نوستالجيا 2 - جديد معاوية الرواحي

Warith AL Maawali · 8 يونيو 2010، 12:50

مستنقعنا / الذي نحارب من أجله ..

سيريد البعض منا أن نقول كلاماً جميلاً عن عُمان. أعني من الذي لا يحب أن يسمع كلاماً يقول له أننا نعيش في الجنَّة، وأن كل شيء بخير؟ فعُمان تجلٍ حقيقي للجمود الذي يتلو العاصفة، العاصفة التي كانت فيها البلاد الغارقة في الحروب القبلية، وفي الظلام، وفي الحقبة التي امتلأت فقراً وحاجةً، ليأتي سلطانُها الشاب محاولاً إخراجها من الظلمات للنور. نعم يعتقد البعض أن حبَّ البلاد يجب أن يكون بلا حدود، ويجب أن يكون دائما رديفا للمديح الزائد، ولتخدير أنفسنا بالسعادة الزائفة.

&&&

أتذكر في غمرةِ الحالة اللانهائية من السعادة التي تغمرني هذه اللحظة بطل أفلام الأنيميشن [شريك]؟ أتعرفونه؟ إنَّه ذلك الغول الأخضر كما يتصوره البعض في الثقافة الغربية وكما خرجَ من وحي الرسَّامين الذين كانوا يكتبون القصص للأطفال، كما خرجَ من قلب طفل أو طفلة صغيرة لمنتجٍ كبير كسب من ورائه [400] مليون دولار كما يقولون، ولا أدري إن كان هذا الكلم صحيحاً ولكنه يغريني بتصديقه.

[شريك] خرجَ فجأةً من مستنقعه المليء بالروائح، لكي يحاربَ من أجله، قرر أن ينقذ أميرةً من فم وحشةٍ أنثى، لأنَّه [في غمرة انتمائه إلى مستنقعه] كان مستعداً للقتال من أجل استعادته.

في غمرة الحيرة التي أعيشها هذه اللحظة، أجدُ [شريك] هذا بطلاً، وأستعير الفيلم كاملاً لكي يعبر عن حال عُمان والعُمانيين، أعني من يمكنه أن ينكر أننا نعيش مشكلات حقيقة على الصعيد الاجتماعي، ونعيش حالة مقاومة ورغبة في العودة، وخوف حقيقي على أبنائنا ترافقه كراهية للآخر وشعور استعلائي أننا نحن الذين على صواب، خوف من جهته له علاقة بالخصوصية الأباضية، وله علاقة بالصوت الديني الذي حتى هذه اللحظة يرفض الحوار مع الآخر، يرفضه ويريد أن يبسط نفسه كالحل النهائي والأخير لكل مشكلاتِنا، وفي اللحظة التي تسوء فيها الأمور سيقول لك ربما أحدهم [ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا إليها].

&&&

تحدث أحد المفكرين عن حديث [تأبير النخيل] وكيف أن قول الرسول [أنتم أعلم بشؤون دنياكم] قد يساعدنا أخيراً على تجاوز هذا الذي يفعله البعض بالتفكير نيابةً عنَّا، يفكرون ويعتقدون أنهم علماء الطبيعة، والنفس، والطب، والأدب والشعر، لا أقول يؤسلمون كل شيء، وإنما يسبغون فهمهم الخاص للدين على كل شيء، ويجعلون الآخر بالنسبةِ لهم مجرَّد ضال يجب أن يخرس أو يُخرس.

&&&

المجتمع الجامد الذي يهتاج أحياناً بشكل غير منطقي، بحاجةٍ أيضا إلى أفكار هائجة تجمد أحيانا بشكل منطقي، بحاجةٍ إلى هيجان من أجل التغيير، ومن أجل عدالة في الحياة، وبحاجة إلى إدراك أننا ولا بدَّ وأن ننفتح على العالم ذاتَ يوم، بعيداً عن حذرنا اللامنتهي، وبعيداً عن خوفنا الأزلي على سماتٍ يمكن اعتبراها نتاج عصر وتراكم طويل قابل للتغيير.

شريك هذا الغول البشع لم يجد غضاضةً أن يقاتلَ من أجل مستنقعه، وهذه بلادنا أيضا حتى وإن كانت مستنقعا مليئا بضغوطٍ من رجال الدين الباحثين عن السلطة، أو من البشر البعيدين عن الوطنية، أو من البشر المصرين على جعلها دولة قبلية، ستبقى هذه البلاد بلادنا، مستنقعنا الذين لن نقبلَ يوماً من الأيَّام من يتخلى عنه مهما كان البؤس والتعب والجهل فيه.

&&&

الحرب هُنا حرب على ضرورة البديهيات، ليست حرباً على الرأي والسلوك، وإنما على أن يكون الرأي والسلوك حريات شخصية لا يحق لأحدٍ أن يتدخلَ فيها. مهما بلغت الوساخة بالبعض، ومهما كان التشنج، يجب أن نتذكر أجمعين أن هؤلاء إخوةٌ لأمِّ واحدة قررت ذاتَ يومٍ أن تخرجَ إلى عالم جديد، وأن تحاول جاهدةً الحفاظ على أولادِها ما دامت على قيد الحياة. القضية ليست قضية مستنقع وسخ، وإنما قضية انتمائنا إلى مستنقعنا، انتمائنا إلى وساختنا، ورغبتنا في تنظيف أنفسنا وتنظيف وساختنا بأنفسنا، وسموها ما شئتم، وساخة، بالوعة، حلط، الحلط حلطنا، والوساخة وساختنا، والبالوعة بالوعتنا، ولن نخلص منها مهما حاولنا. وربما بيننا أكثر من [شرِك] الغول الأخضر المستعد للدفاع من مستنقعه، شرك الأبيض، وشرك الأحمر، وشرك الأخضر، وأخيرا شرك ذي الخنجر والسيفين، والذي أيضا سوف يدافع مثل الجَميع عن مستنقعه الذي يراه جَميلا .

المصدر : مدونة معاوية الرواحي

مشاركة