إنَّ الاقتراب الحذر جداً من المسائل التي تناقش الجنس والعذرية في المجتمع العُماني محاصرٌ بدفوعاتٍ جاهزةٍ للغاية تجعلُ من تناول القضية ضرباً من ضروب المُغامرة من جهة، ودفاعاً شخصياً مستميتا من جهةٍ أخرى. والزواج في مجتمع مثل عُمان يأتي نهاية لنسق ذهني واسع ومتشعِّب للغاية يجعلُ منه هدفاً وغايةً ومصيراً، فهو هدف من حيث النهاية الأزلية لمشروع الفرد، وغايةً كونَه الوسيلة الوحيدة المشروعة نظرياً ليكون للمرء سكن ومودة، ومصير من حيثِ جعله للفرد ربَّا لعائلة وأسرة يتولى هو بتصرفاتِه وفهمِه وعقليته توجيهها نحو ما يعتقد أنَّه المصير الأفضل.

سابقاً في عصرٍ ليس ببعيد، يمكنني أن أسميه نهاية التسعينيات كان يمكنكَ أن تخوضَ نقاشاً في عُمان وتسمعَ أحدهم يتشرَّطُ في سرده لمواصفات الزوجة المثالية، كان الوضع يسمح لفردٍ واحد على الأقل بإكمال مكوِّنات الحلم العُماني [الوظيفة ــ السيارة ــ الزوجة ــ المنزل] على الأقل خلال عشر سنوات من التخطيط الاقتصادي الجيِّد، ولعل أحدا لا يختلفُ معي أن إتمام هذه المهمَّة الآن لفردٍ واحدٍ وفق الدخل العام حالياً قد اختلفَ بعض الشيء وأتحدث هُنا من جهة الفردِ ووعيِه تجاه قدرتِه على إتمام الحلم العُماني المصيري والذي لا يمكن للمجتمع أن يتنازل عنه مهما كانت الأسباب.


يحلُّ الزواج مشكلات كثيرة في أي مجتمع، والزواج المبكِّر مع اختلاف البشر حولِه أيضا يمثِّل حلاً مبدئياً يقي المجتمعات من التجمعات الشبابية الحرَّة والتي ــ بلا ريب ــ ستحاولُ الوصول إلى الثمار المغلَّفة بوسائل متحايلة. يتوقَّع المرء عندما يكثر عدد العازبات والعازبين في مكانٍ ما أن تكثرَ المشاكل المتعلقة بالعلاقات غير المشروعة، اجتماعيا، وقانونيا، وشرعيا، ومع كثرة هذه الإشكالات تنفجر قضية أساسية وبدائية جداً مثل الكبت الجنسي انفجاراً مرعباً لتدخل بعدها مجتمعات آمنة ومطمئنة إلى حالات اجتماعية عامَّة قائمة على الشكِّ والخوف والرغبة في الفلات والإفلات من الانحلال القائم، بالطبع هذا الوضع لمَّا يحدث في عُمان، ولكن المرء ليقلق حيال مشاهداتِه من المجتمع ويتساءلُ إن كانَ بالإمكان فعل شيء للتخفيف من ضراوةِ هذا الوضع.

تأخر سن الزواج لم يعد خياراً يسلكه أفراد لرغبات فرديه؛ يكاد يكون في حالاتٍ كثيرةٍ تأخراً بسببِ الإصرار على اتباع نهج المرحلة الفائتة يوم كان كل شيء أكثر سهولة والحياة أقل غلاءً. الشرعُ يضعك أمام إمكانية تفعيل العلاقة جسدياً فور أن يعقد المرء قرانَه على فتاةٍ ما، بينما المجتمع لا يرعوي أن يجبر الطرفين على الانتظار سنواتٍ عديدةٍ حتى يسمحَ لهما بما أحلَّ الشرع، وإن تناول هذه الفكرة يعد ولا ريب ضرب من ضروب العبث في الوقت الحالي، ولكن بعد سنواتٍ بسيطة عندما يكون الفارق بين بين طور الخطبة، وطور المساكنة في زواج الفرد تسع سنوات، فهل سيراجع المجتمع حساباتًه من هذا الجانب؟


قد يبدو للبعض هذا [نصف زواج] وقد يقف البعض ضدَّه وقفة شرسة لأنه يناقض الأعراف، ولكن الأعراف نشأت لضرورات وإن انتفت أو تغيرت فإن أعرافا جديدة يجب أن تظهر وإلا كانت هنالك مشكلة اجتماعية قائمة. فئة الشباب التي بدأت تكون أكثرية ظاهرة بدأت تضيق ذرعاً بالقيود المفروضة على الزواج العُماني التقليدي، ولعل الحلول التي يلجأ إليها القلة الآن لن تروقَ أبداً للمجتمع، أو التشريع، فضلا عن عدم شرعيتها دينيا؛ لذلك يبدو من المقنع التنازل قليلاً عن الزواج العُماني المثالي، وقَبول تفعيل العلاقة بين الرجل وزوجته بطريقة منظَّمة، تساعد المجتمع على التصدي للمشكلات الاجتماعية الكثيرة التي قد يفرزها تأخر سنِّ الزواج في مجتمع شبه محافظ مثل المجتمع العُماني.



يمكن تطوير فكرة [نصف الزواج] هذه وجعلها ممكنة اجتماعياً إن تمَّ تبنيها من قبل شرائح الطلاب، أو على الأقل فعلها أولياء الأمور الذين لهم طلاب وطالبات يدرسون ولا يمانعون أن يتزوجوا نصف زواج.


لا يستطيع الطلاب ببساطة الزواج، ولا يرومون مخالفة قوانين المجتمع الصارمة إلا في حالات استثنائية تغامر بالكثير. يمكن لنصف الزواج أن يكونَ حلا مؤقتا على الأقل يشعر الطرفين باكتمالهما الاجتماعي دون إلزامهما كلياً بالمساكنة التي يحتاجها كل زواج. ولست أدري إن كانت الضرورة ستلزمنا ذات يوم بقبول نصف أو ربع زواج ذاتَ يوم. لا يمكن التنبؤ بسهولة بسلوك المجتمع العُماني، فهل سيحدث انفجار أخلاقي عام بسبب عدد العازبين المتزايد بشدة؟ أم سيتجه الوضع إلى الفلات كلياً من والعودة إلى تزويج الولدِ والبنتِ داخل المنزل الكَبير الذي لا يمكنه أن يضيق أكثر بساكنيه وأفكارهم التي لا تريد أن تتغير.