الوالي الذي أحيا الأرض ـ بقدرة ربه ـ فأحيت الناس

    • الوالي الذي أحيا الأرض ـ بقدرة ربه ـ فأحيت الناس

      هو عالم دين ورجل سياسة واقتصاد قل أن جاد بمثله الزمان وإن كثروا فهم قلة في العد والتبيان بين
      بني الإنسان .


      فقد حاز من العلم مبلغه وأدرك من أسراره وبلغ من العدل سماءه ومن الحزم آفاقه ومن السياسة
      علياءها ومن الإقتصاد منتهاه وارتدى من الحلم حلة قشيبه تقيه شر غضب النفس ومن الأمانة دثارا
      يأمن به غدر الأيام ومن الذمة حصانة من الغدر ومن الزهد درعا حصينا من البطر ومن التواضع
      سياجا منيعا دون الكبر ومن الورع جسرا عاليا وخندقا منيعا من الوقوع في المشتبهات فضلا عن
      مداناة المحرمات


      وقد أحب الله فأخلص له في الإيمان فزين الله له حب الناس فكان لهم راع يرعاهم إذا بزع نهاره ولا
      يسكن ليله حتى يأنس راحتهم وسباتهم
      أنه العالم والوالي الذي لن نغلو في القول إذا قلنا عنه بإنه قد أحيا الأرض فأحيت الناس بإذن ربه
      وعونه وقوته وحوله في وقت جفت به الأرض وشح الرزق وضاقت الأرض على أنفس عامريها


      إنه الشيخ الفقيه التقي الورع العالم القاضي والوالي أبو زيد
      وسنأتي على ذكر مستفيض لشخصه الجليل وكل ما يتعلق بحياته وذلك نقلا بتصرف لما جاء عنه بالسيرة
      المسماه :
      العلم المزيد في سيرة أبي زيد لكاتبها الشيخ الشرياني الذي أدرك الشيخ أبو زيد وخدم عنده وخدم معه بما
      نفع الأمة وكشف الغمة , رحمه الله وجزاه خير الجزاء عما خطت أنامله بما أتحفنا إياه من سيرة ذلك المؤمن
      الذى إهتدى بنور الإيمان فاهتدى الناس بنور إهتداءه ـ رحمه الله وأسكنه الفردوس مع الصديقين والأنبياء
      والشهداء وحسن أولئك رفيقا ـ اللهم آمين


      السيرة : العلم المزيد في سيرة أبي زيد ـ الشيخ العلامه عبدالله بن محمد بن رزيق الريامي
      المؤلف : الشيخ خلف بن زاهر الشرياني من ولاية بهلا ومن أعيانها ـ رحمه الله ـ
      سنة التأليف : 1424ه ـــ 2003 م


      بسم الله وبعونه وتوفيقه نبدأ :


      مولده ونشأته :


      ولد الشيخ أبو زيد في بلدة العين من الجبل الإخضر بولاية نزوى بتأريخ الخامس من شهر رمضان المبارك
      سنة 1301هـ في ليلة الجمعة المباركه ونشأ في ولاية إزكي في كفالة عمه لأنه عاش يتيما منذ صغره مع
      أخيه الأكبر سليمان .
      تعلم القرآن الكريم على يد عمه , وعندما بلغ سن الرشد قال له عمه : من الأحسن أن تختار لك حرفة تكتسب بها ,
      فاختار في أول الأمر عمل الصياغة , فذهب إلى الصائغ لكي يعلمه , ومن توفيق الله لهذا الشيخ وعنايته
      به ورفعة لشأنه ليكون عالما وعاملا , جاءت إمرأة إلى ذلك الصائغ تريد أن يقص لها خاتما ضاق على إصبعها
      , فأمسك الصائغ إصبعها وقص لها الخاتم وألبسها خاتما جديدا والشيخ ينظر ( وبعينه نظرة إستنكار) , وعندما إنتهى
      وقت العمل قال الشيخ للصائغ : أنا لا أريد هذا العمل وإنما أريد أن أتعلم العلم النافع للدارين ( بمعنى أنه
      قد غير مساره وعزم النيه على التوجه لطلب العلم والزهد في الدنيا خوفا من أن تفتتنه وتلهيه عن التفكير بآخرته


      والحديث يتبع إن شاء الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • طلبه للعلم

      إلتحق الشيخ أبو زيد بمدرسة الإمام نور الدين السالمي ـ رحمه الله ـ ببلدة القابل من المنطقة

      الشرقية ودخل في حلقة العلم والتعليم .

      وفي حقيقة الأمر فإن الشيخ أبا زيد فقير يتيم أشعث أغبر عليه أثر الفقر وكان من ورعه وزهده
      وقناعته منذ صغره عندما وصل القابل لم يكن يعرف أحدا حتى يأوي عنده ولم يكن عنده شيئا ,
      فكان يأوي إلى المسجد ويخرج قبل صلاة الفجر ليلتقط ما سقط من ثمار النخيل ويرجع إلى المسجد
      يأكله ويشرب الماء من المسجد ويتعبد ويرقد قليلا ولم يبد حالته لأحد , فمكث على ذلك شهرا كاملا
      دون أن يعرف بحاله تلك أحد , ومع صبره وكتمان فقره أيقظ الله المتكفل بأرزاق خلقه وعباده رجلا
      من أهل الخير والصلاح , فقال للإمام نور الدين السالمي : نريد في هذا اليوم أن يأكل عندنا عبدالله
      بن زيد الريامي , فقال الإمام : من أين يأكل هذا التلميذ وفي أي مكان يأوي ؟ وعندما حضر وسأله
      عن ذلك قال : آكل من رزق الله وآوي في المسجد , فقال الإمام : كلنا نأكل من رزق الله , وعرف
      حقيقة أمره ,
      ومن قول الإمام نور الدين :
      من طلب العلم فقد تكفلا * * * * * * * خالقه برزقه تفضلا

      وبعد أن تبين للإمام قناعة الشيخ أبو زيد وزهده وورعه , قربه إليه في حلقة العلم وفي غيرها وصار
      من الملازمين له ـ رحمهما الله تعالى ـ ومكث في مدرسة العلم ما يقارب إثنتا عشر عاما


      حجه إلى بيت الله الحرام

      عندما عزم الإمام نور الدين السالمي على أداء فريضة الحج , إغتنم الشيخ أبو زيد الفرصة ليكون بمشيئة
      الله في صحبة شيخه ومعلمه ليؤدي بدوره فريضة الحج أيضا , فعقد النية والقصد وأخبر الإمام بذلك , فقال
      له الإمام : أنت يا عبدالله فقير ليس لديك مبالغ توصلك إلى تلك الأماكن المقدسه ونحن كذلك ليس لدينا
      المبالغ التي تكفي لنا ولك ولكن إن شاء الله نأخذ لك حجة بالأجره لتحج عن غيرك وذلك لأجل ضرورة
      عدم المال , لأن الحج عبادة بدنية وماليه , وخرجا على بركة الله وتوفيقه وعونه خالصين القصد والنية ,
      ووصلا والحمد لله شاكرين الله عما وفقهم ويسر لهم الأحوال , وبعد أن أديا مناسك الحج , رجع الإمام إلى
      الوطن تحفه عناية الله وترعاه في مسيره وترحاله واستقبله شيوخ المنطقة وقبائلها بالفرح والسرور .

      أما الشيخ رحمه الله فقد بقى بالديار المقدسه منتظرا إلى العام القادم ليؤدي فريضة الحج عن نفسه , ومكث
      هناك يعبد ربه وقد اعتمر ما يقارب من ثلاثين عمرة خلال شهر رمضان المبارك , ولما جاء موسم الحج
      عقد النية وأخلص العمل ليؤدي فريضة الحج , وبعد الحج عقد العزم والنية على العودة لأرض الوطن ,
      فلما وصل مسقط بعناية الله ورعايته كان لا يملك أية مبالغ توصله إلى بلده إزكي , فأيقظ الله الذي بيده
      مفاتيح الخير رجلا من أهل الخير والصلاح فأعطاه سبة قروش تعينه على العوده إلى بلدته , ووصل بحمد
      الله , فاستقبله شيوخ ووجهاء البلاد فرحين ومسرورين بوصول شيخهم وعالمهم .

      يتبع
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • المهام التي أوكلت إليه بإزكي :

      تعين الشيخ أبو زيد في أول الأمر مدرسا للقرآن الكريم والعلوم الشرعيه والنحو في مسجد أبي الحواري

      , ثم عينه الإمام سالم بن راشد الخروصي رحمه الله قاضيا


      إنتقاله إلى بهلا وفضله العظيم بها :

      أصدر الإمام سالم بن راشد الخروصي أمرا بنقل الشيخ إلى بهلا قاضيا وواليا بها وذلك في العام 1334هـ
      ولما إستشهد الإمام سالم ونصب ا لإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله أقره عليها كما هو واليا وقاضيا


      سيرته في بهلا وأعماله الجليلة بها :

      عندما استقر الشيخ في بهلا قال رحمه الله تعالى : يجب علينا وقبل كل شيء أن نبتدأ أعمالنا بإقرار الأمن
      في البلاد كي يهنأ لأهلها العيش بها ولا يتحقق ذلك إلا بعون الله وتأييده ومن ثم بالرجال الأكفاء , فاختار
      رحمه الله لهذه المهمة من العسكر أربعة وعشرون رجلا متوسمين بحدة النظر والأمانة والشجاعة والبسالة
      وترأسهم بنفسه , وقد إختارهم بناء على توصية من مشايخهم بني هناة وبني ريام , ووظف أيضا رجلين من
      ذوي الكفاءة والأمانة والقدرة على تحمل المسؤولية كعقداء مسؤولين عن العساكر , ووظف أيضا رجلين
      لحراسة باب حصن بهلا ( مقر الوالي ومن يتعبه من بعض الموظفين القائمين على البلد )

      وقد وزع المهام على أولائك الأربعة والعشرين عسكريا ليحرسوا الحصن بالتناوب ليلا ونهارا على بروجه
      الأربعه وهي : برج الحديث وبرج بيت الجبل وبرج الجحدري وقلعة الصروج , بحيث يتاوب ثلاثة حراس
      على كل برج بالليل
      وكان على الحارس المناوب أن يصدر كلاما إذا أحس بحركة ما كأن يقول مثلا : ايه , من أنت , تراني عرفتك
      ( باللهجة الدارجة طبعا ) , وكان الشيخ يختبر يقظة هؤلاء العساكر بأن يمر عليهم , ويصدر صوتا بحيث ينطق
      بإسم البرج الذي يمر عليه ومن لا يسمع له صوت إستجابة عاقبه بالحبس لمدة يوم واحد لأنه عدم صدور صوت
      منه دليل على نومه وإهماله للحراسه

      وقد كان من مهام العسكر أيضا الجلوس بصباح ( مدخل ) الحصن بساعات النهار لإستقبال الضيوف ومهام الحراسة
      والدفاع أيضا ضد أي هجوم محتمل على الحصن . ومن لم تكن لديه مناوبة حراسه كان يستريح في بيته ويمارس الحياة
      الإعتياديه مع أهله حيث قام الشيخ ببناء ثلاثين بيتا صغيرا للعساكر وعقدائهم وحراس باب الحصن

      ويتبين من هذا أن الشيخ دائما يقظا لا ينام ومتنبه وذلك لأجل الأمن والمحافظة على الأمانة في زمن شح فيه
      الأمان وكثر في التنافس على السلطه وأيضا تفشت فيه السرقة والنهب والسطو .


      تقسيم الشيخ لوقته :

      قسم الشيخ رحمه الله وقته كالتالي :

      1- العباده : حيث كانت أغلب أوقات عبادته بالليل فتراه راكعا ساجدا أو قارئا أو كاتبا
      2- الفصل بحكم بالشرع بين الناس : فقد كان يقضي بين المتنازعين بعد صلاة العصر في مجلس قريب
      من الحصن حيث يفترش فراشا متواضعا جدا بقدر يكفي جلوسه عليه ولم يكن يعتلى كرسيا أو يجلس
      على حرير أو سجاد ناعم حال القضاة المترفعين ومنهم طبعا قضاة هذه الأيام
      3- تفقد أحوال الأمن
      4- قضاء حوائج الناس والنظر في طلباتهم
      5- تعليم طلبة العلم أحكام الشريعة الإسلامية والنحو وغيرها من العلوم
      6- إعمار بساتين بيت المال والأوقاف والمساجد وأعمال ترميم السور المحيط بالبلد
      7- متابعة أعمال موظفي دائرة ولايته وتحصيل إيرادات ودخول ما هو واقع تحت مسؤوليتهم
      من مصادر الدخل بالبلد
      لقد كان رحمه الله يبدأ يومه ومن معه بعد صلاة الفجر بقراءة القرآن حتى طلوع الشمس
      حيث يقومون لصلاة الإشراق ثم يجلسون لحلقة العلم حيث يلقن طلبته العلم لمدة ساعة
      وبعدها يدخل بيته لأجل الإفطار ثم يخرج متقلدا سيفه لمباشرة المهام العسكريه حيث يتفقد
      العسكر ويطمأن على حضورهم عند صباح ( باب ) الحصن وإن وجد غائبا سأل عن سبب
      غيابه فإن كان له عذر عذره وإن كان بدون عذر مقبول خصم ربع قرش من راتبه الشهري الذي
      يبلغ أربعة قروش, وهذه سياسته التي وضعها لضمان ضبط الأعمال والقائمين عليها بدون
      تمييز بين قريب أو بعيد فعدله وقصاصه يقعان ولو على أقرب الأقريبن له من أهله وذلك حفاظا
      على الأمانة وتجنيبها تفشي الفساد بسب التهاون أو التراخي والتمييز فليس هنالك من تسامح في
      تقصير ولم تكن هنالك من محسوبية أو واسطة وتمييز لأحد .

      ثم بعد ذلك يسأل عن المكلفين بجلب ماء الشرب للعسكر وعددهم إثنان ويسأل أيضا عن من
      سيخرح معه في تلك اليوم لتفقد أحوال البلد وسير الأعمال بها وعددهم أربعة وبعدها يتوكل على ربه ويخرج
      من الحصن إلى البلد والناس مشيا على الأقدام فيوما يمر بمنطقة سفالة ( جنوب ) بهلاء وباليوم التالي يمر منطقة
      العلايه ( الشمال ) حيث يتابع وكلاء الأعمال ويتابع العمال أنفسهم وهم ينجزون الأعمال على الأرض فهو لم يكن
      إتكاليا بل كانت الأمانة تحمله لتفقد كل شؤون البلد بنفسه , ويرجع من جولته بمنتصف النهار حيث
      يصلي الظهر وينام حتى قرب صلاة العصر وبعد الصلاة يجلس للنظر في الخصومات والشكاوي
      والفصل فيها يتم في ساعتها بحكم الشرع حتى صلاة المغرب فيصلي ثم يدخل سكنه قيقضي فيه ما
      يقارب الساعه وبعدها يخرج برفقة إما أخاه سليمان أو برفقة ساعده الأيمن زاهر الشرياني والد مؤلف
      هذه السيره رحمهم الله جميعا وذلك لتفقد الأعمال التي تنفذ بالليل ومنها الزيجره ( جذب الماء من الآبار
      يدويا وبعون بعض الدواب بواسطة المنجور ( اللولب أو البكره الخشبيه ومعها الحبل والدلو ) وهي الوسيلة
      المتاحة وقتها حيث كانت تتطلب الساعات الطوال والجهد المضني للرجال وذلك لغرض سقي المزروعات
      والحيوانات , وأيضا كان خروجه لتغيير منكر يراه أو أمر بمعروف ويبقى كذلك حتى صلاة
      العشاء فيرجع إلى الحصن ويصلي ثم يأوي إلى مسكنه ويغادره بين فترة وأخرى لتفقد أحوال العسكر وحراستهم .

      والحديث يتبع بإذن الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • رائع أخي
      جزاك الله الف خير
      وبورِكت
      معلوماتٍ قيمـــه استمتعتُ بقرائتها
      وإستفدت

      لك شُكري
      “وحين افترقنَا ..
      تمنّيتُ سوقاً .. ( يبيعُ السّنين ) ! يعيدُ القلوبَ .. ويحيي الحَنين .. ” ― فاروق جويدة
    • بارك الله فيكم وجزاكم كل خير على المرور الطيب

      ونكمل حديثنا
      وبعد أن أجملنا الحديث عن سيرة الشيخ ونهج حياته نأتي الآن إلى تسمية منجزاته ببهلا
      وبعدها سنعرج الحديث لذكر مناقب الشيخ مع الإستشهاد بالأمثله

      منجزات الشيخ ببهلا :
      ـ بناء المجالس العامة وتعيين رشداء المحلات ( الحارات ) :

      كان رحمه الله قد قال : من المقدمات في الأمور : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد لاحظ
      بأن أهالي البلاد يجلسون في المساجد لعزائهم ولمهماتهم الدنيويه , فاستدعى أعيان البلاد واجتمع
      بهم وقال لهم : أراكم تجلسون في المساجد لعزائكم ومهامكم الدنيويه فاعلموا يا إخواننا بأن هذه
      المساجد لم تبنى لغرض الدنيا وإنما بنيت للصلاة والعبادة ولمذاكرة العلم وللتعليم , فمن الأحسن
      أن تتخذوا مجالسا في حاراتكم ومحلاتكم لغرض الدنيا فمن كان منكم لا يملك أرضا ليبني فيها
      مجلسا عاما نعطيه أرضا ومن كان منكم لا يملك المبالغ للبناء فإننا نقرضه .

      وقال لهم : إختاروا من كل محلة واحدا منكم صالحا وأمينا يكون مسؤولا ورشيدا عليكم وهمزة
      وصل بينكم وبينا , وبعد إختيارهم للرشداء , إستدعاهم وجمعهم بمن إختاروا وقال للأعيان
      أرضيتم بهؤلاء الرشداء فقالوا نعم إخترناهم ورضينا بهم ونرجوا منهم الخير والصلاح , ثم
      قال للأعيان : إذا عناكم أمر فارجعوا إلى رشدائكم فإن قدروا عليه فذلك المطلوب وإذا لم يقدروا
      فالشرع الشريف مرجع الكل , ثم قال للرشداء : إحفظوا عني ما أقول لكم واستعينوا بربكم عز
      وجل فكل واحد منكم كواحد من أهل محلته وإياكم ثم إياكم أن ترون لأنفسكم أو لأقاربكم فضلا
      على جماعتكم وأهل محلتكم فإنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى , واستعملوا الصدق فيما
      ترفعون إلينا عن أهل محلاتكم , فإذا تبين لنا منكم غير الصدق فلستم بأمناء على أنفسكم .


      إصلاحه لسور بهلا :

      نظر الشيخ رحمه الله إلى السور المحيط بالبلد فقال : إن هذا السور لم يبنى للزينة أو للعبث وإنما
      بني لصيانة البلاد والحفاظ على ثرواتها وخيراتها وصون دماء سكانها , فيتحتم علينا أن نجعل
      له إهتماما كبيرا لصيانته وترميمه إن شاء الله العلي القدير , ومشى في السور وجزئه إلى خمسة
      أجزاء واستدعى خمسة رجال إختارهم أمناء وأقوياء ومهندسين للعمل وفي نفس الوقت صناع
      وقال لهم : نريد أن نوكل إليكم عملا مهما جدا وقد توسمنا فيكم القيام بذلك العمل إن شاء الله
      تعالى وأنتم والحمد لله أكفاء له وهو ترميم السور وصيانته ونريد أن يكون العمل فيه باستمرار
      بمشيئة الله تعالى وليوظف كل واحد منكم أربعة عمال تختاروهم أمناء وأقوياء قادرين على العمل
      وعلى قدر المسؤوليه وأنتم معهم صناعا ومراقبين واشتروا ما يلزم من أدوات وسيروا على بركة
      الله وتوفيقه وجدوا في عملكم وأنا معكم في النظر والرأي سائلين الله جلت قدرته أن يمنحنا الصحة
      والعافية وأن يوفقنا في هذا العمل وغيره من الأعمال خالصة لوجهه تعالى
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • إصلاحه لبساتين بيت المال وبساتين المساجد والأوقاف وزراعتها وإدارتها :

      عندما تجول رحمه الله بين بساتين بيت المال والمساجد والأوقاف الخيريه رآها مندثرة ونخيلها
      ميته وبالأخص بساتين بيت المال بسفالة ( الجزء الجنوبي ) بهلا فابتدأ العمل في الأكثر
      تضررا بها بما معناه بساتين السفاله , وهنا سنتطرق إلى ذكر موقف يدل على نباهة الشيخ وقوة
      فهمه فمن دأب الناس إستعجالهم في الحكم على الأمر قبل أن يتبينوا ما يكنه ضمير القائم بالأمر
      وذلك بأن دخل الشك والظن أهل علاية ( الجزء الشمالي ) بهلا بأن الشيخ يفضل السفالة على
      العلايه , فاجتمعوا في بيت كبير أعيانهم ومرجعهم محمد بن حبيب اليحيائي رحمه الله وتذاكروا
      الأمر عنده فقال لهم أنا أكفيكم إياه وقد كان ذا فطنة ودهاء , فذهب إلى الشيخ وقال له : عندي
      إقتراح إذا رايتم فيه الصلاح للبلد وهو لو أنكم تبدلون باب هذا الحصن من جهة الجنوب إلى جهة
      الشمال لكان أفضل , فتعجب الشيخ من فصاحته وحكمته وتبسم وقال له : ليس المقصود من
      كلامكم تبديل الباب وإنما لاحظتم إبتدائنا بإصلاح وعمارة بساتين السفالة قبل العلايه وفي حقيقة
      الأمر قد رأيناها أضر وأكثر إندثارا لذلك بدأنا بها ونطمأنكم بأننا ناخذ في الإعتبار إعمار
      وإصلاح البلد بأكمله ولا توجد عندنا تفرقه فهذه الأموال جميعها أموال المسلمين ونحن عمال
      عليها سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا في هذه الأعمال وفي غيرها من الأعمال الصالحة ,
      وهنا نرى سرعة إدراك الشيخ وذكاءه المتوقد ونباهته عندما أدرك قصد ذلك الرجل الفطن بتلك
      السرعه دون إمعان أو تفكير أو إطراق في التبصر والتعمق بمعاني الكلام .

      بدأ الشيخ رحمه الله إعمار البساتين ففوظف وكيلا عاما ومشرفا على جميع الأعمال والعمال
      ووظف وكلاء خاصين لمختلف الأعمال ففوظف وكيلا لإصلاح سواقي ( قنوات ) الماء و
      ترميمها ووكيلا لزراعة فسائل النخيل والأشجار حيث تم رزاعة خمسة آلاف نخلة بالبلد وحوالي
      ثلاثمائة شجرة ليمون ومئة شجرة مانجو , ووظف وكيلا لتمهيد الأراضي وتسويتها للزراعه
      وتقسيمها إلى مربعات ( القرازه بالعاميه ) وأمر بشراء الدواب لغرض الحراثة ووظف لكل بستان
      عاملا يسمى بيدار يقوم بشؤون النخيل وما يلزمها مقابل قسط من الغلة والثمار , وكان الشيخ
      يهتم كثيرا بالزراعة ويقول أطلبوا الرزق من خبايا الأرض وقد كان يزرع جميع أنواع الحبوب ويزرع
      قصب السكر والبرسيم ( القت ) وقد وظف أيضا وكيلا لمحصول البرسيم مسؤولا عن
      عن جمعه والتصرف به حسبما أوصي بذلك فكان يتصرف فيه بحسب المذكرات التي تأتيه من
      الشيخ بصرف ما يلزم من تغذية الدواب كل حسب حاجته وما يلزمه من كمية وكذلك صرف ما
      يلزم دواب الضيوف التي يفدون على ظهورها على أن يقوم ببيع المتبقي حيث يحاسبه عليه
      الشيخ بنهاية الشهر , كما وظف وكيلين لقصب السكر وصناعته وأقام له مصنعين بشطري بهلا
      حيث كان السكر يحفظ وقتها بجراب أو كيس مصنوع من سعف النخيل بنفس طريقة حفظ التمر
      وينضد فوق بعضه البعض وكذلك الحبوب المتحصلة من الزراعة ومن الزكاة كان لها مخازن
      تحفظ بها وكان التمر أيضا يحفظ في أواني من الفخار تسمى خروس بالعاميه ويحفظ أيضا
      بأواني من الصفيح ( التنك ) وهي أخف وزنا من الجراب أو الخرس وأسهل في الحمل والنقل
      على ظهورالدواب وخصوصا لجنود جيش الأمام في حالة الغزو إذا حصل تمرد وشق لعصا
      الطاعة كما أنها أرخص قيمة ويتيسر ثمنها لدى الفقراء
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • ووظف الشيخ أيضا ثلاثة دلاليل ( سماسرة ) خاصين لبيت المال , واحد منهم مهمته طناء
      ( البيع بالنداء والمزايده ) ثمار النخيل والمانجو والليمون وكان هذا الطناء يتم عند بدأ نضج
      الثمار لكل نوع من الأشجار
      وكان هنالك نوعا من الطناء يسمى الطناء بالنسيئة أي بالدفع بالآجل وهو للفقراء الذين لا يكون
      لديهم القدرة للدفع وقتها حيث يحصلون على كتاب ( بروة ) مكتوب من الشيخ إلى الدلال بأن
      يعطي كل واحد منهم طناءا بثلاثين قرشا ومن أراد زيادة فليدفع حينها الزياده ويكون دفع الثلاثين
      قرشا على شكل أقساط ميسرة بكل شهر قرش واحد أو نصف قرش حسب مقدرة الشخص
      وهناك طبعا الطناء الحاضر وهو للجميع ويكون فيه الدفع في وقت الطناء ولا يؤجل
      وعند إنتهاء العام يجرد الحساب ويعرف الواصل منه ويقيد الباقي .

      أما الثاني من الدلاليل فمهمته جمع المبالغ من المستأجرين للأراضي بمختلف إستخداماتها وكذلك
      المبالغ المتحصلة من بيع المياه وغيرها .

      والدلال الثالث مهمته بيع الثمار والمحاصيل المخزنه , فيبيع أولا للفقراء حسب السعر المحدد ثم
      يبيع للتجار وغيرهم وذلك منعا للإحتكار وتحكم التجار بالأسعار بما يعجز عنه الفقراء
      وقد كانت الكميات التي تعرض للبيع محدده وبقدر معين لكل يوم

      وقد لاحظ الشيخ أن هنالك أراض صالحة للزراعة ولكنها مرتفعه ودون مجرى الماء فأمر
      بإزالة طبقات منها حتى يصلها الفلج ويمكن ريها فلم تكن وقتها المضخات موجوده حتى تدفع
      الماء ليصل للأماكن المرتفعه , وعمرها بمئات النخيل وحتى الأراض التي لم يكن بالأمكان التقليل
      من إرتفاعها فقد أمر بزراعتها بالنخيل وحمل الماء إليها بالدلاء وما يتيسر
      كما أمر بتسوير كل الأراضي الزراعية الواقعه خلف سور البلد وذلك حماية لمزروعتها من
      الإتلاف بسبب الدواب

      وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعيه الحثيث لإستغلال كل شبر من الأرض لجلب
      الخير والنفع للدولة والناس وقد أنفق لكل ذلك من بيت المال كما واصل صيانة المساجد والأوقاف
      الخيريه والعجب كل العجب في توفر كل تلك الأموال وقد كان حال البلد يرثى لها فمن أين أتت
      كل تلك الخزينه لذلك المؤمن خالص الإيمان الذي نذر نفسه للعباد والبلاد

      والحديث يتبع إن شاء الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • 'المحترف' كتب:

      قصة رائعة


      بل هي سيرة عطره لرجل جليل

      شكرا لحضورك
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ

    • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      ماشاء الله عليك مشرفنا هادئ دائما متألق بمواضيعك،،
      وإن شاء بخصص وقت للمرور هنا دائما،،،
      بارك الله فيك معلومات قيمة لمن أريد أن يرفع من معلومايته
      من سيرة هؤلاء الشيوخ الافاضل،،
      تقبل مروري المتواضع...
      تقديري واحترامي لشخصك الكريم
      الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات
    • صيانته للإفلاج والآبار

      جعل الشيخ ابو زيد رحمه الله إهتماما كبير ا لصيانة الأفلاج لكونها شريان الحياة بالبلد
      وقد أنفق عليها كالتالي :
      أولا : أنفق على فلج ضبوب التابع لفلج الجزيين خمسين ألف قرش ( من صرف ذالك الزمان )
      ثانيا : أنفق على فلج الجزيين خمسة وعشرون ألف قرش
      ثالثا : أنفق على فلج المحدث خمسة وعشرون ألف قرش
      رابعا : أنفق على فتح ساعد لفلج الميثاء ثلاثين ألف قرش

      ويكون جملة ما أنفقه لهذه الأفلاج مائة وثلاثون ألف قرش , وقد أعطى لآبار علاية بهلا النصيب
      الأوفر من الخدمات وعددها عشرون بئرا وقد أمر بصيانتها وأنفق على كل واحده منها ألف قرش
      , فجملة المبالغ المنفوقة لها عشرون ألف قرش أنفقها الشيخ بيده الكريمة المباركة .
      فيا سبحان الله من أين للشيخ كل هذا سوى أن تكون كرامة منّ الله بها عليه لعلمه الوافر الغزير وإيمانه
      الصادق الخالص ولنفسه التي جاد بها للناس دون منة ودون رجاء ثناء وجزاء

      وتلك الآبار التي ذكرناها منها لبيت المال ومنها خاصة للناس ومنها مشتركة ما بين الطرفين ,
      ومن رأفة الشيخ ورحمته بالناس لم يؤخذ قرشا واحدا لصيانة آبارهم لعلمه بأنهم فقراء .
      وقد إبتلى الله بهلا بالجفاف والجدب الشديدين حتى جفت أفلاجها , فأمر الشيخ بتأجير من يجذب
      الماء من الآبار بصورة شبه متواصله بالليل والنهارحتى تكفي نخيل بيت المال والمساجد كلها وذلك
      للحيلولة دون موتها عطشا , وقد تم تأجير ما يزيد عى الثلاثين منجورا وهي عدة الزيجرة أو الطريقة
      المستخدمة وقتها لرفع الماء من قاع البئر بمعاونة الحيوانات وبقي العمل على هذه الحال شهورا حتى
      من الله الذي بيده مفاتيح الخير بالأمطار الغزيره التي سالت على أثرها الأدوية والشعاب مرات ومرات
      فأخصبت البلاد وأخضرت بالخصب وذلك مصداقا لقوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )


      صور إهتمام الشيخ بالنخيل وعنايته الخاصة بها

      كان الشيخ يؤمر بإصلاح وعمارة أملاك اليتامى والذين لم يبلغوا رشدهم وكذلك المسافرين من البلاد
      وكان يتفقد تلك الأعمال بنفسه وينفق عليها بيده الكريمة المباركه , ومن إهتمامه وحبه للنخلة أنه لاحظ
      في فسيلة فرض قد أثمرت بطلع لم ينتبه له البيدار أو المستخدم لرعاية البستان الذي فيه تلك الفسيله
      وهي من ضمن بساتين بيت المال , فكتب الشيخ مذكرة لوكيله في بيت المال عن ذلك بكل التفاصيل
      شاملة الفسيلة بعينها والبستان الموجوده فيه ليتخذ الوكيل ما يلزم ,

      ومر يوما ببستان قد أوشكت نخيله على الموت من عدم السقي والعماره فسأل عنه لمن , فقيل له لرجل
      مسافر إلى زنجبار , فاستدعى أولاده وقال لهم : أن بستان أبيكم يشتكي منكم عدم سقيه وعمارته ويوشك
      على الموت , فقالوا له أن أبانا كما علمت مسافر ولم يترك لنا مالا ولا يرسل لنا شيئا ونحن
      فقراء ليس عندنا مبالغ لعمارة هذا البستان , فقال لا باس نحن نكفيكم ذلك إلى أن يرجع أبوكم من السفر
      فنحاسبه عما صرفناه في بستانه إن شاء الله تعالى

      ومر أيضا على نخلة لم يحصد ثمرها , فسأل عن صاحبها واستدعاه قائلا له : كما علمت فإن موسم
      ثمر النخيل قد إنتهى منذ شهرين وأنت لم تحصد ثمر نخلتك , أما علمت بأن ثمرة النخيل قد خلقها الله
      تعالى نعمة من نعمه التي تفضل وأنعم بها علينا وهي غذاء لنا ولدوابنا , وإن أهمالنا لها يؤدي إلى
      زوالها , فيجب علينا أن نشكر الله على هذه النعمة ونجعل لها إهتماما كبيرا , وقد أمر بحبسه .

      ولاحظ مرةً تمرا مكدسا على سطحٍ لأحد الناس تذري عليه الرياح وتهطل عليه الأمطار وتقليه الشمس
      , فسأل عن صاحبه واستدعاه قائلا له : أما علمت بأن هذا التمر قد تفضل وأنعم الله به علينا وهو المتكفل
      بأرزاقنا وهو غذاء وفيه منافع أخرى نستعين بها , وترك هذه النعمة في مكان غير مناسب لها
      يكون ضياعا لها واستخفافا بحق المنعم بها , فقال الرجل : أنا أعمل دباغا للجلود وآخذ من هذا التمر
      بإستمرار لزوم ذلك العمل , فقال له الشيخ : ولو لهذا العمل فإن للتمر إحترامه وتقديره وعليك نقله من
      ذلك السطح إلى مكان آمن من الأمطار والرياح .
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • وقد لاحظ الشيخ أن نخلة الخلاص لا توجد في البلد , فسأل عن ذلك , فقيل له : أن كثرة الدبابير بالبلد
      تقضي على ثمر نخلة الخلاص لذلك فلا جدوى من غرسها , فقال لهم إغرسوا الخلاص وغيرها من
      النخيل واقتلوا الدبابير ونحن نشتريها منكم , وقد كان ذلك تشجيعا من الشيخ لهم حتى يقضوا على الدبابير
      ويحموا محصول التمر منها , وقدد أعلن عن شراء كل ما يقتل من الدبابير وحدد المكان والزمان لشرائها
      منهم , وقد كان المكان مجلسا قريبا من الحصن والوقت بعد العصر
      وقد وضع تسعيرة معينه وهي بيبسة واحده من عملة ذلك الوقت لكل خمسة دبابير وهذا مقابل وفير
      ولكن فقط في حالة تكون فيها الدبابير قليلة أما إذا كثرت الدبابير بحيث يسهل الحصول عليها وقتلها
      فإن التسعيرة تقل حتى تصل أحيانا إلى بيسة لكل خمسين دبورا وقد كان للبيسة وقتها قيمة جيده
      والذي يأتي بخلية كامله بدبابيرها فله ربع قرش أي ثلاثون بيسه


      وفي العادة فإن الخليه يحرقها من أتى بها ولا يقتل دبابيرها واحدا واحدا لذلك فمن المفترض أن يكون
      الثمن أقل نظرا لقلة المجهود المبذول , وقد حاول رجل خداع الشيخ بأن أحضر جملة كثيرة من الدبابير
      وأدعى بأنه قد قتلها فرادا فتنبه الشيخ بنباهته الشديده لمكر ذلك الرجل وشم الدبيان فوجد منها رائحة
      دخان بمعنى أنها خلية محروقه , فقال له : إياك ثم إياك أن تفعل هذا مرة ثانيه وتأخذ أموال المسلمين
      بالحيلة والخداع وتطعم أولادك الحرام لأن الحرام سحت وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به , نعوذ
      بالله من النار ومن مسببات دخول النار

      وكذلك كان يشتري الفئران بعد قتلها بقصد مكافئة قاتلها حيث كان يقول للناس إقتلوا الفئران لأنها مؤذية
      وضارة ونحن نشتريها منكم , فيعطي قاتلها عن الفأر الواحد سبع بيسات إن كان مقتولا بطلق
      بندقيه , وثلاث بيسات إن كان مقتولا بمقنصه أو فخ

      وحدث أن جاء رجل بفأر ميت قد ثقبه بمسمار ليوهم الشيخ بأنه قد قتله بطلق بندقيه ليأخذ السبع
      بيسات ولكن من نباهة الشيخ وحرصه على أموال بيت المال وعدم رضاه عن صرف بيسة واحدة إلا
      بمحلها قام بتقليب ذلك الفأر والنظر في ذلك الثقب حتى تبين له أنه معمول بمسمار لأن من عادة
      الرصاصة أن تعمل ثقبا صغيرا في مكان دخولها أما مكان خروجها فيكون الثقب واسعا , ونصح الذي
      جاء بأن يتجنب كسب المال بالخديعة كي لا يطعم أولاده الحرام .

      ويتضح من هذا التخويف والإرشاد والتحذير والنصح عن الخداع وأكل الحرام أمران :
      الأول : أن الشيخ كان حريصا كل الحرص على أموال بيت المال لا ينفقها إلا في حلها ويعدها أمانة
      في يده مسؤول عنها .
      الثاني : أنه لا يريد ترك الناس أن ينهمكوا في الحرام فهو أب مؤدب وفي نفس الوقت مشفق على العباد
      لا يتركهم يطمعون في الحرام فتكون عاقبتهم وخيمة ونهايتهم سيئه

      وكان رحمه الله أيضا يأمر بقتل الأفاعي بسبب إيذائها للإنسان والحيوان , فالشرع يؤمر بقتل كل مؤذ
      وكان يشتريها من قاتليها تشجيعا وثوابا لهم , فكان يعطي عن الكبيرة نصف قرش وعن الصغيرة
      ربع قرش .
      وقد كانت كل الحشرات والآفات المقتوله تلقى في بأر مهجوره ومغلقه .

      لقد لاحظ الشيخ رحمه الله بأن الناس يحرقون نخليهم الميته كما يحرقون الأجزاء الميته التي يتم قطعها من
      النخيل الحيه وكذلك مخلفات رزوعهم من الأعلاف والتبن وقصب الذره , فقال هذا مال جعله الله عز وجل
      منفعة لعباده ولم يجعل للحرق بالنار بقصد التخلص منه , فهذا إضاعة للمال وقد نهى الشرع
      عن إضاعة المال والذي يحرق شيئا من هذا معرض للعقوبه , وقال لهم نحن نكفيكم نقل هذه المخلفات
      من مزارعكم وقد جعل لها مخازن خاصه بحيث تستخدم بحسب ما تنفع وقتها أو تخرج وقت الحاجة
      و جعل عليها مراقبا , وقد إحتاج إليها الناس أنفسهم الذين كانوا يتخلصون منه بالحرق واشتروها
      من مخازن بيت المال . وقد تصرف الشيخ هكذا إقتداءا بنبي الله يوسف عليه السلام عندما أمر بخزن المواد
      إلى أن تدعو الحاجة إليها .

      والحديث يتبع إن شاء الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • Atwar كتب:


      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      ماشاء الله عليك مشرفنا هادئ دائما متألق بمواضيعك،،
      وإن شاء بخصص وقت للمرور هنا دائما،،،
      بارك الله فيك معلومات قيمة لمن أريد أن يرفع من معلومايته
      من سيرة هؤلاء الشيوخ الافاضل،،
      تقبل مروري المتواضع...
      تقديري واحترامي لشخصك الكريم



      ولكي مني كل تقدير واحترام على حسن مرورك أختي أطوار
      ووفقك الله في مسعاك الطيب لرفع شأن هذه الساحه
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • تهيئته للمخازن متعددة الأغراض بحصن بهلا


      لم يكن رحمه الله ليضيع نعمة من الله بها على الناس فهو رجل إقتصاد وحكمة وتدبير فقد أقام المخازن لحفظ
      كل ما قد ينفع الناس ومساكنهم وحقولهم ومساجدهم , والمخازن التي أقامها كالتالي :


      ـ مخزن لحفظ الأموال النقديه وهو كائن بالجزء من الحصن المسمى بيت الحديث والذي يسكن به الشيخ وهذا
      المخزن لا يعلم به سوى والد كاتب هذه السيره ورجل آخر يقومان بمعاونة الشيخ إذا دعت الحاجة لذلك , وقد
      هطلت الأمطار ذات يوم بغزارة شديده حتى سقط سقف ذلك المخزن وقد صادف ذلك وجود الشيخ بحصن
      جبرين وقد تعذر عليه الرجوع إلى بهلا بسبب الوادي الجارف الذي يفصلها عن تابعتها جبرين , فكتب رسالة
      إلى عامله الذي يعرف بأمر هذا المخزن بأن يصلح سقفه على أن يختار عمالا صما بكما عميا أي لا يدققون
      النظر فيما حولهم مما لا شأن لهم به ولا يتنصتون للحديث بما لا يعنيهم ولا ينقلون ما يشاهدونه للغير .
      ـ مخزن لعدة الحرب
      ـ مخزن للأرز والقهوة والسكر الأحمر
      ـ مخزن لحطب السمر لأجل الطبخ والذخيره
      ـ مخزن لحطب الشخر ( نوع من النبات ) الذي يصنع منه البارود وكذلك لحفظ زيت الإضاءه وهو الكيروسين
      ـ مخزن للتمر
      ـ مخزن للدلاء والحبال لزوم غرف المياه من آبار المساجد والبيوت , وقد تعامل مع أحد الشمارين لعمل الدلاء كما
      تعامل مع محترف لعمل الحبال , وقد كان وكلاء المساجد يحملون الدلاء والحبال وزيت الإضاءه من هذا
      المخزن , وكذلك الآبار الواقعه ما بين بهلا وتابعتها الغافات وما بين نزوى وبهلا وما بين بركة الموز وإزكي
      وكذلك آبار الباديه كانت كلها تأخذ الحبال والدلاء من هذا المخزن وقد كان الشيخ يوصيهم بأن لا يمنعوا
      أحدا من غرف الماء من تلك الآبار للشرب وسقي الدواب .
      ـ مخزن للحطب وجذوع النخيل وقد تعامل مع أحد النجارين المهرة لعمل الجذوع وكان أيضا يشتري حطب السرح
      والعلعلان , وإذا سقط سقف من مسجد فإن وكيله يقوم بأخذ الجذوع والحطب اللازم لإصلاح ذلك السقف من ذلك
      المخزن .



      أحكام الشيخ وتعامله مع المخالفين وإصلاحه لكل فاسد منحرف وتأهليه لكل عاطل


      كان الشيخ يبرز للفصل بين المتخاصمين والحكم على المخالفين بمجلس قريب من الحصن وقد كان يفترش فراشا
      متواضعا جدا بقدر جلوسه وكان العسكر يجلسون على الرمل وكان ذلك يتم في الفتره بعد صلاة العصر وقبيل صلاة
      المغرب , وكان يحضر المتخاصمين في مقام واحد دون تمييز ويسمع لهما ثم يقضي بأرجح الأقوال في الأثر حسب
      شرع الله وحكمه , ولا شك بأن قضاءه عادل ومنصف , لا يجور ولا يحابي ولا يجامل , وكان رحمه الله شديدا في
      أحكامه على الذين لا يخافون الله ويرتكبون المعاصي فقد يحكم عليهم بالحبس والتقييد المشددين وكان يحتفظ بمفاتيح
      القيود عنده حتى يضمن إستكمال فترة العقوبه

      وبالنسبة لمرتكبي الكبائر التي حدها الجلد فكان يجلدهم بنفسه أما التهم البسيطه التي تستوجب التعزير أو الحبس
      بدون قيد فقد كان يصرح لهم بأداء الصلوات جماعة بالمسجد بل ويلزمهم بذلك ثم يعودون للحبس لأن الصلاة
      والعبادة وسيلة إصلاح كما كان يتيح الفرصة لهم لإحتراف الحرف والمهن وذلك من باب التأهيل . فأي مدرسة
      كان يمثلها هذا الشيخ لله دره وبأسه .
      وبالنسبة لمرتكبي الفواحش التي يكون جزاءها الحد مثل القتل والرجم وقطع اليد فقد كان يرسل فاعليها إلى الإمام
      ومقره نزوى مع التوصيف المكتوب للجرائم التي قاموا بها


      وكان من رأفته بالمحبوسين أنه إن ألم مرض بأحدهم أن يعالجه بما يتسير وإذا لم يشفى تركه ليقيم بين أهله , وأذا توفي
      قريب لمحبوس أطلق سراحه لحضور الجنازة و العزاء ليوم واحد وذلك بكفالة وضمان رشيد حارته ليضمن عودته
      للحبس وإتمام مدة محكوميته .


      وكما أن للرجال سجنا فالنساء أيضا لهن سجن خاص والعقوبه بحس الجرم المرتكب فالتي تحمل سفاحا مثلا تحبس
      بمكان معزول مغلق ليس به سوى فتحة لدخول الغذاء وذلك تجنبا من أن يطمع فيها ضعيفي الإيمان وكذلك لتكون
      عبرة لغيرها من النساء ثم تكلف إحدى النساء بالعناية بها عند الولادة
      وكان الشيخ إذا صادف نساءا ماشيات بالطريق وهن بحالة سفور وتبرج , إستدعى أولياء أمورهن ويقول لهم
      ناصحا وزاجرا : قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة , تخرج نساءكم في الطرق متبرجات بزينتهن
      وغير ساترات ينظر إليهن الرجال بشهوة , والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : إذا خرجت المرأة من بيتها متبرجة
      بزينة فهي زانيه .
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • وقد خرج ذات ليلة متفقدا فنظر المزارعين وهم ينزعون حبوب الذرة من سنابلها أو حسب ما يقال يدوسون الذره في
      صفين متقابلين وفي طرف أحد الصفين إمرأه تعمل ما يعملون وطبعا كان هنالك عقيدهم حاضرا يراقب العمل , فسلم
      عليهم الشيخ وسأل العقيد عن المرأه فقال له : تلك إمرأه كبيره وفقيره أرادة العمل بغية الحصول على شيء من الذره
      تقتات عليه , فقال له الشيخ ـ تعال غدا إلى الحصن وعندما جاء الغد وحضر العقيد أعطاه الشيخ ورقة مكتوب
      فيها حكم بحبسه لمدة واحد وعشرون يوما مؤرخا بها وقت دخوله وخروجه من الحبس , ويؤخذ من هذا الحبس الزجر
      عن الإختلاط ولا عذر فيه .


      وحدث أن حكم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله بحبس أحد شيوخ إحدى القبائل وأكابرهم , ورأى حبسه في
      حصن بهلا لكونه أحزم وأحرز , فأرسله إلى عامله شيخنا أبو زيد مع رسالة كتب فيها : إذا وصلك الشيخ ..... أدخله
      الحبس حالا بلا تأخير , فلما وصل قال له الشيخ أبو زيد : إن الإمام يأمرنا بأن نسجنك فمد رجليك ندخل فيهما قيد الحديد
      وبعد القيد ندخلهما في الخشبة إمتثالا لأمر الإمام أبقاه الله عز وجل , فبلغ الإمام ما فعل أبو زيد بذلك الشيخ فقال : هذا
      السجن دواء للعله , ولكنه أمر بفك قيده من الخشبه بعد أن توسط لذلك المسجون بعض الأشياخ والأكابر بحيث يبقى القيد
      برجليه ولكن دون الخشبه .


      وخرج الشيخ أبو زيد يوما ماشيا بالوادي بمحاذاة بعض بساتين سفالة بهلا القريبة من الوادي فسمع خرير ماء
      ونظر إلى ضفة الوادي المطابقة لسور بهلا هناك فحمد الله وأثنى عليه وقال : يخرج الرزق من خبايا الأرض وأن هذه
      الأرض لا تخلو من منفعة , فأمر عمال بيت المال بغرس الموز بأنواعه المعروفه بموز الفرض وموز النغال , ونمى ذلك
      الزرع في مدة قصيره بقدرة الله وإرادته وأثمر بكمية وافره , وقد أوكل في مراقبته وبيعه رجل أمين فكان يقطع في اليوم
      عشرة عذوق وفي يوم من الإيام لاحظ أن هنالك عذقا مفقودا ولا ريب أن لصا قد قطعه , فقطع ذلك الرجل الأمين الجزء
      المتبقي من العذق وأخذه إلى السوق حيث لاحظ وجود عذق موز هناك وقد طابق الجزء المتبقي منه الذي أحضره مع ذلك
      العذق فتطابق تماما وأيقن أنه هو وتم التعرف على اللص ولكنه لم يكون موجودا وقتها حيث أنه أوكل لشخص أخر ببيعه
      وعندما بلغه خبر إكتشافه هرب من عمان كلها وتوجه إلى زنجبار لعلمه اليقين بأنه سيسجن عاما كاملا على جرمه ولم
      يستفد بشيء وبقي بزنجبار حتى بلغه خبر وفاة الشيخ فعاد .

      ولا زال للحديث بقية تتبع إن شاء الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • إقامة الشيخ في حصن جبرين :

      في سنة ألف وثلاثمائة وخمسين هجريه ( 1350) إستلم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله
      حصن جبرين من أولاد الشيخ ناصر بن حميد العطابي لأمور سياسية هناك , فأمر عامله أبا زيد
      بأن يتولى أمر هذا الحصن , فتولاه الشيخ ووظف له أربعة عساكر من الأمناء الأوفياء حادي النظر
      ذوي نباهة شديده وحسن تصرف على أن تكون مسؤوليتهم ضمان إغلاق الحصن وعدم دخول أحدا
      إليه دون إذن من الشيخ , وقد نظم الشيخ إقامته بين حصن بهلا وحصن جبرين بحيث يقيم عشرون
      يوما ببهلا وعشرة أيام بجبرين .


      البرنامج اليومي للشيخ خلال إقامته بحصن جبرين :

      في قيامه في حصن جبرين رتب الشيخ أوقاته : فبعد صلاة الصبح كان يقرأ القرآن حتى طلوع الشمس
      ثم يتوجه إلى ربه بالصلاة النافلة وبعدها يتناول إفطاره المكون من التمر والقهوة واللبن إذا تيسر له
      أو حسب ما هو متوفر من رزق تلك اليوم من الغذاء ومن ثم يخرج وبصحبته إثنان من العسكر
      يتجولون في بر جبرين حاملين معهم أسلحتهم المكونه من البنادق وحزام الذخيره والخنجر وأيضا منشار
      من الحديد , فيأخذون في جولتهم حوالي الثلاث ساعات من الوقت يعودون بعدها إلى الحصن حاملين
      معهم حزمة من حطب السمر وشيء من الحطب من شجر يسمى الشخر الذي يعمل منه البارود , فيضعونه
      في مخزنه المعد له , وتارة يخرج معهم ولده أحمد فيعطيه الشيخ كيسا ويقول له : إملأ هذا الكيس من
      الحطب الصغير واحملها في كتفك واعمل مقابل ما تأكله من بيت المال .

      ولنتخيل معا والي بين يديه بيت مال المسلمين ويحق له أن يعيل نفسه واهله منه بينما تأبى نفسه إلا أن
      يعمل ويكلف إبنه الصغير بما يقدر عليه من عمل حتى يحللا ثمن قوتهما , فأي ذمة وأي ورع بنفس
      هذا الشيخ مما لا نملك منه نحن إلا النذر اليسير بأنفسنا في هذه الإيام

      وبعد رجوعهم يتناولون التمر ويشربون القهوة وغدائهم المكون من السمك المجفف ويعرف محليا بالقاشع
      ( السردين ) مرطبا بالماء والسمن المحلي والليمون وما تصنعه أيديهم المباركة من الخبز , ثم يصلون
      الظهر وبعد الصلاة يرقد الشيخ إلى وقت صلاة العصر ويرقد إثنين من العساكر بينما يبقى الآخرين
      مستيقظين لحراسة الحصن , وبعد صلاة العصر يجلس الشيخ للقراءة أو الكتابة أو الحكم بين
      المتخاصمين في حالة وجود خلاف أو مشكلة أو يقضي أي عمل آخر يطرأ له أو يراه ضروريا , كما
      أن جدول أعماله وديدن يومه بجبرين لا يفرق كثيرا عن بهلا مع إختلاف حجم المهام والمسؤلية بين مركز
      الولاية وقرية تابعة لها , فقد رتب الشيخ بحصن جبرين كما فعل ببهلا مخازن لعدة الدفاع
      وللتمر والسكر والسمن والقهوة والحطب بأنواعه طبعا واستخداماته المختلفه .

      كان ترميم حصن جبرين مستمرا على مدى حياة الشيخ وقد كان يجلب له الصاروج أو الجص لترميمه
      من بلدة الدبيشي بعبري على ظهور الجمال لتعذر وسائل النقل الأخرى بالمنطقة وقتها .
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • لنتحدث الآن عن مناقب الشيخ وخصاله الحميده وما خصه خالقه به من فطنة وحنكة وحكمة وحسن
      تدبر وتصرف مع الإستشهاد بالشواهد والأحداث :

      تواضع الشيخ وحلمه :

      من تواضع الشيخ ومباشرته للأعمال بنفسه أنه كان ماشيا في الطريق كعادته متفقدا للإعمال فرأى
      مصب إحدى الآبار خاليا من شجر الأراك , وقد كان ذلك الشجر مهما لحماية مصب الماء من التلف
      عند صب الماء المستخرج من البئر فيه , وقد شارك الشيخ في عمل ما يلزم بنفسه وعندما أراد أحد
      الحاضرين العمل بدلا من الشيخ لم يرضى وقال له أما علمت ما قالت الحكمة : تخرب الديار بعجز الملك وجوره .

      وكان عندما يمر بساقية أو مجرى ماء يتسرب منه الماء يقوم بسد منفذ ذلك التسرب بنفسه , وإذا مر
      على فسائل النخيل الصغيره فأنه يهز سعفها الداخلي بسيفه الذي كان يحمله كي يتأكد من خلوها من
      الحشرات الضارة التي تقتلها ويأمر بتخليص الفسائل منها إن كانت موجوده , وإذا ألفى ثمرة ساقطة
      على الأرض أخدها وقال هذه نعمة من نعم الله ودوسها بالأقدام إهانة لها فالبركة قد تكون في الأشياء
      القليلة .
      وإذا صادف أطفالا يلعبون في الطريق مسح على رؤوسهم ودعا لهم بالبركة والهداية والتوفيق وإذا
      قيل له بأن بينهم أيتام فإنه يترحم لهم , وإذا رأى رجلا يقود دابة وقد سقط منه متاعا فإنه يعينه على
      حمله ورده إلى ظهر الدابة وإن صادف أعمى ضالا في الطريق فإنه يأخذ بيده ويدله .

      ومر ذات ليلة بأناس يعملون بالأجرة لورد الماء من أحد الآبار بالوسيلة المتاحة وقتها أو كما قلنا سابقا
      ما يعرف محليا بالزيجره إلا أن أحد العمال قد كان يهمل في عمله بحيث كان الماء يسيل خارج المصب
      المعمول له كي يجري في الساقية أو القناة , فنهاه الشيخ عن ذلك فبهت ذلك العامل لما سمع كلام صوت
      الشيخ وما كان يظن بأنه سيخرج في ذلك الوقت المتأخر من الليل وهو الوالي وأمير البلد
      ولم يتجرأ احد بعدها على التقصير والإهمال في العمل وأبدوا مستوى كبيرا من الإنظباط في العمل تخوفا
      من ذلك الرقيب الذي لا ينام ومصالح رعيته تقضى , وقد كان الشيخ يقول : أن الأمانة قد إرتفعت ولم تبق في
      الناس وخصوصا في عمل بيت المال ,

      وهذا القول يدل على أن الشيخ كان يحز في نفسه كثيرا أن يرى ولو خللا بسيطا في ذمة عامل فكيف
      فكيف لو عاد به الزمان ورأى موت الذمم للمسؤولين قبل العمال في هذا الزمان
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ

      تم تحرير الموضوع 1 مرة, آخر مرة بواسطة هادئ ().

    • ومما ذكره كاتب هذه السيرة ـ رحمه الله ـ أيضا أن الشيخ إثناء خروجه بليلة من الليالي وصل إلى
      مصنع عصر قصب السكر وصناعة السكر الأحمر بعلاية بهلا أو شطرها الشمالي واخذ ينادي وكيل
      ذلك المصنع أو وكيل السكر بيا فلان يا فلان ولكن ذلك المنادى لم يتوقع أن يكون المنادي له هو الشيخ
      وإنما توقع أن يكون شخصا أراد إزعاجه ممن تعودوا على ذلك من باب المزاح والتسليه والضحك
      فرد على النداء بكلام فاحش وسب , فبادره الشيخ بالرد : أنا عبدالله أنا عبدالله بدون غضب أو شدة
      ( طبعا لم يقل أنا الشيخ أو الوالي فهو عبد من عبيد الله وعامل لخدمة الناس كما كان قد نذر نفسه )
      وعندما ميز ذلك الوكيل الشيخ ورآه خجل خجلا شديدا وتأسف ولام نفسه أشد اللوم وضاقت عليه الدنيا
      بما رحبت وبعد تفكير بكيف سيواجه الشخ لف عمامته حول رقبته وقاد نفسه إلى الشيخ وأخذ يستسمحه
      ويسأله الرضى وشرح له الأمر وما إلتبس عليه وما ظنه , فقال له الشيخ لا بأس عليك ولم يبدأ أي ضيق
      أو غضب ومنعه حلمه العجيب من أن ينتصر لنفسه ولو كان قد أتاه من يشتكي من تلقى ذلك السب والكلام
      الفاحش لعاقب المشتكى منه حفاظا لحق المشتكي وحفظا لكرامته ولكنه دائما وابدا سمحا فيما يتعلق بحقوقه
      الشخصية

      ويذكر كاتب هذه السيرة قصة وقعت له شخصيا ناله فيما من حلم الشيخ ما لم يتوقعه ان يصدر من إنسان فقد كان
      بطفولته يلعب مع بعض الأطفال بكرة كانوا يصنعونها من سعف النخيل العريض ويقذفونها بالعصي الغليظه
      فتصادف يوما خروج الشيخ من المسجد فاصابته تلك الكرة فهرب الأطفال ما عدا كاتب هذه السيرة فناداه الشيخ
      فأجابه والخوف يعتريه ويصحبه وعندما وصل عنده قال له : خذ هذه الكرة ونادي أصحابك واستمروا باللعب
      فتنفس الصعداء وأزيح عن نفسه جبل من القلق والخوف كان يحمله لأن الشيخ كان لا يتهاون في حق غيره ومن
      حسن حظهم أن الكرة أصابت الشيخ ولو أصابت غيره وذهب إلى الشيخ مشتكيا لأدب أولئك الصبية بما يستحقون .

      تغمدته رحمة خالقه وكأننا نقرأ في سيرة الفاروق أو حفيده إبن عبد العزيز رضي الله عنهما وأرضاهما

      وحديثنا متواصل بإذن الخالق جل وعلى
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • ومضات من سياسة الشيخ وحسن تدبيره

      من يتمعن في سياسة الشيخ أبي زيد رحمه الله وحسن تصرفه فسيراه وكأنه قد تخرج من جامعة
      تخصص ودرس بجميع كلياتها , وكيف لا وهو أحد خريجي مدرسة الإمام نور الدين السالمي ،

      فمن يدرك مدى تفقه الشيخ ودرجة الوعظ الرفيعة لديه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فلا
      أقل من أن يصفه بأنه خريج لكلية للشريعة والوعظ والإرشاد الديني .وقد عرضنا صورا لذلك
      في حديث سابق
      ومن يرى إتقانه وإحترافه لدور المعلم المربي فلا أقل من أن يصفه بأنه خريج لكلية تربية .
      وقد ضربنا الأمثلة على ذلك في معرض كلام سابق
      ومن يرى وصفه للمرضى العلاج والدواء فلا أقل من أن يصفه بأنه خريج كلية طب
      وفي حديث لنا سالف عرجنا على دور الشيخ كطبيب معالج
      ومن يرى مدى حرفيته في الزراعة وحسن عنايته بها فلا أقل من أن يصفه خريجا لكلية زراعه
      وقد كان للزراعة وأعمال الشيخ فيها نصيبا عظيما من كلامنا السابق
      ومن يرى تمرسه في العمارة والبناء فلا أقل من أن يصفه بأنه خريج كلية هندسة معماريه
      ولهذا كان لنا أيضا لمحات ووقفات فيما سبق
      ومن يرى صولاته وجولاته في ساحة الوغى فلا أقل من أن يصفه قائدا محاربا تخرج من كلية عسكريه
      وهنا يسوق كاتب هذه السيرة مثالا على بسالة الشيخ وإقدامه حينما دعاه الإمام الخليلي لعونه لنصرة
      واليه بولاية نخل الشيخ محمد بن سالم الرقيشيي حينما تعرض لتمرد وحوصر حصنه فما كان من الشيخ
      أبو زيد إلا أن تجرد للخروج مع أتبعاه من الصناديد والبواسل حاملن عدة الحرب والمال من بهلا ,
      ولما وصلوا هناك برز الشيخ مع المقاتلين وعلا صوته المزلزل فكانت له هيبة عظيمه لا سيما
      وأنه به جسد مربوع عريض الصدر والمنكبين وطويل شعر اللحيه وشعر الرأس , فكان لوقع صوته
      وبروزه شخصه بتلك الهيبة والجلال أثرا بالغا في بث الرعب والخوف في نفوس الخارجين المتمردين
      الطغاة , وكان للإمام ما أراد .

      ومن يدرك وسع علمه وتدبيره في الإقتصاد فلا أقل من أن يصفه بأنه خريج لكلية تجارة وإقتصاد
      وخير دليل على ذلك ما سردناه سابقا من معاملة القروض متيسره الدفع للمعسرين لمن اراد مثلا
      أن يشترى عدة لصناعة ما أو دابة تعينه على عمل يتكسب منه أو لمن أراد الزواج وتعوزه التكاليف
      وجميع هذه الأعمال والمعاملات ينفقها أبو زيد من بيت المال , ففي زمانه لم يكن هنالك من عذر لأحد
      الناس حتى يكون عاطلا عن عملا يكون له مصدرا للرزق يعينه على متطلبات الإستقرار والحياة
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • وقد جعل الشيخ أبو زيد رحمه الله صناديق لحفظ دخل البلد من الأموال ومنها دخل المساجد ودخل
      الأفلاج فكما قلنا سابقا بأن للمساجد وقفا مثل بساتين النخيل وغيرها وهذه تدر أمولا وكذلك الأفلاج
      ومياهها وقنواتها كانت تباع وتؤجر وطبعا كان مقر تلك الصناديق في الجزء المسمى بيت الحديث
      من حصن بهلا الذي يسكنه الشيخ وقد كان طبعا هناك وكلاء مسؤولين عن مصادر الدخل يحاسبهم
      الشيخ بنفسه ويستلم منهم الأموال وكان يقول لهم ناصحا واعظا مرشدا : حافظوا على أمانتكم التي
      حملكم الله إياها وجدوا واجتهدوا في عمارتها واصلاحها , لأن الله سائلنا جميعا ومحاسبنا عن هذه
      الأمانة في يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا حاكم ولا محكوم , كل نفس تجادل عن نفسها .

      وكما قلنا سابقا فجهود الشيخ لم تقتصر على إعمار بهلا وقراها التابعة فقط بل تعدى ذلك إلى بلدان
      مجاورة فقد أمر رحمه الله ببناء مسجد على مدخل ولاية عبري عند شريعة الفلج وأنفق على عمارته
      بنفسه , ويطلق على هذا المسجد مسجد أبي زيد إلى يومنا هذا .

      جعل الشيخ للزكاة جباةً يجمعونها من الموسرين الأغنياء واختارهم من الأمناء الأكفاء المتفقهين في
      الزكاة ومقاديرها , يأخذونها من الأغنياء ومن تجب عليهم الزكاة دون تساهل وتفريط في حق شرعه
      الله عز وجل عليهم ودون زيادة طبعا ( إلا من كان يعطي عن طيب خاطر ) وبعد أن ينتهي الجباة
      من جمع الزكاة يحاسبهم الشيخ فيعطيهم أجرهم منها ويحفظ الباقي لديه في صندوق الزكاة لحين إخراجها
      في وجهتها الشرعية .

      حروب الإمام وعون الشيخ له

      كان الإمام إذا أراد حربا على بلد ما وقعت منه مخالفة وخروجا عن الطاعة بحيث لم يفلح معهم النصح
      وبقوا على عنادهم , وحتى يخضعوا لطاعة ولي الأمر الصالح التي هي من طاعة الله ورسوله كما
      يقول جل وعلى في محكم تنزيله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) , وقد كان الإمام
      يدعوا المشائخ والقبائل كي يقوموا معه على هؤلاء المعاندين الخارجين , فإن كان موقع تلك البلد
      الخارج أهلها أو زعماؤهم عن الطاعة بإتجاه غرب مقر الإمام ( وهو نزوى ) كان إجتماع جيش الإمام
      ببهلا ويتولى الشيخ أبو زيد إنفاق مؤونة هذا الجيش من وقت نزوله ببهلا وإلى أن يعودوا إليها بعد إنتهاء
      مهمتهم بما في تلك المؤونة من عدة الحرب والغذاء والأموال , وكذلك كان الشيخ أبو زيد يتكفل بمؤونة
      الجيش إن كان إتجاه مسيرته إلى شرق نزوى ( مقر الإمام ) حيث يثور الشيخ ومعه جنده من بهلا حاملين
      ما يلزم من حاجة الجيش الذي سيتجمع بنزوى ويظل الشيخ ملتزما بنفقة الجيش حتى ينهي مهمته .

      بما معناه أن دولة الإمام الخليلي كانت تعتمد على خزينة الشيخ ببهلا إعتمادا كبيرا نظرا لوفرتها وكل هذا من
      بركة شيخنا الجليل المؤمن حَسُنُ التصرف والتدبير .
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • مما أورده مؤلف هذه السيرة التي نستقي منها معلوتنا وننقلها بتصرف , أورد قصة لمخالفة وقعت
      من بعض مشائخ بلد من بلدان عمان التابعة لحكم الإمام فيها خروج عن الطاعة وعصيان فبادر الإمام
      كعادته بنصحهم ووعظهم وبذل في ذلك ما بذل من الكلام والحهد والوقت وأيفاد العلماء والمشائخ ناصحين
      مرشدين لهم حتى يأس من رجوعهم وعودتهم للولاء بالحسنى فجند لهم الجيش واجتمعوا ببهلا عند الشيخ
      ابي زيد وتوقفوا بها وذلك إمعانا في النصح للعصاة الخارجين عن الطاعه وإفساح مزيد من الوقت لذلك
      علهم يرجعون للحق بدون حرب وطال الأمد حتى وصل لستة وعشرين يوما .

      وعندها أشار العلماء والشيوخ والوجهاء بدولة الإمام بعمان أن يلجأ إلى الحرب بعد كل تلك الفترة من الإنتظار
      و الأموال التي كانت تصرف على الجيش بما يقدر بألف قرش في اليوم كان يخرجها أبو زيد من بيت المال ,
      وذلك خوفا من أن يختل بيت المال ويضطرون إلى بيع شيء من عقاره وأملاكه وأيضا لتشدد أولائك الخارجين
      واليأس من رجوعهم للحق , فرد عليهم الإمام بأن مشورتهم حسنه ورأيهم حسن ولكن لا بد من مشورة أبي زيد ,
      فقال ابو زيد لا بأس في أن ننتظر ليومين آخرين عل الله أن يجعل فيهما الفرج ولا نضطر لحرب أناس هم أخوة لنا
      قبل كل شيء , فلا لوم في الإنتظار وكما يقول صاحب الحكمة : في التأني السلامة وفي العجلة الندامه .

      وعلى أثر هذا الكلام الطيب من الشيخ ابي زيد جاء رجل من مشائخ تلك البلد الخارجة عن الطاعة إلى
      الإمام قائلا له : يا إمام المسلمين أنت بلا شك إمامنا ونحن باقون على البيعة وهذه البيعة على رقابنا وأنت تأمر ونحن
      نطيع وننفذ الأمر ونحن معكم على السمع والطاعة وفي الحل والسلم وفي اليسر والعسر .

      فبوصول هذا الشيخ للإمام وقبل كل هذا بتوفيق من الله عز وجل وما أودعه من إلهام في قلب الشيخ أبي زيد من حكمة
      وسياسة في التعاطي المثالي مع هذا الأمر إنتهت هذه المشلكة وانحلت القضية دون حرب أو شقاق وهذه بغية الإمام
      وقد شكر الله الذي بيده مقادير الأشياء وأثنى عليه بالحمد والشكر , وقد كان مسير الإمام بجيشه حتى تعسكره ببهلا
      مسيرا هادئا مصحوبا بأمل حل سلمي ينهي هذه الطارئه .وهذه سيرة المؤمنين فسيرتهم سيرة رفق ولين وحكمة
      وسياسة فجزاهم الله عنا خير الجزاء .

      وللحديث خاتمه تتبع بإذن الله
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ
    • وفاته رحمة الله عليه :
      توفي الشيخ رحمه الله يوم الجمعة الموافق للرابع من شهر رجب سنة 1364هـ وقد شهدت جنازته
      خروج كل من سمع بوفاته فقد كان جثمانه وهو محمول إلى مدفنه لا يمر بمحلة إلا ويخرج كل أهلها
      بمن فيهم الرجال والنساء والأطفال وهم يرددون مات شيخنا وعالمنا مات أبونا مبتهلين وسائلين المولى
      عز وجل له الرحمة والمغفرة والرضوان فقد خلف للإسلام والمسلمين العلم النافع والذكرى الحسنة الطيبة
      والمآثر الجليلة والخير العميم .

      لم يكن للشيخ من ذرية سوى ولد واحد إسمه أحمد كما سبق ذكره عاش قليل الذاكره وتوفى بعد أبيه
      بأربعين عاما وقد كان عقيما لم يخلف شيئا من الذريه . فسبحان الذي بيده مقادير كل شيء , له في
      كل شيء حكمة قد لا يعلمها سوى هو سبحانه جل وعلى .

      ولا زالت بهلا تذكر الشيخ أبا زيد خلفا بعد سلف وجيلا بعد جيل ولا تزال مآثره ومنجزاته شوامخ
      تعانق فضاء السماء وركائز ناشبة في أعماق الثرى وعلامات بارزة على وجه الفليحة .
      علمتني الحياة أن لا أضع المعروف فيمن أخشى أن لو مددت له يدي يوما أن يقطعها
      هادئ