مالك المسلماني مهاجما رواد المسرح:
لم يورثونا مسرحا أو جمهورا أو حتى علاقات مع المؤسسة
لم يورثونا مسرحا أو جمهورا أو حتى علاقات مع المؤسسة
[INDENT][INDENT]
"كانت عندي مذكرة من تلك النوعية التي لها قفل ولأوراقها رائحة، وكنت أكتب فيها كل مسرحياتي وأغلقها بالمفتاح لكي لا يطلع عليها أحد، ضحكت وأنا أقول له: "هل تقصد تلك التي تكتب فيها الفتيات المذكرات الشخصية؟" فشاركني الضحك وهو يضيف:"بالضبط"، وأردف قائلا: "في مكتبة المنزل كانت هنالك مسرحيات شعرية من مثل مسرحية ابن زيدون لـ فاروق الجويدة ، ومسرحيات توفيق الحكيم وقد اطلعت عليها باكرا، ومن هنا بدأ الشغف"، وتابع قائلا:"كنت أقع في حسد طلاب الثانوية وهم يتجهزون لعمل مسرحياتهم، ويرتدون اللحى الاصطناعية، والملابس الخاصة بالأدوار، وأنا مازلت صغيرا..اكتشفت وقتها أنني لن أستطيع اختراق هذا العالم الذي يخص الكبار إلا بالكتابة فبدأت بكتابة المسرحيات، وكانت المحاولة الأولى للفت الانتباه لي لا أكثر. بدأت بالكتابة قبل أن أبدأ بالتمثيل.كان النشاط في المدرسة غير فاعل بالشكل الذي نأمل. إلا أن المدرس تفاجأ من كتابتي لنص مسرحي واعتبره شيء كبير فأخذه مني وانتهى الأمر ولم يُمثل كما أنه لم يرجعه لي مرة أخرى"
بطاقة شخصية:
هكذا بدأت حواري مع الفنان المسرحي مالك المسلماني الذي قطع شوطا جميلا في الكتابة والتمثيل المسرحي. شارك في الجامعة بمسرحية رحلة الحلاج،و امرؤ القيس في باريس، وبعد الجامعة بمسرحية ميمون : التأليف حمود الجابري، والإخراج أحمد الجابري، ومسرحية مرثية: التأليف هلال البادي، والإخراج حسين العلوي، ومسرحية جسدي مدن وخرائط : التأليف قاسم مطرود، والإخراج عبد الغفور أحمد، ومسرحية افتح عينك يا شاطر: مالك المسلماني التأليف، والإخراج حمود الجابري، ومسرحية دمدم: مالك المسلماني التأليف، والإخراج حسين العلوي. كما كان المسلماني حاضرا في التلفاز أيضا وشارك في عدد من المسلسلات منها: إنسان من زمن المستحيل : تأليف أحمد الحمداني وإخراج أنيس الحبيب، ومسلسل: الشعر ديوان العرب إخراج محمد وقاف
تخرج المسلماني في كلية التجارة والاقتصاد تخصص تسويق في عام 2001م ، وعمل في البنك العربي ثم بنك ظفار ثم بنك صحار والآن في شركة مسقط لتوزيع الكهرباء.
بين الدراسة والخشبة:
أردنا أن نعرف الكثير عن البدايات فقال لنا: "كنت ناشطا في النادي الثقافي الاجتماعي في صحم ربما لأن رئيس النشاط الثقافي هو عمي وهو وراء هذا المشوار الذي يخصني. بعد زمن من كتابة النص الأول كتبت نصا آخر فأخذه مني عمي، وقد مُثل في مدرسة أخرى وللأسف لم أر العرض. كنت وقتها صغيرا لم يأخذني أحد لمتابعة المسرحية". وأردف قائلا: "بعدها فزت بأحد المسرحيات بالمركز الأول على مستوى الباطنة، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أقف فيها أمام الجمهور" قاطعته وأنا أسأله: "بماذا شعرت في أول مرة؟". أجابني ضاحكا:" شوية كان وبيغمى عليّ". عاودت سؤاله: "وماذا عن الخوف؟" فأجابني: "كنت قد كسرت الخوف من الجمهور منذ وقوفي باكرا في إذاعة المدرسة". وتابع قائلا: "بدأت منذ البداية بأدوار رئيسية في تلك الفترة التي كان فيها نادي صحم نشيطا وكانت هنالك مسابقات واسكتشات مسرحية، وكان يصرف جيدا على هذه الأنشطة".وأضاف: "في عام 93 شاركت مع مسرح الشباب في صحار في مسرحية "السمؤل" وكانت مسابقة رسمية شارك فيها الفنان البحريني علي الشرقاوي، وأخرج العمل عبدالله صالح الفارسي، ولكن للأسف انتهت الإجازة الصيفية، وبدأت المدرسة، وعارض أهلي ذهابي إلى البروفات، وبالرغم من أني أحبطت كثيرا لعدم إكمالي العمل بدور ابن السمؤل إلا أن تلك البروفات كانت مكسب كبير بالنسبة لي" وعلق قائلا: "اذكر أني شعرت بالغيرة عندما شاهدت شخصا آخر لعب الدور ونزلت صورته في الجريدة".
ما سر الغياب، والحضور؟
سألته السؤال الذي ربما اعتاد عليه: "إذا كنت تحمل كل هذا الشغف للمسرح فلماذا لم تدخل تخصص المسرح آنذاك؟" فأجابني: "لا يوجد سوق عمل ناضج للمسرح، ولم أكن قادرا على المغامرة والتضحية ولو كانت هنالك بوادر أمل قليلة لأن يكون هنالك أمل لمخرجات قسم المسرح لما ترددت في دخوله " .
سألته: كيف كانت علاقتك بمسرح الجامعة؟ فأجابني:"تعرفي على مسرح الجامعة جاء متأخرا بعض الشيء في آخر سنتين من دراستي في الجامعة وذلك بسبب أن جماعة المسرح لم تكن نشيطة. كنت أبحث عن مسرح آخر أفضل حظا من المدارس فكان أن اشتركت في ورشة عمل في مسرح الشباب. شاركت في مسرحية شعرية بعنوان" رسالة من المنفى" .. حضر أشخاص من الجامعة وأنا مازلت طالبا فيها وتساءلوا عن سر غيابي عن فعاليات الجامعة المسرحية فذهبت إلى مسرح الجامعة واشتغلت مع رحيمة الجابري فأعطتني دورا أعجبني واقتنعت به، ومثلت في مسرحية "امرؤ القيس في باريس".ثم لعبت دور حلاج الشعب في مسرحية "الحلاج" وتقابل استمتاعي بهذه الشخصية استمتاعي بشخصية "دمدم" في مسرحيتي الأخيرة."الحلاج" تقوم على التصوف والتراجيديا، وعندما خرجت أمام الناس وقبل أن انطق بكلمة انفجر الجمهور ضاحكا ربما لأني خرجت بلحية حاملا فانوسا، وربما لأن الناس تعودوا عليّ في الكوميديا ".
وتابع: "عملت اسكتشات كثيرة في الجامعة يحسب عليّ بعضها".سألته: "تحسب عليك!! بأي معنى" ؟ فرد عليّ:" قدمت العديد من الاسكتشات كان بعضها لسد فراغ المسرح الجامعي..لا أكثر، وليس لاقتناعي بها". سألته: "ومتى عاودت الكتابة مجددا؟"فرد قائلا: "في البداية لم أكن أثق بنفسي ككاتب مسرحي وكنت أوحي ببعض الأفكار لأصدقائي حمودالجابري وهلال البادي، وعدم الثقة بسبب ميلنا إلى الكمال والتميز وهذا قد يؤدي إلى أن يرفض أحدنا نفسه أحيانا.. فالحذر الشديد مرهق وقد يوصل الكاتب إلى حد التوقف نهائيا. لكني كسرت هذا الحاجز لاحقا بعدد من الأعمال منها افتح "عينك يا شاطر"، "دمدم".
لماذا نريد مسرحا ؟
سألته: "كنت تمارس شخصية الممثل ؟".أجابني بخفة: "كنت "مطفر" بأخوتي..أوزع عليهم الأدوار والشخصيات في المنزل، ولا أنكر خوف أهلي عليّ من دخول تجربة التمثيل لأن الوسط الفني كالوسخ الفني كما يقال، ولكن أسرتي بالمقابل كانت ترى إصراري على التمثيل فتتعاطف معي، وربما من الجيد أن مستواي الدراسي كان مشجعا ليبعد مخاوف الأهل عني" وأردف: "كان لوالدي رحمة الله عليه كاريزما خاصة وكنت أحب أن أقلده كثيرا..أن أجلس جلسته وأقلد بعض الجمل التي كان يرددها" وتابع : "اذكر تلك النصيحة الذهبية التي قالها لي ذات يوم : إذا أردت أن تكتب عليك أن تقرأ ومنذ ذلك الوقت وأنا أؤمن بما تفعله القراءة. خصوصا وأن المسرح يتقاطع مع كل الثقافات الأخرى فانا احتاج ثقافة الصورة والديكور والألوان وغيرها".
وبعدها انتقل إلى دفة أخرى للحديث حيث قال: "علينا أن نتساءل لماذا نحن في حاجة إلى مسرح، وهل يمكن له أن يحقق الإبهار الذي تحققه السينما مثلا؟ هل المسرح هو الإغراق في الغموض والترميز أم أنه اقتطاع من أرض الواقع إلى خشبة المسرح؟ " ثم اختار أن يجيب على أسئلته بنفسه: "اعتقد أن المسرح هو نفس الشارع ونبضه، وهو صمام الأمان الذي يضبط الوضع العام وإيقاع أي مجتمع..أجد نفسي متجها إلى كوميديا السياسة لأن كل أمورنا الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن التحدث عنها بمعزل عن وضعنا السياسي الراهن".وانتقل للحديث عن عمله الأخير قائلا:"مسرحية دمدم كانت ذات طرح كوميدي جريء، وهنالك من ضخم الموضوع أكثر من اللازم لذا منعت المسرحية من العرض بعد العرض الأول.وأضاف: "وبالمقابل علينا أن نعي أن المنع لا يعني دائما أننا أثرنا ضجة أو أن العمل كبير وعظيم أو أنه تعدى على الخطوط الحمراء".
وأضاف: "هنالك معادلة صعبة بين النص النخبوي والنص الجماهيري فالإغراق في الترميز يكون أحيانا غير مدروس، وهنالك مسرحيات جماهيرية تستغفل المشاهد وتقدم الإضحاك دون أي التزام أو فكرة أو طرح جاد لدرجة تصل أحيانا إلى الاستهتار،وربما هذا ما ساهم في غياب الجمهور"
لم نرث شيئا:
"في السبعينات كانت المقاعد ممتلئة، كان رواد المسرح العمانيون أكثر حظا منا يحصلون على دعم مادي كبير ويعرضون مسرحياتهم على خشبة فندق البستان"، سألته:"وماذا ورثتم من جيل الرواد؟" فأجابني: "لم نرث نحن الجيل الجيد مسرحا جيدا ولا جمهورا ولا علاقات جيدة مع المؤسسات الحكومية والخاصة..بل على العكس استلمنا المسرح هزيلا وضعيفا ومتهالكا". سألته : "ألم تكن هنالك محاولات لردم الهوة بين الجيلين؟".
فأجابني: "حاولنا أن نعيد العلاقات بين جيل الرواد والجيل الحديث ولكنها للأسف علاقات منقطعة، وقنوات التواصل مفقودة، وللأسف المنافسة، والشللية في المسرح أضرت به بدلا من أن تثريه..لأن الواحد بدلا من أن ينافس المسرحية الجيدة بكتابة عمل أفضل منه، كان يحاول جاهدا أن يبحث عن عيوب المسرحية ليكسرها"، وأضاف: "حاولنا في مسرحية دمدم أن نعيد فتح القنوات ، وكانت الاستجابة جميلة فقد شاركت معنا أسماء متحققة مسرحيا من مثل الفنان"عبدالغفور أحمد"، والفنان "محسن البلوشي"، والفنان "محمد بن هلال السيابي"، إلى جوار ممثلين يظهرون للمرة الأولى من طلبة الجامعة" وأردف: "كنت متخوفا في البداية من ردة فعل الفنان عبد الغفور لأن يأخذ دورا غير البطولة إلا أنه رحب كثيرا بدوره. سألته: "هل ترهقك الأدوار النسائية؟" فأجابني: "يرهقني أثناء الكتابة الدور النسائي جدا لأنه غير متوفر دائما، ولا نضمن موافقة المرأة على الدور لذا أدوار المرأة هامشية، ونضطر أحيانا إلى ترجيلها.. كما حدث عندما حولنا دور المرأة إلى دور رجل في مسرحية افتح عينك يا شاطر"، وقال لي بارتياح: "الحمد لله في المسرحية الأخيرة التي أنهيت اشتغالي الكتابي عليها "العراف" لا يوجد دور لأي امرأة، وذلك من قبيل الصدفة لا التعمد.
وعن ما يزعج المسرحي العماني قال لنا المسلماني: "مصدر الإزعاج الحقيقي لنا هو الدعم المادي، فلا يمكن أن نعول على التذاكر آمالا حقيقية فهي لا تغطي حتى أجر ممثل واحد، والفنان الذي يتمرس العمل المسرحي لا يرضى بأن يؤدي الدور دون مقابل وهذا حقه..ولكن من أين ؟ أصل المشكلة يكمن في عدم وجود منتج للعمل، فمن يتولى مسألة الدفع.. كاتب النص أم المخرج ؟ والحقيقة كثيرا ما قمنا بالدفع من جيوبنا… فالديكور مكلف، والأزياء، والإضاءة لليوم الواحد نستأجرها بـ 700 ريال ، لذا لا نستطيع حتى أن نقوم بعمل بروفة عليها لأننا نركبها في يوم العرض.
مسرح الجمهور:
وعن فكرة مسرح الجمهور التي بدأ بها مع مجموعة من الأصدقاء قال: "بدأنا بمسرحية افتح عينك يا شاطر، وقد لاقت أصداء جميلة للغاية وأعطتنا ثقة بأنفسنا وبجمهور المسرح..كنا خائفين من فكرة مسرح الجمهور ولكن كانت الاستجابة تثلج الصدر. انهالت علينا الاتصالات خصوصا بعد عرض مسرحية "دمدم". أناس كثيرون سألونا متى سيكون العرض الثاني سنحضر مع أهلنا وذوينا. الشيء الجميل أن الناس أصبحت قادرة على المفاضلة بين العمل الذي يحترمها وبين العمل الذي يضحك عليها … بدأت الذائقة تنفتح وتتغير، وثقة الجمهور بنا ضرورية لضخ المزيد من الأعمال".سألته: وعلى ماذا يقوم مسرح الجمهور؟ فأجابني: يقوم على تسويق المسرحية وعرضها لأكبر شريحة ممكنة، حيث يعتمد مسرح الجمهور على لب العمل نفسه، وعلى وسائل الاتصال المختلفة .. ربما تكون اللهجة أحد هذه الوسائل لذا كنا نستخدم اللهجة الفصحى المطعمة بالعامية لكي يبقى تواصل الجمهور معنا حاضرا،وكذلك استخدام الكوميديا التي لا تصل إلى حد الاستخفاف بهم" وأضاف: "يقوم مسرح الجمهور على الإعلانات الموسعة في مختلف وسائل الإعلام، وتوزيع البوسترات، ووجود نقد ومتابعة صحفية وأخبار تنزل بين الفينة والأخرى، ولقاءات في التلفزيون من أجل تسويق العمل جماهيريا بشكل أوسع".
وقال أيضا: "بصراحة الإعلام خدم طموحنا كثيرا..صحفيين ومثقفين كتبوا عن عملنا الأخير إلى أن أخجلوا ممانعي العرض.خمس مقالات جادة كتبت في عمل واحد،فإذا كان عرض واحد خلق كل هذا الصدى الجميل فيعني ذلك أن مسرح الجمهور بدأ خطوته الأولى بشكل يمكننا أن نراهن عليه"
سألته : "من أنتم جماعة مسرح الجمهور..هل أنتم فرقة واحدة" ؟ فقال لي: "الحقيقة أننا ننتمي إلى عدة فرق". سألته: " وأنت من أي فرقة"؟ فأجابني: "لا أنتمي لأي فرقة .. أنا لا أشعر بجدوى وجودي ضمن فرقة .. وعلى العموم قريبا ستحل جميع الفرق، وسيعاد تأسيسها من جديد وفق اشتراطات جديدة".
دمدم وحكاية المنع:
وحدثنا عن مسرحيته الأخيرة قائلا: "في مسرحية دمدم قامت شركة الديرة الخضراء لصاحبها سالم بن أحمد السلطي بالتبرع لنا بـ 4000 ريال عماني بعد أن تورطنا في تسديد بعض التزاماتنا.وبالرغم من أن المسرحية لم تعرض إلا لمرة واحدة إلا أن الحضور كان قويا وقد امتلأ المسرح بأكمله، الشكوى التي وصلتنا هي التي حجبت المسرحية عن إعادة عرضها لكوننا تجاوزنا الخطوط الحمراء".وأضاف بحسرة:" ببادرة طيبة من الشباب تقدمنا إلى وزارة الثراث والثقافة وأخبرناهم أننا أعددنا برنامجا كاملا ليوم المسرح العالمي كان من ضمن البرنامج مسرحية دمدم، ولم يكن لدينا مانع أن يكون العمل باسم الوزارة ولكنهم لم يوافقواعلى الأمر لعدم وجود مخصص مالي بالرغم من أننا لم نكن لنطلب أكثر من ألفين ريال" !!
وتابع: "بعد العرض الأول أرسلوا لنا جملة من الشروط في مقابل أن نعيد عرض العمل فوافقنا عليها وعندما أوشكنا على البدء بالعمل، كان هنالك إصرار على أن تكون الرقابة حاضرة حتى أثناء البروفات".سألته: "وماذا حدث في الأخير" ابتسم وهو يقول: "طريقك ياولدي مسدود مسدود".وأردف: "زدت يأسا وإحباطا عندما علمت بأن هنالك عملا آخر سبقنا إلى متاهة الرقابة وبقي لمدة ستة أشهر ولم يفرج عنه إلى الآن.ولكني كنت أكثر إيجابية مع نفسي، وبدأت الاشتغال على عمل آخر اسمه "العراف" وهو عمل طويل ذا طابع كوميدي سياسي أيضا.وأردف: "لم أسمع بأن هنالك مسرح تحريضي على المجتمع أو على السلطة لذا أتمنى لـ عمل كـ دمدم وأعمال أخرى أن توفر لها مساحة أكبر من الحرية، وإن كنا قد طرحنا فكرة وكنا مخطئين فنحن مخطئين … كلنا نخطيء .. ولكن دعوا علاقة المسرحي مع الجمهور مباشرة دون وسيط فهو الأجدر بأن يحكم".
المسرحيون عالة:
وقبل أن أسأله عن الصعوبات فاجأني بضحكة مريرة وهو يقول: "تصوري المسرحيين أصبحوا عالة على المعوقين والأيتام حيث أننا نقوم بالتدريب على البروفات في مسارح الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، تصوري أننا نزاحمهم على مسرحهم "!! وأضاف قائلا: "اقترحت على صديقي حمود الجابري أن أي مسرحية نقدمها بعد الآن يذهب ريعها لصالح الأيتام والمعوقين، ربما هذه الفكرة أيضا تحرض الناس على حضور المسرح عندما يعلمون أن ريعها يذهب لصالح جمعية، ولكي نقول أيضا أن المسرح يقدم شيئا جيدا للمجتمع".
الفنان النجم :
وعن الأحلام قال لنا المسلماني: "أحلم الآن بالتسويق، لأن التسويق لدينا ضعيف للغاية. أفكر بإنتاج مسرحياتي بمفردي، وقريبا سآخذ تصريح الإنتاج الفني" سألته: ألا تعتقد أن ذلك سيكون مكلفا فأجابني: "في حسبة صغيرة قمت بها لإنتاج مسرحيتي التي أنهيت كتابتها مؤخرا "العراف" اكتشفت أني سأحتاج إلى ما يوازي عشرين ألف ريال عماني".وأردف قائلا:"عدا مسألة الدفع نحن بحاجة إلى حضور النجم..فالنجم هو الذي يرفع معه العمل، وغيابه قد يسقط العمل تماما. لذا أفكر مليا بأن يشارك معنا في مسرحية "العراف" الممثل الجميل غانم السليطي ربما لأنه يتقاطع معي في حبه للكوميديا السياسية.سألته: وماذا عن النجم المحلي من جيل الرواد؟ فأجابني:لا اعتقد أن ذلك كافيا ولن يسهم إلا في الانتشار المحلي وأنا أريد أن نغطي مساحة من الخليج.. المسألة ببساطة ليس لدينا فنان نجم فلماذا لا نصنع النجم بأنفسنا . بدأت أفكر في الأمر بجدية كبيرة، واتصل بمنتجين من الخارج، وأحاول جاهدا أن احصل على موزع في دول الخليج. سألته: "ماذا عن التلفاز العماني ألا يشتري الأعمال المسرحية العمانية؟ أذكر أنا كنا نستمتع كثيرا بمشاهدة مسرحية "دختر شايل سمك"؟
فأجابني:"المشكلة أن التلفاز لا يشتري الأعمال، وهو عندما يعرض مسرحية دختر شايل سمك وغيرها يعرضها لأن الحكومة صرفت عليها أصلا".سألته: "لماذا لا تبدأ بخطوة أن تعطيهم العمل، دون مقابل ربما عرضه على التلفاز يمنحكم رواجا أكبر، ويخلق نجما".هز رأسه بالموافقة:"ربما كلامك صحيح .. لكن العمل المسرحي يحتاج تصوير متقن ونظيف لكي يعرض على التلفاز، ولكني سأفكر بالأمر بجدية".
وأضاف: ما يغيظني حقا أننا لا نستطيع أن نروج عمل عماني في الخارج إلا إذا كان بداخله نجم من الخارج، ولا يمكننا أن نكابر أو نجادل حول هذا الأمر.فكم من المسرحيات " الهايفة" التي ما تزال عالقة في أذهاننا فقط لأن ممثل نجم كان حاضرا بها، ولو خرج هذا النجم لوقعت المسرحية بكل تأكيد كما في بعض مسرحيات "عادل إمام" مثلا.
من عين الناس إلى عين الكاميرا:
وقد شاهدنا مالك المسلماني أيضا على شاشة التلفاز يمثل في أدوارا لا تعد ثانوية فحدثنا عن هذه التجربة قائلا: "التلفزيون أكثر حظا من المسرح بالرغم من أني قدمت شيئا بسيطا عبره إلا أنه حفظ صورتي وقدمني لشريحة كبيرة جدا من الجمهور أضعاف أضعاف أؤلئك الذين يأتون إلى المسرح" وأردف قائلا: "في عام 2001 قدمت مسلسل إنسان من الزمن المستحيل، وكنت مع الفنان العماني صالح زعل، والفنانة البحرينية شيماء سبت، وتوقع عدد من الأشخاص أني لست عمانيا ربما لاني كنت أمثل دائما بالقميص والبنطال بدلا من الدشداشة، وربما لأني بدأت بدور قوي أيضا".سألته هل لـ كاميرا التلفاز رهبتها؟ فأجابني: "حسبت عدد الأشخاص الواقفين خلف الكاميرا كان عددهم 15 شخصا، ولا أنكر كنت خائفا جدا من الكاميرا إلا أنني من أظهرت شجاعة كبيرة أمامها". سألته كيف ترى الدراما العمانية الآن؟ فأجابني: "المعروض على شاشتنا من الدراما العمانية محرج ومشوه، وللأسف الدراما في تردي لذلك لم اقترب من التلفاز مجددا.. لأسباب تتعلق بجودة النص أحيانا، وفي أحيان أخرى لأسباب تتعلق بوقتي … بصراحة أنا لا أقبل أن أضحك على الناس".
سألته: برأيك ما هي أسباب كل هذا التعثر.. فأجابني: "نشعر بغياب المخرج الموجه الذي يوجه الأداء على وجه الدقة، فعادة لا تعاد اللقطات بسبب الأداء، وإنما بسبب الأخطاء فقط. المخرج قد يكون معذورا في بعض الأحيان لأنه ملتزم بالتصوير في زمن لا يمكن تجاوزه" وأردف: "ولكن السؤال هل يهمهم أن يخرجوا بشيء جميل ومختلف، وهل توجد قناعات لدى المسؤولين بضرورة التغيير، أم أنهم يكتفون بهذا القليل".
بين الجمعية والمهرجان:
وعندما توجهت لسؤاله عن جمعية المسرحيين قال لي: "علينا أن نفكر لماذا نريد جمعية أصلا، وماذا نريد منها" تفاجأت من رده ثم أردف: "تعارضنا مع البعض بسبب عدم وضوح الخطط فكل عمل ينبغي أن يكون له علاقة بالهدف الأسمى، ولكن للأسف البعض أصابنا بإحباط نظرا لتواضع الخطط والطموحات المقدمة .. أنا أؤمن أننا بدون خطة تكشف بعد النظر للمستقبل ستصبح أمورنا في فوضى، وسيكون نفس الفعاليات والأنشطة قصيرا للغاية … بصراحة إن لم تكن هنالك خطة طويلة الأمد سأشعر أن الجمعية شيء غير ملح، فيمكننا أن نقدم أعمالنا بدون حاجتنا لجمعية ".سألته أيضا عن مهرجان المسرح العماني، وماذا أضاف لتجربته فأخبرنا أنه لم يشارك لعدد من الانشغالات إلا أنه تابع قائلا: "ولكنه مهرجان ضروري لأنه فجر الكثير من الطاقات، وجلب لنا ضيوفا جميلين من الدول المجاورة..جلسنا معهم، وتحاورنا. فالمهرجان قدم لنا تظاهرة فنية كبيرة وقوية، وحفز الفرق على المشاركة وعلى المنافسة على المراكز، فكثافة العروض في زمن قياسي قدمت ثراء جميلا للساحة العمانية، ولكن نتمنى في السنوات القادمة أن يتشددوا في مسألة اختيار النصوص لكي لا تعود خطواتنا إلى الوراء".
وفي الأخير قال لنا: "ينبغي على المسرحيين أن يشتغلوا على أنفسهم كما يفعل الأدباء أو الرياضيين. عندي حلم أكبر من أن أملأ مقاعد المسرح بالمتفرحين.. أحلم أن نجد في عمان مسرحا يوازي المسرح الخليجي والعربي، وأن يكون مسرحنا من أقوى المسارح لأن المسرح واجهة حضارية لأي بلد متحضر.علينا أن نشتغل جيدا على تلميع شخصية الفنان العماني لأن صورته مشوهة لدى المجتمع العماني نفسه، ربما يكون الاقتراب من الأعمال الخيرية هي أحد الصور التي يمكن أن تقدم الفنان بشكل يقبله المجتمع ويرحب به".
[/INDENT][/INDENT]