فضيحة تسريب الوثائق العسكرية من القيادة 5

    • فضيحة تسريب الوثائق العسكرية من القيادة

      غازي السعدي

      إن سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي يتبناها الجيش الإسرائيلي، تهدف للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين .

      سيطرت قضية المجندة التي سربت معلومات مهمة من وثائق الجيش للصحافة، والتي اعتبرت أخطر قضية تجسس في إسرائيل ومست بأمن الدولة على عناوين الصحف العبرية، وعلى أحاديث المجتمع والرأي العام الإسرائيلي، خلال الشهر الفائت وما زالت، وبطلة هذه الرواية هي مجندة تدعى "عنات كام"، التي كانت تعمل في مكتب القائد العسكري للمنطقة الوسطى الجنرال "يئير نافيه" والمتهمة بسرقة آلاف الوثائق السرية، وقدمتها إلى الصحفي "أوري بلاو" من جريدة "هآرتس"، الذي قام بنشر سلسلة تقارير مرتكزاً على هذه الوثائق، مفادها بأن الجيش الإسرائيلي يقوم بعمليات اغتيالات غير "قانونية" تتعارض مع قرار المحكمة العليا، ضد نشطاء فلسطينيين، وهذا الصحفي هرب إلى لندن وما زال هناك، خشية ملاحقته قانونياً إن عاد لإسرائيل، أما "عنات كام" فهي معتقلة في بيتها بقرار من المحكمة تحت الإقامة الجبرية.

      لقد خطّت صحيفة "يديعوت احرونوت 9/4/2010"، على صفحتها الأولى وبعنوان بارز:"جاسوسة من الداخل"، أما جريدة "هآرتس 9/4/2010"، فكتبت في عنوانها الرئيسي: مجندة تتهم بالتجسس لتسليمها وثائق سرية لمراسل صحيفة "هآرتس"، وبينما يقضي قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، منع اغتيال النشطاء الفلسطينيين في حال توفر إمكانية لاعتقالهم، إلا أن كبار المسؤولين في الجيش والمخابرات العامة "الشاباك"، يقومون بتنفيذ عمليات الاغتيال، لما يسمونهم بالمطلوبين، حتى في حال توفر الإمكانيات لاعتقالهم، وهذا يسمى إعداماً دون محاكمة، أما الأسماء الشيفرية الأكثر شهرة في الجيش الإسرائيلي لعمليات الاغتيالات فهي: "بعاموت" "الإصابة- "عملية وقائية"، و"اسكوم" عملية قتل مستهدف، فالجيش الإسرائيلي يقوم بعمليات تصفية الفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى في حال توفر إمكانية اعتقالهم حيث يعتبر الجهاز الأمني الإسرائيلي هؤلاء المطلوبين جزءاً من البنية الأساسية الفلسطينية المتكتكة، وقد صفى الجيش الإسرائيلي أعداداً كبيرة من الفلسطينيين، حتى من الذين لا صلة لهم بأعمال المقاومة، وهذه "جريمة حرب" مخططة.

      المجندة آنفة الذكر وفي إطار عملها، اطلعت على مواد سرية جداً، مثل مخططات لعمليات، وملفات خاصة، وملخصات، ومداولات، ووثائق تصل إلى قيادة المنطقة الوسطى من مكتب رئيس الأركان، وعند انتهاء خدمتها العسكرية، أخذت معها قرصين مدمجين يتضمنان ألفي وثيقة، منها (700) وثيقة مصنفة تحت بند "سري" و"سري جداً"، وزودت بها الصحفي "اوري بلاو" من جريدة هآرتس الذي نشر سلسلة من المقالات حول مواضيع متعددة من تلك المواد مما أثار دهشة المخابرات العامة، التي بدأت بإجراء تحقيقات واسعة، للعثور على المصدر الذي سرب هذه المعلومات للصحفي المذكور.

      في أعقاب هذه الملاحقة والبحث عن المسرب، تم اعتقال المجندة "عنات كام" التي اتهمها رئيس الشاباك "يوفال ديسكن" بالانتماء إلى اليسار الإسرائيلي المتطرف، وأن قيامها بتسريب هذه الوثائق كان على خلفية أيديولوجية، باعتقادهم أن هذه الجندية تسعى للكشف عن جرائم الجيش، مع أنها نفت أن ما قامت به جاء بتوجيهات سياسية خارجية بل قالت إن ما قامت به كان من منطلقات ضميرية ضد سياسة الاغتيالات، لتعريف الرأي العام بما يقوم به الجيش في الأراضي المحتلة وأن التاريخ سيغفر للأشخاص الذين يعملون على فضح جرائم الحرب، وتبين أن من بين الوثائق التي كشفت عنها، الاغتيالات التي نفذت ضد قياديين من الجهاد الإسلامي، وأنها كانت تريد من خلال هذه الوثائق، أن تثبت ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب مع أنها نفت إمكانية تعريض هذه الوثائق الأمن الإسرائيلي للخطر، موضحة أن الصحفي الذي نشر المقالات مستنداً إلى هذه الوثائق، لم يركز على تفصيلات العمل العسكري للجيش، وإنما على المبادئ والسياسات التي كانت خلف قرارات كبار الضباط والعسكريين.

      الصحفي "ناحوم بارنيع"، في رده على الاتهامات الموجهة لليسار "يديعوت 12/4/2010" قال إن أكثر الضباط والجنود الذين اتهموا بسرقة وثائق سرية من الجيش، لاحتياجات سياسية، ولتزويد قادة المستوطنين بهذه الوثائق، كانوا ينتمون إلى المعسكر الصهيوني اليميني الديني، واعتبرهم نباتاً وحشياً ينمو في معسكر اليمين، من جهة أخرى، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، كانت تعتبر الأعضاء اليهود في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مع زوجاتهم وأبنائهم وأقربائهم، خطراً أمنياً، فاليمين الإسرائيلي يطالب بفحص كل من يُجند للجيش من هذه الشريحة جيداً، لأن هذه الفئة تستتر في مواقفها تحت غطاء حقوق الإنسان وحرية التعبير، فاليمين يصفها بنباتات وحشية تنمو وسط اليسار الإسرائيلي.

      النيابة العسكرية تقدمت بلائحة اتهام ضد المجندة "عنات كام"، تضمنت تهمة التجسس الخطير، والتي وضعت تحت الإقامة الجبرية لحين استكمال الإجراءات ضدها، بينما ونتيجة لملاحقة الصحفي "بلاو"، جرت مباحثات بينه وبين "الشاباك" لإعادة "50" من الوثائق السرية التي بحوزته، والتي رفض إعادتها، وفقاً للشروط التي عرضت عليه، ولا نعرف أسباب الإصرار على إعادة الوثائق، مع أنه من الممكن تصويرها قبل إعادتها، فهذا الصحفي الذي كشف في مقالاته ممارسات الجيش، وأذرعته الأمنية في الأراضي المحتلة، كما كشف عن ملخصات لمداولات شارك فيها الجنرال "غابي اشكنازي"، رئيس هيئة الأركان، والجنرال "يئير نافيه"، القائد العسكري للمنطقة الوسطى، و"يوفال ديسكين"، رئيس "الشاباك"، في توجيههم التعليمات لتنفيذ عمليات الاغتيالات، وهذا الكشف هو أكثر ما أغاظ المؤسسة العسكرية، ومع أن "الشاباك" لم يحترم الاتفاق مع الصحفي "بلاو" الذي ما زال في لندن، فإن "الشاباك" أخذ يمارس ضغوطاً كبيرة وتهديدات على الصحف والصحفيين، ووجه الدعوة إلى المشتركين - وخاصة المؤسسات الحكومية وأعضاء الكنيست- لإلغاء اشتراكاتهم في صحيفة "هآرتس"، وليس معروفاً مدى الاستجابة لهذه الدعوة.

      إن سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي يتبناها الجيش الإسرائيلي، تهدف للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين، ولإرهابهم وإخافة الآخرين لحملهم على الرحيل من الوطن، فمن الوثائق التي سربت ما يدل على ذلك، فبتاريخ "13/12/2006"، اغتيل في مخيم اللاجئين "عين بيت الما" في منطقة نابلس، المطلوب "محمد رماحة"، فقد تم اغتياله خلال عملية مشتركة للجيش و"الشاباك" والوحدات الخاصة، إلا أن مصير "رماحة" وفقاً للوثائق كان قد حسم قبل شهر من العملية، خلال اجتماع لقيادة المنطقة الوسطى وكلفت وحدة "ماجلان" بالعملية وهذه الوحدة سبق أن نفذت عملية في قرية "اليامون" بتاريخ 8/11/2006، وانتهت بقتل خمسة فلسطينيين، إلا أن الجيش لم يعترف بأنها كانت عملية اغتيال، مع أنها كانت مقررة، مدعين أن المهمة كانت وضع كمين لمسلحين وإطلاق النار عليهم وفي أواخر شهر سبتمبر من العام 2006 تم المصادقة على اغتيال ما أطلق عليه بخبير تركيب الأحزمة الناسفة من منطقة نابلس، باعتباره قنبلة متكتكة، فهم يصادقون على التصفيات وبعد تنفيذها يصدرون بيانات مفبركة كاذبة لتبريرها، وبتاريخ 20/6/2007 وفقاً للوثائق، جرى تنفيذ عملية اغتيال لكبار قادة الجهاد الإسلامي في منطقة جنين وصفت "بالقتل المستهدف"، لكن الجيش ادعى أن العملية ليست معروفة للجيش، وأنه سيتم التحقيق حولها، وخلاصة القول، فإن قرارات التصفيات والاغتيالات تتخذ من قبل الجيش الإسرائيلي في إطار جملة منوعة من الاعتبارات والمزاعم الأمنية والسياسية، فهذه هي حقيقة الاغتيالات، وحقيقة الجيش الإسرائيلي من الداخل، ويزعمون أنه من أكثر الجيوش طهارة، ونحن إذ نسجل أهمية هذه الوثائق والتسريبات، ومن سربها ونشرها، نؤكد أنها لم تستغل عربياً كالعادة، ولا إعلامياً، ولا في المنابر الدولية، ومحاكم جرائم الحرب في "لاهاي"، فجميعنا نعلم ما يقوم به الجيش والأجهزة الأمنية، والمستعربون وسلاح الجو، من عمليات التصفية والاغتيالات، إذن ما هو الجديد؟ والجواب أن الجديد هو الكشف عن وثائق عسكرية إسرائيلية تثبت هذه الجرائم.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions