فساد الجامعات العربية .. نزول للهاوية أخبار الشبيبة

    • فساد الجامعات العربية .. نزول للهاوية أخبار الشبيبة

      كتب - د. خالد محمد غازي

      تصوروا الرجل الأكثر بعدا عن "الوسامة والأنحف بنية والأكثر ضعفا" في آسيا، بمحيا وبشرة من برونز ورأس رمادي حليق وعظام وجنات ناتئة.

      حينما طرأت على ذهني قضية مشكلات المرحلة الجامعية وقضايا التعليم العالي والبحث العلمي، لم أجد محوراً محدداً أستطيع أن أقف عليه، باعتبار الأمر متشعباً ومتعدد الجوانب والأسباب، وتلمسنا منه نتائج أكثر تشعباً وتعقيداً، إذ حال جامعاتنا في العالم العربي مثل المصالح الحكومية وفي أفضل الأحوال كمدارس التعليم الأساسي التي تفتح لتؤدي وظيفة روتينية ثم تغلق ولا تتابع نتائج ما قدمت، رغم أن الجامعة وسط اجتماعي يكسب الطالب الوعي والإدراك ورجاحة العقل، فهو منبر من المفترض أنه يربي أجيالاً ويزرع في نفوسهم روح العلم والتعليم والتحضر لكن ما نلحظه في هذه الأيام أن الجامعة أصبحت مقرا متميزا لعروض الأزياء كل على طريقته.. ومكانا لاستقطاب الطلبة بعضهم لبعض للاهتمام بتوافه الأمور والمظاهر الكاذبة من لبس وثراء وإمكانيات مادية لا علاقة لها بالحرم الجامعي.. إلا من رحمه ربه فحفظه، بالتأكيد لا أسوق الكلام على كل الطلبة والطالبات في الجامعة فهذا فيه من الظلم والتجني الكثير، لكن أقول في العموم هناك مظاهر لا ترقى لأن تكون في جامعة، مثل مظاهر البذخ والترف، وعروض الموضة والأزياء. كما أن كثيرين رأوا أن جامعاتنا ليست إلا واجهة اجتماعية للاستهلاك المحلي تنفصل كليا عن سوق العمل أو المؤسسات البحثية.. فبات الدور الرئيسي للجامعة هو تزكية الشاب عند إقدامه على الزواج، لتكون في بعض الأحيان عوضًا عن قصور مادي أو اجتماعي يعتريه.

