د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج

    • د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج

      الوطن -*د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج:



      من لا يشكر الناس لا يشكر الله ،، نجد أنفسنا في حديثنا عن جنيف للمرة الثالثة على التوالي نستحضر هذه القاعدة الإيمانية ، اعترافا بجميل من كان السبب في تهيئة الظروف واختيارنا ضمن الوفد الصحفي لزيارة قلب أوروبا ، فهى أي الزيارة لم تكن في البال ، بل ومن المستحيلات ، لأن هناك مسافة فاصلة بين الحلم والواقع ، وبالتالي لم تكن ضمن أجندات أحلامي لأنها فوق التطلع لأسباب عديدة ، لو ذكرتها لربما غرقت في الذاتية كثيرا رغم ما فيها من جوانب موضوعية ، وهذا ما أحاول تجنبه دائما في كتاباتي رغم جنوح بشريتنا في بعض المواضيع التي نطرحها لكننا نغتالها حتى تظل هذه النافذة إطلالة عامة وشاملة على قضايا الوطن وهموم مجتمعنا العماني بخصوصياته وعمومياته خاصة تلك التي تخص الشرائح الاجتماعية التي لا تصل أصواتها الى فضائنا الواسع ومن ثم الى صناع القرار.

      وقد ذهب ظننا منذ الوهلة الأولى التي بلغنا فيها بالزيارة ، بأن الزيارة ستكون بمثابة سياحة وأنها فرصة لانتشالنا لمدة تسعة أيام من يوميات العمل الإعلامي والصحفي وضغوطاته غير أنها لم تكن كذلك سواء في برنامجها اليومي المزدحم باللقاءات مع السفراء وكبار المسئولين والخبراء أم باكتشافاتنا عن حقيقة جنيف التي لا تزال تزلزل مفاهيمنا المعرفية والمكانية وأبعادها المختلفة التي تناولنا بعضها في المقال السابق، والبعض الآخر سنقف عنده حتى تتضح للرأي العام الصورة من مختلف جوانبها ، وتكمن الجوانب المتبقية في البعدين السياسي والقانوني ، فإلي أي مدى أثرت منظمة التجارة العالمية أو العولمة على هذين البعدين ؟ بمعنى هل أدت الى اختراقهما كما نجحت بامتياز في الاقتصاد والثقافة والتي أدت بدورها الى انحسار كبير في سيادة الدولة لفائدة الشركات العالمية الكبرى التي تسيطر دولها على منظمة التجارة العالمية ؟ وقد تجلى هذا التأثير الأخير في زوال الحدود أمام حركة السلع والخدمات والأموال والأفكار وفي تدفق المعلومات على مستوى العالم ، مما فرغت الدول من سيادتها على ثرواتها وجعلتها حقا يشاركها فيها تلك الشركات بل ويكون لها نصيب الأسد ، أم أن السيادة السياسية والقانونية لا تزال بيد الدولة الوطنية؟ في البداية علينا معرفة ان هذه المنظمة التي تضم في عضويتها (149) دولة تنظم ما يزيد على (90%) من إجمالي التجارة العالمية ، وتسعى جاهدة الى تحرير ما تبقى من التجارة العالمية واقتحام كافة الأسواق في الدول النامية بما فيها العربية والإسلامية لفرض شرعيتها كمنظمة عالمية تدافع عن تحرير التجارة العالمية في ظل النظام الجديد الذي يعرف بالعولمة وهو بطبيعة الحال لصالح الدول الكبرى التي زادتها أكثر ثراء ودول عالمنا النامي تراجع الى قاع الفقر.

      من هنا ، أصبحت منظمة التجارة العالمية في جنيف مصدرا للضغط والتهديد وتحكم الأقوياء برقاب الضعفاء عن طريق التجارة والاستثمار المباشر وانتقال الأموال والقوى والثقافات في تخطيط عقلاني استوعبه من يملك حسا وطنيا رفيعا وأصيلا وهم قلة وغفل عنه من ترك للمصالح بمفهومها المادي تتحكم في مستقبله بحيث وجد هذا الأخير نفسه أمام إشكالية تفريغ الدولة الوطنية من محتواها كجماعة تربطها عوامل مشتركة في الوجدان والمصير الواحد وتحويلها الى مجموعة شركات لفاعلين محليين وعالميين ، فسقط معها الكثير من الخيارات الإستراتيجية للدولة الوطنية أو الدولة والأمة ، ومن بين أهم هذه الخيارات ، خيار سلاح المقاطعة العربية لإسرائيل ، فعضوية الانضمام لهذه المنظمة العالمية قد أسقط تماما بأي شكل من إشكال المقاطعة أو درجاتها مما وجدت إسرائيل أمامها فرصة ذهبية لتحويل المقاطعة العربية إلى التطبيع الاقتصادي مع العرب ، حيث تفرض العضوية على الدول الأعضاء فتح أسواقها لسلع وخدمات باقي الأعضاء ، وقد ظهرت منظمة التجارة العالمية من هذه الزاوية السياسية وكأنها لم تخلق إلا من أجل إسرائيل للالتفاف على قرارات المقاطعة العربية عبر دمجها بصورة ذكية ضمن النظام التجاري العالمي الجديد ، وكفى به هدف لو لم يكن إلا كذلك ، ومن هنا حققت التجارة ما عجزت عن تحقيقه السياسة والقوة العسكرية طوال القرون الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي .

      ومن سيأتي عليه الدور التالي بعد الاقتصاد والسياسة والثقافة ؟ دون شك ستكون السيادة التشريعية الوطنية ، فهى مستهدفة كذلك من نظام العولمة ، وقد نجح هذا النظام فعلا في المساس بهذه السيادة وهو في طريقه الى تفريغها ايضا من وطنيتها لصالح الكونية ، فقد صدرت تشريعات وطنية ذات أبعاد دولية بسبب التزام الدول بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بنظم التجارة العالمية والتي تقيد قدرة المشرعين على سن قوانين بل وأكثر من ذلك وهو لجوء الدول الى مواءمة قوانينها الداخلية مع ما تفرضه مبادئ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ، وكأننا نسير نحو ميلاد قانون عالمي جديد يحافظ على مصالح الشركات العالمية ، فهل سيحدث هناك إشكاليات كبرى على صعيد تطبيق هذا القانون ؟ إذا ما استمرت الدولة تمارس سيادتها القضائية الوطنية ، فإن الإجابة ستكون (لا) وحتى في هذه الحالة علينا التوقع كذلك سعي العولمة الى سحب السيادة القضائية من الدولة الوطنية ، فالمسالة تظل مسألة وقت ما لم تتفجر أزمات جديدة تهزأ العولمة وما لم تستيقظ الدولة الوطنية وتسترجع سيادتها المسلوبة وتناضل من اجل ما تبقى لها من سيادة أخرى ، وهناك فعلا مساع وضغوطات قوية من قبل بعض الدول الكبرى على سحب السلطة القضائية من القاضي الوطني إذا كان طرف أي خصومة أجنبي ، فهل ستنشأ محاكم دولية داخل كل دولة أم ستحال القضية للبت فيها في واشنطن مثلا .. هكذا يفكرون ويخططون في جنيف وما عجزوا عنه هناك تكمله مفاوضات الاتفاقيات الثنائية ، لأن العالم ينبغي أن تسقط فيه الحدود والسيادات الوطنية وفق الرؤية الأميركية التي عبر عنها أحد مسئوليها الكبار الذي التقينا بهم في جنيف والذي اعتبر انتقال فروع شركة أميركية الى الخارج وكأنها تنتقل من ولاية أميركية إلى أخرى ..


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions