بقلم - د. سعيد بن سليم الكيتاني

بعد انتهاء أعمال المؤتمر السابع لأصحاب المعالي وزراء التربية والتعليم العرب، وفي ليلته الأخيرة بمسقط العامرة، جلس معالي محمد العزيز بن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في أحد مطاعم مسقط الراقية يتناول وجبة العشاء الأخيرة قبل مغادرته أرض السلطنة بمعية عدد من التربويين العُمانيين، وبحكم طبيعة موقعه الوظيفي وتكوينه الفكري واهتماماته الشخصية أخذ معاليه يتجاذب أطراف الحديث مع مضيفيه حول موضوعات عُمانية متنوعة ضمن مجالات التربية والثقافة والعلوم قبيل تناول وجبة العشاء وأثنائها.

ونظراً لكونه يزور السلطنة لأول مرة لم يستطع معاليه مقاومة رغبته الملحة في التعبير عن انطباعاته حول عُمان وقائدها أطال الله عمره وأهلها وأخلاقهم العربية الأصيلة، ومما علق في ذهني من ذلك الحديث المسائي الذي جمع بين الثقافة والطرافة والفكاهة اختزال معاليه- وهو رجل من رجالات الفكر والثقافة والسياسة- ما لمسه في السلطنة من تطور اجتماعي وفكري وسياسي في عبارة من كلمتين هما "الهدوء العُماني"، وهو لم يكن يشير بهذه العبارة إلى الأسلوب العُماني الذي انتهجه معالي وزير التربية والتعليم العُماني في تخطيط ورئاسة وإدارة المؤتمر المذكور أعلاه والذي نجح نجاحاً منقطع النظير بشهادة المشاركين فيه وحسب، بل كان يتحدث عما هو أبعد من ذلك.

رأى معاليه ما وصفه بـ ‘الهدوء العُماني’ في نموذج التنمية الذي تبناه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه في بناء عُمان العصرية والذي تجسد في سد الفجوة بين القائد والشعب بأساليب شتى، الأمر الذي أسفر عن تحقيق نقلة نوعية ملحوظة للشعب العُماني ليس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فقط بل على المستوى الفكري أيضاً. هذه المعادلة في تقدير معاليه تُعدّ من أهم العوامل التي أدّت إلى نشوء ما يصفه بـ ‘الهدوء العُماني’، ويبني هذا الرأي على أساس متين من اطلاعه الواسع على تجارب دول عربية أخرى دخلت القرن الحادي والعشرين ولا تزال شعوبها ترزح في قيود الفقر والجهل والفوضى بسبب الفجوة بينها وبين القيادة.

رأى معاليه ‘الهدوء العُماني’ في كل شيء من حوله؛ في انشغال العُمانيين قيادةً وشعباً ببناء عُمان الحديثة خلال العقود الأربعة الماضية بصمت وعدم التفاتهم للضجيج والصخب هنا وهناك في الدول المحيطة بهم. رآه في أسلوب التعامل الذي لمسه في رجال الشرطة والأمن وموظفي الفندق والمشرفين على تنظيم المؤتمر بمستوياتهم المختلفة، ذلك التعامل الذي اتسم بالاحترام والذوق واللياقة والصبر والتحمل والجدية والتنظيم وسرعة الإنجاز رغم ضخامة المسؤولية وحساسيتها ودقتها، وهي سمات أشعرت معاليه حسب إفادته بأنه بين ذويه وأهله. رآه في الزي العُماني التقليدي الذي يجسد في رأيه عراقة التاريخ ومدى ارتباط الإنسان العُماني بذلك التاريخ رغم تطور نمط حياته بفعل تبنيه لمناهج العصر وانفتاحه على العالم. رآه في الطراز المعماري لمباني مدينة مسقط وألوانها وزخارفها التي ذكرته بالمدن الإسلامية العريقة في المغرب العربي وفي الأندلس رغم تمتع المباني العُمانية بكافة الخدمات التقانية الحديثة وانسجامها مع متطلبات الحياة المعاصرة.

رأى معاليه- وهو حفيد العلامة المفسر ابن عاشور صاحب (التحرير والتنوير)- ‘الهدوء العُماني’ في الإنتاج الفكري للعُمانيين عبر التاريخ الذي قطع الفيافي وعبر البحار وأثّر في الإنتاج الفكري لدول أخرى؛ منها الجمهورية التونسية التي ينتمي إليها، وفي أحضانها يقع مقر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ذلك الفكر الذي اتسم دائماً بالهدوء والاتزان والحكمة، وهي سمات يرى معاليه بأنها لا تزال إلى يومنا هذا تمثل الطابع العام للفكر العُماني في مختلف مجالات الحياة وميادين العلم.

أشار معاليه إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ‘الهدوء العُماني’ ورياح بحر عُمان وجغرافية عُمان عموماً، وأعرب عن أمنيته بأن تتمتع جميع دول العالم بـ ‘الهدوء العُماني’، لأن ذلك لو حدث لكان العالم أكثر أمناً واستقراراً ورخاءً. إذا كان هذا هو ‘الهدوء العُماني’ فلنعمل معاً من أجل المحافظة عليه استدامته على كافة المستويات وبكافة مظاهره وأشكاله، ولنعمل معاً من أجل التصدي لعوامل التعرية التي يمكن أن تعكر صفو ذلك الهدوء، وليكن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه قدوتنا في ذلك.