      وهذه الرؤية لم تأت من فراغ أو اجتهاد شخصي منعزل عن الواقع الذي نعيشه في الوقت الراهن، لكن جاءت نتيجة صدور القائمة السنوية لأفضل الجامعات في العالم، من حيث المعايير الدولية المعروفة أي من حيث عدد البحوث العلمية المنشورة على المستوى الأول، بمعنى مستويات الحوليات الكبرى المعترف بها في المحافل الأكاديمية ذات التأثير الواسع، والتي لا تنشر إلا المواد العلمية التي تبدع وتجدد، وتأتي بتطوير أو بتحديث أو بتثوير حتى لمعطيات قديمة ومعلومات معروفة. والمعيار الثاني هو حصول أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعة على جوائز عالمية أو إقليمية ذات مصداقية، والمعيار الثالث هو مدى دخول الجامعات فضاء الثورة الرقمية ومجالات الكمبيوتر، ومدى اعتمادها من خلال هذا الفضاء على تجارب ونشاطات نظيراتها من الجامعات العالمية العريقة، والمعيار الرابع هو إلغاء الحدود وكسر الحواجز ما بين التخصصات العلمية، وهو ما يفيد بتحديث التعليم العالي ودخوله عصر ما يسمى وحدة المعرفة، أي التفاعل الذكي المبدع بين العلوم، مثل التفاعل الضروري بين علوم الحياة البيولوجية وفلسفة الدين والأخلاق فيما يتعلق بعلم الوراثة الجينية وعلاج الأمراض الوراثية أو التعاطي مع التخصيب الاصطناعي والحمل خارج الرحم إلى ما شابه من التداخل الطبيعي بين مجالات العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، ومثل هذه التفاعلات بين العلوم ظلت إلى اليوم في جامعاتنا العربية منطقة محرمة محاطة بأسلاك الجهل والأمزجة الجامعية المتكلسة، فلا يقبل الأستاذ المتخصص في الطب أو علم الأحياء أن يشرك في بحوثه أستاذ علم الأديان المقارن، كما أن المؤرخ يرفض تدخل عالم الألسنية في بحوثه، وهو وأصل الداء في أغلب جامعاتنا العربية، حيث تحول كل قسم إلى قلعة حصينة ممنوعة عالية الأسوار كأنها مقر البنتاجون لا يدخله إلا المرخص لهم من قبل رئيس القسم وزملائه الغيورين طبعا على حرية التخصص! وأعرف عمداء كليات ورؤساء جامعات في عالمنا العربي أصبحوا حراس قلاع منعزلة لا صلة بينها ولا جسور! أي أقسام علمية يفصل بينها جدار كجدار الفصل العنصري، بينما الأقسام في جامعات أمريكية وأوروبية ويابانية وهندية وصينية ومع الأسف إسرائيلية أصبحت تنتج البحوث بالاشتراك والتكامل مع بعضها البعض، إن هذه المعايير تضاف إلى الإجراءات الإدارية الثقيلة والتداخل العلمي والإداري واستفحال التجارب المتعاقبة في العمل الأكاديمي جعلت تعليمنا العالي يتقهقر إلى الوراء في عالم يتقدم إلى الأمام بسرعة وإصرار، وهذه المعايير التي لم تستجب لها أية واحدة من جامعاتنا.. تضاف إليها بالطبع النظرة الخاطئة التي ينظر بها للأستاذ الجامعي العربي، فهو لدى العديد من نخبنا المسؤولة مجرد موظف في جهاز التعليم العالي، يتقاضى أجرا يختلف حسب مستوى دخل هذه الدولة أو تلك، ويطلب منه احترام جدول تدريس وملء محاضراته، بمخطط جاهز من البرنامج المعد سلفا والذي لم يشارك الأستاذ لا في وضعه ولا في تحديد مراجعه ولا في توصيف مقرراته ولا في مناقشة محتواه، بإشراف رئيس قسم لا يفوقه إلا في الأقدمية والولاء للمناهج العقيمة، وتحت رقابة عميد كلية لا يخضع تعيينه لانتخاب ولا لتزكية في أغلب أحوال جامعاتنا. وما يزيد من غرابة الأوضاع الجامعية وتقهقر مردودها العلمي هو أن ميزانية البحث العلمي تقع في ذيل قائمة الموازين المخصصة للبحث العلمي في مالية الدول، فمعدل نسبة الميزانية المعدة للبحث في كل الدول العربية هي صفر فاصل 3% مقابل نسب عالية تقدر باثنين فاصل 7% "الولايات المتحدة الأمريكية والسويد وإسرائيل واليابان" ونسب متوسطة تقدر بواحد فاصل 8% "فرنسا والنمسا والهند وماليزيا وإسبانيا وفنلندا" وهذه الإحصاءات تبين مدى الأولويات الموضوعة في مخططات الدول للنهوض بالبحث العلمي واكتساح مجالات المستقبل والتأسيس لما أصبح يسمى مجتمعات المعرفة والريادة مقابل مجتمعات الجهالة والتبعية. وهذه العوائق تحول مجتمعاتنا العربية إلى مستهلك دائم للمعرفة ومورد مستقر للعلوم لا يشارك في مغامرة التاريخ الحديث الذي لا يقبل إلا المبدعين ولا يعترف إلا بالمتفوقين، وتحول الجامعيين إلى أدوات تلقين يقتصر دورهم على تبليغ ما لديهم من برامج دون التدخل الحقيقي والضروري في عملية نقل المعرفة وتطوير الرصيد المعرفي واكتشاف المجهول من العلم. لكن ما الدور الذي يقوم به فريق التدريس في هذه الجامعات لخدمة البلدان والشركات المستضيفة لهم؟ تقول دراسة بعنوان "الفساد في جامعاتنا العربية": يجب أن يتم التركيز على هذه النقطة، وعلى الشركات استكشاف المواهب والخبرات لدى هيئات التدريس في جامعاتنا العربية، قد لا تكون الإجابات المتوافرة مباشرة، لكن بقليل من الدعم المادي والمعنوي، يمكن بدء مشاريع أبحاث جديدة ومتخصصة قد تنتح منها إبداعات وحلول واختراعات تستفيد منها الشركة الداعمة، وهيئة التدريس المدعومة، والطلاب المساعدين لهيئة التدريس، وكذلك المستخدم والمستهلك العربي.

      بعض الجامعات في العالم العربي بدأت تبيع الطالب، الشهادة العلمية على طبق من ذهب، وحتى إنها تعد وتدبلج له الدراسات والأبحاث المناسبة، التي يحتاجها من أجل الحصول على الشهادة العلمية التي يرغبها، دون أن يكلف الطالب نفسه أدنى جهد في الدراسة أو البحث، فإذا كان هذا الطالب أو ذاك، قادرا على النجاح في مقرر ما، من المقررات الدراسية عن طريق شراء ذمّة الأستاذ الجامعي وضميره المهني، فلماذا يتعب الطالب نفسه بالبحث والتحصيل العلمي المعرفي؟ أين الضوابط التعليمية والعلمية والفنية وآليات العمل التي تضعها جامعاتنا العربية؟ من أجل ضبط وإدارة مثل هذه الأحداث والظواهر، التي بدأت بالزيادة بشكل ملحوظ وأصبحت رائحتها تزكم الأنوف؟ وما برامجها وأدوات عملها، من أجل ضبطها والسيطرة عليها والتحكم بها؟ لوحظ كثيرا، تدني مستويات بعض جامعاتنا المنتشرة في عالمنا العربي، فأين ما تقدمه هذه الجامعات من أبحاث في سبيل تطوير وتقدم العلم والعلماء؟ كما أن هذه الجامعات، لا ترفد مجتمعاتها باحتياجاتها الفعلية والعملية والواقعية من الخريجين، ولوحظ أيضا، أن مستويات بعض هؤلاء الخريجين متدنية جدا، وإن اختلفت مستوياتهم فيما بينهم من جامعة لأخرى، ومن بلد لآخر، فهناك كم هائل من الخريجين، الذين لا يجدون فرص عمل لهم، لأنهم لم يدرسوا حسب احتياجات مجتمعاتهم العلمية والعملية، كما أن الاهتمام بنوعية الخريج، ليست على المستوى المطلوب، وإن كان هناك الكثير من الاختلافات والتباين في هذا المجال، بين جامعة وأخرى، وبين بلد وآخر. المطلوب من القائمين على أداء وبرامج وآليات عمل الجامعات، من المستويات العليا، التحرك السريع، للتركيز على سمعة وعراقة جامعاتهم العلمية، ومن أجل وقف حالات التدهور والانحدار، في مستويات الخريجين التعليمية والعملية، والتركيز بجدية ووطنية، على الأبحاث العلمية وتطويرها، بما يخدم تطوير المجتمعات المقامة عليها مثل هذه الجامعات، والعمل على حل مشاكلها والنهوض، باحتياجاتها والعمل على حلها بطرق علمية واقتصادية بحتة، كما أنه عليها السعي لزيادة نسبة ميزانياتها المخصصة للأبحاث والتعليم والتطوير. مطلوب التصدي بحزم لحالات الفساد اللا أخلاقية المنتشرة بين بعض الأساتذة والطلاب، والتصدي لعمليات التحرش الجنسي المنتشرة أيضا، بين بعض الأساتذة والمدرسين بطالبات الجامعة، وإغوائهم بالدرجات والعلامات العلمية، لإيقاعهم في حبائلهم، من أجل متعهم الرخيصة، فهناك المئات من عمليات التحرش الجنسي بالطالبات تحدث يوميا.

      من قبل بعض المدرسين أو الطلبة، ومثل هذه الجامعات لا تحرك ساكنا، ولا تفعل شيئا، لأنه لا يصلها شكاوى رسمية من أحد، ببيانات محددة وواضحة، وأدلة دامغة، فالكل، يهمه درء الفضيحة، وإبعاد الشبهات عن جامعته، كي لا تصيبه، خاصة إن ذكر اسم الجامعة، وربطها بمثل هذه المشاكل، سيعرضها لمشاكل اجتماعية عميقة وكبيرة جدا، لذا يسدل الستار عليها دائما، وكأن شيئا لم يكن. ونخلص إلى أن المحور المركزي في الفساد في الجامعات، يعود أساسا ويعزي أصلا لظاهرة الانفلات المتفشية بين الطلبة والطالبات، وبين أساتذة الجامعات والطالبات أيضا، وإن كانت هذه الأخيرة نسيتها قليلة جدا مقارنة بما يحدث بين الطلبة عموما. طبعا، لا ننسى مظاهر الفساد الأخرى التي تعم بعض الجامعات العربية، والتي تتباين نسبها بين جامعة وأخرى وبلد عربي وآخر، كانخفاض مستوى التعليم الأكاديمي، وتوزيع العلامات والدرجات من قبل الأساتذة على الطلبة، خاصة الطالبات بشكل مزاجي وحسب الأهواء، وكذلك تحول التعليم العالي في بعض الدول العربية كتجارة استثمارية مربحة، وهناك جامعات عربية تبيع شهادات الماجستير والدكتوراة نتيجة انعدام الرقابة من الأعلى على ما يدور في أروقة الجامعات من مشاكل وعقبات. إن التعليم العالي في بعض جامعاتنا فاسد بامتياز، ويسهم في فساد الجامعة الأستاذ الجامعي والطالب، والبنية الأساسية لمجتمعاتنا العربية، فكرا وثقافة وسياسة واقتصادا، وباستثناءات جدّ طفيفة.

      K@K-ghazy.com


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions