قَبائل / و DNA
لا يحزنكَ في عُمان مشهدٌ أو موقفٌ أكثرَ من انغماسَ شابٍّ عُمانيٍّ حتى عنقِه أو ربما أطراف شعرِ رأسِه في خِطابٍ قبليٍّ عنصريٍّ متشدد. مع وجود معطيات علمية بحتة أو تجارب حياتيَّة قد يأمل المرء أنَّه [تنقذ] البشر من هكذا خطابات متناقضة.
ليس مرجع ذلك ــ حسب تقديري ــ انتماءً حقيقياً جدَّا أو إدراكاً يقيناً قاطعاً أن للسلالة [التي يفترض كثيرون نقاءَها] دورٌ كَبيرة في تحديد إنجازات الإنسان وفرصِه بقدر ما تكون الظروف الطبيعية والوراثية، وليس إلّا امتداد للتقلين الاجتماعي والخوف من الخوض في التفكير المُختلف، التفكير الذي يفترض به أن يكون مغيِّرا ومجدداً ومحسٍّنا للوضع القائم.
هذا التناقض في العيش وفي السلوك وفي اللغة الذي يظهر بجلاء على المُعانين من الأجندة القَبلية تناقضٌ يرتطمُ بعنفٍ شديدٍ أمام أبسط محاولات التفكير، أعني حتى في هذه الحالة لسنا في حاجةٍ إلى تفكير متعمِّقٍٍ لندركَ أن الدور القَبلي ــ ولا سيما في عُمان ــ أخذ في الانحسار بعدما تولَّت الحكومة المركزية الدور المدني والسياسي الأكبر، وأصبح الشيوخ الذين كان بعضهم أمراء وكان بعضهم الآخر قياديين إقليميين كباراً أصبحوا من ضمن فريق الاستفادة الكَبير من الدولة بمختلفِ الأعذار، أن تكون شيخاً في عُمان يعني أن تستحضرَ تواريخَ هائلة لأجداد بعيدين جدَّا وأن تكون لك أبواب مختلفة عن غيرِك، ومع قناعتي أنَّ السلطان قابوس يفعل ذلك تقديراً لأدوارٍ تاريخية لبعض الشيوخ الكبار، وكذلك وجود هذا الهامش من التعامل مع الإرث إلا أنَّ ما يظهرُ أنَّ أكثر الناس تعصبا للقبائل هم أكثر الناس بعداً عنها، كيف ذلك؟
ما ألاحظُه من خلال نقاشاتٍ متعددة ومختلفة مع عدد كَبير من الأصدقاء مختلفي الانتماءات القَبلية والتصنيفات أنَّ أكثر الناس تشددا في الدفاع عن القبلية والمَشايخ هم من الناس [العاديين] بل وصلَ الأمر ببعضهم إلى قول أنَّ طاعة الشيوخ [من طاعة أولي الأمر] ومثل هذا الخطاب غير موجود أصلا في عُمان فولي الأمر هو واحد وهو السلطان قابوس ولا أظن أن أحدا سيحبُّ خوض مُغامرة صعبة ليقولَ غير ذلك.
نحن لسنا السعودية ليكون لنا سبعة آلاف أمير وولي أمر وكما يرى الناس في عُمان فإنَّ العائلة الحاكمة لا نراهم يتهافتون على [ولاية الأمر] كما يفعلُ الجيران مثلا !!
ليست هذه الفكرة التي أريد طرحَها، قد ابتعدت قليلا عنها.
الفكرة يا أصدقاء أنَّ أكثر الناس دفاعاً عن المنظومة القَبلية ــ كما يظهر لي ــ هم أقلُّ الناس ارتباطاً بها من فوق، وكأنما يعتقدون أنَّ دفاعهم المستميت عن فكرة القبيلة والسلالة سوف تلقي بظلال من [التأكيد] على أنَّهم [أولاد عرب] أو [قبيليين] بينما تقول العلوم القبلية أنهم ليسوا من سلالات شيوخ أو من سلالات شيوخ تَميمة.
أتمنى أن يفهمني القارئ الكَريم هُنا، أنا لا أقول أن الذي يحمل لقب [شيخ] أو الذي اختارته قبيلته ليتولى هذا الدور المدني السياسي قليلا والاقتصادي بعض الشيء عليه أن يرفضَ ذلك، المشيخة والشيوخ جزء من الإرث والعادات وكان في يوم من الأيام خياراَ ضرورياً لغياب دولة مركزية وسلطة مدنية وأحوال مدنية كما هو موجود الآن.
الدولة في عُمان أخذت موضوع الشيوخ بهدوء وسحبت البساط من تحتهم بهدوء أيضا، ولا أعرف لماذا يعود الخطاب [الشيخي الآن] مرة أخرى، ويؤسفني أنني لا أستطيع فهم ذلك؛ لأنَّ ما يدور في الأروقة الكَبيرة يخصُّ من هم فيها، ونحن كمواطنين عاديين [محجوبين عن العلم] في سياقنا الاجتماعي نحاول أن نفهمَ ما يحدثُ لنا بعد حدوث التفاعل الذي يؤثِّر علينا، والذي بسببه سوف يتأثر كل شيء له علاقة بنا.
&&&
الشيوخ الكبار في عُمان معروفون، ولا يحتاجون إلى تعريف أو ذكر، ومع وجود مجموعة من الشيوخ الصغار الذين يحاولون اعتلاء المنصات والبحث عن دورٍ بأي شكل كان فإنَّ الوضع [المشيخي] في عُمان هادئ، أعني صحيح ثمة نعرات هُنا وهُناك وثمة خلافات واختلافات إلا أنَّه يمكن القول ــ بصدق ــ أن الأوضاع في عُمان هادئة للغاية من هذه الناحية؟
يمكنني أن أقول أن الدولة تقوم بعملٍ رائع في إرضاء هؤلاء وإسكاتِهم بالمال أو بالحال أو بالوجاهة المراسيمية، فهي ذات يوم احتاجت لهم وها هي اليوم تكافئهم على صبرِهم وتنازلاتهم عن صلاحياتهم السياسية والمدنية لتحلَّ الفكرة - التي لم تتحقق كليا حتى الآن - الآخذة في التحقق، فكرة دولة المؤسسات والقانون مكان دولة القبائل والمَشايخ.
وحسبما أعرف فإنَّ نظاماً معقَّدا في وزارة الداخلية يتولى منح أو سحب هذه التسميات، وإن كانت الدولة التي لديها رؤية ولا ريب في ذلك لا تزال مصرة على منح هذه الألقاب ليل نهار لكل وزير جديد، فلا مانع ما دامَ ذلك لا يعني أن يغرقَ نصف الشعب العُماني، ونصف الشباب ــ للأسف الشديد والعَميق ــ في هذا الخطاب غير المنتج، خطاب البعد والقرب من القصر واعتبار الاستحقاق سلالياً بحتاً ينافس المجتمع لا إنجازياً كما يسير العالم الآن.
&&&
كنتُ أناقشُ قبلَ فترةٍ من الزمن صديقاً عزيزاً للغاية عن فكرة القبائل، وأقول له:
يدهشني أن أجد أنَّ أكثر خلق الله تشددا في القبلية هم ــ في الغالب ــ الذين ليس لديه معبِّر قبلي تاريخي حقيقي عن قيمتهم السلالية، أعني هم [أولاد عرب] ولكنهم [ليسوا شيوخا أو من أبناء شيوخ التمائم مثلاًً] فلا هم قادرون على تقبل وضعهم المدني الجديد ولا هم قادرون على أن يكونوا بقدرة قادر [شيوخاً] في عُمان، ولا هم قابلون أن يكونوا مثلَنا مدنيين عاديين لا يهمهم كثيراً العودة إلى التعبير الإداري القَبلي [بمعناه المعيشي المباشر].
قلت له: إنَّ فكرة [ضَمان] سلالة أي إنسان هي ضرب من ضروب المراهنة العَمياء، فحتى لو افترضنا سلامة النسل حتى الجدِّ العاشر [لأيِّ إنسان كان] هل يضمن نفسَه حتى الجدِّ العشرين والخمسين؟ أعني هل يضمن أيُّ إنسانٍ أنَّ إحدى جدَّاتِه مثلا احتضنت رضيعا وجدته بالقرب من البئر، أو أنَّ معركةً حدثت وتم سبيُ إحدى الأطفال وربَّته جدَّة رقمها [55] وكان ذلك بالصدفة جدَّه ذلك المُدافع والمُنافح عن صفاء السلالات؟ كنت أفترضُ ذلك من خلال قراءة تاريخية عابرة، افتراض أن ذلك يحدث في التاريخ والحروب والخيانات وحتى الخيانات الزوجية واردة، ألم ترد روايات تقول أنَّ بعض القدماء الجاهليين كانوا ينتخبون لزوجاتِهم ويرسلونَ زوجات صغيرات لهم ليقعنَ تحتَ شاعرٍ أو مقاتل لينجبن منه [تحسينا للنسل] أليس هذا قائم؟؟
أجابَني هذا الصديق بهدوء: حسنا كلامُك جَميل، ولكن لم لا نريح أنفسَنا ونخضع كل هؤلاء الذين يصرخون بالقبلية إلى فحص [DNA] ودعنا نتتبع السلالات التي يصرخون بها ليل نهار والتي يفترضون أنَّها صافية وخالصة، هل يريد أحد هؤلاء خوض هذا التحدي؟؟
قد صعقني ما قالَه هذا الصديق !! أعني الفكرة مرعبة للغاية وبصدق لا يمكن تجاهلها، وهي خطيرة جداً.
عندما يرتطمُ هذا الوعي القبلي [الواهم] بالعلم الحديث هذا الارتطام المؤلم تحدث تلك الخلخلة في الوعي، الوعي الذي يعتمدُ على مبادئ تلقينية غير علمية إطلاقاً من جهة، وغير إنسانية من جهةٍ أخرى، وافتراضات أنَّ الحياة ستسير [بأبناء العرب] أو [بالأحرار] وفق دولة يقول نظامَها الأساسي أنَّ الناس جَميعا فيها [أحرار] ولا تفرقة بينهم حسب اللون أو الجنس أو غير ذلك. إن فكرة فحص القبائل مثلا باستخدام [DNA] تبدو لي مضحكة للغاية، ولكن ماذا لو؟؟ ماذا لو بالفعل تمَّ هذا الفحص؟؟
&&&
لست ضد أن يحصل على الخير الشيوخ ويشهد الله أنني أتمنى أن الذي لديه خير أن يكون له خيران وثلاثة [خيراوات][1] وليس في نفسي حرجٌ أن يعيشوا وأن يكافئهم السلطان على الأدوار التاريخية التي اعتلاها أجدادهم أو على دمائهم التي سفكوها وقدموها من أجل عُمان [قبيلة البلوش مثالاً.
ليس محرك هذا القول حقد أو حسد ويشهد الله أنَّ كل دعوة يحركها حقد وحسد مآلها أن تحرق بصاحبِها، الخير في عمان موزَّع على هيئة كتل عشوائية وأحياناً بها شيء من الحظ أو من التنظيم الاجتماعي.
أعني انظروا لحال العُمانيين الشيعة الذين هم أكثر العُمانيين تعليماً وقرباً من الدولة، ومنهم مسؤولون كبار في الدولة.
أريد أن أقولَ أن القبائل تتفاوتُ في الخير وفي الحظِّ من التعليم، ومثلما مثلا حظ بني كلبان وبني عُمر الآن في عُمان في المناصب العسكرية والأمنية، فإنَّ حظ اللواتيا والعجم والبحارنة في الوظائف المالية والاقتصادية، كل ذلك له أسباب، ويعود إلى تاريخ قديم أعمق مما يتصوره البعض بسهولة.
&&&
الذي يثير استغرابي أنَّ هؤلاء الذين [بالفعل] يأتون من تاريخ [قَبلياً] يحمل صفة احترام وتقدير أكثر هدوءاً وأقل نعرةً من أنصافِ القبليين. ينطبق عليهم ربما مثل السنبلة التي إن ازدادت ثقلا انحنت أكثر.
كما يمكنك أن ترى في عُمان فريقاً من المُقاتلين على لقبِ [شيخ] يسفحون الغالي والرخيص من أجل الحصول على هذا اللقب الذي لا أعرف إن كانت الدولة ــ ضمن استشرافها لمرحلة ما بعد النفط ــ تريد إرجاعَه كما كان.
&&&
أعتقد أنه لا يمكن منطقيا إلغاء النظام القَبلي بين ليلة وضحاها، هذا أمر يحتاج إلى سنوات طويلة وإلى توازنات لا يجيدها أي شخص أو تستطيعها أية مؤسسة.
كما أنَّه من المتفهم أن يرى البعض أن وضعهم المشيخي سيجعل حقَّهم في التقدير التاريخي موجوداً وبصدق أنني لا أجد حرجاً أن أقول لفلانٍ شيخ إن كان هذا اللقب يمنح مدنيا من قبل وزارةِ الداخلية.
ما أنادي بكل صدق أن يتواضعَ المرء وأن يعود إلى الإنسان الذي بداخله وأن يتذكّر أن صفاء السلالات ليس إلا وهم من الأوهام الكثيرة التي يجب على العقول أن تتصدى لها وأن ترفض إدخالها إلى الأدمغة دون فلترة حقيقية، ولعلَّ فحصا شاملاً لــ [DNA] سوف يظهر لكثيرين أنَّهم في نهاية المطاف ليسوا من قبائلهم وإنما إحدى جداتهم قبل قرونٍ عديدة كانت تبنَّت الطفلَ الوحيد لجدهم الثمانين والذي قتلَ كل أبنائه في الحرب وبقي ذلك المتبنى ممررا للسلالة دون أن يعرفَ أحد أن تلك السلالة ــ كغيرِها ــ مصابة بالخلط الطبيعي جداً والذي يحدث، وكما تختلط اللغات والحروف والأفكار والأنساق السلوكية والذهنية، فإنَّ الأنساب أيضا تفعلُ ذلك، إنَّها الأسطورة[2] التي يحاول البعض إيهام نفسِه بها، بحجج واهية لا تصمد أمام أبسط تحليل علمي أو أوهى خيطٍ من خيوط النقاش.
لماذا يفعلون ذلك؟ تلك قصة أخرى..
مودتي وأراكم لاحقاً ..
[1] - ما هو جمع خير؟؟
[2] - كما يقرر عقلٌ ما. لن أذكره الآن.
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions