* طمس هوية اللغة العربية خطر يحدق بأهله مع سيطرة الثقافات.

القاهرة - أيمن رفعت

صدر عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "التنوير•• قضايا•• وشخصيات" للدكتور محمد أبو الخير ، وفي هذا الكتاب يلقي المؤلف الضوء على بعض القضايا الثقافية والفكرية التي نواجهها لكي نضع لحظة تأمل عميق تدفعنا إلى الفهم والتحليل للموضوعات المطروحة، ومحاولة وضع رؤية مستقبلية لكي تكون لدينا خطط ومناهج علمية نواجه بها التحديات القادمة• يضم الكتاب سبعة فصول تتراوح بين القضايا المتعلقة بالتنوير والشخصيات والنماذج الدالة على هذا التنوير•• تبدأ بتمرير ثقافة الجماعة التي تتبنى التنوير منهجًا، وكون التعليم نهضة أمة، ثم اللغة العربية والتحديات التي تواجهها على المستوى الحضاري•• ثم يعرض المؤلف اليابان كحالة متميزة للدخول في عصر المعرفة، ويبين بعد ذلك أهمية التنمية المستدامة، وكيف أصبحت من أولويات الألفية الثالثة، وأهمية ثقافة السلام في دعم وترسيخ حوار الحضارات، وتعرض خاتمة الكتاب لشخصيات رائدة في التنوير• في البداية يشير المؤلف إلى كتب الأديب "بريسير" "فجر الضمير" الذي يصف فيه مصر بأنها دائمًا حضارة أمة، ومصر دائمًا دولة قوية وولادة عبر كل المراحل التاريخية ومهما يمر بها من أزمات فإنها دائمًا تحتويها بصلابتها وثرائها المتنوع، فأزمة أسرة لا تعني أزمة مجتمع وأزمة مجتمع لا تعني أزمة أمة، وإنما يجب علينا رصد وتحليل ظواهر نعيشها ونواجهها في مجتمعنا، لكي نتعرف عليها من أجل تطوير الواقع.

ويرى أن من أجل تطوير مجتمعنا يجب أن نعرض لجماعتين هما: الجماعة المعتمة والتي تعني أن ثقافة أفراد هذه الجماعة تتمحور حول ذاتها دون مصلحة المجتمع• أما الجماعة المنيرة فتتسم ثقافتها بالعمل الدءوب بعزيمة صادقة وروح مفعمة بالأمل حاملة قضايا هذا الوطن وهذه التحية تقف كمنارة ثابتة صانعة توهجًا متجددًا أو استنارة فكرية/ نسيج الوطن تحوله إلى قوة دافعة للأمام• ومن سمات الجماعة المنيرة - كما يقول المؤلف - أنها حاملة رسالة وصاحبة رؤية وتؤمن بأن العمل من أجل الناس وليس من أجل المصلحة الذاتية، ومن سماتها أيضًا، إتقان العمل على اعتبار أن احترام العمل وإتقانه حتى يصبح هذا العمل متعة تمارس ركيزة أساسية في طريق النجاح ومن صفات هذه الجماعة المستقبلية شعارهم حيث الانطلاق من عالم الماضي - الذي كثيرًا ما نتقوقع داخله - والحاضر إلى رحابة المستقبل بالتخطيط له وتحويله من خطة إستاتيكية جامدة إلى فعل ديناميكي متحرك• ويذكر المؤلف أن الركن الأساسي في الجماعة المنيرة شخصية ألفا ودلالتها هنا تعني الأولي أو الرائدة وهنا نموذجان متفردان لشخصية "ألفا" استطاعا أن يغيرا المحيط من حولهما: النموذج الأول هو د• طه حسين قاهر الظلام، والنموذج الثاني هو "ستيفن هوكنج" الذي لم يمنعه المرض من ممارسة عمله في علم الكونيات (القوانين والنظريات التي تحكم الكون) إنه نموذج في مقاومة الصعاب والمستحيلات• ويضيف إن الجماعة المنيرة وشخصية "ألفا" يمكنهما أن يضعا منهجا ومسارًا جديدًا للتفاعل مع واقع مجتمعنا وإيجاد روح جدل وحوار مع الجماعة المعتمة لاستنفار الطاقات الكافية فينا من أجل إيجاد روح إبداعية في مسيرة تحديث هذا الوطن. ** ثلاث مراحل

ويرى المؤلف أن التعليم هو قاطرة التقدم لمواجهة تحديات المستقبل للبشرية ومنها كانت هناك عتبات اقتصادية أمام برامج التعليم الأساسي أو الجامعي - فيجب أن يتم توفير الدعم المالي المناسب والمطلوب لتحقيق هذه البرامج، ويتناول المؤلف التعليم الجامعي من خلال ثلاثة محاور متفرقة ومرتبطة في الوقت نفسه: المحور الأول: دور المكتبة بوصفها منارة للمعرفة وبوصفها تتجمع فيها معارف وثقافات متنوعة عليها أن تسهم في تطوير البحث العلمي• أما المحور الثاني: وهو الأبحاث الجامعية من رسائل ماجستير ودكتوراه وما بعد الدكتوراه فمن الضروري إيجاد طرق للاستفادة من هذه الأبحاث التي يمكن أن يحقق منها نفعًا كبيرًا لهذا الوطن، بل للإنسانية جميعا وهذا يقودنا إلى الحديث عن المحور الثالث: وهو علاقة الجامعة بالمؤسسات الصناعية حيث يؤكد المؤلف أن الجامعة بحاجة إلى موارد مالية لتواصل البحث العلمي، وعالم الصناعة بحاجة إلى أبحاث لتطوير الصناعة وأيضًا للتغلب على مشكلاتها• هل يمكن أن نتخيل مجتمعنا بلا لغة؟ هل يمكن أن نتخيل العلاقات بين أفراد ذلك المجتمع؟ هل يمكن أن نتصور إنجازات هذا المجتمع؟ أسئلة صعبة يجيب عنها المؤلف: اللغة هي وسيلتنا للتفاهم مع بعضنا البعض، هي أداة التعبير عن المعاني التي يعبر بها البشر عما في نفوسهم وأفكارهم من خلال الكلام، ومن هنا تصبح اللغة عاملا أساسيًا في توثيق الصلات الاجتماعية بين البشر، وأيضًا المحافظة على المجتمع ذاته إلا أنه من خلال اللغة أوجد الإنسان قانونًا ينظم حركة المجتمع.

ويذكر المؤلف أن اللغة العربية تواجه تيارات متعددة من الثقافات المختلفة بلغاتها المختلفة في عصر العولمة، التي ساهمت في التفاعل الجبري مع وسائل مختلفة ومتعددة منها المذياع، والتليفزيون، والسينما، والصحافة، والكمبيوتر، والإنترنت، والفضائيات•• إن الفواصل القديمة بين الشعوب أصبحت غير موجودة، وباتت المجتمعات منفتحة على بعضها ولا بأس من تلاقح الثقافات فهذا أمر تاريخي ومقبول، لكن أن يتحول التلاقح إلى سيطرة وإلي محاولة طمث هوية اللغة العربية، فهنا يجب على أهل اللغة العربية أن ينتبهوا لهذا الخطر الواقع من انتشار مفردات وجمل من لغات مختلفة• ويذكر: موقف الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك" حينما خرج غاضبًا من قاعة المؤتمر الأوروبي في أحد الاجتماعات عام 2006، والسبب في ذلك أن أحد رجال الأعمال الفرنسيين ألقى كلمته باللغة الإنجليزية، مع العلم أن الفرنسية لغته الأصلية، وهذا المشهد يعطي دلالة عن ضرورة احترام اللغة الأصلية بل التعصب لها.

