عُمان - حشر بن خميس المنذري:

يجد الكثير من الناس لغة الأرقام لغة معقدة، ذلك لأنها جافة، وقد تكون صادمة في بعض الأحيان، فهي لا تعترف بجماليات اللغة أو استعاراتها. ولكن الاقتصاديين ورجال الأعمال والمحاسبين والماليين يحبونها ويستمتعون بقراءتها. البعض منهم يتعاملون مع القوائم المالية وكأنها قصيدة غزل!
أما أصحاب المهن والحرف الأخرى فهم يهربون من الأرقام ما استطاعوا ولهم عذرهم، فالبعض حين يجد رقما مكونا من ست خانات أو أكثر تتداخل عليه الأمور. وهذا ما يجعل الاقتصاد لغة صعبة، ولكن الإشكالية الأكبر ليست في عدد الأرقام بل في فهمها ووضعها في إطارها الحقيقي، فهي لا تحتاج إلى القراءة فحسب بل إلى التعمق في مدلولات الأرقام التي نقرأها.
المتتبع لوسائل الإعلام العمانية يرى ضعفا في التعامل مع هذه الأرقام، وكشف دلالاتها، وقد يكون السبب غياب التخصصية في هذا النوع من الإعلام الاقتصادي. ونتذكر هنا بداية هذا العام حين أعلنت الموازنة العامة للدولة لعام 2010، حيث أتت الحاجة لاستخدام لغة الأرقام، ولم يجد الإعلاميون مفردا من تضمين تقاريرهم ومقالاتهم أرقاما من خانات عدة. ولكن للأسف كان يغلب عليها اللغة الانطباعية أكثر من التحليلية، وكانت تعيد ما نشر في الميزانية بدون مقارنات ولا تتبع.
فقراءة الرقم منفصلا دون ربطه بغيره من الأرقام والدلالات لا يعتبر تحليلا صحيحا لذلك الرقم. يقول البعض إن الأرقام لا تكذب، عذرا فحتى الأرقام قد تكون كذابة.
ولنقترب من ذلك بمثال، لو جلسنا 5 أصدقاء على مقهى، وأردنا معرفة متوسط دخل كل منا بالتقريب، فسنقوم بجمع رواتبنا ثم قسمتها على عددنا فيخرج المتوسط، ولنقول أن النتيجة كانت 500 ريال كمتوسط للفرد على هذه الحسبة. في الحقيقة قد يكون أحدنا راتبه 400 ريال وآخر 600 ريال ولكن تبقى النتيجة منطقية. في المقابل لو افترضنا جدلا أن "صديقنا" بيل جايتس صاحب مايكروسوفت انضم لنا على نفس الطاولة وأعدنا الحسبة مرة أخرى وقسمنا مجموع إيراداتنا الشهرية على 6، فمن المحتمل جدا أن يكون متوسط دخلنا الشهري 10,435,736 ريالا للفرد!! هنا تكذب الأرقام على الواقع.
ومثال آخر على ذلك بأن تتباهى مؤسسات للضمان الاجتماعي بزيادة عدد المستفيدين من خدماتها، تعتقد هذه المؤسسات أنها تحسن صنعا، ويعتقد مسؤولوها أنهم نجحوا في عملهم، والحقيقة غير ذلك، فهم يؤكدون هنا أن الفقر يزيد في هذه الطبقة، وأن الأداء الاقتصادي والتنموي يتراجع، وهذا فشل في المجمل.
في أحد البرامج الاقتصادية الاسترالية استضاف المذيع الرئيس التنفيذي لشركة شحن معنية بتوصيل هدايا عيد الميلاد بين ، ووجه المذيع سؤالا للرئيس التنفيذي مفاده شكوى الكثير من الزبائن من عدم وصول هدايا عيد الميلاد في وقتها بحيث تتأخر كثيرا، ابتسم الرئيس التنفيذي وأكد أن نسبة الزبائن الذين تصلهم الهدايا متأخرة هي 3% فقط، وتعد هذه النسبة منخفضة جدا. فتجاوز المذيع هذا السؤال وبعد برهة عاد وسأل الرئيس التنفيذي عن عدد زبائنهم، فقال الرئيس التنفيذي بكل فخر 3 ملايين عميل، عندها اجرى المذيع عملية حسابية مفادها، 3% من أصل 3 ملايين هذا يعني أن 90,000 زبون لا تصلهم الهدايا في وقتها وهذا رقم كبير جدا، جعل الرئيس التنفيذي يعترف أن لديهم مشكلة.
إذا يجب على الصحافة الاقتصادية أن تلتقط هذه الأرقام وتقارنها مع سابقاتها، وتحول النسب إلى أرقام والأرقام إلى نسب. وهناك جدل كبير في قضية الصحافة المتخصصة، والصحافة الاقتصادية على وجه التجديد، فهل يجب أن يكون الصحفي الاقتصادي خريج إعلام ويمارس الاقتصاد، أو يكون خريج اقتصاد ويمارس الإعلام. لست متأكدا أيهما أفضل، ولكن المهم أن يلم الصحفي الاقتصادي بمعرفة وموهبة مشتركة بين الإثنين.
وقد نظم سوق مسقط للأوراق المالية مؤتمرا قبل سنوات يبحث هذه العلاقة، أيهما أولا الصحافة أم الاقتصاد؟ وما هي التزامات الصحافة تجاه ما ينشر من معلومات قد تؤثر سلبا على الأسواق المالية والأداء الاقتصادي ككل؟ وما هي مسؤولية الاقتصاديين في اعطاء الصحافة المعلومات الكافية لتصل إلى الناس؟ وما هو الحد الفاصل بين الشائعة والخبر، والذي يؤثر على مؤشر السوق؟
كان المؤتر ثريا، ولكن لم نر تغيرا في المشهد، فلازلنا نحتاج إلى الكثير من العمل في اطار الحرفية والتخصصية الإعلامية.

يجد الكثير من الناس لغة الأرقام لغة معقدة، ذلك لأنها جافة، وقد تكون صادمة في بعض الأحيان، فهي لا تعترف بجماليات اللغة أو استعاراتها. ولكن الاقتصاديين ورجال الأعمال والمحاسبين والماليين يحبونها ويستمتعون بقراءتها. البعض منهم يتعاملون مع القوائم المالية وكأنها قصيدة غزل!
أما أصحاب المهن والحرف الأخرى فهم يهربون من الأرقام ما استطاعوا ولهم عذرهم، فالبعض حين يجد رقما مكونا من ست خانات أو أكثر تتداخل عليه الأمور. وهذا ما يجعل الاقتصاد لغة صعبة، ولكن الإشكالية الأكبر ليست في عدد الأرقام بل في فهمها ووضعها في إطارها الحقيقي، فهي لا تحتاج إلى القراءة فحسب بل إلى التعمق في مدلولات الأرقام التي نقرأها.
المتتبع لوسائل الإعلام العمانية يرى ضعفا في التعامل مع هذه الأرقام، وكشف دلالاتها، وقد يكون السبب غياب التخصصية في هذا النوع من الإعلام الاقتصادي. ونتذكر هنا بداية هذا العام حين أعلنت الموازنة العامة للدولة لعام 2010، حيث أتت الحاجة لاستخدام لغة الأرقام، ولم يجد الإعلاميون مفردا من تضمين تقاريرهم ومقالاتهم أرقاما من خانات عدة. ولكن للأسف كان يغلب عليها اللغة الانطباعية أكثر من التحليلية، وكانت تعيد ما نشر في الميزانية بدون مقارنات ولا تتبع.
فقراءة الرقم منفصلا دون ربطه بغيره من الأرقام والدلالات لا يعتبر تحليلا صحيحا لذلك الرقم. يقول البعض إن الأرقام لا تكذب، عذرا فحتى الأرقام قد تكون كذابة.
ولنقترب من ذلك بمثال، لو جلسنا 5 أصدقاء على مقهى، وأردنا معرفة متوسط دخل كل منا بالتقريب، فسنقوم بجمع رواتبنا ثم قسمتها على عددنا فيخرج المتوسط، ولنقول أن النتيجة كانت 500 ريال كمتوسط للفرد على هذه الحسبة. في الحقيقة قد يكون أحدنا راتبه 400 ريال وآخر 600 ريال ولكن تبقى النتيجة منطقية. في المقابل لو افترضنا جدلا أن "صديقنا" بيل جايتس صاحب مايكروسوفت انضم لنا على نفس الطاولة وأعدنا الحسبة مرة أخرى وقسمنا مجموع إيراداتنا الشهرية على 6، فمن المحتمل جدا أن يكون متوسط دخلنا الشهري 10,435,736 ريالا للفرد!! هنا تكذب الأرقام على الواقع.
ومثال آخر على ذلك بأن تتباهى مؤسسات للضمان الاجتماعي بزيادة عدد المستفيدين من خدماتها، تعتقد هذه المؤسسات أنها تحسن صنعا، ويعتقد مسؤولوها أنهم نجحوا في عملهم، والحقيقة غير ذلك، فهم يؤكدون هنا أن الفقر يزيد في هذه الطبقة، وأن الأداء الاقتصادي والتنموي يتراجع، وهذا فشل في المجمل.
في أحد البرامج الاقتصادية الاسترالية استضاف المذيع الرئيس التنفيذي لشركة شحن معنية بتوصيل هدايا عيد الميلاد بين ، ووجه المذيع سؤالا للرئيس التنفيذي مفاده شكوى الكثير من الزبائن من عدم وصول هدايا عيد الميلاد في وقتها بحيث تتأخر كثيرا، ابتسم الرئيس التنفيذي وأكد أن نسبة الزبائن الذين تصلهم الهدايا متأخرة هي 3% فقط، وتعد هذه النسبة منخفضة جدا. فتجاوز المذيع هذا السؤال وبعد برهة عاد وسأل الرئيس التنفيذي عن عدد زبائنهم، فقال الرئيس التنفيذي بكل فخر 3 ملايين عميل، عندها اجرى المذيع عملية حسابية مفادها، 3% من أصل 3 ملايين هذا يعني أن 90,000 زبون لا تصلهم الهدايا في وقتها وهذا رقم كبير جدا، جعل الرئيس التنفيذي يعترف أن لديهم مشكلة.
إذا يجب على الصحافة الاقتصادية أن تلتقط هذه الأرقام وتقارنها مع سابقاتها، وتحول النسب إلى أرقام والأرقام إلى نسب. وهناك جدل كبير في قضية الصحافة المتخصصة، والصحافة الاقتصادية على وجه التجديد، فهل يجب أن يكون الصحفي الاقتصادي خريج إعلام ويمارس الاقتصاد، أو يكون خريج اقتصاد ويمارس الإعلام. لست متأكدا أيهما أفضل، ولكن المهم أن يلم الصحفي الاقتصادي بمعرفة وموهبة مشتركة بين الإثنين.
وقد نظم سوق مسقط للأوراق المالية مؤتمرا قبل سنوات يبحث هذه العلاقة، أيهما أولا الصحافة أم الاقتصاد؟ وما هي التزامات الصحافة تجاه ما ينشر من معلومات قد تؤثر سلبا على الأسواق المالية والأداء الاقتصادي ككل؟ وما هي مسؤولية الاقتصاديين في اعطاء الصحافة المعلومات الكافية لتصل إلى الناس؟ وما هو الحد الفاصل بين الشائعة والخبر، والذي يؤثر على مؤشر السوق؟
كان المؤتر ثريا، ولكن لم نر تغيرا في المشهد، فلازلنا نحتاج إلى الكثير من العمل في اطار الحرفية والتخصصية الإعلامية.
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions