أول ما يفعله كابتن الطائرة عندما يتعرض لأي خلل أو مطب في الأجواء هو أن يأخذ (كتاب التعليمات).. وعندما تسقط الطائرة أو يتم البحث عنه هو (الصندوق الأسود) لأنه يضم آخر تفاصيل السقوط.. أما عندما يسقط فريق كبير في عالم كرة القدم من الدور الأول من المونديال وهو نفس الفريق الذي حقق بطولة العالم ذاتها قبل (12 عاما) وكان وصيفاً لنفس الكأس في النسخة الأخيرة.. فلا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء هذا السقوط المدوي.. ولماذا ظهر المنتخب الفرنسي مهلهلا هذه المرة.. عكس البطولة الماضية التي صارع فيها حتى الرمق الأخير.. ولذلك لو أن هناك (كتاب تعليمات) للمدرب وكذلك للاعب أياً كانت نجومية هذا اللاعب يقرأه في وقت (الشدة وعندما يتعرض المنتخب للمطبات).. ليعرف كيف يخرج من مأزق غريب مثل مأزق المنتخب الفرنسي الذي آلمني خروجه كما ألمس أنصاره.. رغم برازيلتي المسيطرة على هواجسي..!

ولا أعتقد بأن الفرنسيين يمكن أن ينسوا ليلة خروج فريقهم المخزية على الكرة الفرنسية من الدور الأول من مونديال جنوب أفريقيا وعلى يد منتخب جنوب أفريقيا الذي حقق فوزا شرفيا لم يستفد منه..لا أعتقد بأنهم يستطيعون أن ينسوا ليلة خروجهم إلا إذا كانوا يملكون ذاكرة مثل (ذاكرة السمكة)..!!

في عام 1998 فازت فرنسا بكأس العالم وأعادت كبرياءها وشموخها وشكلت صورتها برونقها الجديد وهي تتشكل من أصول وأعراق متعددة..لكن عندما خسرت فرنسا من منتخب السنغال في مونديال 2002 قال ميتسو (لقد كان انتصارا للطبقة البروليتاريا أمام طبقة النبلاء) انتهى هنا كلام مدرب السنغال.. فالمنتخب الفرنسي وصف بأنه بلا روح ولا حواس وبلا عقل، بعد فبرجسون وبعد زيدان رغم أنه حقق المركز الوصيف في مونديال 2006.. إلا أن كبرياء فرنسا بدأ يتساقط.. ويأتي مونديال جنوب أفريقيا لينهي على كبرياء فرنسا..!

ووصف أحد النقاد منتخب فرنسا وقال بأنه يفتقد للحواس وهو مثل (أفراس النهر) التي تبقى يومها تتثاءب ولم يعد هناك وصف إلا يمكن أن يركب على منتخب فرنسا الذي آلمني خروجه المبكر رغم برازيليتي التي تسيطر على حواسي وجوارحي.. إلا أنني لا أخفي بأنني تعاطفت كثيرا مع مشهد خروج منتخب الديوك..

وعندما رفض دومنيك أن يصافح كارلوس البرتو بريرا بعد مباراته مع منتخب جنوب أفريقيا كان موقفاً لأن الأخير وصف تأهل الديوك الفرنسية للمونديال هذه المرة بأنه (تأهل غير شريف) على خلفية هدف تيري هنري الذي سجله بيده على حساب منتخب أيرلندا والذي أهل فرنسا إلى هذا المونديال.. وإن كان هذا التصريح يعتبر في بطولات العالم غير مؤثر لأن القرار النهائي في هذا يكون للحكم.. كما حدث مع هدف البرازيل الذي أقره حكم مباراة مع ساحل العاج رغم أنه شاهده وهو يسجله بيده.. إلا أن سحر وجمال وروعة الطريقة التي أحرز فيها المهاجم البرازيلي الهدف لم يدع أخانا الحكم بأن يلغيه..!

ولا أعتقد بأن الفرنسيين سينسون ليلة الخروج الكارثية هذه في تاريخهم المقبل.. إلا إذا كانوا يملكون ذاكرة مثل (ذاكرة السمك).. وبالطبع سيكون هناك بحث عن الأسباب.. ولكن متى سنشهد عودة هذا الفريق العريق من جديد إلى مرتبة المنافسة كما كان أيام زيدان.. وأخشى ما أخشاه بأن اتحادنا الكروي تناسى منتخب الناشئين مع تسارع أحدث المونديال.. منتخب الأمل الذي بقي لنا في الفترة المقبلة.. فهل ستبقى ذاكرتنا حديدية ونتذكر ماذا يحتاج هذا المنتخب المنسي على وزن الفرنسي.؟ أم إن ذاكرة السمك ستنسينا منتخب الناشئين المتأهل إلى نهائيات كأس آسيا بدون تزوير في ظل انشغال الجميع بمونديال الصراع فيه لن ينتهي سوى في 11يوليو؟.. وسلملي على أبو بكر سار..!