ألّا تكونَ بخير !!!
" سأكون بخير " ...
تمضغُ الجملةَ في فمكَ بهدوءٍ وتلوكها كما لو كانت علكةً اختلطت بالطعام؛ فلا هي لقمةٌ يمكنك بلعها، أو علكة يمكنك مواصلة علكِها بهدوء وتؤدة. تقول لنفسك الكلامَ الذي يمكن أن يرضيكَ حينَها، ولكن عندما يجدُّ جدُّ نفسك تهلعُ وتركنُ للخوف والأرق، الأمران اللذان يشكلان دمارك الداخلي والخارجي، وبؤسك وشقاءك في هذه الأرض. لا يمكنك أن تمضغ هذه الجملة بعدَ اليوم لأنَّك لن تكون بخير مهما حاولت.
أليس من العجيب ما تفعل؟ أعني ألا ترى نفسك في المرآة؟ أم اعتقدتَ أن روتيناً لعدة أشهر سوف ينقذك من ذاتك الفوضوية؟ هل أنت واهم يا هذا؟ انظر لنفسك جيدا. إنَّك لكائن غريب !! ألا ترى ذلك؟ تقاتل الكآبيين وأنت رائد من روَّادهم، وتحارب التعساء وأنت سيد التعاسة، وتطارد الشقاء بكلماتك وحروفك وهي الكلمات، والحروف لم تكن إلا شقاءً عليك؟ هل تضحك على نفسك؟ أعني ألا ترى كلَّ الذي حولَك وهو يقودك للهاوية، وأنت في ضلالك الأزلي تردد [كل شيء سيكون بخير !!] أي شيء لن يكون بخير يا هذا عليك أن تقبلَ هذا والسلام.
&&&
ليس من المنطقي ذلك، ليس من المنطقي أبداً أن تعتقدَ أن كل شيء سيصبح بخير عندما تلوذ بالعيش من فوضاك القلقة، أنت كائن قلق مصاب بسعارٍ لا يمكن أن يهمدَ، ومن الغباء أن تعتقدَ أنَّك انتصرتَ على نفسك بالقليل من الرتوش العيشية التافهة، حسناً أنتَ الآن تأكل جيداً، تعتني بصحتك بشكل لا بأس به، تصحو مبكراً، تذهب للعمل في الوقت المناسب، تذهب للصالة الرياضية كلَّ يوم، ولديك فتاة تحبها وتحبك، والأدهى والأنكى أنَّك قطعت عاداتٍ رافقتك سنين طويلة، عادات رافقتك سنين منذ طفولتك كأكل أظافر يديك ونزع أظافر قدميك بأظافر يديك، أو عادات رافقتك منذ سنين المراهقة كالتدخين، وتعتقد ـــ وأنت في أبهى تجليات أحلامك ــ أنَّك انتصرتَ أخيرة وأفلتَ من كمائنك الضياع [مع الاعتذار لدرويش]. هل تصدق هذا الكلام؟ أأنت مجنون أم تتجانن[1]؟؟ هل تعتقد أن الحياة بهذه البساطة أيها القروي الأرعن؟ لست أدري متى ستستيقظ من حلمِك، متى ستدركَ أن قدرَك هو العيش في هربٍ دائم من ماضيك، ماضيك الذي يلاحقك ويؤرقك ويحرمك من النوم ويجعل كل شيء أمامَك كما هو في حقيقته، عبثي وجنوني، وماسخ.
&&&
قبل أن تفكَّ فمَك وتتثاءب للمرة العشرين، قبل أن تفعل ذلك، حاول أن تتذكر كم قهوةً شربتَ الليلة الفائتة، هل يمكنك ذلك؟ بالطبع لا، ولأنني أعرف أنك لا تعرف الإجابة فلن أقول لك حتى لا أزيد وسواسك القهري اضطراماً. ستقول أن الجسدَ السبعة والعشريني سوف يحميك من مغبَّة شرب القهوة كثير، فتفلتُ منك ضحكةً طويلة، أأنت الذي الآن يتكئ على الطبيعة لحمايته من نفسه؟ حسناً يمكنك أن تفعل هذا، لستَ أنت الذي يلعبُ اللعبة، وحتى لو حاولت، وحتى لو جاء اليوم الذي يطمئن فيه كل مدخني الأرض أن وعد الخلايا الجذعية سوف يجلب لهما رئات جديدة، وقلوب جديدة، وكلى جديدة، وربما أنوف أو عيون جديدة، ربما سيجعلك هذا الوعد أكثر اطمئناناً، ولكنَّ اللحظة التي يقرر فيها دمج التجلط، وتفجير شريان رئيسي في دماغِك وإلقائك على قارعة الطريق ترتجف وعزرائيل يأخذ روحَك، في تلك اللحظة لن تفيدك وعود الخلايا الجذعية كثيرا، فمثلك لا يمكن أن يعيش بلا خوف، إنَّك كائن قلق يجب أن يعيش قلقَه تَماماً. يعيشه حتى النخاع ليقتله في النهاية قبل أي شيء آخر.
&&&
أنتَ تقعُ في كل الفخاخ بسهولة، تلك ميزتك التي طالما تميزت بها، ما من فخِّ إلا وأنت مستعد للتشبث به، مثل المطبِّيقا في المزارع، تلتصق بالثياب وتخدش الجلد، أنتَ مثلها، الفرق الرئيسي بينكما أنها تلقي جزءا من نفسها في غيرها، وأنت تلقي بكلِّك في غيرك، تلقيه حتى يصعب عليك استعادة نفسك مرَّة أخرى، وحينَها تعود إلى نفسك لائذا بفوضاك لاعنا كلَّ شيء، وأنت تعرف أن المصيبة هي الماضي، الماضي الذي يحاصرك وترفض الفكاك منه، الماضي الذي طبقتَ فيها، الماضي الذي لم تقدِّم طبقَها بارداً لأنَّك في خضمّ لعبة العيش، نسيتَ أنَّ قضيتك الرئيسية قد تلاشت، وأن قاتلك الرئيسي قد أصبح ضحية، وأن شعبك المظلوم قد أصبح ظالماً، وأنَّك أنت وقفت في منتصف الطريق تجيِّش قواتٍ لم يكن لها في يوم من الأيام أن تغزو القلاع السوداء التي تحرمك من النوم.
&&&
كل شيء حاربتَ من أجلِه ذات يوم أصبح يتراجع، كل شيء أصبحَ غير ذي قيمة، أليس ذلك ضرب من العبث؟ أعني أيمكنك أن تتخيل أنَّك الآن تعيش ما كنت تحلم به قبل سنين؟ ومع ذلك تشعر أنَّك لم تصل بعد حيث أردت؟ هل تبدو لك أسئلتي معقدة؟؟ ألستَ أنتَ الذي اخترعَ كل هذا التعقيد؟ ما بها الأنشوطة تلتف على عنقك الآن؟ لماذا أنتَ مكانَك غير قادر على الفلات؟ أليس هذا ما أردتَ وحلمتَ في يومٍ من الأيَّام؟
ها هي الأنشوطة تلتف على عنقك الآن، وأنت لست كالسابق سريعا كالبرق تتحايل عليها وتهرب، إنك مثقل الآن بالعيش الذي أدمنتَه حتى النخاع، مثقل بمئات الوعود التي أطلقتها يمنة ويسرة، وعالق في دوَّامة نفسك. امرأة ما قررت أن تشهدَ معك حياتَك، ولستَ تدري أنت أي شهادة سوف تكون، وأي حياة سوف تسير، قررتَ أن تلقي بأرقامِك جانباً، وأن تلعب اللعبة بشروط العالم الآخر، بشروط الآخرين وبالعوائق التي لا تنتهي، حسناً عليك أن تتقبل حالات الضياع التي ستصيبك، لأنها ستكون فادحة أحيانا، وربما تكلفك الكثير، تكلفك أكثر من نزاعة عابرة من رب عملك، ربما ستكلفك أكثر من اكتئاب لأسبوعين، وربما ستكلفك أكثر من كل هذا. عليك أن تتقبل لعبة العيش ما دمتَ دخلت فيها من باب ضيق، فهذا الباب الضيق، يكفي لسحقك إن لم تنتبه له جيدا.
&&&
ستفعل هذا دائما، صدقني ستفعل هذا دائما. ستصيبك حالة من الخوف والهلع والرعب وستشعر أن كل شيء سوف ينفلت من يديك، وأنك في لحظةٍ ما ستخسر كل شيء، ولكن في نهاية المطاف، حتى هذا الدمار الهائل في أقصى تجلياته، سيكون مؤقتا لا أكثر .. وكل شيء سيعود إلى طبيعته بسرعة وستنسى هذه الغمامة التي غلَّفت روحك لوقتٍ قصير نسبياً، لأنَّ كل شيء في نهاية المطاف سيكون ــ بلا أدنى شك ــ بخير للغاية ..
اهتم بنفسك، ولا تقلق
الحياة جميلة وتستحق أن تُعاش
[1] - أعتقد أنه يعني أنك تدعي الجنون
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions