغني، يسرع في نطق الكلمات في أول الجملة ثم يمد آخر جملة كأنه يؤذن، أخي مرشد يعرف جيداً كيف يقلد هذا الأسلوب ويستخدمه في الوقت غير المناسب دائماً.
الرجل الذي حج ولم يحج
إحدى القصص المحزنة التي سمعتها هناك قصة رجل ذهب عقله لشدة رغبته في الذهاب إلى أرض الحرم، يشتاق لرؤية الكعبة وزيارة المدينة وفي كل عام يقول للناس أنه سيذهب إلى هناك لكن الفرصة لا تأتي أبداً وقد لا تأتي لأنه رجل فقير والحج يكلف الكثير، بدأ يحمل صورة للكعبة معه ويريها الناس ويخبرهم أنه سيذهب، ثم تغير شيء ما فيه جعله يصدق نفسه أنه ذهب فأصبح يخبر الناس أن ذهب وطاف ورأى وفعل وهو لم يفارق المكان الذي ولد فيه.
شريط يومي مسموع
قصة أخرى لكنها مضحكة، أخبرني داوود عن رجل هناك يعمل في التجارة والأعمال وله اتصالات كثيرة بالآخرين، عندما ينام الرجل يفعل شيئاً عجيباً، فهو يكرر اليوم الذي مر به بشكل صوتي، بمعنى أنه يعيد تسجيلاً صوتياً ليومه، فلنتصور مثلاً أنه في ذلك اليوم اتصل بفلان ثم خرج من المؤسسة وقاد السيارة وذهب إلى بيت فلان وضغط الجرس، ما سيفعله الرجل أثناء نومه هو تكرار صوتي لليوم، سيعيد المكالمة ثم سيقلد صوت السيارة ثم يقلد صوت الجرس "دينغ دونغ" ثم سيكرر حواره مع فلان، يفعل هذا في كل ليلة! ولا يحاول أي شخص إيقاظه لأنهم جربوا ذلك من قبل ولم يجدوا سوى صفعات على وجوههم يعود بعدها الرجل لنومه وإكمال شريطه الصوتي.
المصدر : مدونة عبدالله المهيري
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions