الانظمة العربية : الرؤساء و الملوك العرب .. من سيرحل ومن سيبقى؟! ومن
المستفيد من الحرب ؟!
عنوان الرسالة هو : الانظمة العربية : من سيرحل ومن سيبقى ومن المستفيد من الحرب ؟!
و أنا أقول .. هذا سؤال لا يعلم إجابته إلا الله .. و ثم الاستخبارات الأمريكية !!
قراءة ممتعة بإذن الله .. و ثم الاستخبارات الأمريكية !
للكاتب : مصطفى عبد الجواد
-------------------------------
فيما تبدو الولايات المتحدة عازمة على خوض حرب ضروس في سفوح ومرتفعات أفغانستان
لمطاردة أسامة بن لادن واتباعه في تنظيم القاعدة ، تتصاعد حدة القلق والترقب بين
الأنظمة والحكومات العربية ، تخوفا من أن تمتلئ سماء الدول العربية بغبار المعارك
في أفغانستان . ولا تقتصر المخاوف الحكومية العربية فقط من ردة فعل التيارات
الأصولية ، فالعديد من المؤسسات الدينية الرسمية أعلنت رفضها لأي مشاركة عربية في
تلك الحرب ، الأمر الذي جعل بعض المراقبين يؤكدون أن صدى المعارك في أفغانستان سوف
يتردد على منابر المساجد في الوطن العربي. وكما تسود الحكومات العربية مخاوف من
اتساع دائرة الانتقام الأمريكية لتشمل دول عربية مثل العراق والسودان وليبيا ، مما
يضع القادة العرب بين نارين : سخط وغضب الشارع العربي الرافض لتلك الاعتداءات أو
غضب الحليف الأمريكي القوي ، الذي أكد رفضه للحلول الوسطى ، وخير الجميع بين الوقوف
معه أو الوقوف في صف الإرهاب .
وعلى الرغم من أن معظم الأنظمة العربية تحفظت على الدخول في تحالف ليس له أهداف
محددة أو عدو غير واضح المعالم ، إلا إنها - من باب إرضاء الحليف الأمريكي الجريح -
أكدت دعمها للولايات المتحدة في حربها ضد ما تسميه الإرهاب . ولكن ما تريده واشنطن
من العرب يتعدى حدود التصريحات المؤيدة ، ويحدده المراقبون في ثلاث مطالب رئيسية ،
الأول معنوي ، ويكون بضمان مظلة شرعية إسلامية عربية للأعمال العسكرية التي ستنفذها
ضد دولة إسلامية أو أكثر؛ ثم مساهمة نفطية ضرورية تضمن تدفق النفط العربي بأسعار
ثابتة حتى لا يرتبك الاقتصاد الأمريكي والعالمي جراء ارتفاع أسعار النفط بما يؤثر
على العمليات العسكرية نفسها؛ وأخيراً يأتي الدعم "اللوجستي" من القواعد العسكرية
ومستودعات الأسلحة الموجودة في الخليج العربي . كما لا تخفى واشنطن رغبتها في
مشاركة عسكرية عربية - ولو رمزية - للرد على من يصفون تلك المعارك بأنها حرب ضد
الإسلام .
وتبدو الانتفاضة الفلسطينية - التي دخلت منذ أيام عامها الثاني - أحد العقبات
الرئيسية أمام انضمام العرب للتحالف الأمريكي ، فالشارع العربي معبأ بحالة من الغضب
الشديد تجاه الانحياز الأمريكي لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب
الفلسطيني ، وهو ما يرجح المراقبون أن يتحول إلى مظاهرات واحتجاجات عارمة قد تزلزل
استقرار بعض الدول العربية ، التي تعاني أصلاً من أوضاع اقتصادية واجتماعية
محتقنة ، ومرشحة لكي تزداد سوءاً بسبب الكساد العالمي الذي يتوقع أن ينتج عن موجة
الانتقام الأمريكية . ولعل هذا ما دفع الرئيس المصري حسني مبارك للتحذير من رد فعل
الشارع العربي في عدة لقاءات مع أجهزة الأعلام الغربية بقوله: "انظروا إلى جميع ما
تُسمى بالدول المعتدلة في المنطقة، من الأردن إلى المملكة العربية السعودية إلى
الكويت وقطر وعمان، لقد أبلغني قادة هذه الدول أن المشاعر في الشوارع تصل إلى نقطة
الغليان"! .
بوش مع العاهل الاردني عبد الله الثاني
وتعتبر مصر من مقدمة الدول العربية التي تخشى عواقب حرب الانتقام الأمريكية ، ولم
يتردد رئيسها في تشبيه أي هجمات أمريكية على أفغانستان دون أدلة دامغة بتلك
الاعتداءات التي تعرضت لها أمريكا يوم الثلاثاء الدامي ، فالقاهرة - كما يؤكد
الخبير السياسي عبد المنعم سعيد - مازالت تعاني من الانقسامات التي خلفها انضمامها
للتحالف الدولي في حرب الخليج الثانية ، فما بالك بتحالف ضد عدو غير محدد ، ويقوم
فقط على الإيمان بالعدالة الأمريكية ونزاهتها . ويحذر سعيد من مخاطر قيام حركات
إسلامية مصرية بأعمال عنف في حال انضمام مصر للتحالف ، مشيرا إلى انه ربما يكون من
الحكمة ألا نستعيد أياما سوداء بعد أن بعدت عنا علي مدي السنوات الثلاث الماضية .
وتتفق صحيفة لوماتان الفرنسية مع تلك التحذيرات ، مؤكدة إن دولاً عربية مثل مصر
تشعر بالقلق من الحركات الإسلامية المحلية، فهذه البلدان في العادة تؤيد أمريكا
دبلوماسيًّا، ولكنها تريد الآن أن يكون الرد الأمريكي على أساس أدلة دامغة، وأن
يكون موجهًا بشكل محدد، وليس ضربًا عشوائيًّا ينزل المعاناة بالشعب الأفغاني، ويثير
مشاعر العداء لأمريكا.
ويشير المراقبون إلى وجود خلاف في وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن في كيفية محاربة
الإرهاب ، ففيما ترى واشنطن أن مطاردة زعمائه وتجفيف مصادر الدعم المالية كافية
للقضاء على الإرهاب ، ترى مصر من جانبها أن على الولايات المتحدة أن تعالج الأسباب
التي أدت لنشأة الإرهاب ، معتبرة أن حل القضية الفلسطينية سوف يؤدي لاختفاء تلك
المنظمات وتفكيكها .
ويعتبر موقف المملكة العربية السعودية الأكثر حساسية وتعقيدا ، فالسعودية - حسبما
تؤكد صحيفة الإندبندنت البريطانية " كانت راس الحربة في تحالف عام 1991 ،
والسعوديون وعدوا بالتعاون ، لكنهم مقيدون بسبب خوفهم من المعارضة داخل بلدهم،
والقلق من أن تظهر الدولة التي تضم أقدس الأماكن الإسلامية، وكأنها "عميلة
لأمريكا" ، ويتفق هذا - أيضا - مع ما ذكرته صحيفة الفاينانشال تايمز من انه " لو
ظهر أن السعودية تسير على طريق التأييد الأعمى للولايات المتحدة، فإن ذلك سوف
يهدِّد شرعية نظام الحكم، فالحكام عالقون بين أمريكا من جهة، والشعب من جهة أخرى "
.
وتؤيد السعودية قيام الولايات المتحدة بعمليات محددة للقبض على بن لادن وأنصاره ،
لكنها - على حد قول السفير السعودي في لندن غازي القصيبي - لن توافق على استعمال
قواعدها لشن حرب ضد بلد مسلم آخر أو قصف أفغانستان بمئات من الطائرات لإرجاعها
لمستوى القرون الوسطى . وهو ما أكده وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد
العزيز بنفيه أن تكون المملكة العربية السعودية قد وافقت على استخدام الولايات
المتحدة لقاعدة الأمير سلطان الجوية في حملتها العسكرية ، مؤكدا أن المملكة "لا
تقبل أن يكون فيها جندي واحد يحارب المسلمين أو العرب ".
مبارك طالب اوروبا بتهدئة الثور الامريكي
ولكن على الرغم من تشدد السعودية في السماح للجيش الأمريكي باستخدام قواعدها
العسكرية ، إلا أن المملكة أكدت دعمها لواشنطن في حربها ضد الإرهاب ، كما بادرت
بقطع علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية . فالولايات المتحدة هي المصدر الأساسي
لتسليح الجيش السعودي ، وأيضا شريكها الاقتصادي الأول بما في ذلك النفط الذي يشكل
80% من العائدات السعودية ، كما تمثل الولايات المتحدة "درع المملكة ضد الخطر
العراقي" وخصوصا منذ الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990.
ومما يزيد من حدة المأزق السعودي ، تلك الهوة الواسعة بين الرياض وواشنطن في تعريف
الإرهاب ، فبينما تعتبر السعودية - دولة ومواطنين - الممول الرئيسي لحركات المقاومة
الإسلامية في أسيا ومختلف قارات العالم ، نجد أن الولايات المتحدة تصنف الكثير من
تلك الحركات في خانة الإرهاب ، وتطالب دول العالم بمطاردتها وتجفيف مصادر تمويلها .
وهو ما قد يتسبب في اضطرابات واسعة في المجتمع السعودي الذي يتسم بالتدين والمحافظة
الشديدين ، خاصة في أوساط رجال الدين .
وتبدو الكويت - المستفيد الرئيسي في تحالف حرب الخليج - الدولة العربية الوحيدة
التي يمكنها التطوع بتقديم قوات للتحالف الأمريكي ، فالكويت حسبما يؤكد المراقبون
لم تعد منذ الاجتياح العراقي تملك القدرة علي اتخاذ قرار مغاير لما تريده واشنطن ،
ويتساوى في ذلك الحكومة ونواب مجلس الأمة . كما أنها تمر اليوم بمرحلة من التوتر
الدفين تحسبا لمسألة الاستخلاف ، وذلك بسبب المرض المفاجئ لأميرها ، وربما تستغل
واشنطن مرض أمير الكويت وحالة الترقب في البلاد في الضغط على الحكومة الكويتية
لتقديم أقصى درجات العون العسكري.
خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز
وعلى الرغم من دعم الحكومة والأسرة الحاكمة بالكويت للتحالف الأمريكي ، فان
المراقبين يحذرون من حجم المعارضة القوية التي أبدتها القوى الإسلامية لذلك
التحالف ، وظهر ذلك في الفتوى التي أصدرها الشيخ سليمان بوغيث وتدعو لعدم التحالف
مع أمريكا، بل إنها تعتبر ما حدث لأمريكا جزاء لسياستها المنحازة، وهو الأمر الذي
أثار الكثير من الجدل حول إمكانية تحرك القوى الإسلامية الكويتية ضد أي عمل عسكري
تقوم به أمريكا . ومما يزيد من ثقل تلك المخاوف ان الحركة الإسلامية الكويتية تحظى
بتواجد قوي سواء على المستوى الشعبي أو داخل مجلس الأمة .
ويبدو موقف اليمن تجاه التحالف الأمريكي من المواقف الشائكة ، فاليمن إحدى الدول
التي تشتبه واشنطن في وجود قواعد للأصوليين في أراضيها ، ومازال حادث تفجير المدمرة
الأمريكية كول في ميناء عدن ماثلا في الأذهان ، علاوة على ذلك فان الحركة الإسلامية
اليمنية تتمتع بقوة وتواجد كبيرين في الشارع اليمني . وفي الجانب الأخر يبدو النظام
اليمني راغبا في الانضمام للتحالف الأمريكي ، لكنه يخشى أمرين : الحركة الإسلامية
المتحفزة ، إضافة إلى خشيته من أن يترتب على التحالف مع واشنطن ما يمس سيادته .
فاليمن - حسبما تقول صحيفة الاوبزرفر البريطانية - حريص على الحصول على اكبر قدر من
المساعدات الأمريكية ، لكنه يبدي حساسية شديدة تجاه كل ما قد يمس سيادته واستقلاله
.
الرئيس اليمني على عبد الله صالح
وعلى الرغم من أن الأردن يبدو بعيدا عن الدائرة النشطة للتحالف الأمريكي ، إلا أن
النظام الملكي الهاشمي يبدو الأكثر تأثرا بالأزمة الحالية ، فالحركة الإسلامية
الأردنية ، ذات الثقل الشعبي والبرلماني الكبير ، كانت أول من أفتى بحرمة الدخول في
التحالف الأمريكي . ويرجع المراقبون ذلك للمناخ المعادي للولايات المتحدة في
الأردن ، سواء بسبب الحصار الذي تفرضه على العراق ، الشريك التجاري الرئيسي لعمان ،
أو بسبب الانتفاضة الفلسطينية والانحياز الأمريكي لإسرائيل .
ولعل هذا ما دفع العاهل الأردني عبد الله الثاني ، الذي يخشى من انفلات شعبي قد
يطيح بعرشه ، إلى أن يحمل للإدارة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن صفقة
عربية بصفته الرئيس الحالي للقمة العربية ، يؤيد العرب بمقتضاها حرب أمريكا على
الإرهاب ، في مقابل تدخل لواشنطن لحل القضية الفلسطينية بشكل نهائي ، إضافة إلى رفع
الحظر المفروض على العراق وليبيا .
ويختلف المراقبون في تقدير حجم رد الفعل الشعبي في حال اندلاع حرب الانتقام
الأمريكية ، فالبعض يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة ، إضافة إلى
الوضع في فلسطين ، سوف تؤدي إلى اندلاع حركة احتجاج وتظاهر عنيفة ، قد تزلزل
استقرار بعض الأنظمة العربية ، وتدفع البعض الأخر إلى التأني قبل اتخاذ أي قرار
بمساندة التحالف الأمريكي . خاصة وان الأحداث تتزامن مع بداية الدراسة بالجامعات ،
التي تعتبر مصدر الشرارة الأولى لمعظم حركات الاحتجاج في الوطن العربي .
ويؤكد هذا الفريق انه لو توسعت دائرة الثأر الأمريكي لتشمل دولا عربية ، أو أن تمس
حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، فان ردة الفعل الشعبية ستكون أقوى وستتلاشى كل
العوائق التي تحول دون أن يخرج المواطن العربي ليعبر عن موقفه الرافض للسياسة
الأمريكية والرافض لسياسة العنف والقمع بحق أي بلد عربي أو مسلم.
فيما يقلل البعض الأخر من حجم التوقعات بشان التحرك الشعبي المضاد للحرب
الأمريكية ، ويعلل ذلك بأمرين : بعد المسافة الجغرافية بين الساحة العربية
وأفغانستان ، إضافة إلى أن الدول العربية والأنظمة العربية سوف تبدي قدرا عاليا من
الحزم وترسل التحذيرات إلى القوى الشعبية بضرورة عدم ممارسة أي نوع من التحرك
الشعبي ضد السياسية الأمريكية أو مناصرة حركة طالبان.
مظاهرات في جامعة القاهرة المصرية
ولا يجب مع ذلك إغفال أن بعض الحكومات والأنظمة العربية سوف تستفيد من حرب الإرهاب
الأمريكية ، وأن النتائج النهائية سوف تجلب لها فوائد ، ربما يكون أهمها ضرب
المجتمع المدني الداخلي ، وتحذر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من أن بعض أنظمة
الحكم العربية قد تستخدم دعوة واشنطن للمساعدة في محاربة الإرهاب كذريعة للتضييق
أكثر على معارضيها في الداخل ، وتوسيع عمليات
قمْع الحريات وضرب المعارضة ، بدعوى مقاومة الإرهاب ، وذلك دون أن تقابل تلك
الأنظمة بأي هجوم من منظمات حقوق الإنسان الغربية بدعاوى حقوق الإنسان السابقة.
كذلك ستزيد الحملة على الأحزاب والقوى السياسية الإسلامية عموما ، بدعوى مساندة
الإرهاب، ولن تقف واشنطن أو الغرب ضد هذه الحملات، وربما تشجع عليها، خصوصا أنها
ضمن طلبات واشنطن للدول العربية في حرب "بن لادن".
المستفيد من الحرب ؟!
عنوان الرسالة هو : الانظمة العربية : من سيرحل ومن سيبقى ومن المستفيد من الحرب ؟!
و أنا أقول .. هذا سؤال لا يعلم إجابته إلا الله .. و ثم الاستخبارات الأمريكية !!
قراءة ممتعة بإذن الله .. و ثم الاستخبارات الأمريكية !
للكاتب : مصطفى عبد الجواد
-------------------------------
فيما تبدو الولايات المتحدة عازمة على خوض حرب ضروس في سفوح ومرتفعات أفغانستان
لمطاردة أسامة بن لادن واتباعه في تنظيم القاعدة ، تتصاعد حدة القلق والترقب بين
الأنظمة والحكومات العربية ، تخوفا من أن تمتلئ سماء الدول العربية بغبار المعارك
في أفغانستان . ولا تقتصر المخاوف الحكومية العربية فقط من ردة فعل التيارات
الأصولية ، فالعديد من المؤسسات الدينية الرسمية أعلنت رفضها لأي مشاركة عربية في
تلك الحرب ، الأمر الذي جعل بعض المراقبين يؤكدون أن صدى المعارك في أفغانستان سوف
يتردد على منابر المساجد في الوطن العربي. وكما تسود الحكومات العربية مخاوف من
اتساع دائرة الانتقام الأمريكية لتشمل دول عربية مثل العراق والسودان وليبيا ، مما
يضع القادة العرب بين نارين : سخط وغضب الشارع العربي الرافض لتلك الاعتداءات أو
غضب الحليف الأمريكي القوي ، الذي أكد رفضه للحلول الوسطى ، وخير الجميع بين الوقوف
معه أو الوقوف في صف الإرهاب .
وعلى الرغم من أن معظم الأنظمة العربية تحفظت على الدخول في تحالف ليس له أهداف
محددة أو عدو غير واضح المعالم ، إلا إنها - من باب إرضاء الحليف الأمريكي الجريح -
أكدت دعمها للولايات المتحدة في حربها ضد ما تسميه الإرهاب . ولكن ما تريده واشنطن
من العرب يتعدى حدود التصريحات المؤيدة ، ويحدده المراقبون في ثلاث مطالب رئيسية ،
الأول معنوي ، ويكون بضمان مظلة شرعية إسلامية عربية للأعمال العسكرية التي ستنفذها
ضد دولة إسلامية أو أكثر؛ ثم مساهمة نفطية ضرورية تضمن تدفق النفط العربي بأسعار
ثابتة حتى لا يرتبك الاقتصاد الأمريكي والعالمي جراء ارتفاع أسعار النفط بما يؤثر
على العمليات العسكرية نفسها؛ وأخيراً يأتي الدعم "اللوجستي" من القواعد العسكرية
ومستودعات الأسلحة الموجودة في الخليج العربي . كما لا تخفى واشنطن رغبتها في
مشاركة عسكرية عربية - ولو رمزية - للرد على من يصفون تلك المعارك بأنها حرب ضد
الإسلام .
وتبدو الانتفاضة الفلسطينية - التي دخلت منذ أيام عامها الثاني - أحد العقبات
الرئيسية أمام انضمام العرب للتحالف الأمريكي ، فالشارع العربي معبأ بحالة من الغضب
الشديد تجاه الانحياز الأمريكي لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب
الفلسطيني ، وهو ما يرجح المراقبون أن يتحول إلى مظاهرات واحتجاجات عارمة قد تزلزل
استقرار بعض الدول العربية ، التي تعاني أصلاً من أوضاع اقتصادية واجتماعية
محتقنة ، ومرشحة لكي تزداد سوءاً بسبب الكساد العالمي الذي يتوقع أن ينتج عن موجة
الانتقام الأمريكية . ولعل هذا ما دفع الرئيس المصري حسني مبارك للتحذير من رد فعل
الشارع العربي في عدة لقاءات مع أجهزة الأعلام الغربية بقوله: "انظروا إلى جميع ما
تُسمى بالدول المعتدلة في المنطقة، من الأردن إلى المملكة العربية السعودية إلى
الكويت وقطر وعمان، لقد أبلغني قادة هذه الدول أن المشاعر في الشوارع تصل إلى نقطة
الغليان"! .
بوش مع العاهل الاردني عبد الله الثاني
وتعتبر مصر من مقدمة الدول العربية التي تخشى عواقب حرب الانتقام الأمريكية ، ولم
يتردد رئيسها في تشبيه أي هجمات أمريكية على أفغانستان دون أدلة دامغة بتلك
الاعتداءات التي تعرضت لها أمريكا يوم الثلاثاء الدامي ، فالقاهرة - كما يؤكد
الخبير السياسي عبد المنعم سعيد - مازالت تعاني من الانقسامات التي خلفها انضمامها
للتحالف الدولي في حرب الخليج الثانية ، فما بالك بتحالف ضد عدو غير محدد ، ويقوم
فقط على الإيمان بالعدالة الأمريكية ونزاهتها . ويحذر سعيد من مخاطر قيام حركات
إسلامية مصرية بأعمال عنف في حال انضمام مصر للتحالف ، مشيرا إلى انه ربما يكون من
الحكمة ألا نستعيد أياما سوداء بعد أن بعدت عنا علي مدي السنوات الثلاث الماضية .
وتتفق صحيفة لوماتان الفرنسية مع تلك التحذيرات ، مؤكدة إن دولاً عربية مثل مصر
تشعر بالقلق من الحركات الإسلامية المحلية، فهذه البلدان في العادة تؤيد أمريكا
دبلوماسيًّا، ولكنها تريد الآن أن يكون الرد الأمريكي على أساس أدلة دامغة، وأن
يكون موجهًا بشكل محدد، وليس ضربًا عشوائيًّا ينزل المعاناة بالشعب الأفغاني، ويثير
مشاعر العداء لأمريكا.
ويشير المراقبون إلى وجود خلاف في وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن في كيفية محاربة
الإرهاب ، ففيما ترى واشنطن أن مطاردة زعمائه وتجفيف مصادر الدعم المالية كافية
للقضاء على الإرهاب ، ترى مصر من جانبها أن على الولايات المتحدة أن تعالج الأسباب
التي أدت لنشأة الإرهاب ، معتبرة أن حل القضية الفلسطينية سوف يؤدي لاختفاء تلك
المنظمات وتفكيكها .
ويعتبر موقف المملكة العربية السعودية الأكثر حساسية وتعقيدا ، فالسعودية - حسبما
تؤكد صحيفة الإندبندنت البريطانية " كانت راس الحربة في تحالف عام 1991 ،
والسعوديون وعدوا بالتعاون ، لكنهم مقيدون بسبب خوفهم من المعارضة داخل بلدهم،
والقلق من أن تظهر الدولة التي تضم أقدس الأماكن الإسلامية، وكأنها "عميلة
لأمريكا" ، ويتفق هذا - أيضا - مع ما ذكرته صحيفة الفاينانشال تايمز من انه " لو
ظهر أن السعودية تسير على طريق التأييد الأعمى للولايات المتحدة، فإن ذلك سوف
يهدِّد شرعية نظام الحكم، فالحكام عالقون بين أمريكا من جهة، والشعب من جهة أخرى "
.
وتؤيد السعودية قيام الولايات المتحدة بعمليات محددة للقبض على بن لادن وأنصاره ،
لكنها - على حد قول السفير السعودي في لندن غازي القصيبي - لن توافق على استعمال
قواعدها لشن حرب ضد بلد مسلم آخر أو قصف أفغانستان بمئات من الطائرات لإرجاعها
لمستوى القرون الوسطى . وهو ما أكده وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد
العزيز بنفيه أن تكون المملكة العربية السعودية قد وافقت على استخدام الولايات
المتحدة لقاعدة الأمير سلطان الجوية في حملتها العسكرية ، مؤكدا أن المملكة "لا
تقبل أن يكون فيها جندي واحد يحارب المسلمين أو العرب ".
مبارك طالب اوروبا بتهدئة الثور الامريكي
ولكن على الرغم من تشدد السعودية في السماح للجيش الأمريكي باستخدام قواعدها
العسكرية ، إلا أن المملكة أكدت دعمها لواشنطن في حربها ضد الإرهاب ، كما بادرت
بقطع علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية . فالولايات المتحدة هي المصدر الأساسي
لتسليح الجيش السعودي ، وأيضا شريكها الاقتصادي الأول بما في ذلك النفط الذي يشكل
80% من العائدات السعودية ، كما تمثل الولايات المتحدة "درع المملكة ضد الخطر
العراقي" وخصوصا منذ الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990.
ومما يزيد من حدة المأزق السعودي ، تلك الهوة الواسعة بين الرياض وواشنطن في تعريف
الإرهاب ، فبينما تعتبر السعودية - دولة ومواطنين - الممول الرئيسي لحركات المقاومة
الإسلامية في أسيا ومختلف قارات العالم ، نجد أن الولايات المتحدة تصنف الكثير من
تلك الحركات في خانة الإرهاب ، وتطالب دول العالم بمطاردتها وتجفيف مصادر تمويلها .
وهو ما قد يتسبب في اضطرابات واسعة في المجتمع السعودي الذي يتسم بالتدين والمحافظة
الشديدين ، خاصة في أوساط رجال الدين .
وتبدو الكويت - المستفيد الرئيسي في تحالف حرب الخليج - الدولة العربية الوحيدة
التي يمكنها التطوع بتقديم قوات للتحالف الأمريكي ، فالكويت حسبما يؤكد المراقبون
لم تعد منذ الاجتياح العراقي تملك القدرة علي اتخاذ قرار مغاير لما تريده واشنطن ،
ويتساوى في ذلك الحكومة ونواب مجلس الأمة . كما أنها تمر اليوم بمرحلة من التوتر
الدفين تحسبا لمسألة الاستخلاف ، وذلك بسبب المرض المفاجئ لأميرها ، وربما تستغل
واشنطن مرض أمير الكويت وحالة الترقب في البلاد في الضغط على الحكومة الكويتية
لتقديم أقصى درجات العون العسكري.
خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز
وعلى الرغم من دعم الحكومة والأسرة الحاكمة بالكويت للتحالف الأمريكي ، فان
المراقبين يحذرون من حجم المعارضة القوية التي أبدتها القوى الإسلامية لذلك
التحالف ، وظهر ذلك في الفتوى التي أصدرها الشيخ سليمان بوغيث وتدعو لعدم التحالف
مع أمريكا، بل إنها تعتبر ما حدث لأمريكا جزاء لسياستها المنحازة، وهو الأمر الذي
أثار الكثير من الجدل حول إمكانية تحرك القوى الإسلامية الكويتية ضد أي عمل عسكري
تقوم به أمريكا . ومما يزيد من ثقل تلك المخاوف ان الحركة الإسلامية الكويتية تحظى
بتواجد قوي سواء على المستوى الشعبي أو داخل مجلس الأمة .
ويبدو موقف اليمن تجاه التحالف الأمريكي من المواقف الشائكة ، فاليمن إحدى الدول
التي تشتبه واشنطن في وجود قواعد للأصوليين في أراضيها ، ومازال حادث تفجير المدمرة
الأمريكية كول في ميناء عدن ماثلا في الأذهان ، علاوة على ذلك فان الحركة الإسلامية
اليمنية تتمتع بقوة وتواجد كبيرين في الشارع اليمني . وفي الجانب الأخر يبدو النظام
اليمني راغبا في الانضمام للتحالف الأمريكي ، لكنه يخشى أمرين : الحركة الإسلامية
المتحفزة ، إضافة إلى خشيته من أن يترتب على التحالف مع واشنطن ما يمس سيادته .
فاليمن - حسبما تقول صحيفة الاوبزرفر البريطانية - حريص على الحصول على اكبر قدر من
المساعدات الأمريكية ، لكنه يبدي حساسية شديدة تجاه كل ما قد يمس سيادته واستقلاله
.
الرئيس اليمني على عبد الله صالح
وعلى الرغم من أن الأردن يبدو بعيدا عن الدائرة النشطة للتحالف الأمريكي ، إلا أن
النظام الملكي الهاشمي يبدو الأكثر تأثرا بالأزمة الحالية ، فالحركة الإسلامية
الأردنية ، ذات الثقل الشعبي والبرلماني الكبير ، كانت أول من أفتى بحرمة الدخول في
التحالف الأمريكي . ويرجع المراقبون ذلك للمناخ المعادي للولايات المتحدة في
الأردن ، سواء بسبب الحصار الذي تفرضه على العراق ، الشريك التجاري الرئيسي لعمان ،
أو بسبب الانتفاضة الفلسطينية والانحياز الأمريكي لإسرائيل .
ولعل هذا ما دفع العاهل الأردني عبد الله الثاني ، الذي يخشى من انفلات شعبي قد
يطيح بعرشه ، إلى أن يحمل للإدارة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن صفقة
عربية بصفته الرئيس الحالي للقمة العربية ، يؤيد العرب بمقتضاها حرب أمريكا على
الإرهاب ، في مقابل تدخل لواشنطن لحل القضية الفلسطينية بشكل نهائي ، إضافة إلى رفع
الحظر المفروض على العراق وليبيا .
ويختلف المراقبون في تقدير حجم رد الفعل الشعبي في حال اندلاع حرب الانتقام
الأمريكية ، فالبعض يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة ، إضافة إلى
الوضع في فلسطين ، سوف تؤدي إلى اندلاع حركة احتجاج وتظاهر عنيفة ، قد تزلزل
استقرار بعض الأنظمة العربية ، وتدفع البعض الأخر إلى التأني قبل اتخاذ أي قرار
بمساندة التحالف الأمريكي . خاصة وان الأحداث تتزامن مع بداية الدراسة بالجامعات ،
التي تعتبر مصدر الشرارة الأولى لمعظم حركات الاحتجاج في الوطن العربي .
ويؤكد هذا الفريق انه لو توسعت دائرة الثأر الأمريكي لتشمل دولا عربية ، أو أن تمس
حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، فان ردة الفعل الشعبية ستكون أقوى وستتلاشى كل
العوائق التي تحول دون أن يخرج المواطن العربي ليعبر عن موقفه الرافض للسياسة
الأمريكية والرافض لسياسة العنف والقمع بحق أي بلد عربي أو مسلم.
فيما يقلل البعض الأخر من حجم التوقعات بشان التحرك الشعبي المضاد للحرب
الأمريكية ، ويعلل ذلك بأمرين : بعد المسافة الجغرافية بين الساحة العربية
وأفغانستان ، إضافة إلى أن الدول العربية والأنظمة العربية سوف تبدي قدرا عاليا من
الحزم وترسل التحذيرات إلى القوى الشعبية بضرورة عدم ممارسة أي نوع من التحرك
الشعبي ضد السياسية الأمريكية أو مناصرة حركة طالبان.
مظاهرات في جامعة القاهرة المصرية
ولا يجب مع ذلك إغفال أن بعض الحكومات والأنظمة العربية سوف تستفيد من حرب الإرهاب
الأمريكية ، وأن النتائج النهائية سوف تجلب لها فوائد ، ربما يكون أهمها ضرب
المجتمع المدني الداخلي ، وتحذر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من أن بعض أنظمة
الحكم العربية قد تستخدم دعوة واشنطن للمساعدة في محاربة الإرهاب كذريعة للتضييق
أكثر على معارضيها في الداخل ، وتوسيع عمليات
قمْع الحريات وضرب المعارضة ، بدعوى مقاومة الإرهاب ، وذلك دون أن تقابل تلك
الأنظمة بأي هجوم من منظمات حقوق الإنسان الغربية بدعاوى حقوق الإنسان السابقة.
كذلك ستزيد الحملة على الأحزاب والقوى السياسية الإسلامية عموما ، بدعوى مساندة
الإرهاب، ولن تقف واشنطن أو الغرب ضد هذه الحملات، وربما تشجع عليها، خصوصا أنها
ضمن طلبات واشنطن للدول العربية في حرب "بن لادن".