** اليابانيون يطورون

يشير المؤلف إلى كتاب "المعجزة اليابانية" لعالم الاجتماع إزرا • ف• فوجل الذي يقول فيه: رغم أن اليابان لا تملك بعد أكبر ناتج قومي إجمالي في العالم، ولا هي الدولة التي تقود العالم سياسيًا أو ثقافيًا إلا أنني كلما لاحظت نجاح اليابان في شتى المجالات ازددت اقتناعًا بأن اليابان قد تعاملت مع الكثير من المشكلات الأساسية للمجتمع الصناعي المتقدم بشكل أكثر نجاحًا من أي دولة أخرى• ويضيف: اليابانيون يطورون من أنفسهم بشكل دائم وهناك مرحلتان مهمتان في تاريخ اليابان في العصر الحديث الأولي مع الأحياء في عام 1868 لتبدأ اليابان تبني دولة صناعية ترسانات السفن مصانع الصلب، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية 1945، حيث تبنت اليابان نظامًا ديمقراطيا نادرًا بحق الانتخابات وحرية التعبير والتعددية الثقافية وحرية المرأة• ويلقي المؤلف الضوء على بعض النماذج المضنية للمجتمع الياباني، رغم هزيمة اليابان من الحرب العالمية الثانية وما فعلته القنبلة الذرية من دمار إنساني وبيئي، ولكن هيهات فاليابانيون يتمتعون بروح قتالية فولاذية•• إن السر يكمن في الروح التي يمتلكها اليابانيون وقوة حبهم لبلدهم فمنهم من على استعداد للتضحية بحياتهم من أجله وإذا انتقلنا إلى مجال الاقتصاد يقول أحد خبراء الإدارة العالميين: عندما يفشل مشروع اقتصادي في أوروبا تستغني الإدارة عن العمال، وعندما يفشل مصنع في اليابان تتغير الإدارة ويبقى العمال•• إنه العمل من أجل بناء اقتصاد قوي إنها المنافسة والتحدي من أجل التفوق إن السبب الحقيقي وراء تقدم اليابان هو تكتل اليابانيين وإحساسهم بأنهم فرد واحد يسعي إلى صنع دولة قوية ذات اقتصاد قوي ينافس الاقتصاد الأوروبي والأمريكي ومن الشخصيات المنيرة التي يلقي عليها الضوء مؤلف هذا الكتاب، د• محمود حافظ شيخ علماء مصر والعالم العربي، قائلا: لا يتسع المقام لذكر الإنجازات العلمية لهذا العالم الجليل، ولكن من منظوري إن مسيرة هذا العالم الجليل ذات الدلالات الناصعة التي أرغب في أن أتوقف عندها هي: قيمة المواطنة بمعناها العميق والواسع وبكل ما فيها من إحساس بالانتماء للأسرة العلمية من داخل الجامعة وخارج أسوارها، ولم يأخذ هذا العالم بلغة الاستسهال في الموضوعات التي يبحثها وإنما ينهج منهجًا علميًا مدققا وباحثًا من أمهات الكتب ومن إنجازاته العلمية أيضًا عمله على تواصل الأجيال حيث كون د• محمود حافظ مدرسة علمية تخرج فيها أجيال كثيرون من العلماء نهلوا من علمه الواسع وعملوا معه في مشروعاته البحثية.

** رحلة مستجير

ويذكر أيضًا العالم المستنير د•أحمد، فيقول: كانت حياة د• أحمد رحلة معرفية رحلة عطاء مصرية أصيلة، وللعالم أحمد إسهامات علمية كثيرة فهو صاحب مدرسة في علم الوراثة، عشرات الأبحاث في هذا العلم، جاهد في تطوير مفهوم الزراعة، واستنبطا أنواعًا جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني فأسس مركز علوم الوراثة• كان د•أحمد يحلم بإنشاء مركز للهندسة الوراثية، هذا العلم المستقبلي وكان في حاجة إلى 8 ملايين جنيه لكنه لم يتمكن من تدبير المبلغ•• فهل يمكن لتلميذ من تلامذته أن يحول المشروع إلى حقيقة واقعة؟! وينقلنا المؤلف إلى قمة مصرية أخرى ولكن هذه المرة في المجال الأدبي، فيذكر الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ قمة مصرية وأصالة مصرية عريقة حياته ثرية مليئة بالإنجازات الكبيرة في مسيرة هذا الوطن العزيز: "إن أعمال نجيب محفوظ ملتزمة بالقضايا الاجتماعية والسياسية بأسلوب فني جذاب، يشرح ويحلل الواقع بكل شخصياته بأبعادها النفسية والاجتماعية والجسدية، شاهدًا بها على تطور التاريخ المصري خلال القرن العشرين"• وفي ختامة حديثه عن أديبنا العالمي يذكر المؤلف موقفًا نبيلا يضاف إلى نجيب محفوظ، لقد قسم مبلغ جائزة نوبل على أهل بيته وأخذ نصيبه الشخصي وتبرع به إلى "بريد الأهرام" لمساعدة المحتاجين إنها المشاركة المجتمعية التي تسعي للارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل عاش نجيب محفوظ مع الناس وبعدسته الفاحصة والراصدة يتأملهم ويكتب عنهم "آمالهم•• أحلامهم•• طموحاتهم"•• كل ذلك من واقع الحياة.