شرح قوله تعالى وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا

    • شرح قوله تعالى وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا

      بسم الله الرحمن الرحيم


      شرح قوله تعالى:


      {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} الآية.



      أمَّا بعدُ فيقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القرءانِ الكريمِ: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة النحل/76


      القرءانُ كتابٌ أُنزلَ لبيانِ الحلالِ والحرامِ والواجباتِ والمنهيَّاتِ وأخبارُ مَنْ مَضى عبرةً وذِكْرى للذاكرينَ وقبل ذلك فيهِ بيانُ العقيدةِ الحقَّةِ التي يجبُ اعتقادُها عَلى كلِّ مسلمٍ، عقيدةِ أنَّ اللهَ واحدٌ لا شَريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ موجودٌ بِلا مكانٍ ليسَ كمِثْلِه شىءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ فاللهُ تعالى لا يُشبهُ أحدًا مِنْ خَلقِه بأيِّ وَجْهٍ مِنَ الوجوهِ ولا يوصَفُ بشىءٍ مِنْ صفاتِ المخلوقاتِ فمَن وصفَ اللهَ بِمَعنًى مِنْ معاني البشَرِ فهذا ما عَرَفَ اللهَ تعالى،
      وفي القرءانِ غيرُ ذلكَ مِنَ العلومِ المهمَّةِ العظيمةِ التي يَستفيدُ منهَا أهْلُ اللغةِ والنحْوِ والطِّبِّ والتاريخِ وضَرْبِ الأمثالِ تبصرةً للمهتدينَ وهدايةً للمسترشدينَ ومِنْ ذلكَ ما جاءَ في الآيةِ الكريمةِ التي ذكَرْتُهَا وأُعيدُهَا عَلى مسامعِكُمْ فتأمَّلوا بلاغةَ القرءانِ الكريمِ



      {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.



      فقولُه تعَالى:
      {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ}
      والأبكمُ هو الذي وُلِدَ أخرسَ فلا يَفهَمُ ولا يُفهِمُ، وعليهِ فلوْ أردْتَ أنْ تتعاطَى معَهُ بأمرٍ مِنَ الأمورِ تجدُ جهدًا (أيْ مشقَّةً) وقدْ تصلُ إِلى مرادِكَ وقدْ لا تصلُ {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} أيْ ثقيلٌ علَى مَنْ يَلي أمْرَهُ، وقولُه
      {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ}
      حيثُما يرسلُه ويصرفُه في حاجةٍ لم ينفعْ ولم يأتِ بنجحٍ ولم يأتِ بخيرٍ (والنُّجْحُ والنَّجاحُ الظَّفْرُ بالحوائجِ وقضاءِ الحاجاتِ).
      {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ}
      أيْ ومَنْ هوَ سليمُ الحواسِّ نفَّاعٌ ذو كفاياتٍ معَ رشدٍ وديَانه فهوَ يأمرُ الناسَ بالعدلِ والخيرِ، والعدْلُ تَرْكُ الظلْمِ وإِيصالُ كُلِّ ذِي حَقٍّ إلى حَقِّهِ عَلى الوجْهِ الموافِقِ لشرعِ اللهِ تباركَ وتعالى، والظلْمُ هوَ مخالفةُ أمرِ ونهيِ مَنْ لَهُ الأمرُ والنهيُ وهوَ اللهُ عزَّ وجلَّ
      {وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
      أيْ وهذا الشخصُ عَلى سيرةٍ صالحةٍ ودِينٍ قويمٍ قائمٌ بما أوجبَهُ اللهُ تعَالى عليهِ ملتزمٌ بشرْعِ اللهِ تعالى ساعٍ إلى الخيرِ فلا يَستوي مَنْ كانَ هذَا حالُه ومَنْ هوَ أبكمُ لا يقدرُ علَى شىءٍ ولا يأتِ بخيرٍ إنمَا هوَ عِبْءٌ ثقيلٌ عَلى سيِّدِه لا يَلحقُه مِنهُ إلا الهمُّ والتعَبُ.


      وهُنا نقولُ لا شَكَّ أنَّ العاقلَ لا يحبُّ أنْ يكونَ حالُه كحالِ الأبكمِ الذِي لا يقدرُ على شىءٍ بلْ يربأُ بنفْسِه أنْ يكونَ على هذِه الصفةِ لأنَّه لا يَرضى أنْ يكونَ حقيرًا تائهًا على غيرِ بيِّنةٍ بلْ يحبُّ لنفْسِه الخيرَ فيسعَى جَاهدًا لما فيهِ فلاحُه ونجاحُه ونجاتُه في الدُّنيا والآخرةِ يتعلَّمُ شَرْعَ اللهِ تباركَ وتَعالى فيؤدِّي الواجباتِ ويجتنبُ المحرَّماتِ، يأمرُ بالمعروفِ وينهَى عنِ المنكرِ ويلتزمُ بقولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ :
      {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} سورة الحجر/99،


      وهي ءاخِرُ ءايةٍ في هذِه السورةِ، أيْ دُمْ على عبادةِ رَبِّكَ حتى يأتيَكَ اليقينُ أيِ الموتُ معناهُ ما دمْتَ حَيًّا فاشتغِلْ بالعبادةِ فإنَّ طاعةَ اللهِ تعالى في الدنيَا تنجيكَ في الآخرةِ فأطِعْ ربَّكَ ولا يَكُنْ حالُكَ كمثلِ مَنْ لا يَفهمُ ولا يُفهِمُ ولا يحسنُ التصرفَ بلْ هوَ أبكمُ لا يقدرُ على شىءٍ والعياذُ باللهِ تعالى .


      فقدْ أخرجَ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُما في قولِهِ تَعالى:
      {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
      يَعني بالأبكمِ الذِي هوَ كَلٌّ عَلى مولاهُ الكافرَ وبقولِه ومَنْ يأمرُ بالعدْلِ المؤمِنَ، وهذا المثلُ في الأعمالِ
      "روَى ذلكَ السيوطيُّ في الدرِّ المنثورِ" في تفسيرِ هذِه الآيةِ.


      فاحرصْ أخِي المسلمَ على ما ينفعُكَ واسلُكْ طريقَ الهدَى التي لا اعوِجَاجَ فيها وإيَّاكَ وطرقَ الردَى فقَد قالَ ربُّنا تباركَ وتعالى:
      {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} سورة الملْك/22و23.
      أيْ قليلاً ما تشكرونَ اللهَ عَلى هذِه النعَمِ التي أنعمَها عليكُم ْوشُكْرُ اللهِ تعالى عَلى هذِه النِّعَمِ هوَ أنْ يصرفَ تلكَ النعمةَ إِلى وَجْهٍ يَرضاهُ اللهُ أمَّا مَنْ صَرَفَ السَّمْعَ والبصَرَ والعقْلَ لا إِلى طلَبِ مرضاةِ اللهِ فمَا أدَّى الشكْرَ الواجبَ والعياذُ باللهِ رَبِّ العالمينَ.


      والحمد لله رب العالمين