"النقال" والصحة العامة في العالم الثالث أخبار ا

    • "النقال" والصحة العامة في العالم الثالث أخبار ا

      روجر كوهين

      لقد نمت الهند والصين لتمتلكا جيلا معولما مغرما بتحقيق الثراء السريع وجيلا من عباقرة الاقتصاد في العالم كله، وليس جيلا مهتما بالمسؤولية الاجتماعية. وتبعات ذلك بادية الآن.

      لقد فُتنت عندما علمت أنه في الهند الآن هواتف نقالة أكثر مما فيها من دورات مياه. فتقريبا نصف سكان الهند، أي 363.7 مليون نسمة، مواكبين للاتصالات الحديثة، بينما 366 مليون فقط من سكان الهند متوفر لهم المدخل إلى نظم الصحة العامة، حسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة. ويمكن النظر إلى هذا على أنه تنمية منحرفة عن مسارها، تفضل الشبكات الخاصة على الصالح العام. ويمكن النظر له كمثال على تجاوز الأسواق للحكومات: فشركات الهواتف النقالة تحقق الأرباح، بينما السلطات المحلية الهندية عاجزة عن وقف انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه. أو ربما ننظر له على أنه الخيار الذي اختاره الهنود عند تحديدهم أولوياتهم.

      والمؤكد هو أن هؤلاء الهنود البالغ عددهم نصف بليون أصحاب الهواتف النقالة- وعددهم سيصبح بليونا خلال العقد القادم- بدأوا العيش في عوالم متوازية. فهناك مجتمعهم النفسي الذي ربما يتضمن التواصل عبر الاتصال المنتظم مع أقارب بعيدي درجة القرابة يعيشون في لندن أو في أمريكا. ثم هناك المجتمع المادي، بكل ما فيه من قرى فقيرة ونظم بيروقراطية. لا مكان هنا للرعاية الصحية. ووفق بعض المقاييس، هذه الازدواجية هي "العصر الحديث". وهو عصر يجلب "انفصام الشخصية" بين الدولة والحكومة. فمن ناحية يشعر الأشخاص الذين يزدادون استقلالا وفردانية – هم مرتبطون عالميا ببعضهم بعضا عبر التكنولوجيا وقادرون بذلك على اختيار مجتمعاتهم الحقيقية أو التخيلية، متجاوزين الضوابط والضرائب في شبكاتهم الاجتماعية الصديقة - يشعرون بازدراء الحكومة والدولة. كما لاحظ مارك ليلا، في باب مراجعة الكتب في صحيفة نيويورك تايمز، بخصوص الحركات الأمريكية المناهضة للزيادات الضريبية، هناك تعبير طفولي عن الفردانية ينتشر كالنار بين الهشيم بين هؤلاء الأشخاص، وهو "دعوني وشأني لحالي".

      ومن الناحية الأخرى، واعين بأن أرضنا الصغيرة المعولمة تقاربت من أجل الوقوف بوجه الانهيار المالي العالمي، ومازالت تحوم حول حافة الهاوية، وملاحظين أن هناك تراجعات تظهر عندما تم شبه الفوضى العالم، وربما حتى "متأثرين" بوميض "حقيقة" أن المؤسسات المشتركة ضرورية لأي مجتمع، يتذمر الناس في أوقات الأزمات في وجه الدولة الملعونة من أجل أن تقدم الدولة وتتدخل لتنقذهم. أو على الأقل لتنقذ المنازل التي اشتروها من خلال الأدوات المالية نفسها التي يشجبونها الآن.

      وعند مستوى ما غير واضح نجد كلمات جون ستيوارت ميل لايزال يدوي صداها هو قال: "الفكرة بالتأكيد مقوتة عند المجتمع عندما يكون مرتبطا ببعضه بعضا فقط من خلال العلاقات والمشاعر التي تنبع من المصالح المالية." لكن هذا هو نوع "الفكرة" – ونوع المجتمعات- التي مالت إلى الهيمنة على غيرها من الأفكار أو المجتمعات خلال العقدين الفائتين. فلقد جاءت القفزات الكبيرة للصين والهند للأمام بعدما نُظر إلى الإنجازات الديموقراطية المسيحية والديموقراطية الاشتراكية الكبيرة في فترة ما بعد الحرب (العالمية الثانية) في أوروبا كأمر مفروغ منه. فبعد العام 1989، مال الناس أكثر إلى مهاجمة دولة الرفاه البطيئة أكثر من الإقرار بكيفية حماية المستحقات الاجتماعية والنظم الاقتصادية الجديدة للقارة من التفكك مجددا. لقد نمت الهند والصين لتمتلكا جيلا معولما مغرما بتحقيق الثراء السريع وجيلا من عباقرة الاقتصاد في العالم كله، وليس جيلا مهتما بالمسؤولية الاجتماعية. وتبعات ذلك بادية الآن.

      ففي أوروبا ما بعد الحرب الباردة- في ظل وجود بعض الصدى لمذهب مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية الشهيرة، وانتشار الاجماع على مبدأ "السوق يعرف أفضل"، وضياع الهدف العام الذي أوجده وجود العدو المشترك (السوفييت)- انمحى التماسك الاجتماعي والسياسي. فأزمة اليورو اليوم هي بأكثر من شكل وطريقة أزمة تكامل متجمد. وكان مفترضا أن تكون العملة النقدية المشتركة تتويجا لأوروبا موحدة. لكنها بدلا من ذلك وقعت ضحية كما حدث مع المثال الأوروبي نفسه لمذهب المتعة ومذهب الاستهلاكية والانحلال والشعبوية المناهضة للهجرة. ويظل احتمال أن تتمكن أزمة اليورو من إحياء أي معتقدات حول الحكم الأوروبي المتشارك فيه واحتمال ألا تفعل ذلك موضع نظر.

      في أمريكا مثل التفاقم السريع للحركات المناهضة للزيادة الضريبية ما وصفه ليلا بـ"التمرد الشعبي" على الحكومة والقوانين، بكل الأشكال تقريبا. الأمر أشبه بـ"سياسات التحررية الغوغاء." رغم هذا، تلك الغوغائية مدفوعة في جزء كبير منها بالغضب على الانهيار المالي، والذي تكمن جذوره في عالم غامض من التزامات الدين المضمونة ومقايضات الائتمان الافتراضية والتي هربت من كل ضوابط وتشريعات الحكومة وأدواتها للسيطرة- وعملت في النهاية كتذكير لنا بأن بعض المشكلات كبيرة جدا، وتتطلب بالفعل ردة فعل جماعية. هذا هو انفصام الشخصية الذي أشرت إليه بداية كلامي: أنا أريد حريتي غير ضعيفة، ولا مفككة، وحتى اللحظة الراهنة، أنا أريد "أخاً أكبر" ليمد لي يده.

      لقد دخلنا ما وصفه توني جوت بـ"عصر عدم الأمان". وبأي مقياس، في الغرب على الأقل، نحن نعيش أزمة اقتصاد سوق، أو على الأقل نحن نعيش أزمة فردانية خالصة مدفوعة بالسوق (بالدين المتفاقم المصاحب لها) والتي هيمنت خلال العقدين الأولين من فترة ما بعد الحرب الباردة. لكنها بلغت الحلقوم هذه المرة. لكن توازنا جديدا بين الدولة والسوق، توازنا يوفر الرعاية الصحية الشخصية والهواتف النقالة معا ينتظر تحديدا وتعريفا. لا يجب أن تتعارض الكرامة مع الفرصة. ونحن لسنا بحاجة الى أن ننظر الى الوراء بعيدا في الزمن لنرى التبعات العنيفة للانهيار المالي والتفكك الاجتماعي.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions