اسكندرية نيويورك مذكرة شاهين السينمائية

    • اسكندرية نيويورك مذكرة شاهين السينمائية

      * أفلامه كانت مرآة على حياته طوى آخر صفحاتها مع رحيله

      محمد جبار الربيعي

      بعد ان بدأ يوسف شاهين كتابة مذكراته على الشريط السينمائي بفيلم (اسكندرية ليه1979 ) وتلاه بـ(حدوتة مصرية1982) ثم (اسكندرية كمان وكمان 1990) يختم هذه السلسلة المشوقة التي امتدت مساحة تغطيتها لما يقارب الستين عاماً بفيلمه (اسكندرية- نيويورك 2004 ) الذي كان آخر فيلم له... فهو لم يستطع إكمال فيلم (هي فوضى) بسبب سوء أوضاعه الصحية ليكمله المخرج (خالد يوسف) وهذا الأخير شاركه في كتابة القصة والسيناريو لفيلم (اسكندرية نيويورك) وكأنه كان شاهداً على الكثير من الأحداث الحياتية التي غطاها الفيلم فساعد أستاذه في الكتابة لتأريخه الفني والشخصي.

      بعد أن شاهدنا يحيى وهو اسم البطل الذي يجسد شخصية شاهين في فيلم (اسكندرية ليه) في فترة شبابه وطموحه بل وهوسه بالسفر إلى أمريكا لدراسة السينما هناك واستعراضه للصعوبات التي واجهته وعائلته وبعد أن تابعنا فترة عودته من الدراسة ومشواره الفني وبداياته والنحت في الصخر من أجل تحقيق حلمه الذي عاش معه في كل فترات حياته للوصول إلى العالمية بأفلامه وأيضا مرضه والعملية الجراحية التي أجريت له في القلب ومحاكمة الذات من خلال محكمة خيالية بحيث تكون طفولته هي المشتكي وهو المتهم في أسلوب فريد وجميل قدمه في فيلم (حدوتة مصرية) ثم نضوجه كمخرج وانتشار أفلامه ومشاركته في مهرجانات مهمة والعلاقة الحميمة بينه وبين الممثل محسن محيي الدين ومدى تأثره بعد ترك الأخير العمل معه.

      وترافق هذه القطيعة الاعتصام الذي قام به الفنانون في الثمانينات ضد قمع السلطة في فيلم (اسكندريه كمان وكمان ) يأتي فيلم (اسكندريه نيويورك) ليمثل الخاتمة لتلك السيرة الذاتية وتكون مسك الختام له مع السينما التي أعطاها كل حياته .هذا الفيلم يغطي معظم فترات حياته الفنية فهو يركز فيه على فترة سفره ودراسته في معهد باسادينا في كاليفورنيا بطريقة الفلاش باك والفترة التي تلتها وهذا أيضا بطريقة الفلاش باك ثم في مركز ثقافي بنيويورك (لينكولم سنتر) حيث يكرم "يحيى"في العام 2001 و بهذا يكون الفيلم قد غطى معظم فترات حياته وكأنه يستعيد انتقالات كل حياته من خلال فيلم .

      وهذه المرة ركز على حياته العاطفية والاجتماعية وانعكاسها على حياته الفنية ومعاناته في أمريكا والتمييز العنصري الذي كان يعامل به لأنه عربي واصراره على تحدي كل هذا من أجل هدفه الذي جاء من أجله .

      يبدأ الفيلم بمهرجان في نيويورك لعرض أفلام المخرج يحيى (محمود حميدة) الذي يلتقي فيه بحبيبته في أيام دراسته في أمريكا جينجر (يسرى) لتفاجأه بأن له ابن كان ثمرة لقائهما في احدى الليالي وهو لا يعلم فيفرح فرحا كبيراً لكن فرحه هذا لا يستمر بسبب جحود الابن ورفضه له بسبب قوميته العربية وهنا يركز على مسألة التعامل العنصري في أمريكا بحيث تصل إلى العلاقة بين الابن وابيه فينشأ الصراع الذي يتخيله شاهين هذه المرة فكما يبدو أنه وضع فرضية أن يكون له ابن وعمل عليها ليوضح خطورة ما يحسه الامريكي تجاه العربي حتى لو كان أباه وبالمقابل ما يشكله ذلك عند العربي من احباط وهو بهذا يغمز لاحداث 11/سبتمبر من طرف خفي وكأنه يقول لأمريكا إن ما حصل في ذلك اليوم كان بسبب تعاملكم المتعالي مع الشعوب وازدرائكم لهم فقد ولّد ردة فعل عنيفة وصلت إلى التدمير .

      كما كان جلياً أن شاهين عانى كثيرا في فترة دراسته من موضوع التعامل العنصري فحفر ذلك اُخدوداً عميقاً في وجدانه بحيث أنه يسلط الضوء على أول يوم يدخل فيه استوديو في هوليوود ليطرد بعد ثلاث دقائق بسبب أصله العربي والغريب أنه في المشهد الذي يليه يبدو سعيداً ليقول رغم أنه طرد إلا أنه سعيد لان قدميه داستا استوديو في هوليوود ..هذه مدرسة الاصرار إلى درجة العناد والحب الهستيري اللذين أوصلا شاهين إلى العالمية وهذا درس كبير قاله شاهين في مشهدين فقط .

      من جهة أخرى جسد الحب بينه وبين جينجر في أسمى معانيه ليعبر عن أن الحب يستطيع أن يتغلب على كل شيء، وأن القلب الذي يدخله الحب يجب أن يكون فارغاً من كل العقد العرقية والعنصرية.

      ركز الفيلم بشكل كبير على التعبير بالجسد والاستعراضات التي يبدو أن شاهين كان مهووساً بها فلم يخل فيلم من افلامه منها وكأنه يعطي للغة الجسد مكانة خاصة وأهمية مميزة جداً يستطيع من خلالها التعبير عن كل الخلجات والاحاسيس الكامنة التي يعجز اللسان عن البوح بها وربما تأثر بشخصية الروائي الكبير كازانزاكي الشهيرة( زوربا ) خصوصا أن هناك مشهداً يرقص فيه مع ممثل فيلمه (عمرو عبد الجليل) بعد أن خرجوا يملؤهم الاحباط بسبب عدم حصولهم على جائزة في المهرجان(في فيلم اسكندريه كمان وكمان) كذلك يسلط الضوء على الانحياز للممثلين والمخرجين الغربيين في المهرجانات فالنتائج غالباً ما تحكمها أسباب سياسية وطبخات تحصل وراء الكواليس بغض النظر عن القيمة الفنية التي يقدمها العمل .

      وكالعادة يقدم شاهين ممثلين جدد فيبدو أنه أخذ على نفسه مهمة اكتشاف الشباب ليقدم هذه المرة الممثل الشاب (أحمد يحيى) و(يسرا اللوزي) وبالطبع يحسب أداء الممثل للمخرج بالدرجة الاساسية لأنه لا يقتنع بأداء متوسط ويريد دائماً من ممثله التألق لذلك نجد الممثلين في أفلام شاهين في أفضل حالاتهم لقيادته الصارمة لادائهم.

      أما (محمود حميدة ويسرا ولبلبة )فقد كانوا في مباراة للأداء المتقن مع ملاحظة أن أداء( محمود حميدة) اختلف تماماً عن اداء نور الشريف الذي مثل دور يحيى في فيلم (حدوتة مصرية) فقد شاهدنا يوسف شاهين يجسده نور الشريف بحركاته وبانحناءة ظهره وبكل تفاصيل الشخصية الدقيقة أما محمود حميدة فكان يؤدي دور يوسف شاهين بمعنى أنه احتفظ بالكثير من شخصيته كممثل يؤدي الدور المطلوب منه فقد طغت شخصية الممثل أكثر من طغيان الشخصية المؤداة وهذه تعتمد على قناعة وثقافة الممثل (فماذا تبقى من لمسات الممثل فيما لو جهد على تقليد الشخصية بحذافيرها؟)..اعتقد ان هذا السؤال كان يراود محمود حميدة وهو يؤدي دوره في هذا الفيلم .

      في المشاهد الاخيرة من الفيلم ترك شاهين النهايات مفتوحة ليقول القدر قولته فالابن يشاهد أفلام أبيه وقد بان التأثر عليه دون أن يخطو الخطوة الايجابية التي يبقى الاب بإنتظارها وكما يبدو أنه يئس منها لتبقى العلاقة بينهما باردة كحال العلاقة بين العرب والأمريكان . وبنهاية الفيلم تنتهي تلك السلسلة التي كان لها الفضل الكبير في معرفة الجمهور لشاهين بشكل مستفيض ودقيق شاهين الذي أحبه الناس ومن حوله رغم نرجسيته الواضحة التي اعترف هو شخصياً بها على لسان استاذته (ماجدة الخطيب) تلك النرجسية الجميلة التي دعته إلى كتابة مذكراته على الشريط السينمائي في تلك السلسلة الرائعة.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions