* أكتب عن شخصيات غنية مملؤة بالمكان ولديها قدرة كبير من الحكمة بسيطة ولديها رؤية للحياة وجاذبية بالمشاعر التي بداخلها .
القاهرة- وكالة الصحافة العربية
رفض القاص والروائي المصري محمد البساطي أن يصفه البعض بأنه يكتب عن المهمشين بينما يرى البعض أنه جعل من القرية الصغيرة أسطورة، لأن معظم أعماله تدور في الريف ولديه المقدرة على أن يجذب القارئ إليه ليعيش ويتعايش في ذلك العالم الغني الساحر الذي يشده إليه البساطي بأسلوبه الممتع في سرد حياة البسطاء والمهمشين. وبعد أن صدرت مجموعته القصصية الجديدة "نوافذ صغيرة"، يرى الكاتب محمد البساطي أن "القصة القصيرة أصبحت عزيزة"، ويخشي ألا يستطيع كتابة القصة مجدداً ربما بسبب السن، كما يقول.حاول البساطي في "نوافذ صغيرة" أن يفتح نوافذ على اتساعها على شخصيات مصرية بسيطة تعيش إلى جانب بعضها البعض سواء أكانت ثلاث عائلات في منزل واحد أو جيرانًا في بيت واحد أو فوق السطوح وحتى في السجن. ويرفض البساطي مقولات البعض أنه "جنرال" للرواية العربية أو إمام من أئمتها، ويؤكد أنه كاتب يجاهد بحثاً عن كتابة أفضل وأن انفعاله بالكتابة يسعده أكثر من الانتهاء منها. ويصف نفسه بأنه كاتب واقعي يكتب الواقع بحثاً عما يميز الشخصية المصرية وما تعيشه من قهر واستبداد وفقر مدقع. في هذا الحوار ينفي البساطي المقولات النقدية التي كتبت عنه على مدى تاريخه مع الكتابة، ويتحدث عن مجموعته الأخيرة "نوافذ صغيرة".
* لماذا فكرت في نشر المجموعة مع أن بعض قصصها قديم؟
السبب الرئيسي هو أنني ظللت متكاسلاً من ناحية نشر المجموعة، لأن بعض قصصها قديم وشعرت أنني لم أعد قادراً على كتابة قصة قصيرة لأنها أصبحت عزيزة.وعندما كتبت قصصاً حديثة شجعني ذلك على نشر المجموعة. وبينما كنت أرتب قصص المجموعة وجدت أن هناك خيوطا، فأجواء القصة متشابهة وإلم تكن الأحداث متشابكة، لذا قمت بتجميع القصص بصورة تعطي إيحاء بأن هناك شيئاً ما يجمع بينها. ولكن يمكنني القول إن هناك همين في المجموعة، الهم الأول: البوليسي والإذلال الذي يعيشه الشعب المصري في ظل دولة بوليسية واستبدادية وهذا ما حاولت معالجته سواء في قصص "أرزاق" أو "نوافذ صغيرة" أو "نقطة مطر". والهم الثاني الكتابة عن الشعب نفسه و العائلات حيث إنني لا أحب إطلاق لفظ "المهمشين" على أي من الشخصيات التي أتناولها في أعمالي.
* لماذا تنفي عن نفسك أنك كاتب المهمشين؟
- من أكتب عنهم أناس يعيشون في فقر مدقع في هذه البلاد وليسوا مهمشين. نحن نعيش الآن حياة رهيبة. وتعكس القصص المناخ الذي نحياه الآن وقصدت أن أكتب بهذه الحدة. مصر أبدا لم تكن كالتي نراها حاليا ولا بهذا الشكل. القصص الموجودة في المجموعة استلهمتها من الواقع المعاش.ولو نظرنا إلى كلمة المهمشين بهذا المعنى فالشعب المصري كله مهمش. ما أود أن أقوله إنني أكتب عن شخصيات غنية مملؤة بالمكان ولديها قدر كبير من الحكمة تقولها في كلمات بسيطة ولديها رؤية للحياة وجاذبية بالمشاعر التي بداخلها. ورأيت أن أكثر ما يكتب عن المدن يكتب عن الطبقة الوسطى التي هي محدودة بطموحاتها وسلوكها وشبعت من الكتابة عنها. وكنت أبتعد عنها لأكتب عن أطراف المدينة كما في "الخالدية" و"دق الطبول".
