99 سبباً للهجرَة من مسقَط !/ردُهـات - جديد عائشَة السيفي

    • 99 سبباً للهجرَة من مسقَط !/ردُهـات - جديد عائشَة السيفي



      عائشَة السيفيّ


      ufuq4ever@yahoo.com




      تنشرُ صحيفَة نيويورك تايمز مع نهَاية كلّ عامٍ قائمَة تحتلّ صفحاتها وتعنوِنها بعنوان: (99 سبباً يدعوك للإقامة في نيويورك) .. وتدرجُ الصحيفَة كلّ عامٍ أكثر الأسباب التي تدفعُ الناس لاختيَار نيويورك كمحلّ إقامَة دائمٍ لهم .. تنشرُ الصحيفَة أسباباً مختلفَة .. بعضها طريفة وبعضها جادّة إلا أنها تبقَى في النهاية أسباباً حقيقيّة تجعلُ من نيويورك مقصداً لإقامة الكثيرين..

      خطرَت لي هذه الفكرَة كثيراً في مسقط .. وأنا أتجوّل في المولات.. أو في السيارَة متنقلةً من محلّ إقامتي بمسقَط إلى مكان عملٍ أو تسوّق أو غيرهِ ..

      وعادتْ هذه الفكرة وأنا أتبَادل مع أحد أقاربي الحديث حولَ تحوّل الكثير من العمانيين لقرارٍ هوَ انتقالهم من مسقَط إلى "بلادينِهم" الأصليّة بعد إقامةٍ طويلةٍ في مسقط يمضُون فيها معَ عوائلهم أكثر من عشرِ سنوَات..

      ترى ما الذي يجعلُ أسرة أقامت في مسقَط كلّ هذه الأعوام لتغادرها عائدةً إلى البلد؟ لابدّ أن لكلٍ منكُم أسبابُهُ.. وها أنا أتشَاركُ معكُم سببينِ يدعُواني كموَاطنَة إلى الهجرَة العكسيّة مجدداً من العاصمَة إلى مدينتيْ التي أنتمي إليها تماماً كآلافِ العمانيين الذينَ قرروا أن يحملُوا أمتعتهم ويعودُوا بعوائلهم الصغيرَة أو الكبيرة عكسياً إلى بلادينهم مقررينَ أن هذا أفضَل خيَار لديهِم للعيش:

      1/ كلّ يومٍ أدخلُ إلى فير كليّة الهندسَة حيثُ أدرس أصادفُ أولئكَ الرجال المسنين .. بلحاهم البيضاء تماماً وبشرتهم المتجعدَة وأسنانهم المتساقطة.. يشترونَ في الصباح قطعَة كعكة صغيرة وشاي ، وبانكسَار شديد يمدّون أيديهم إلى الكاونتَر ويدفعُون قيمَة ما اشتروه.. يصادفُهم أيٌ منكُم حينَ تنتصفُ الظهيرة نائمين متقلصين على أجسادهم في العراء.. عند سلّم الكليّة.. ولا يمكنكَ أن تشعر في تلك اللحظة سوَى بالبؤس.. هؤلاء السبعينيُون أو الثمانينيُون هم عمّال نظافة.. رجال عمانيون أباً عن جدّ.. بلغ بهم العمرُ عتيّاً ، تجهلُ كم فرداً يعيلُون وما الذي يدفعهم وهم في أرذّل العمرِ للعملِ في مهنَة كادحَة للغايَة كهذهِ .. وتتساءل؟ ترَى ما أقصَى ما يتمنّاه هؤلاء من الحياة؟

      على بضعِ كيلومترات من الجامعَة تتعالى القصُور الشامخَة.. كلمَا مررتُ عليها بالسيَارة كلّ يومٍ تساءلتُ هل يقطنهَا بشَر؟ ويا ترَى كم يملكُ هؤلاء من المَال؟ وكم يستفيدُ المجتمع من ثرَاء هؤلاء وتطويرِه اجتماعياً ومالياً.. جولَة صغيرة في أحياء مسقط .. تشعركَ بحجم التناقض الذي تعيشه وتتساءل؟ أكلّ هذا التناقض تخبّؤه عاصمَة صغيرَة كمسقَط؟

      يوماً بعد يوم تكتشفُ لدَى إقامتكَ في مسقَط حجم الفرُوق الطبقيّة التي بدأت العاصمَة تسدد ضريبَتها لمجتمعها.. لا تنزِل للتسوّق في أيّ مكانٍ عامٍ إلا وتصادف امرأةً عجوزاً تتسوّل.. رجالاً مسنين يتسوّلون.. شباباً سلبتهُم الإعاقَة ربيعَ عمرهِم يمشون بلا أيدٍ أو بلا أرجلٍ يمدُون أيديهم للمارّة، في كثيرٍ من الأحيان أغضب بشدّة لرؤيتهِم .. فكم أمقتُ التسوّل غيرَ أنني أتساءل في ذاتِ الوقت: أليسَ التفاوتُ الطبقيّ هو المسؤول عن تصدِير ظاهرَة كهذهِ؟ وهل نجدُ ظاهرَة كالتسوّل يمارسهَا مواطنُون في مجتمعٍ متساوٍ اجتماعياً ، "مسترخٍ" مادياً؟

      أتساءل حينها: أليسَ هذا طبيعياً في مجتمع يحتكرُ ثروَاته "شلّة" من الناس على حسَاب بقيّة المجتمع الغارقِ في الديُون والفقر والبطالَة؟ أليسَ هذا نتاجاً لمجتمع يتخرّج منهُ سنويَاً قرابَة 40 ألفاً .. تستقبلُ وزارة التعليم العالي ربعهُم ويستقبلُ الشارع الثلاثَة أربَاع الباقيَة؟

      مسقَط.. عاصمَة الفرُوق الطبقيّة بامتيَاز.. أنيقَة .. مغطَاة بالماكيَاج.. يعرفُ المقيمُ بها فقط .. أيّّ تناقضٍ تخبئ! قاتلَ الله الفروق الطبقيّة ..



      2/إذا كنتَ موظفاً في مسقَط.. تقيمُ في الخوض أو الحيل أو الموالح.. تقطعُ يومياً المسافَة ذاهباً للدوام في الخوير أو القرم أو روي أو العكس فإنه ينبغيْ أن تذهب بمزاجٍ رائق جداً .. لأنكَ تدخلُ يومياً في امتحانِ صبرٍ حقيقيّ وأنت تمتحنُ صبركَ عائداً من الدوامِ أو ذاهباً إليهِ.. يفقدُ المرء أعصابهُ والسياراتُ تتكدّس على بعضها البعض.. وفيما تمضي 10 دقائق كأقصى حدّ كمدّة للوصول لمقرّ عملك حينَ تكُون في "البلدِ" فإنّ عليكَ أن تحسبَ 45دقيقَة وأنت تذهب أو تعُود في مسافةٍ لا تتعدّى 30أو40 كيلُومتر ! وإذا حدثَ حادثٌ بسيط في الشارع السّريع فإن العاصمَة بأكملهَا تصَاب بالشلل..

      أخرجُ يومياً في دروسِ تعليم القيادَة.. وأشاهِد كم أن الناسَ لم يعودوا يملكُون الصّبر.. أحدهُم يدخل عليكَ فجأة بلا مبالاة وأنت في أقصى سرعَة.. لا إشارات.. لا احترام للسائقين الآخرين ولا "طولة بال" من قائدي السيارات على بعضهِم البعض..

      تشعرُ كم أنّ هؤلاء يرزحُون تحتَ ضغوط الحياة اليوميّة وكم أنّ صبر هؤلاء قد بدأ بالنفادِ منذ زمنٍ طويل..

      عاصمَة ظلمَها مخططو الزمَن البعيد وظلمُوا أهلها بهذا التخطيط "البدائيّ" المفتقر لأدنَى أساليب التخطيط ألا وهوَ الرؤيَة المستقبليّة للعمرَان السكَانيّ والبشريّ والتجاريّ !

      سببانِ فقط ضمنَ 99 سبباً دفعَ كثيراً من هذه العائلات للهجرَة من مسقَط إلى "بلادينهم".. لابدّ أن كثيراً منكُم عايش بطريقةٍ أو بأخرَى هذينِ السببين.. ولعلي أكمل في مقالٍ قادمٍ أسباباً أخرى أو لعلي أتركُ لكم مساحةً بيضاء.. تملؤونها بهمومكُم اليوميّة التي تحتضنهَا أرضُ مسقَط العاصمَة.. ولا تجدُون لها منفذاً سوى العودَة للمدينَة الأمّ التي غادرتمُوها يوماً بحثاً عن الحلم في مسقَط ثمّ عدتم بعد أعوامٍ عائدينَ إلى حضنهَا !




      المصدر : عائشَة السيفي


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions