فمنذ أن خطت أقدامنا الخطوة الأولى إلى أبواب العلم والمعرفة ، أتذكر سنوات الدراسة أواخر السبعينيات عندما كنت طالبا بالمرحلة الابتدائية بمدرسة مازن بن غضوبة ـ الثانوية الوحيدة في قطاع فيحاء عمان ، كيف كانت الهيئات التدريسية من مختلف الجاليات العربية من الدول الشقيقة ، فنمهم من أساتذة رحلوا عن أرض الكنانة أمت الأمم مصر الشقيقة ، ومنهم من ديار الحرمين المملكة العربية السعودية ، ومنهم من الأردن الشقيق ، ومنهم من فلسطين العروبة ، ومنهم من السودان بلاد الأراضي الواسعة الخصبة . وحتى ساعة إعداد هذا المقال أتذكر أسماء بعضهم ، ويكاد حتى تقاسيم وجوه البعض منهم أقدر اتذكرها ، رغم السنوات الطويلة التي أنقضت من عمري ، وبعد تلك الوجوه الطيبة عن ديارنا ، أتذكر المنهج القطري الذي استعانت به السلطنة في تلك الحقبة الزمنية الماضية ليكون مقررا دراسي ، أتذكر تلك الأناشيد بمادة المحفوظات جاءت مريم من لبنان ، ونشيد بلاد العرب ، وحمامة كانت بأعلى الشجر ، وقصة الأرانب عندما داهم الفيل دراهم ـ هدم الفيل دارنا وتركنا جحورنا ، فبماذا نحاربه يا أيها الأرانب ، يحن قلبي إلى تلك المقررات الدراسية الممتازة التي كانت تغذي عقولنا بالعلم والمعرفة ، فرغم كبر حجم الكتاب لكنها تحوي مادة علمية قيمة ومعلومات طيبة . يا للهول لتلك السنين التي أنقضت من حياتي وما أطولها وأنا على مشارف الأربعين من العمر ، أتذكر كيف كنا نحترم المعلمين ومدير المدرسة ـ وكيف كنا نواظب أنا وزملائي بالحضور مبكرا ، نركب سيارات البيد فورد الكبيرة ومن ثم سيارات الوانيت ( البيك أب المطربلة ) في تلك الفترة الماضية . حيث لا تتوفر وسائل النقل الحافلات المكيفة التي اليوم بفضل من الله ثم بفضل جهود المخلصين بوزارة التربية والتعليم وفرتها للأجيال الشابة الجديدة .
نعم كانت هيئات التدريس أغلبيتها أجانب إلى القليل من العمانيين الذين كانت لديهم خبرة ودراية في مجال التربية الإسلامية ، بحكم تعلمهم وثقافتهم الدينية التي اكتسبوها من العلماء والمشايخ الذين جالسوهم في تلك الأزمنة الماضية ، البعض رحل إلى مثواه الأخير ، والبعض منهم ما زالوا على قيد الحياة ، نسأل الله لهم طيلة العمر ، كما نسأله الرحمة والمغفرة لمن رحلوا منهم ، نعم كانوا أجانب وافدين لكنهم غرسوا في أنفسنا حب العلم ، وكانوا يقدسون الرسالة التي من أجلها تغربوا عن أوطانهم ، وعاشوا بيننا معززين مكرمين ، وهذا بفضل ما يختزنه هذا الشعب من إرث حضاري وقيم وعادات وتقاليد طيبة وأخلاق رفيعة ، شادت بها مختلف الدول في بقاع هذه المعمورة ، كنا نحسبهم مثل أولياء أمورنا حريصين علينا ، أن ننهل من ينابيع العلم ما هو قيم ومفيد لنا ، وأن نغذي عقولنا بما تختزنه تلك المقررات الدراسية ، من دروس في الرياضيات ، والعلوم ، والتاريخ ، والأدب ، والدين ، والجغرافيا ، واللغة العربية ، والتي كان التركيز عليها بمنحنا حصص تعبير وإملاء كثيرة في كل أسبوع .
إن للتربية الأسرية في تلك الحقبة لها دور عظيم في بالنهوض بمستوى التعليم في هذا البلد ، من حيث المتابعة المستمرة للأولياء الأمور لمعرفة مستوى أبنائهم ، كنت أتذكر الحشود التي تحضر لمتابعة مجلس الآباء ، وكنا نوزع لهم كرم الضيافة الذي توفر إدارة المدرسة (عصير السن توب) المتوفر آن ذك ، كذلك سلطة مدير المدرسة لها دور عظيم في رفع مستوى التحصيل الدراسي ، كذلك تدخلها في معالجة الأمور إن شابها تقصير من قبل الهيئات التدريسية بحزم شديد ، وبرقابة صارمة لكافة أوضاع المدرسة من طلبة أو مدرسين ، فكانت شخصية قوية ذات نفوذ تقوم بدورين هامين التربية ثم التعليم ، فكان هو الأمر والناهي وهي المتواجد في كل صغيرة وكبيرة مع الطلبة ومع المدرسين ومع أولياء الأمور عندما يجتمع بهم ، فكانت النتائج الثانوية العامة يشار إليها بالبنان في تلك السنين ، فكنا نتخوف أن يرانا المدرس ونحن في السوق أو في أي مكان ، وكان حالنا يرتجف عندما يوزع علينا المدرس نتائج الامتحانات ، ومن العقوبة التي سننالها لو أخذنا دراجات ضعيفة سواء من المدرس أو من ولي أمرنا ، الكل حريص على المثابرة والجد والاجتهاد ونيل العلم والمعرفة ، رغم عدم توفر وسائل الترفيه والراحة الحالية ، المكيفات ، والحواسيب وغيرها من مجالات الترفيه ، وسهولة المقررات الدراسية لجميع صفوف الدارسة من الابتدائي حتى الثانوي العام .
أتذكر الجرس الذي يمسكه المدرس بيده مشابها لجرس الكنائس لكن يختلفان في أداة الإمساك ، فجرس المدرس تمسكه تلك الأيدي التي تسمك كل يوم التباشير البيضاء والملونة بين أصابعها ـ لتفرغ ما في عقولها من علم ومعرفة ومعلومات قيمة تغذي بها عقولنا ، أما جرس الكنيسة معلق بمئذنة الكنيسة يقرع وقت الصلوات.
وفي سنة من السنوات كانت مدرستي تعمل على نظام فترتين صباحية ومسائية ، حينما قامت وزارة التربية والتعليم بالشروع في بناء مدرسة أخرى ثانوية بأسم مدرسة عائشة أم المؤمنين بفيحاء عمان ، كنا ندرس وقت الصباح ، وبعد الظهر أي بعد الواحدة إلى المساء يدرسن البنات ، تكون مدرسة عائشة قد اصطفت طالباتها للمباشرة والاستعداد ليوم دراسي لنيل العلم والمعرفة ، ونحن ننتظر السيارات المخصصة لإرجاعنا لمنازلنا ، ولم أتذكر أو أسمع عن مشاكل حصلت بين الطالبات والطلاب ولله الحمد ، وهذا بفضل تمسكنا بقيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا ومبادئ ديننا الحنيف ، كذلك بفضل فطانة وحكمة إدارات المدرستين . أما اليوم فما خفي كان أعظم رغم تباعد المدارس عن بعضها .
وعندما يأتي نهاية العام الدراسي يقام حفل بسيط يكرم فيه المدرسين المثاليين والمنتهية إعارتهم ، بعد أن قضوا سنوات من أعمارهم خدمة لمسيرة التعليم في هذا البلد العزيز ، وكنا نتشارك جميع طلبة الصف بتنظيم حفلا بسيط يلق بمدرسنا الذي سيودعنا بعد أيام ولم تراه أعيننا فيما بعد ، وكذلك ببعض الطلبة الوافدين الذي كانوا معنا في صفوف الدراسة لسنوات عدة . فنحضر رمز الضيافة العمانية عدد من دلات القهوة والفواكه والتمر ، ونشترك في شراء الهدايا التي تقدم للمدرس وزملائنا الطلبة الوافدين الذين انتهت مدة أقامتهم بالسلطنة .
فما أجملها من ذكريات ، وما أحلى أن ترجع بنا الذاكرة إلى الوراء ، لنتذكرها ونرصد أحداثها وذكرياتها الجميلة ، نعم سنين طويلة مرت وانقضت من أعمارنا . وها هو حالنا شبابنا اليوم ............
وللحديث بقية في حلقة قادمة إن شاء الله .
نعم كانت هيئات التدريس أغلبيتها أجانب إلى القليل من العمانيين الذين كانت لديهم خبرة ودراية في مجال التربية الإسلامية ، بحكم تعلمهم وثقافتهم الدينية التي اكتسبوها من العلماء والمشايخ الذين جالسوهم في تلك الأزمنة الماضية ، البعض رحل إلى مثواه الأخير ، والبعض منهم ما زالوا على قيد الحياة ، نسأل الله لهم طيلة العمر ، كما نسأله الرحمة والمغفرة لمن رحلوا منهم ، نعم كانوا أجانب وافدين لكنهم غرسوا في أنفسنا حب العلم ، وكانوا يقدسون الرسالة التي من أجلها تغربوا عن أوطانهم ، وعاشوا بيننا معززين مكرمين ، وهذا بفضل ما يختزنه هذا الشعب من إرث حضاري وقيم وعادات وتقاليد طيبة وأخلاق رفيعة ، شادت بها مختلف الدول في بقاع هذه المعمورة ، كنا نحسبهم مثل أولياء أمورنا حريصين علينا ، أن ننهل من ينابيع العلم ما هو قيم ومفيد لنا ، وأن نغذي عقولنا بما تختزنه تلك المقررات الدراسية ، من دروس في الرياضيات ، والعلوم ، والتاريخ ، والأدب ، والدين ، والجغرافيا ، واللغة العربية ، والتي كان التركيز عليها بمنحنا حصص تعبير وإملاء كثيرة في كل أسبوع .
إن للتربية الأسرية في تلك الحقبة لها دور عظيم في بالنهوض بمستوى التعليم في هذا البلد ، من حيث المتابعة المستمرة للأولياء الأمور لمعرفة مستوى أبنائهم ، كنت أتذكر الحشود التي تحضر لمتابعة مجلس الآباء ، وكنا نوزع لهم كرم الضيافة الذي توفر إدارة المدرسة (عصير السن توب) المتوفر آن ذك ، كذلك سلطة مدير المدرسة لها دور عظيم في رفع مستوى التحصيل الدراسي ، كذلك تدخلها في معالجة الأمور إن شابها تقصير من قبل الهيئات التدريسية بحزم شديد ، وبرقابة صارمة لكافة أوضاع المدرسة من طلبة أو مدرسين ، فكانت شخصية قوية ذات نفوذ تقوم بدورين هامين التربية ثم التعليم ، فكان هو الأمر والناهي وهي المتواجد في كل صغيرة وكبيرة مع الطلبة ومع المدرسين ومع أولياء الأمور عندما يجتمع بهم ، فكانت النتائج الثانوية العامة يشار إليها بالبنان في تلك السنين ، فكنا نتخوف أن يرانا المدرس ونحن في السوق أو في أي مكان ، وكان حالنا يرتجف عندما يوزع علينا المدرس نتائج الامتحانات ، ومن العقوبة التي سننالها لو أخذنا دراجات ضعيفة سواء من المدرس أو من ولي أمرنا ، الكل حريص على المثابرة والجد والاجتهاد ونيل العلم والمعرفة ، رغم عدم توفر وسائل الترفيه والراحة الحالية ، المكيفات ، والحواسيب وغيرها من مجالات الترفيه ، وسهولة المقررات الدراسية لجميع صفوف الدارسة من الابتدائي حتى الثانوي العام .
أتذكر الجرس الذي يمسكه المدرس بيده مشابها لجرس الكنائس لكن يختلفان في أداة الإمساك ، فجرس المدرس تمسكه تلك الأيدي التي تسمك كل يوم التباشير البيضاء والملونة بين أصابعها ـ لتفرغ ما في عقولها من علم ومعرفة ومعلومات قيمة تغذي بها عقولنا ، أما جرس الكنيسة معلق بمئذنة الكنيسة يقرع وقت الصلوات.
وفي سنة من السنوات كانت مدرستي تعمل على نظام فترتين صباحية ومسائية ، حينما قامت وزارة التربية والتعليم بالشروع في بناء مدرسة أخرى ثانوية بأسم مدرسة عائشة أم المؤمنين بفيحاء عمان ، كنا ندرس وقت الصباح ، وبعد الظهر أي بعد الواحدة إلى المساء يدرسن البنات ، تكون مدرسة عائشة قد اصطفت طالباتها للمباشرة والاستعداد ليوم دراسي لنيل العلم والمعرفة ، ونحن ننتظر السيارات المخصصة لإرجاعنا لمنازلنا ، ولم أتذكر أو أسمع عن مشاكل حصلت بين الطالبات والطلاب ولله الحمد ، وهذا بفضل تمسكنا بقيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا ومبادئ ديننا الحنيف ، كذلك بفضل فطانة وحكمة إدارات المدرستين . أما اليوم فما خفي كان أعظم رغم تباعد المدارس عن بعضها .
وعندما يأتي نهاية العام الدراسي يقام حفل بسيط يكرم فيه المدرسين المثاليين والمنتهية إعارتهم ، بعد أن قضوا سنوات من أعمارهم خدمة لمسيرة التعليم في هذا البلد العزيز ، وكنا نتشارك جميع طلبة الصف بتنظيم حفلا بسيط يلق بمدرسنا الذي سيودعنا بعد أيام ولم تراه أعيننا فيما بعد ، وكذلك ببعض الطلبة الوافدين الذي كانوا معنا في صفوف الدراسة لسنوات عدة . فنحضر رمز الضيافة العمانية عدد من دلات القهوة والفواكه والتمر ، ونشترك في شراء الهدايا التي تقدم للمدرس وزملائنا الطلبة الوافدين الذين انتهت مدة أقامتهم بالسلطنة .
فما أجملها من ذكريات ، وما أحلى أن ترجع بنا الذاكرة إلى الوراء ، لنتذكرها ونرصد أحداثها وذكرياتها الجميلة ، نعم سنين طويلة مرت وانقضت من أعمارنا . وها هو حالنا شبابنا اليوم ............
وللحديث بقية في حلقة قادمة إن شاء الله .