كتب - محمد جبار الربيعي

كتب الفيلم " كورت ويمير "واخرجه بتميز " اف.كاري كري " وأدى دور البطولة فيه "جيمي فوكس "و "جيرارد بتلر" وبروس مكيل و"كولم مياني"و"ليزلي بيب" وآخرون.

** المواطن المسالم

في المشهد الاول للفيلم نتابع كلايد شيلتون "قام بدوره الممثل "جيرارد بتلر" مع عائلته المكونة من زوجته وطفلته وهو منشغل بعمله على لوح الكتروني، ثم يُطرق الباب ليدخل رجلان يباغته احدهما واسمه داربي "كريستيان ستولت " بالضرب ثم يقوم باغتصاب زوجته وقتلها وكذلك ابنته، ثم بعد القاء القبض عليهما يُفاجئ كلايد بصفقة يجريها النائب العام "نيك" ادي دوره " جيمي فوكس" تقتضي تخفيف الحكم عن داربي لتعاونه مع المحكمة وشهادته علي زميله ايمز "جوش ستيوارت" ليخرج من السجن بعد ثلاث سنوات.وهنا يتولد بالتأكيد غضب كبير في داخل "كلايد" ورغبة عامة في الانتقام ليبدأ بعد عشر سنوات بذلك الانتقام الدموي.

** الانتقام ليس له حدود

يمتلك كلايد ذكاءً خارقا وخبرة كبيرة في استخدام التكنلوجيا المتطورة ودرس خلال تلك السنوات العشر القانون بشكل مستفيض وحاول ان يوظف كل تلك المعلومات والتقنيات في خط واحد هو الانتقام "والمُشاهد يتعاطف معه في البداية " فينفذ ذلك الانتقام بشكل دموي بحق داربي ويستخدم كل التقنيات والعقاقير الكفيلة بإيلامه الى اعلى حد ولا يفوته تصوير ذلك وارسال نسخة من التصوير الى عائلة "نيك" وقبلها كان قد غير عقاقير الاعدام بأُخرى مؤلمة للغاية فجعل اعدام ايمز مروعاً وهنا يعتقد المُشاهد انه سيكتفي بتعذيب غريميه حتى الموت خصوصا انه تم القاء القبض عليه وزجه في السجن، لكنه يستمر بمسلسل الانتقام الذي طال محامي داربي بعد ان يطلب طلبات غريبة من ادارة السجن يقدمها على شكل صفقات ومقايضات منها انه سيعترف ان جلبوا له سريرا مريحا او انقاذ حياة المحامي ان هم جلبوا له غداء فاخرا ويحدد لهم وقت الغداء بشكل دقيق بحيث ان تأخُرهم عن تقديم الوجبة 8 دقائق تسبب في موت المحامي، كل هذا ليتلاعب بهم وليثبت لهم ان الصفقات خطأ جسيم وهو يستهزأ بهم بصفقاته الغريبة ثم يستمرفي توسيع دائرة انتقامه فينفجر هاتف القاضية "التي قضت بتخفيف الحكم عن داربي " ويرديها قتيلة، ثم يقتل النائب العام بطريقة مبتكرة ايضًا بأستخدام رشاش يتحكم به عن بعد وشاشة تريه ضحيته، فيتحول الامر الي كابوس يرعب المدينة بأسرها والغريب والطريف انه يفعل كل ذلك وهو محبوس في السجن الانفرادي ! وليحاول في النهاية قتل كل اصحاب القرار ومنفذي القانون في المدينة فيبدو انه قرر الانتقام من السلطة القضائية والتنفيذية برمتها بسبب الخلل الذي فيها والذي ادى الى حصول خطأ فظيع خرج جراءه مجرم قتل واغتصب من السجن ببساطة.. لكن نيك يكتشف ان كلايد اشترى كل البنايات المحيطة بالسجن واكتشف بعد ذلك انه كان قد حفر نفقًا للوصول الى كل زنزانات السجن وانه يخرج ليلاً لتنفيذ اعماله ويعود الى معتقله لينتهي الفيلم بقانون الحياة الذي ينص علي ان الشر يقتل نفسه بوضعهم القنبلة التي اعدها لتفجير اجتماع المحافظة مع موظفيها في زنزانته وعندما يضغط على زر الاتصال بالهاتف الخلوي الذي اعده لتفجير القنبلة يكتشف انهم وضعوها تحت سريره فيستسلم للموت بأبتسامة غريبة .

** السجين الحر

نفهم حينها ان كلايد لاتهمه حياته او حريته بقدر ماكان مهمًا عنده ان يثبت للمدعي العام انه كان على خطأ عندما اجرى تلك الصفقة وكان بإمكانه الهرب ببساطة وهو لم يحاول قتله وابقاه شاهدا علي كل تلك النتائج التي سببتها تلك الصفقة وغيرها من الصفقات التي تُبرَم علي حساب الآخرين فكل ماكان يهم نيك هو الانتهاء من القضية ويعتذر له بقوله "ان العدالة لاتعتمد على ما حصل فعلا بل على ما يمكنك اثباته " وهذه ثغرة كبيرة دخل من خلالها اليهم لفضحهم "فبناءً على ذلك لايستطيعون ادانته بأية جريمة لانه مسجون عندهم "،وكشف ايضاً تناقضًا كبيرًا فهم يُحمِّلونه جريمة قتل ايمز المحكوم عليه بالأعدام اصلاً وهم من نفذ الحكم بحقه لكنه غير العقاقير ليكون اعدامه مؤلما "ولم يكن الاعدام رحيمًا" بينما يتساهلون في اطلاق سراح مجرم يعرفون انه المتورط بها بسبب عدم كفاية الادلة او لأن القاتل تعاون معهم واعترف على صديقه "الذي اقتحم البيت معه لغرض السرقة فقط" فأعتبروه شاهدًا فجاء على لسان نيك لتبرير ذلك بأن نصف العدالة افضل من انعدامها التعريض لظروف مشابهة لم يفت كلايد تهديد نيك بعائلته لُيذكّره انه كانت له عائلة فقدها وتساهل نيك في الاقتصاص من المجرم وليقترب من احساسة بالحزن الكبير الذي المَّ به بسبب فقدان عائلته وان من الممكن ان يفقدها في اية لحظة و حرص على ان يبقيه الي النهاية للزيادة في تعذيبه بجعله يفقد اصدقاءه وزملاءه واحدًا تلو الآخر وهو عاجز عن فعل شيء رغم ان كلايد سجين عنده، فقد حوَّل الظلم من قبل رجال القانون كلايد الي مجنون بفكرة الانتقام وقاتل للأبرياء "فيقتل زميله في الزنزانة بطريقة بشعة ليتم نقله الي السجن الانفرادي وليكمل الخطة التي رسمها" فهم بأهمالهم لمشاعر انسان وبتساهلهم بواجبهم تجاهه وهو حمايته وحماية عائلته حولوا ذلك "المواطن الملتزم بالقانون" الى مجرم يتلذذ بالدم وازهاق الارواح، وفي النهاية تُصدر المحافظة "التي لها سلطة عليا" امرا بإيجاد طريقة للتخلص منه باعتباره خطراً يهدد الامن القومي لأنه اصبح يهدد حياتهم بمقابل سماحهم بأطلاق سراح داربي القاتل الخطر.

** قابلية الاقناع

رغم ان الفكرة غريبة وغير قابلة للتصديق الا ان المُشاهد يجد انه مجبرًا على تصديقها لقوة التناول والإقناع من قبل مخرج الفيلم ولدقة تصميم المشاهد، فمثلاً كان هناك رجل يسير في الظل في اغلب المشاهد الخارجية وربما لاينتبه اليه المُشاهد لأول وهلة لكنه يكرر هذا الظهور المريب فتركز الكاميرا على ذلك الرجل او السيارة العابرة التي تراقب الأحداث،وهذه وضعها المخرج لكي يمهد للفكرة التي ستنكشف في النهاية وليصبح هناك اساس يعمل عليه بأن من يقوم بالمراقبة والتنفيذ هو كلايد ذاته.فيما اضاف المُخرج لمسة انسانية جميلة في دمج مشهد اعدام ايمز مع مشهد عزف ابنة المدعي العام فالستارة التي تفتح على مشهد الإعدام تكمله فتح الستارة في مشهد العزف على المسرح مع استمرار المعزوفة في المشهدين المتجاورين واللذين اعطيا في تجاورهما معنى جديدا وبرع المونتير" طارق انور " في دمج هذا المشهد والمشاهد الاُخري بشكل متقن.

وضع القانون لحماية المواطن ووضع ايضا اُناس لتنفيذه وعليهم ان ينفذوه بكل حزم وقوة وعدالة ولا يمكن التساهل مع المجرم فهو بذرة خبيثة لايمكن السماح لها بالنمو والتفرع وان سُمح بذلك فهناك خلل كبير يجب الوقوف عنده والتخلص منه لذلك حاول كلايد نسف تلك المنظومة برمتها لتأتي منظومة اُخري تحل محلها عسي ان تحرص على حقوق ذلك المواطن وهي فكرة استئصالية لاتعترف بالاصلاحات والتبريرات الممكنة، الفيلم جميل وينجح في شد اهتمام المُشاهد وتشويقه و بجعله يحتار بين التعاطف مع البطل كونه ضحية او كرهه لأنه تعدي حدود القصاص العادل واحترف القتل حتى للأبرياء.