* في المجموعة مشاهد من روايتك الأخيرة "أسوار" خاصة قصة "قطرة مطر"؟
في "نوافذ صغيرة" بعض القصص عبارة عن مشاهد في روايات، وهناك بعض المشاهد المكتوبة مثل قصة قصيرة في رواية والتي أعتبرها مثل روافد في الرواية تغذي المجرى الرئيسي والرافد في حد ذاته يعد قصة بذاتها. وعندما تقرأ هذه المشاهد في ظل الرواية تأخذ شحنة الرواية. وقمت بالعمل على هذه المشاهد ووضعتها في مجموعة "نوافذ جديدة" وعملت على بعض قصص المجموعة لكتابة رواية.فمثلا قصة جيران تصلح لكتابة رواية على عكس غيرها من قصص المجموعة التي يمكن أن تظل في إطارها كقصة ولا تخرج عنها مثل قصة "هي وزوجها" والتي تحكي قصة الرجل المقعد حيث تطلب الزوجة من جارهم الموظف مساعدتها على تحميم زوجها.إنما قصة "جيران" فتحوي عالماً غنياً يمكن الحديث عنه بشكل أوسع حيث النساء الثلاث اللاتي يعشن في شقة واحدة مكونة من ثلاث حجرات لذلك أحاول العمل على هذه القصة لكتابة رواية تتناول قصص النساء الثلاث قبل سكنهن في هذه الشقة.وعندما كتبت قصة "جيران" شعرت بأنها تحمل في داخلها أجواء الرواية. أيضا هناك قصة عبقرية لجوركي أوحت لي بقصة "الغرفة المجاورة" وهي تحكي عن امرأة عاهرة تسكن في حجرة صغيرة ولديها طفل يحفظ أسماء زبائن أمه وأطلق هذه الأسماء على حشرات كان يمتلكها وظل يعذب هذه الحشرات. وهذا الطفل ذكرني بطفل قصتي "الغرفة المجاورة".
* لماذا تأخرت في كتابة الراوية؟
بدأت كتابة الرواية في السبعينيات بعد أن نشرت مجموعتين قصصيتين هما "الكبار والصغار" و"حديث من الطابق الثالث". وكنت قد كلفت بالذهاب لمدة سنة للعمل في أسوان واكتشفت أن هناك فندقاً يصلح للكتابة وكانت فكرة رواية "التاجر والنقاش" حيث شاهدت الجبال في طريقي إلى أسوان وتولدت لدي فكرة الرواية. وزرت واحة سيوة قبل أسوان فاستفدت أيضا من هذه الزيارة في كتابة الرواية وكتبت هناك أيضا في العام نفسه روايتين قصيرتين هما "المقهى الزجاجي" و"الأيام الصعبة". واستمتع بكتابة القصة القصيرة جدا خاصة عندما تكتب بالإيقاع والروح التي أريدها.
* وكيف تم استقبالك ككاتب روائي في ذلك الوقت؟
اعتبرت رواية "التاجر والنقاش" رواية غامضة وكتب عنها حسين حمودة وإبراهيم فتحي وشاكر عبد الحميد دراسات رائعة• وهذا ما جعل الرواية تفتح مغاليقها.
* لماذا تميل دائما إلى كتابة الروايات القصيرة؟
لا أميل ولا أتحمل الثرثرة في الكتابة ولا حتى في الكتب التي أقرأها، قراءة الرواية القصيرة ممتعة ورائعة ومشبعة مثل "الجميلات النائمات" لكاواباتا أو "ليس لدي الكولونيل من يخاطبه" لماركيز وغيرهما. الرواية القصيرة تنتهي وتقول كل ما تريده وحينما أعيد الكتابة لأعمالي أحذف الجمل الزائدة وحتى إن كان إيقاعها جيدا.وكان أفضل من كتب ذلك النوع العبقري هيمنجواي.وعندما بدأت الكتابة كان ما يهمني أن أجود في الكتابة. وأذكر أنه كانت هناك موجة قد ظهرت في الستينيات اسمها اللامعقول في فرنسا وتزعمها بيكيت ويونسكو واكتسحت العالم وجاءت آثارها إلى مصر واكتسحت أيضا.توفيق الحكيم نفسه تأثر بها وكتب "يا طالع الشجرة" و"الطعام في فمي" حيث أسد يبتلع شخصاً وهذا الشخص في هذه اللحظة يتذكر حياته.هذه الموجة كان لها سحر وتأثرت بها وكتبت قصة "بعيدا عن الأضواء" وبعثتها إلى عبد الفتاح الجمل الذي نصحني بعدم الانسياق وراء هذه الموجة.وبدأ الناس يهنئونني على القصة وعلى أنني كاتب حديث ، لكنني لم أكتب بهذه الطريقة أبدا بعد ذلك والتزمت بنصيحة عبد الفتاح الجمل. الكتابة بالنسبة لي هي امتداد لما كتب من قبل. وكما قال روجيه جارودي الكتابة "واقعية بلا ضفاف" وتتغذى من جميع الروافد الغريبة أو القفزات الطموحة للتغيير. وأنا مع هذه الفكرة ولا أجازف في مغامرات. حتى الأعمال التي كتبتها ووصفت على أنها نوع من الفانتازيا مثل روايات "الخالدية" و"دق الطبول" لم أنظر إليها كذلك على الإطلاق فهي روايات واقعية. مشاغبات.
* لو تحدثنا عن نشأتك، كيف تحولت من لص إلى كاتب ، خاصة أنك كتبت عن هذه الفترة؟
كنت في المرحلة الابتدائية عندما أنشأوا سينما في القرية وكانت بثلاثة "صاغات" وكان مبلغا كبيرا. وكان والدي مدرساً ابتدائياً وكان يفترض أنني لا أحتاج شيئاً.وتوفي والدي وأنا في العاشرة من عمري بسبب البلهارسيا وكذلك شقيقتي توفت بنفس المرض. وكنت أود رؤية السينما وكنا نود دخول السينما وليس لدينا أموال لذلك لجأنا إلى سرقة الحمام والبط. وكنا نصحو الفجر وكان الحمام يطل على ساحة السوق ليلتقط الحبوب وتدربنا على سرقة الحمام والبط ،وكان يمكن للطريق هذا أن يتصاعد لولا أنني سافرت إلى مصر لاستكمال دراستي. وفي رواية "ويأتي القطار" كتبت عن مشاغباتي أنا وأصدقائي في هذه الفترة وهي أقرب الروايات إلى نفسي.
* لماذا أصبحت كتابة القصة بالنسبة لك عزيزة؟
كتابة القصة بالنسبة إلي أصبحت شاقة، ربما بسبب الخوف من ألا تخرج في الشكل الذي أريده.كما أن القصص شديدة الصعوبة في كتابتها. فمنذ ثلاثة أيام هناك قصة تراودني وتعذبني في الوقت ذاته ومصدر صعوبتها أنها عبارة عن وصف حركة ولو أن هذا الوصف لم يأتِ بدقة شديدة وبحساسية شديدة لأصبح من الصعوبة بمكان كتابة القصة. وهذا ما يجعلني أحاول تهيئة الجو النفسي أو الحالة النفسية التي تجعل القصة تخرج كما أريد. أوهاب من الأحاسيس التي لا أريد أن أفصح عنها بل التي أريد أن أكتمها في القصة وفي الوقت ذاته أوصل هذه الأحاسيس للقارئ.
* لكنك أصدرت أكثر من سبع مجموعات قصصية أليس كذلك ؟
كانت الكتابة في مرحلة الشباب أكثر سهولة وكانت هناك جرأة أكثر. أوذكر أنني ظللت أكتب قصة كل يوم لمدة أسبوع والتي صدرت في المجموعة الأولى "الكبار والصغار" التي ظهرت في الستينيات. أول مرة كتبت قصة كنت على مقهى على السكة الحديد بمدينة سوهاج حيث كنت أعمل هناك لمدة عام.وكنت أشاهد الناس في المحطة من يخرج ومن ينزل من القطار.وعشت وحدة شديدة قاتلة وكنت أجلس في ركن المقهى فتسرح عيني وأكتب وسط كل هذه الحركة والضجة.وكتبت عدداً من القصص بسهولة شديدة جدا.
* تقول إنك كاتب واقعي، كيف تشكلت ذاكرتك التي حملت كل هذه الشخصيات التي كتبتها؟
- ذاكرتي تكونت كوني زرت جميع محافظات مصر من أولها إلى آخرها بسبب طبيعة عملي، ورأيت وسمعت الكثير.كما أن أحب الناس إلي هم المصريون. وعادة عندما أجلس إلى مصري أحاول البحث عما يميزه وما الذي جذبني في شخصيته.ربما تكون نبرة الصوت والبساطة الشديدة والجمال فلا يوجد مثل هؤلاء البسطاء في العالم أجمع.
* لو تحدثنا عن بداياتك مع الكتابة خاصة كتابة القصة القصيرة، ما الذي دفعك للكتابة ؟
- الرغبة في الكتابة جاءت بعد قراءات كثيرة في سن مبكرة. ففي المرحلة الابتدائية كانت تصدر روايات الجيب التي كانت تلخيصا لروائع الأدب العالمي. وكان لها فعل السحر على جيل كامل وقرأت فيها "الجريمة والعقاب" لدستوفيسكي و"الحرب والسلام" لتولستوي وكتابات ديكينز وهوجو. وعندما دخلت المرحلة السنوية في مدينة المنزلة كان يصدر الكتاب الذهبي عن "روز اليوسف" وكان يضم أعمال الكتاب الشباب وقتها نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيي حقي وسهير القلماوي. وعندما جئت إلى القاهرة كان أول شيء فعلته هو الاشتراك في دار الكتب في باب الخلق حتى أقرأ الأصول للروايات العالمية الكلاسيكية. وظللت أتعامل مع دار الكتب سنوات وكانت تسمح باستعارة كتابين لمدة أسبوعين. في فترة القراءة قرأت تشيكوف وجوركي وهما اللذان حمساني للكتابة وأذهلاني بعظمة القصة القصيرة بين أيديهما. أعطتني الكتابة نوعاً من المتعة الخاصة حيث تتجسد الشخصية أمامي وتظل تقفز وأتتبعها وعندما أكتب أشعر بسعادة المبتكر للشخصية.وعندما نزلت القاهرة قدمت قصة "الغروب" بالصدفة لنادي القصة وحصلت على الجائزة الأولى جائزة طه حسين. وأشادت اللجنة بالقصة ، واللجنة كانت لطيفة وكان الزيات إحد أعضائها وتسلمت الجائزة من جمال عبد الناصر في عيد العلم العام 1962، وأشعت أن عبد الناصر قال لي: "إزيك يا محمد". الجائزة كانت عبارة عن ستين جنيهاً وميدالية ذهبية كبيرة. وأسست بعشرين جنيهاً منها مكتبة كبيرة كما أن فوزي بالجائزة فتح أمامي باب النشر. فنشرت في الملحق الأدبي لجريدة "المساء" التي كان يشرف عليها عبد الفتاح الجمل الذي كان يمتلك حاسة أن هناك جيلاً جديداً سمي فيما بعد جيل الستينيات ومنهم : عبد الحكيم قاسم ويحيي الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان وأمل دنقل.كان ملحقا قويا جدا وكان ينافس ملحق جريدة الأهرام الذي كان يكتب فيه نجيب محفوظ ويوسف إدريس ولويس عوض. وكانت هناك متابعة للمنشور في جريدة "المساء" وعندما قابلت نجيب محفوظ هنأني على قصة منشورة وكذلك إدريس ويحيي حقي.و"حقي" رئيس تحرير مجلة "المجلة" طلب مني قصتين فقمت بقرأتهما عليه واستمع جيدا لي و هو إنسان عذب وبسيط ومثقف موسوعي ويمتلك حساً فكاهياً وكان من الممتع الذهاب إليه في مكتبه بمجلة "المجلة" ودارت مجموعة من الحوارات بينه وبين مجموعة من الكتّاب الشباب حول الأدب والفن. على عكس نجيب محفوظ الذي كانت المناقشات بيننا وبينه ليست ثقافية بل أقرب إلى حديث النميمة وكان يسمع بشغف وكان ابن بلد ولديه نكتة حاضرة دائما.
القاهرة- وكالة الصحافة العربية
رفض القاص والروائي المصري محمد البساطي أن يصفه البعض بأنه يكتب عن المهمشين بينما يرى البعض أنه جعل من القرية الصغيرة أسطورة، لأن معظم أعماله تدور في الريف ولديه المقدرة على أن يجذب القارئ إليه ليعيش ويتعايش في ذلك العالم الغني الساحر الذي يشده إليه البساطي بأسلوبه الممتع في سرد حياة البسطاء والمهمشين. وبعد أن صدرت مجموعته القصصية الجديدة "نوافذ صغيرة"، يرى الكاتب محمد البساطي أن "القصة القصيرة أصبحت عزيزة"، ويخشي ألا يستطيع كتابة القصة مجدداً ربما بسبب السن، كما يقول.حاول البساطي في "نوافذ صغيرة" أن يفتح نوافذ على اتساعها على شخصيات مصرية بسيطة تعيش إلى جانب بعضها البعض سواء أكانت ثلاث عائلات في منزل واحد أو جيرانًا في بيت واحد أو فوق السطوح وحتى في السجن. ويرفض البساطي مقولات البعض أنه "جنرال" للرواية العربية أو إمام من أئمتها، ويؤكد أنه كاتب يجاهد بحثاً عن كتابة أفضل وأن انفعاله بالكتابة يسعده أكثر من الانتهاء منها. ويصف نفسه بأنه كاتب واقعي يكتب الواقع بحثاً عما يميز الشخصية المصرية وما تعيشه من قهر واستبداد وفقر مدقع. في هذا الحوار ينفي البساطي المقولات النقدية التي كتبت عنه على مدى تاريخه مع الكتابة، ويتحدث عن مجموعته الأخيرة "نوافذ صغيرة".
* لماذا فكرت في نشر المجموعة مع أن بعض قصصها قديم؟
السبب الرئيسي هو أنني ظللت متكاسلاً من ناحية نشر المجموعة، لأن بعض قصصها قديم وشعرت أنني لم أعد قادراً على كتابة قصة قصيرة لأنها أصبحت عزيزة.وعندما كتبت قصصاً حديثة شجعني ذلك على نشر المجموعة. وبينما كنت أرتب قصص المجموعة وجدت أن هناك خيوطا، فأجواء القصة متشابهة وإلم تكن الأحداث متشابكة، لذا قمت بتجميع القصص بصورة تعطي إيحاء بأن هناك شيئاً ما يجمع بينها. ولكن يمكنني القول إن هناك همين في المجموعة، الهم الأول: البوليسي والإذلال الذي يعيشه الشعب المصري في ظل دولة بوليسية واستبدادية وهذا ما حاولت معالجته سواء في قصص "أرزاق" أو "نوافذ صغيرة" أو "نقطة مطر". والهم الثاني الكتابة عن الشعب نفسه و العائلات حيث إنني لا أحب إطلاق لفظ "المهمشين" على أي من الشخصيات التي أتناولها في أعمالي.
* لماذا تنفي عن نفسك أنك كاتب المهمشين؟
- من أكتب عنهم أناس يعيشون في فقر مدقع في هذه البلاد وليسوا مهمشين. نحن نعيش الآن حياة رهيبة. وتعكس القصص المناخ الذي نحياه الآن وقصدت أن أكتب بهذه الحدة. مصر أبدا لم تكن كالتي نراها حاليا ولا بهذا الشكل. القصص الموجودة في المجموعة استلهمتها من الواقع المعاش.ولو نظرنا إلى كلمة المهمشين بهذا المعنى فالشعب المصري كله مهمش. ما أود أن أقوله إنني أكتب عن شخصيات غنية مملؤة بالمكان ولديها قدر كبير من الحكمة تقولها في كلمات بسيطة ولديها رؤية للحياة وجاذبية بالمشاعر التي بداخلها. ورأيت أن أكثر ما يكتب عن المدن يكتب عن الطبقة الوسطى التي هي محدودة بطموحاتها وسلوكها وشبعت من الكتابة عنها. وكنت أبتعد عنها لأكتب عن أطراف المدينة كما في "الخالدية" و"دق الطبول".
* في المجموعة مشاهد من روايتك الأخيرة "أسوار" خاصة قصة "قطرة مطر"؟
في "نوافذ صغيرة" بعض القصص عبارة عن مشاهد في روايات، وهناك بعض المشاهد المكتوبة مثل قصة قصيرة في رواية والتي أعتبرها مثل روافد في الرواية تغذي المجرى الرئيسي والرافد في حد ذاته يعد قصة بذاتها. وعندما تقرأ هذه المشاهد في ظل الرواية تأخذ شحنة الرواية. وقمت بالعمل على هذه المشاهد ووضعتها في مجموعة "نوافذ جديدة" وعملت على بعض قصص المجموعة لكتابة رواية.فمثلا قصة جيران تصلح لكتابة رواية على عكس غيرها من قصص المجموعة التي يمكن أن تظل في إطارها كقصة ولا تخرج عنها مثل قصة "هي وزوجها" والتي تحكي قصة الرجل المقعد حيث تطلب الزوجة من جارهم الموظف مساعدتها على تحميم زوجها.إنما قصة "جيران" فتحوي عالماً غنياً يمكن الحديث عنه بشكل أوسع حيث النساء الثلاث اللاتي يعشن في شقة واحدة مكونة من ثلاث حجرات لذلك أحاول العمل على هذه القصة لكتابة رواية تتناول قصص النساء الثلاث قبل سكنهن في هذه الشقة.وعندما كتبت قصة "جيران" شعرت بأنها تحمل في داخلها أجواء الرواية. أيضا هناك قصة عبقرية لجوركي أوحت لي بقصة "الغرفة المجاورة" وهي تحكي عن امرأة عاهرة تسكن في حجرة صغيرة ولديها طفل يحفظ أسماء زبائن أمه وأطلق هذه الأسماء على حشرات كان يمتلكها وظل يعذب هذه الحشرات. وهذا الطفل ذكرني بطفل قصتي "الغرفة المجاورة".
* لماذا تأخرت في كتابة الراوية؟
بدأت كتابة الرواية في السبعينيات بعد أن نشرت مجموعتين قصصيتين هما "الكبار والصغار" و"حديث من الطابق الثالث". وكنت قد كلفت بالذهاب لمدة سنة للعمل في أسوان واكتشفت أن هناك فندقاً يصلح للكتابة وكانت فكرة رواية "التاجر والنقاش" حيث شاهدت الجبال في طريقي إلى أسوان وتولدت لدي فكرة الرواية. وزرت واحة سيوة قبل أسوان فاستفدت أيضا من هذه الزيارة في كتابة الرواية وكتبت هناك أيضا في العام نفسه روايتين قصيرتين هما "المقهى الزجاجي" و"الأيام الصعبة". واستمتع بكتابة القصة القصيرة جدا خاصة عندما تكتب بالإيقاع والروح التي أريدها.
* وكيف تم استقبالك ككاتب روائي في ذلك الوقت؟
اعتبرت رواية "التاجر والنقاش" رواية غامضة وكتب عنها حسين حمودة وإبراهيم فتحي وشاكر عبد الحميد دراسات رائعة• وهذا ما جعل الرواية تفتح مغاليقها.
* لماذا تميل دائما إلى كتابة الروايات القصيرة؟
لا أميل ولا أتحمل الثرثرة في الكتابة ولا حتى في الكتب التي أقرأها، قراءة الرواية القصيرة ممتعة ورائعة ومشبعة مثل "الجميلات النائمات" لكاواباتا أو "ليس لدي الكولونيل من يخاطبه" لماركيز وغيرهما. الرواية القصيرة تنتهي وتقول كل ما تريده وحينما أعيد الكتابة لأعمالي أحذف الجمل الزائدة وحتى إن كان إيقاعها جيدا.وكان أفضل من كتب ذلك النوع العبقري هيمنجواي.وعندما بدأت الكتابة كان ما يهمني أن أجود في الكتابة. وأذكر أنه كانت هناك موجة قد ظهرت في الستينيات اسمها اللامعقول في فرنسا وتزعمها بيكيت ويونسكو واكتسحت العالم وجاءت آثارها إلى مصر واكتسحت أيضا.توفيق الحكيم نفسه تأثر بها وكتب "يا طالع الشجرة" و"الطعام في فمي" حيث أسد يبتلع شخصاً وهذا الشخص في هذه اللحظة يتذكر حياته.هذه الموجة كان لها سحر وتأثرت بها وكتبت قصة "بعيدا عن الأضواء" وبعثتها إلى عبد الفتاح الجمل الذي نصحني بعدم الانسياق وراء هذه الموجة.وبدأ الناس يهنئونني على القصة وعلى أنني كاتب حديث ، لكنني لم أكتب بهذه الطريقة أبدا بعد ذلك والتزمت بنصيحة عبد الفتاح الجمل. الكتابة بالنسبة لي هي امتداد لما كتب من قبل. وكما قال روجيه جارودي الكتابة "واقعية بلا ضفاف" وتتغذى من جميع الروافد الغريبة أو القفزات الطموحة للتغيير. وأنا مع هذه الفكرة ولا أجازف في مغامرات. حتى الأعمال التي كتبتها ووصفت على أنها نوع من الفانتازيا مثل روايات "الخالدية" و"دق الطبول" لم أنظر إليها كذلك على الإطلاق فهي روايات واقعية. مشاغبات.
* لو تحدثنا عن نشأتك، كيف تحولت من لص إلى كاتب ، خاصة أنك كتبت عن هذه الفترة؟
كنت في المرحلة الابتدائية عندما أنشأوا سينما في القرية وكانت بثلاثة "صاغات" وكان مبلغا كبيرا. وكان والدي مدرساً ابتدائياً وكان يفترض أنني لا أحتاج شيئاً.وتوفي والدي وأنا في العاشرة من عمري بسبب البلهارسيا وكذلك شقيقتي توفت بنفس المرض. وكنت أود رؤية السينما وكنا نود دخول السينما وليس لدينا أموال لذلك لجأنا إلى سرقة الحمام والبط. وكنا نصحو الفجر وكان الحمام يطل على ساحة السوق ليلتقط الحبوب وتدربنا على سرقة الحمام والبط ،وكان يمكن للطريق هذا أن يتصاعد لولا أنني سافرت إلى مصر لاستكمال دراستي. وفي رواية "ويأتي القطار" كتبت عن مشاغباتي أنا وأصدقائي في هذه الفترة وهي أقرب الروايات إلى نفسي.
* لماذا أصبحت كتابة القصة بالنسبة لك عزيزة؟
كتابة القصة بالنسبة إلي أصبحت شاقة، ربما بسبب الخوف من ألا تخرج في الشكل الذي أريده.كما أن القصص شديدة الصعوبة في كتابتها. فمنذ ثلاثة أيام هناك قصة تراودني وتعذبني في الوقت ذاته ومصدر صعوبتها أنها عبارة عن وصف حركة ولو أن هذا الوصف لم يأتِ بدقة شديدة وبحساسية شديدة لأصبح من الصعوبة بمكان كتابة القصة. وهذا ما يجعلني أحاول تهيئة الجو النفسي أو الحالة النفسية التي تجعل القصة تخرج كما أريد. أوهاب من الأحاسيس التي لا أريد أن أفصح عنها بل التي أريد أن أكتمها في القصة وفي الوقت ذاته أوصل هذه الأحاسيس للقارئ.
* لكنك أصدرت أكثر من سبع مجموعات قصصية أليس كذلك ؟
كانت الكتابة في مرحلة الشباب أكثر سهولة وكانت هناك جرأة أكثر. أوذكر أنني ظللت أكتب قصة كل يوم لمدة أسبوع والتي صدرت في المجموعة الأولى "الكبار والصغار" التي ظهرت في الستينيات. أول مرة كتبت قصة كنت على مقهى على السكة الحديد بمدينة سوهاج حيث كنت أعمل هناك لمدة عام.وكنت أشاهد الناس في المحطة من يخرج ومن ينزل من القطار.وعشت وحدة شديدة قاتلة وكنت أجلس في ركن المقهى فتسرح عيني وأكتب وسط كل هذه الحركة والضجة.وكتبت عدداً من القصص بسهولة شديدة جدا.
* تقول إنك كاتب واقعي، كيف تشكلت ذاكرتك التي حملت كل هذه الشخصيات التي كتبتها؟
- ذاكرتي تكونت كوني زرت جميع محافظات مصر من أولها إلى آخرها بسبب طبيعة عملي، ورأيت وسمعت الكثير.كما أن أحب الناس إلي هم المصريون. وعادة عندما أجلس إلى مصري أحاول البحث عما يميزه وما الذي جذبني في شخصيته.ربما تكون نبرة الصوت والبساطة الشديدة والجمال فلا يوجد مثل هؤلاء البسطاء في العالم أجمع.
* لو تحدثنا عن بداياتك مع الكتابة خاصة كتابة القصة القصيرة، ما الذي دفعك للكتابة ؟
- الرغبة في الكتابة جاءت بعد قراءات كثيرة في سن مبكرة. ففي المرحلة الابتدائية كانت تصدر روايات الجيب التي كانت تلخيصا لروائع الأدب العالمي. وكان لها فعل السحر على جيل كامل وقرأت فيها "الجريمة والعقاب" لدستوفيسكي و"الحرب والسلام" لتولستوي وكتابات ديكينز وهوجو. وعندما دخلت المرحلة السنوية في مدينة المنزلة كان يصدر الكتاب الذهبي عن "روز اليوسف" وكان يضم أعمال الكتاب الشباب وقتها نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيي حقي وسهير القلماوي. وعندما جئت إلى القاهرة كان أول شيء فعلته هو الاشتراك في دار الكتب في باب الخلق حتى أقرأ الأصول للروايات العالمية الكلاسيكية. وظللت أتعامل مع دار الكتب سنوات وكانت تسمح باستعارة كتابين لمدة أسبوعين. في فترة القراءة قرأت تشيكوف وجوركي وهما اللذان حمساني للكتابة وأذهلاني بعظمة القصة القصيرة بين أيديهما. أعطتني الكتابة نوعاً من المتعة الخاصة حيث تتجسد الشخصية أمامي وتظل تقفز وأتتبعها وعندما أكتب أشعر بسعادة المبتكر للشخصية.وعندما نزلت القاهرة قدمت قصة "الغروب" بالصدفة لنادي القصة وحصلت على الجائزة الأولى جائزة طه حسين. وأشادت اللجنة بالقصة ، واللجنة كانت لطيفة وكان الزيات إحد أعضائها وتسلمت الجائزة من جمال عبد الناصر في عيد العلم العام 1962، وأشعت أن عبد الناصر قال لي: "إزيك يا محمد". الجائزة كانت عبارة عن ستين جنيهاً وميدالية ذهبية كبيرة. وأسست بعشرين جنيهاً منها مكتبة كبيرة كما أن فوزي بالجائزة فتح أمامي باب النشر. فنشرت في الملحق الأدبي لجريدة "المساء" التي كان يشرف عليها عبد الفتاح الجمل الذي كان يمتلك حاسة أن هناك جيلاً جديداً سمي فيما بعد جيل الستينيات ومنهم : عبد الحكيم قاسم ويحيي الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان وأمل دنقل.كان ملحقا قويا جدا وكان ينافس ملحق جريدة الأهرام الذي كان يكتب فيه نجيب محفوظ ويوسف إدريس ولويس عوض. وكانت هناك متابعة للمنشور في جريدة "المساء" وعندما قابلت نجيب محفوظ هنأني على قصة منشورة وكذلك إدريس ويحيي حقي.و"حقي" رئيس تحرير مجلة "المجلة" طلب مني قصتين فقمت بقرأتهما عليه واستمع جيدا لي و هو إنسان عذب وبسيط ومثقف موسوعي ويمتلك حساً فكاهياً وكان من الممتع الذهاب إليه في مكتبه بمجلة "المجلة" ودارت مجموعة من الحوارات بينه وبين مجموعة من الكتّاب الشباب حول الأدب والفن. على عكس نجيب محفوظ الذي كانت المناقشات بيننا وبينه ليست ثقافية بل أقرب إلى حديث النميمة وكان يسمع بشغف وكان ابن بلد ولديه نكتة حاضرة دائما.
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions