"تنمو الصداقة في تربة المودة والفهم والتعاطف. ففي اللحظة التي تحس بها بنبض المودة النقية المتحررة من شوائب وعيوب الأنانية يحصل تفاهم متبادل بينك وبين صديقك على الفور فيصبح صديقك جزءاً لا يتجزأ من ذاتك وركناً من أركان حياتك. ويحصل تعاطف صادق ما بينكما فتتضاعف أفراحكما في حين تتضاءل الأحزان والمصائب لأنها تتجزأ بفعل تعاطف الأصدقاء، فيخف زخمها وتضعف حدتها. وكما تستطيع مزج معدنين اثنين مع بعضهما بتعريضهما لتيار كهربائي ومواد كيماوية هكذا يمكنك دمج حياتين في حياة واحدة بالاستعانة بتيار التعاطف وكيمياء المحبة الخالصة فتتلاشى الثنائية بفعل القوة الروحية.
بعض الأصدقاء يظهرون في أفق حياتنا دون أن نفتش عنهم أوندعوهم لمصاحبتنا. وما أن تصافح عيوننا عيونهم حتى نحس بفرح صامت وامتداد في الوعي ورجفة عذبة ومحببة في صميم الوجدان. فالأصدقاء هم أصدقاء قبل أن يلتقوا وما اللقاء إلا بمثابة التتويج للصداقة والاحتفاء بها. المصاحبة هي فن من أروع فنون الحياة لأن الحياة كانت ولم تزل تبحث عن الصداقة منذ أن ظهرت على هذا المسرح الأرضي.
قد تأتي الصداقة من تلقاء ذاتها، ولكن إن لم نوفها حقها ونحتفي بها، أو إن حاولنا استغلالها لمصالحنا الشخصية فقد تفلت من بين أيدينا وتتلاشى كسراب الصحاري. إننا نحنّ للصداقة من المهد إلى اللحد. ولذلك فعندما نمتلكها يجب أن نرعاها ونقدم لها الغذاء الصحيح والنافع. وبعبارة أخرى الصداقة هي ثقافة.
إن كانت الصداقة ثقافة فما هي متطلباتها؟ أولا وقبل كل شيء عهد الإخلاص والنقاء. فالقلبان أو الروحان يجب أن يكونا على توافق تام وعلى مستوى واحد من التفاهم. ولكي تزهر الصداقة وتثمر وتستمر يجب أن تتأسس على دعائم الصدق والإخلاص والنظافة والنقاء. الإخلاص هو تعويذة (افتح يا سمسم) الذي تفتح كنز الصداقة، أما النقاء فهو غذاء الصداقة.
هناك أصدقاء كالخفافيش أو كبوم الليل يتعاهدون على الوفاء على الشر، لكن الذي بينهم ليس صداقة حقيقية لأنها غير قائمة على أسس الإخلاص ولأن الدوافع غير نظيفة ولا تسندها مبادئ سليمة بالرغم من ذلك الخيط الواهي الذي يشدهم لبعضهم البعض.
الأصدقاء الذين يجذبهم بريق الشهرة والجمال والثروة والممتلكات يتخلون عن أصدقائهم بسرعة عندما تتعثر الحظوظ ويجد الجد، مثلما قال شكسبير: الأصدقاء الذين تكسبهم بوجبة طعام تخسرهم بسرعة. أو بعبارة أخرى (الصديق الذي تشتري صداقته بمنسف أو بصحن حمص لا تهنئ نفسك على صداقته لأنك ستجده كالحبل المتختخ عند الضيق، أو كما قال فيلمون وهبة: بالدنيا ما بهمه إلا يكون بطنه مليان.)
كل شيء يتغير في الطبيعة باستثناء نفس الإنسان. وما لم يكن التقارب روحياً فلا الذهب ولا الجمال لهما القدرة على إنعاش الصداقة وتفعيل مسيرتها، لأن تلك الأشياء لا ديمومة لها. وينصحنا الحكماء بأن لا نتظاهر بالصداقة ما لم نحس بدفئها ونبضها في أعماقنا. التقليد لا دوام له لأنه يفقد بريقه الرخيص مع الأيام. وهناك مثل هندي يقول أن الإدعاء أسوأ من الجفاء، والصديق المزيف أسوأ من القديس المدعي أو من الوجه الصفيق المغطى بالمساحيق. بل أن الصديق المخادع أخطر من عدو أزرق، لأن العدو يظهر عداوته دائما مما يساعدك على أخذ الحذر منه. ولكن في حال الصديق المخادع تكون غافلا عن المخاطر المحتملة أو المحدقة في الوقت الذي يطعنك فيه من الخلف. ولذلك فإن المطلب الأساسي للصداقة هو ميثاق الإخلاص والنقاء الذي ينبغي المحافظة عليه لأن الصداقة تعتمد اعتمادا كليا على ذلك العهد أو الميثاق.
يلي ذلك المثل العليا. وهنا يجب أن نعترف بأن الإنسان أعظم من ممتلكاته وأن الشاعر أكبر من شهرته وأن جمال الشاب أو الفتاة هو في النفسية والأفكار لا في الوجه والقوام وحسب.
لقد قال أحد الأصدقاء لصديق له: "لا يهمني يا صاحبي إن كنتَ غنياً أو فقيرا، معافى أو مريضا، محلا للمدح أو عرضة للقدح، حراً طليقاً أو قابعاً في ظلمة السجن، قريباً مني أو بعيداً عني، ولا يهم إن كتبت لي أو لم تكتب، أو تذكرتني أو نستني، أو أحببتني أو تخليت عني، سأبقى صديقك على الدوام."
فما كان من صديقه إلا أن كرر نفس الشيء لصديقه في أعماقه.
وقد قال المعلم برمهنسا يوغانندا لكاتب هذه السطور (نيرود):
"ليحدث ما يحدث وليكن ما يكن، ستجدني صديقك المخلص دوما."
مثل هذه الصداقة هي نسائم النعيم التي تهب على حياتنا البشرية من فردوس الروح بين الفينة والأخرى.
الجمال يذوى ويذبل، والشهرة تتلاشى وتضمحل، والثروة ينخرها السوس، لكن الصداقة الصادقة المتحررة من كل المؤثرات الخارجية تبقى حية على الدوام. ومثل تلك الصداقة هي نتاج المثل العليا التي يحترمها الأصدقاء ويؤمنون بها.
إن توقفت عن سقي حديقتك فستموت أزهارها ونباتاتها. وبالمِثل إن توقفت عن تغذية صداقتك بالمُثل النبيلة السامية فلن تعمّر طويلا. الإمبراطوريات قد تنهض وقد تسقط، لكن الصداقة الخالدة التي قامت بين العظماء وأصحابهم وصحابتهم قد خلدها التاريخ والزمن لأنها كانت مؤسسة على عهود ومواثيق، ولذلك لم تقوَ يد الدهر على المساس بها ولن تقوى.
(للبحث خاتمة...)
المصدر: مجلة الشرق – الغرب
الترجمة: محمود مسعود
" (...)
راق لي الموضوع جدا ...... فحبيت تشاركوني فيه
خصوصا اني هذي الايام اعاني من خيانة من اعتبرته صديقا لي
وللاسف اول مره قلبي يخدعني في الاختيار~!@n
كم واحد منا انخدع في صديقه
وياليت لو في قصه قصيره صارت معاكم:)
