محمود عبدالغني صباغ
كان في عام 1977 قد وَضَعَ أولى بصماته عبر فيلمه التسجيلي؛ (اغتيال مدينة)، ثم ألحقه في عام 2006 بإخراجه لأول فيلم سعودي روائي مُعتبر؛ (ظلال الصمت). سيرة فيلموغرافية عريضة، مُرصّعَة بمحطات الريادة، يبدو أنها لم تشفع للسينمائي عبدالله المحيسن، لشغل أي رصيد في وجدان جماهير بلاده، والسبب أنه لم يساوم على إبداعه، أو يركض خلف لوثة العروض الاستهلاكيّة الدعائية. لم يكن المحيسن، في انسحابه ذلك، يُمارس أي نخبويّة شوفينية حادة، قدرَ ما كان يحترم ذاته ويحترم تقاليد السينما الصارمة، رافضاً عرض أفلامه في صالات أندية أدبية لا تتمتع بأدنى تجهيزات العرض بتقنية السينما.
هكذا نحن، كوزارة ثقافة وقطاع خاص ورجال أعمال وصناديق مِنح (هذا إن وُجِدت أصلاً)، - ومع الاعتذار لكليشيه قناة (ميلودي) الشهير.. هكذا: في السنة التي رفضنا فيها إنتاج أي فيلم سينمائي لائق لرائد السينما عبدالله المحيسن.. أنتجنا عَمَلاً هزليّاً مهزولاً: يحمل اسم فيلم (مناحي)!.. فيلم (مناحي): خيّب مساعينا نحو تأسيس باكورة إنتاج سينمائي لائق، وساهم في إغلاق مهرجان جدة السينمائي بالشمع الأحمر، بل حمل الشركة المنفذة له على مراجعة خططها الإنتاجية المحلية.. ناهيك عن تسببه في تضخّم الذات لبطله الذي كَشَف أخيراً عن موهبة، إنما في التردّي والوَهَن!
لـ(مناحي) أن يختلف ما شاء مع رفيق الأمس، وغريم اليوم. له ما شاء من توظيف الإعلام لتبرير موقفه، بل إن له ما شاء من التلويح بالحل القضائي إن تقطعت به باقي السُبل الودية، لكن الذي لا يحق له أن يستعير نبرة "مزايدة" رخيصة، وأن يمارس استغباءً مُتعمدا للرأي العام، وكأن القيمين عليه ثلة من السُذّج والمُغفلين!
مناحي صرّح بوثوقية يقينية عجائبية، أن "غريمه استخدم الفن لتشويه صورة المجتمع السعودي، وأن لديه الاستعداد للمضي في مزيد من التشويه طالما أنه يحقق له عائداً مادياً".. أنت دع عنك التوقيت الذي تصدر فيه هذه الشهادة المزوّرة جانباً، وتساءل عن هذا "المناحي" الذي يغيب عن استيعابه الضئيل، اشتراكه حد التطابق، في "مؤامرة" تشويه الفن تلك، و"رذيلة" الإتجار به؟!
تأبى العقلية المسكونة بالوعظ والإرشاد إلا أن يكون لها بصمة بارزة، حين يؤكد (مناحي) أنه "نصَحَ (غريمه) مراراً وتكراراً أن يكف عن مثل هذه الأعمال التي تقحم في الإثارة إقحاماً مستخدماً الجنس والمخدرات والعنف والدعارة وكل ما عرفته البشرية من أنواع الإجرام والانحراف الأخلاقي، ليقدم المجتمع السعودي بتلك الصورة السلبية".. عقلية مهووسة بالتصنيف ولاشك، باتت تُصنف نفسها من حيث لا تدري، في "ازدواجية" باتت ترقى إلى درجة حادّة من "المازوخيّة" التي لا مثيل لها!
هكذا بدلاً من الانحياز إلى سحر الفن، وحرية الفنان، يَجري التواطؤ مع من يريد تقييد الفن. وهكذا يُمارِس الفنان في حالتنا الفريدة، "جدانوفية" مُستعارة، أو "مكارثية" بلهاء، حيث إنه هو أول من يتضرر من تكريس خطابها!
كان أحد الفنانين قد ظهر على (الحدث) في تلفزيون lbc ديسمبر 2006، ليُعلن أن "من يمسك بدفة الأعمال الفنية أيادٍ غير أمينة!".. مُمثل صف أول في فيلم رائد سيؤرِخ لبدايات السينما السعودية، يُذعن لقوى الرفض والمُمانعة، ويقدم قُربان الاعتذارية على الهواء مباشرة، مقابل صكّ غفران ظرفي موغل في حسابات المصلحة الذاتية! هكذا فنان أجوف تعوزه الرسائلية فضلاً عن اللياقة العامة، لا أحد يريد مناقشة "الكيفية" التي خرَجَ بها يومها، حيث لا يؤذي صورة "الفن" سوى أدعيائه!
مناحي اعتبر أنه "رفض الكثير من الأدوار.. لأنه لا يمكن أن يساهم في تسويق صورة مشوهة عن أهله ووطنه، ويقدم المواطن السعودي كشخصية إجرامية منحرفة بالفطرة".. ولسنا ندري هل يعي هذا المناحي أنه ليس سوى "مشخصاتي" في أحسن الأحوال، شارك في جناية وضع "الكوميديا" المحلية على مذبح الإسفاف والتهريج وثقالة الدم، وأنه هو بالذات، أحد كبار مقترفي الحطّ من "الشخصية السعودية"، بظهوره المكرور بمظهر المُغفل، الساذج، المُتقلّب الأهواء، الذي غاية مناه أن يحظى بالتفاتة حانية من فنانة تُركية مثلاً!
المفارقة التي لا يني (مناحي) عن تكرارها على الملأ، أنه هو من حاول ثني غريمه عن "الإساءات والهدم الصريح للقيم والأخلاق".. كلام لا ينطلي إلا على السُذّج والهتّيفة، وإلا فكيف لأحد أعمدة الدار أن يقوّض هيكل ما كان يقيم به أوده؟
لم يكن مطلوباً من (مناحي) السهر على أمن الوطن، والذود عن حياض الأمة. كل المطلوب منه أن يُقدم فناً راقياً، ويخلص إلى قضيته.
كما لا تحسبن أن أصالة الموقف "المناحوي"، ذات أساس فلسفي أو صلابة عقائدية. كانت القناة الرياضية قد نقلت برنامجاً مُخصصاً للدفاع عن الهيئة.. ظهر فيه (مناحي)، في وثوقية يقينية طبعاً، وشعبوية طاغية حينها، مُعلناً نقده ومعارضته وشجبه لكل تناول درامي يطال المُلتحين أياً كان داعي التحائهم!.. اللاذع هنا أن (مناحي) نفسه كان في طليعة من أدار القفا لفتواه "المناحية"، في (بيني وبينك) اللاحق، حين خرج في إحدى الحلقات بلحية (قندهارية) توغل في السُخرية والاستخفاف!
لا غرابة أن يكون مربط الفرس وراء كل ذلك التراشق اللفظي، هو أن صاحب (الصدف) "قد بخسني حقوقي المادية في كل الأعمال".. وضمير المتكلم هنا عائد لمناحي. إذاً هو المال، وما دونه خرط القتاد!
يحقُ للفنان، ما يشاء أن يتفاوض ويختلف حول الأمور المادية، فوقت الفنان ومردود موهبته، يستحقان التقدير الذي يرضيه، ولكن أن تتحول المسألة إلى مزايدة وتلقين دروس والإيهام بشعارات الهمّ العام فيما القضية شديدة الذاتية.. بل إلى خيانة الأساس الذي تقوم عليه وظيفته، فهذا الذي لا يُغتفر.
إن ما يقيمه (مناحي) ليس من مقدرات النقد أصلاً. سبق أن صرّح لإحدى الصحف الإلكترونية أن الفن الذي يضم أمثال غريمه، هو "فن رخيص"، حيث "أسهل قرار يمكن أن أتخذه هو اعتزال الفن"!.. لست أدري كيف كانت ستمر مثل هذه التصريحات، في بلد، يحترم الفن وينصّب له نقابة، ويوجد فيه نقد فني مُتخصص، بيد أن الحتمي هنا، أن "الفن" هو أكبر الكاسبين بهكذا قرار "اعتزال"!.. المصيبة فقط، أن ذلك الاعتزال سيتنزّل –ولاشك- في خانة: "توبة فنان"!
alwatan.com.sa/NEWS/WriterSave.asp?issueno=3434&id=17927
كان في عام 1977 قد وَضَعَ أولى بصماته عبر فيلمه التسجيلي؛ (اغتيال مدينة)، ثم ألحقه في عام 2006 بإخراجه لأول فيلم سعودي روائي مُعتبر؛ (ظلال الصمت). سيرة فيلموغرافية عريضة، مُرصّعَة بمحطات الريادة، يبدو أنها لم تشفع للسينمائي عبدالله المحيسن، لشغل أي رصيد في وجدان جماهير بلاده، والسبب أنه لم يساوم على إبداعه، أو يركض خلف لوثة العروض الاستهلاكيّة الدعائية. لم يكن المحيسن، في انسحابه ذلك، يُمارس أي نخبويّة شوفينية حادة، قدرَ ما كان يحترم ذاته ويحترم تقاليد السينما الصارمة، رافضاً عرض أفلامه في صالات أندية أدبية لا تتمتع بأدنى تجهيزات العرض بتقنية السينما.
هكذا نحن، كوزارة ثقافة وقطاع خاص ورجال أعمال وصناديق مِنح (هذا إن وُجِدت أصلاً)، - ومع الاعتذار لكليشيه قناة (ميلودي) الشهير.. هكذا: في السنة التي رفضنا فيها إنتاج أي فيلم سينمائي لائق لرائد السينما عبدالله المحيسن.. أنتجنا عَمَلاً هزليّاً مهزولاً: يحمل اسم فيلم (مناحي)!.. فيلم (مناحي): خيّب مساعينا نحو تأسيس باكورة إنتاج سينمائي لائق، وساهم في إغلاق مهرجان جدة السينمائي بالشمع الأحمر، بل حمل الشركة المنفذة له على مراجعة خططها الإنتاجية المحلية.. ناهيك عن تسببه في تضخّم الذات لبطله الذي كَشَف أخيراً عن موهبة، إنما في التردّي والوَهَن!
لـ(مناحي) أن يختلف ما شاء مع رفيق الأمس، وغريم اليوم. له ما شاء من توظيف الإعلام لتبرير موقفه، بل إن له ما شاء من التلويح بالحل القضائي إن تقطعت به باقي السُبل الودية، لكن الذي لا يحق له أن يستعير نبرة "مزايدة" رخيصة، وأن يمارس استغباءً مُتعمدا للرأي العام، وكأن القيمين عليه ثلة من السُذّج والمُغفلين!
مناحي صرّح بوثوقية يقينية عجائبية، أن "غريمه استخدم الفن لتشويه صورة المجتمع السعودي، وأن لديه الاستعداد للمضي في مزيد من التشويه طالما أنه يحقق له عائداً مادياً".. أنت دع عنك التوقيت الذي تصدر فيه هذه الشهادة المزوّرة جانباً، وتساءل عن هذا "المناحي" الذي يغيب عن استيعابه الضئيل، اشتراكه حد التطابق، في "مؤامرة" تشويه الفن تلك، و"رذيلة" الإتجار به؟!
تأبى العقلية المسكونة بالوعظ والإرشاد إلا أن يكون لها بصمة بارزة، حين يؤكد (مناحي) أنه "نصَحَ (غريمه) مراراً وتكراراً أن يكف عن مثل هذه الأعمال التي تقحم في الإثارة إقحاماً مستخدماً الجنس والمخدرات والعنف والدعارة وكل ما عرفته البشرية من أنواع الإجرام والانحراف الأخلاقي، ليقدم المجتمع السعودي بتلك الصورة السلبية".. عقلية مهووسة بالتصنيف ولاشك، باتت تُصنف نفسها من حيث لا تدري، في "ازدواجية" باتت ترقى إلى درجة حادّة من "المازوخيّة" التي لا مثيل لها!
هكذا بدلاً من الانحياز إلى سحر الفن، وحرية الفنان، يَجري التواطؤ مع من يريد تقييد الفن. وهكذا يُمارِس الفنان في حالتنا الفريدة، "جدانوفية" مُستعارة، أو "مكارثية" بلهاء، حيث إنه هو أول من يتضرر من تكريس خطابها!
كان أحد الفنانين قد ظهر على (الحدث) في تلفزيون lbc ديسمبر 2006، ليُعلن أن "من يمسك بدفة الأعمال الفنية أيادٍ غير أمينة!".. مُمثل صف أول في فيلم رائد سيؤرِخ لبدايات السينما السعودية، يُذعن لقوى الرفض والمُمانعة، ويقدم قُربان الاعتذارية على الهواء مباشرة، مقابل صكّ غفران ظرفي موغل في حسابات المصلحة الذاتية! هكذا فنان أجوف تعوزه الرسائلية فضلاً عن اللياقة العامة، لا أحد يريد مناقشة "الكيفية" التي خرَجَ بها يومها، حيث لا يؤذي صورة "الفن" سوى أدعيائه!
مناحي اعتبر أنه "رفض الكثير من الأدوار.. لأنه لا يمكن أن يساهم في تسويق صورة مشوهة عن أهله ووطنه، ويقدم المواطن السعودي كشخصية إجرامية منحرفة بالفطرة".. ولسنا ندري هل يعي هذا المناحي أنه ليس سوى "مشخصاتي" في أحسن الأحوال، شارك في جناية وضع "الكوميديا" المحلية على مذبح الإسفاف والتهريج وثقالة الدم، وأنه هو بالذات، أحد كبار مقترفي الحطّ من "الشخصية السعودية"، بظهوره المكرور بمظهر المُغفل، الساذج، المُتقلّب الأهواء، الذي غاية مناه أن يحظى بالتفاتة حانية من فنانة تُركية مثلاً!
المفارقة التي لا يني (مناحي) عن تكرارها على الملأ، أنه هو من حاول ثني غريمه عن "الإساءات والهدم الصريح للقيم والأخلاق".. كلام لا ينطلي إلا على السُذّج والهتّيفة، وإلا فكيف لأحد أعمدة الدار أن يقوّض هيكل ما كان يقيم به أوده؟
لم يكن مطلوباً من (مناحي) السهر على أمن الوطن، والذود عن حياض الأمة. كل المطلوب منه أن يُقدم فناً راقياً، ويخلص إلى قضيته.
كما لا تحسبن أن أصالة الموقف "المناحوي"، ذات أساس فلسفي أو صلابة عقائدية. كانت القناة الرياضية قد نقلت برنامجاً مُخصصاً للدفاع عن الهيئة.. ظهر فيه (مناحي)، في وثوقية يقينية طبعاً، وشعبوية طاغية حينها، مُعلناً نقده ومعارضته وشجبه لكل تناول درامي يطال المُلتحين أياً كان داعي التحائهم!.. اللاذع هنا أن (مناحي) نفسه كان في طليعة من أدار القفا لفتواه "المناحية"، في (بيني وبينك) اللاحق، حين خرج في إحدى الحلقات بلحية (قندهارية) توغل في السُخرية والاستخفاف!
لا غرابة أن يكون مربط الفرس وراء كل ذلك التراشق اللفظي، هو أن صاحب (الصدف) "قد بخسني حقوقي المادية في كل الأعمال".. وضمير المتكلم هنا عائد لمناحي. إذاً هو المال، وما دونه خرط القتاد!
يحقُ للفنان، ما يشاء أن يتفاوض ويختلف حول الأمور المادية، فوقت الفنان ومردود موهبته، يستحقان التقدير الذي يرضيه، ولكن أن تتحول المسألة إلى مزايدة وتلقين دروس والإيهام بشعارات الهمّ العام فيما القضية شديدة الذاتية.. بل إلى خيانة الأساس الذي تقوم عليه وظيفته، فهذا الذي لا يُغتفر.
إن ما يقيمه (مناحي) ليس من مقدرات النقد أصلاً. سبق أن صرّح لإحدى الصحف الإلكترونية أن الفن الذي يضم أمثال غريمه، هو "فن رخيص"، حيث "أسهل قرار يمكن أن أتخذه هو اعتزال الفن"!.. لست أدري كيف كانت ستمر مثل هذه التصريحات، في بلد، يحترم الفن وينصّب له نقابة، ويوجد فيه نقد فني مُتخصص، بيد أن الحتمي هنا، أن "الفن" هو أكبر الكاسبين بهكذا قرار "اعتزال"!.. المصيبة فقط، أن ذلك الاعتزال سيتنزّل –ولاشك- في خانة: "توبة فنان"!
alwatan.com.sa/NEWS/WriterSave.asp?issueno=3434&id=17927