القدس - زكي خليل

عرضت قناة الجزيرة الإخبارية قبل أيام فيلما وثائقيا شيقا ومثيرا عن الطائفة السامرية في فلسطين بعنوان (على خطى موسى)، وذلك ضمن سلسلة حلقات برنامج (وجهة نظر)، وقد امتاز الفيلم بشموليته وتعدد المواضيع التي غطاها الفيلم عن الطائفة السامرية مع تدفق بصري جميل وإرشيف من الصور القديمة عن تلك الطائفة، وقد أخرجه المخرج الفلسطيني رائد الدزدار وقام بتصويره المصور جارو نالبنديان.

وقد تضمن الفيلم الذي أنتجته قناة الجزيرة العديد من المقابلات مع كبار الكهنة ومسؤلي الطائفة، وأيضا مقابلة مهمة مع الكاهن الأكبر للطائفة عبدالمعين صدقة السامري الذي توفي مؤخرا. وقد شرح ضيوف الفيلم أصل وتاريخ الشعب السامري واختلافاتهم مع اليهود والانشقاق الذي حصل بينهم، وايضا علاقاتهم مع الديانات الأخرى مثل الإسلام واليهودية.

وتعد الطائفة السامرية في فلسطين الأصغر في العالم، والتي لا تزال منذ نشأتها تحتفظ بطقوسها وعاداتها وتقاليدها، وعددها اليوم لا يتجاوز ٧٦٠ شخصا تقريبا، ويعيش جزء من أبناء الطائفة السامرية فوق جبل جرزيم بمدينة نابلس في قرية صغيرة تسمى (اللوزة ) وأما النصف الآخر فيعيش في مدينة (حولون) داخل الخط الأخضر.

ويعتبر أبناء الطائفة في نابلس أنفسهم فلسطينيين، وشكل اندماج وتعايش ابناء الطائفة مع أهالي مدينة نابلس واحترام أهالي المدينة لهم جعل مدينة نابلس مثالاً يحتذى به للتعددية والتسامح الديني، ويظهر الفيلم بشكل جيد هذه العلاقة من التآخي بين أفراد الطائفة والمجتمع النابلسي في فلسطين.

وقد ابتدأ الفيلم بقصة سيدنا عيسى عليه السلام مع المرأة السامرية على بئر يعقوب في نابلس والتي وردت في إنجيل "يوحنا" وذلك لإظهار العداء والخلاف ما بين السامريين واليهود ومن ثم سرد الفيلم تاريخ وأصل الشعب السامري، وقدومهم واستقرارهم في أرض "كنعان" الى يومنا هذا، والسامريون كما ورد في الفيلم هم من بقايا شعب بني إسرائيل الذين خرجوا من عبودية فرعون في مصر القديمة حيث تفرقوا بين بلاد النهرين وبلاد الشام ومن ثم استقر بهم المقام أخيراً في مدينة ومنطقة نابلس، وينحدرالسامريون الحاليون من سبطي أفرام ومنشة أبناء سيدنا يوسف عليه السلام وتنحدر عائلة الكهنة من نسل لاوي وهو ابن يعقوب عليه السلام كما شرح الكاهن حسني واصف مدير متحف جبل جرزيم في الفيلم.

ويرفض السامريون وصفهم باليهود، على اعتبارهم إحدى الطوائف اليهودية، لكونهم السلالة الحقيقية لشعب بني إسرائيل وليسوا يهودا وعلاقة السامريين باليهود مبنية على عداء تاريخي قديم، يبدو كما يقول السامريون أنفسهم عن هذا الخلاف أو العداء بأنه ذو خلفية دينية سياسية، وأهم هذه الخلافات هي الهيكل ومكانه.

وتقوم الديانة السامرية على خمسة أركان وقد عددها في الفيلم الكاهن الأكبر للطائفة عبدالمعين صدقة السامري والذي توفي مؤخرا، وهي الإيمان بوحدانية الله تعالى، والإيمان بنبوة سيدنا موسى عليه السلام، والإيمان بالأسفار الخمسة الاولى للتوراة، والايمان بقداسة جبل جرزيم كقبلة لكل السامريين ومحط انظارهم، والإيمان باليوم الآخر.

بالنسبة للإيمان بقدسية جبل جرزيم هو إحدى الخلافات الرئيسية مع اليهود حيث يؤمن اليهود بأن القدس هي قبلة بني إسرائيل واختلافهم مع الديانة اليهودية، والسامريون كشعب يعتبرون أنفسهم أيضاً أقدم طائفة دينية موجودة بالعالم من أتباع الديانات السماوية، ومنذ دخولهم للأراضي الكنعانية يعيشون بشكل منفصل عن اليهود، فاليهودي بالنسبة للسامري هو منشق عن الدين، وبعد الانقسام الديني الذي حدث في شعب بني إسرائيل على خلفية الكهنوت الأعظم والذي حدث بعد ٢٦٠ عاما من دخول بني إسرائيل إلى فلسطين، وعلى أثر قيام الملك سليمان ببناء هيكله في القدس، حدث انقسام الدولة العبرية إلى مملكتين شمالية وجنوبية.

وظهر في الفيلم أقدم نسخة من التوراة في العالم كما ذكر سكرتير الطائفة إسحق رضوان في الفيلم كتبها الكاهن ابيشع ابن فنحاس ابن العازر ابن هارون شقيق النبي موسى عليه السلام وهذه النسخة موجودة في كنيسة السامريين على جبل جرزيم ويخرجونها في أعيادهم فقط للتبرك منها، وذكر في الفيلم أن كلمة سامريين هي في الأصل الكلمة العبرية القديمة التي تعني المحافظين، المحافظين على تعاليم سيدنا موسى علية السلام.