هكذا هي الحياة خلقنا الله عز وجل على هذه البسيطة ، وحثنا على أن نسعى في مناكبها ، من أجل أن ننعم بحياة حرة وكريمة ، ولا يتأتى ذلك لنا إلا بالعمل والجد والاجتهاد ، بالتوكل على الله وليس بالتواكل ، والبحث عن مصادر الرزق المتعددة ، لكي نستطيع أن نتكيف مع ظروف الدهر وتقلباته . فعلى الإنسان أن يبحث عن عمل شريف يكسب منه قوت يومه ، لينئ بنفسه عن السؤال ، ومد يده إلى الآخرين أعطوه أو منعوه .
والإنسان بطبيعة الحال كثير الترحال ـ وذلك بسبب ما يعتريه من ظروف ، وما يعصف به من قضايا ومشاكل قد يصادفها في حياته ، تجبره أن يرتحل من موطنه إلى موطن آخر يجد فيه الماء والغذاء والأمن والآمان له ولأسرته ولماشيته ، فنجد البدوي مثلا يعشق الصحراء ، رغم قسوة الظروف المناخية ، فقد تصادفه رياح عاتية ، وأتربة متطايرة ، وأمطار غزيرة ، وربما تعرضه لمخاطر قاسية وظروف صعبة ، وحرارة شمس حارقة ، قد تؤدي بحياته ، لكنه يصبر ويشمر ساعديه للبحث عن مصدر الغذاء والماء له ولأسرته ولماشيته ، فنجده اليوم في مكان معين من الصحراء ، وما أن يحس أن الجدب حل ، وتصحر المراعى يهدد ماشيته ، فإن ساعة الرحيل قد حانت ، فيقرر البحث عن مكان آخر يتوفر فيه الماء والغذاء لماشيته ، لأنها مصدر غذائه وقوت يومه ، وما أن يجده يقرر أن يرتحل ويترك ذلك المكان الذي عاش وتأقلم فيه ربما لسنوات عديدة ، رحل لأنه أحس أن حياته أصبحت في خطر وليس في مأمن ، وأصبح المكان غير مناسب ليعش فيها ، لا تتوفر فيه مقومات العيش الذي تدعم له البقاء والاستمرار فيه .
******************
وحانة ساعة رحيل أخرى :
بأمة أنارت عقولها بالعلم والمعرفة لسنوات طويلة بعدما ضاقت مرارة الغربة ونكدها بعيدا عن الأهل والوطن من أجل ماذا ؟ من أجل كسب العلم والمعرفة وأن تصنع لنفسها مستقبل زاهرا ، تقدر من خلال ما تعلمته ، وما اختزنته في ذاكرة عقولها ، من معلومات قيمة ، وعلم نافع أن تخدم به أوطانها وأمتها ، وعندما ترجع إلى أوطانها بعد تلك السنوات ، لا تجد متنفسا لها والمتنفس الذي أقصده هو أن تعمل في مجال تخصصها الذي درسته لسنوات طويلة ، ولم تجد الأيدي التي تأخذ بها ، وتقدم لها كل دعم ومساندة لتخدم في أوطانها ، فتقرر الرحيل تاركة أوطانها وممتلكاتها وأقاربها ، فترحل إلى دول تحتضنها ، فتمد لها يد العون والمساعدة وكافة أوجه الدعم ، ليس لسواد عيونهم ولا حبا في أوطانهم ، وإنما من أجل ما تختزنه عقولهم ، ولكي يثبتوا تواجدهم ويسخروا عقولهم لغايات وأهداف ومشاريع وابتكارات وبحوث علمية تخدم مصلحة تلك الدول . فكم من عقول عربية هاجرت وأثبتت تواجدها ، وبرعت في شتى المجالات العلمية والطبية وغيرها من المجالات خارج أوطانها . ما لم تجده في أوطانها . فكان من الأولى أن يحتضنها الوطن ليرتقي ، وكان من الأفضل أن تجد يدا تأخذ بها وتقدم لها كل دعم ، لتبقى تخدم وطنها وأمتها بما يعود لهم عامة بالخير والمنفعة .
******************
وحانة ساعة الرحيل /
بأمة أخرى عصفت بهم ظروف الحياة وقسوتها ، عصفت بهم الحروب الطاحنة التي تعصف بدولهم ، بين القوى المتصارعة على السلطة ، ولم يراعوا في عباد الله ولا ً ولا ضمير طغت عليهم المصالح الخاصة بهم ، ولم يفكروا في شعوبهم المتضمرة جوعا ، يهدرون ثروات بلدانهم ودخلهم القومي ، من أجل التنافس والصراع على السلطة ، فماتت ضمائرهم ولم تحن قلوبهم لحال أمتهم ، فقررت تلك الأمة الرحيل عن أوطانها ، في أن يجدوا في دول أخرى في مختلف بقاع المعمورة ، موطئ قدم لهم يحتضنهم ينعموا فيه بالراحة والاستقرار ، وأن ينعموا بلقمة عيش هينة ليستطيعوا أن يبقوا على قيد الحياة ، وحتما طالما الوضع في أوطانهم بهذا الحال من التدهور وعدم الاستقرار ، لا بد أن تستغلهم أمة منهم عبدت المال ، الذي همها امتصاص ما تبقى في جيوبهم من أموال ادخروها ، أو أنهم قاموا بتدبيرها ببيع ممتلكاتهم لتحين بهم ساعة الرحيل فيهجروا أوطانهم ، فتحملهم الرواسي على ظهورها لتبحر بهم عباب البحار ، فترمي بهم بالقرب من شواطئ دار النعيم الذي رُسخ في عقولهم ، بأنها هي النعيم الخالد الذي يتوفر فيها كافة سبل العيش الرغيد ، فيرمى بهم في عباب البحر بالقرب من الشواطئ ، فيقطعون مسافات طويلة ، فمن ناله الحظ نجا ، ومنهم من يلقى حتفه غرقا ، وممن نجا كذلك ربما يدخل تلك البلاد خلسة فيجد عملا شريفا يقتات منه ، ومنهم من تلقى السلطات القبض عليه فيرمى به في قيعان السجون المظلمة . وهذه هي الحياة ما أصعبك يا لقمة العيش ، فلو فكرنا فيها فإن أبن أدم يحصل عليها بجهده وعرقه فيمضغها جيدا ، لكن ربما تتعثر وتتوقف في جوفه قبل أن تصل إلى بطنه .
******************
وحانة ساعة الرحيل /
وحانة ساعة الرحيل /
بأمة أخرى أجبرتهم القوى المتسلطة عليهم المحتلة لأوطانهم ، المزعزعة لاستقرار شعوبهم ، فيهجروا قصرا وعنوة من أوطانهم ، فتحين بهم ساعة الرحيل فيتركوا ديارهم وممتلكاتهم ومزارعهم ، لكي ينجوا بأنفسهم من بطش أعدائهم كما حصل في فلسطين المحتلة وغيرها من الدول ، لم يراعوا في أصحاب الأرض ولاً ولا ضمير ، ولم يكترثوا بأي قانون دولي يحمي البشرية أوقات الصراعات والحروب ، فرحلت تلك الأمة إلى شتى بقاع العالم ، من أجل البحث عن حياة أمنة ومستقرة ، تكلف لهم الاستمرار والبقاء في هذه الحياة ، وليهنوا بحياة حرة وكريمة كما بقية شعوب العالم ، رحلوا وقلوبهم تحن لديارهم وممتلكاتهم ، رحلوا وأيديهم تودع تراب ذلك المكان المقدس مسرى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، رحلوا وشجرة الزيتون رمز السلام تنظر إليهم ، خوفا مما هو قادم إليها ، فلم يرويها الاحتلال إذا عطشت كما كانت أيديهم ترويها بالماء والغذاء ، بل شرع باقتلاعها من جذورها ، رحلوا وقلوبهم تحن أن ترجع بعد سنين طويلة في الغرب والشتات إلى ديارهم ليستقروا فيها ، لكن إرادة الشعوب المقهورة كيف لها أن تنعم بالحرية والاستقرار ، وممن تدعي الحرية تمد عدوهم بالسلاح والعتاد والمال وكافة أوجه الدعم ألا محدود ، ليبقى متسلطا على تلك الشعوب وليبقي مهيمنا عليها ، فأي قانون هذا وأي نظام دولي هذا نعم قد نسيمه قانون الغاب .
******************
وهكذا يا ساعة الرحيل تلقي بضلالك على هذه البشرية ، فنجدهم تائهون مشردون شيباً وشباباَ ، نساءً وأطفالاَ ، لا وطن يحتضنهم ، ولا أمة تقبلهم ، ولا لقمة عيش تسري في جوفهم إلا بشق الأنفس ، فما أصعبك يا ساعة الرحيل ـ لكن حال الإنسان يبقى يتأمل دائما في هذه الحياة بأن يبزغ بشعاع الأمل من جديد ـ فلا ندري ربما يتغير حال البشرية إلا الأفضل ـ فتنقلب الموازين فنجد قانون دولي وضعي أخر يحمي البشرية من قسوة الزمان والعباد.
وهكذا يا ساعة الرحيل تلقي بضلالك على هذه البشرية ، فنجدهم تائهون مشردون شيباً وشباباَ ، نساءً وأطفالاَ ، لا وطن يحتضنهم ، ولا أمة تقبلهم ، ولا لقمة عيش تسري في جوفهم إلا بشق الأنفس ، فما أصعبك يا ساعة الرحيل ـ لكن حال الإنسان يبقى يتأمل دائما في هذه الحياة بأن يبزغ بشعاع الأمل من جديد ـ فلا ندري ربما يتغير حال البشرية إلا الأفضل ـ فتنقلب الموازين فنجد قانون دولي وضعي أخر يحمي البشرية من قسوة الزمان والعباد.
وبعد هذا التحليل لمختلف ساعات الرحيل ـ تبقى ساعة رحيل أهم من مما ذكر أعلاه ، وهي ساعة رحيل أبن أدم من هذه الدنيا الفانية إلى مثواه الأخير ، هنا الأهم ماذا عمل وماذا قدم لأخرته من عمل ينير له حفرة القبر ، وينجيه يوم الحشر من عذاب شديد ينتظره وخاصة إذا خفت موازينه ، يوم لا ينفع مال ولا ولد إلا من أتى الله بقلب سليم .
نتمنى من الله حسن الخاتمة .
*********~!@n
******#h
****#i