أربعينية "صوت للنهضة نادى" 3-3
(1)
القبلية، الإباضية، ظفار
هل كانت دولة قابوس دولة انفصال عن الماضي أم استمرار له؟
هل كانت "النهضة" مشروع تجديد وتغيير نقل عُمان من بنياتها الفكرية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية السابقة المتخلفة إلى أخرى جديدة متقدمة؟
ليس من السهولة الإجابة الشاملة على هذه الاسئلة البحثية في مساحة تدوينية محدودة، سأحاول إيجاد قرائتي على عناوين ومداخل تلخص رؤيتي الشخصية للنتائج التي أصبح عليها الشعب والوطن العماني بعد أربعين عاماً من دولة قابوس.
استخدمت الآلة الدعائية للدولة منهج لم تغيره إلى اليوم، يقوم على المقارنة التضليلية التي لا تصح، بين قبل وبعد قابوس، ولا وجود لها في عالم المقارنات المعتمدة، فهذا المنهج لا يعبأ بالزمن وتبدلاته، ولا بحسابات العناصر المادية والبشرية والفكرية، ولا بالوجود في زمنه ومحيطه العالمي. فهو يستهدف عقلية جيل الستينيات، ومن قبلهم، الذي شهد تحول السبعينيات، هذا الجيل هو نفسه صاحب الفكرة الدعائية، وهذه الفكرة نفسها دالة على تعمد الانفصال عن حقائق الواقع، وتحمل في طياتها هدف إلغاء الزمن والإحساس به وإلغاء التفكير الموضوعي في عقل العماني، وهي بذلك أصبحت لا تخاطب إلا نفسها.
فالعماني كائن بشري ينمو زمنياً ويتطور عقلياً ويتناسل أجيالاً، بينما السلطة جيل فكري واحد لا ينمو وممنوع من التغير.
العماني يستمع للسلطة ويستمع لنفسه ويستمع لزمنه وعالمه، بينما السلطة آلة تسجيل تقرأ شريطاً لا يتغير ولا يتوقف منذ أربعين عاماً.
آلة دعائية- تشمل وسائط الميديا والخطابات السياسية والثقافية والتعليمية والتربوية- مدمنة للكذب والتزييف والحجب، احتقارية المنشأ، فاشية الفكر لا تقبل إلا نفسها، معبرة في مظهرها عن مخبر السلطة المتأزمة بامتناعها الإحساس بالزمن والاعتراف بمعطياته وحقائقه؛ بعبارة أخرى هي معبرة عن الأصول الفكرية للسلطة.
كانت الوصية الإنجليزية للحكمة السياسية التي يجب أن تقوم عليها دولة قابوس هي ثلاثة أركان: القبلية، المذهب الإباضي، والاحتفاظ بظفار مهما كان الثمن.
فهل هذه أسس محتملة "لنهضة" دولة حديثة أو مدنية؟
لم تكن وصية الاحتفاظ بظفار مهما كان الثمن لرغبة إنجليزية في وحدة وطنية عمانية، وهم أنفسهم الذين فصلوا دولة الإمارات حالياً ودقوا أسافين الخلافات الحدودية من الجهات الأربع،}أؤمن بحق تقرير الشعوب لمصيرها{، بل الاحتفاظ بظفار كان يعني احتفاظاً بالعرش السلطاني، واحتفاظاً بالهيمنة الإمبريالية، عن طريق إنهاء الثورة التي تشكل خطراً أكيداً في حال نجاحها أو حتى استمرارها لوقت أطول على قوى الرجعية والإمبريالية في المنطقة، ومحاصرة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المحررة من الاستعمار الإنجليزي والداعمة للتوجهات التقدمية في المنطقة وحليف القطب السوفيتي، وليس أخيراً ضمان قاعدة تنافسية دولياً، وإقليمياً وعلى الأخص في مواجهة مملكة آل سعود، والنتائج الفرعية تزيد على الأسباب الرئيسية.
وبالفعل تم الاحتفاظ بظفار بأثمان باهظة دفعت من الأرض والإنسان والمقدرات، وكانت تلك الحرب الإمبريالية بقرة حلوب تمت الاستفادة من لبنها وزبدتها الاستراتيجية والمالية والنفسية والحضارية على أتم وجه.
الوصية بالاحتفاظ بالمذهب الإباضي كابن أكبر للدولة وواجهة لم يكن لاعتبارات أنه مكون أساسي من مكونات الثقافة الحضارية لعُمان، ولا لاعتبار نجاحه طوال قرون طويلة في أن يكون رأس حربة في مواجهة المستعمر، ولا لقدرته على الاحتفاظ بتوازن وطني مع المكون السني حيث لم يشهد التاريخ العماني صراعاً واقتتالاً مذهبياً وإن حدثت أحياناً خلافات كالخلافات العابرة للجيران وهي قليلة جداً، بل كانت عُمان مشتركاً سياسياً فوق المذاهب الدينية وخير دليل على ذلك تقسيمة الهناوي والغافري سيئة الذكر.
كانت الوصية مبنية على ثلاثة اعتبارات، الأول أن المذهب الإباضي في نسخته الأخيرة لم يعد (جهادياً وثورياً)، وهو الذي أعطى الشرعية نحو أربعين سنة لحكم السلاطين وجمد الثورات ضدهم واعترف بتقسيم الوطن العماني(اتفاقية السيب 1920)، وهي مرحلة دولة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي.
الاعتبار الثاني، هو أن نظام الإمامة الذي كاد أن يشهد تحولاً انفتاحياً في الدولة المضطربة للإمام غالب بن علي الهنائي، التي تم القضاء عليها عسكرياً، كانت أركانه في صراعٍ الغلبة فيه للجناح الأوسع المحافظ وبقايا دولة الخليلي، والورثة الروحيين القبليين الذين مالوا عقب الهزيمة إلى التصالح وأبدوا رغبة التحالف مع السلاطين والتنازل نهائياً عن أية قيادة مقابل تسويات شخصية.
الاعتبار الثالث، هو الخبث السياسي الإنجليزي بعيد النظر دائماً فتبني المذهب الإباضي يعني، من جهة، إذكاء تاريخياً استمرارياً للصراع مع الوهابية ومملكة آل سعود.
ومن جهة ثانية، أن يكون فتيلاً مستقبلياً قابل للاشتعال في دولة غير مدنية وغير ديمقراطية يتوزع سكانها في شبه تكافؤ عددي بين إباضي وسني، وهو ما كان في العامين الأخيرين لأول مرة، وأحدث شرخاً لا يمكن تجاهله من الآن فصاعداً في الوحدة الوطنية للشعب العماني بسبب سوء تقدير وتعنت سياسي سلطوي، وبسبب التفاف وتبرير مخجل للنخبة الإباضية حول قضية وطنية النتائج في الأساس، ولقد حاولت مناقشة الموضوع حينها لكن فريقاً استمرأ العنت أو الصمت، وفريقاً آخر راح ينظر ويبرر فقهياً وسياسياً وعلمياً وفلكياً! متناسياً بذلك أنه يصادر نصفه الوطني الآخر ويفرض عليه ما لا يحب ولا يعتقد، وبهذا اتضحت الضحالة الخطرة التي تقدم الطائفي على الوطني، والتي تدين للحاكم وتدين للمرجعية المذهبية بإطلاق تجاوزاً على أية مفاهيم أخرى!
ألم تنجح الوصية الإنجليزية، مضافاً إليها الهوى القابوسي والطاعة العمياء للمرجعية المذهبية العمياء له، في جعل الإباضية والسلطة في خندق واحد ضد نصف الشعب السني؟
ألم ينجحوا حقاً، جميعهم، في شرخ الوحدة الوطنية وجرحها، وفتح أبواب الاستقطابات والتدخلات الخارجية في الشأن الوطني العماني؟
يتبع...
المصدر : عماني ممنوع من الكلام
(1)
القبلية، الإباضية، ظفار
هل كانت دولة قابوس دولة انفصال عن الماضي أم استمرار له؟
هل كانت "النهضة" مشروع تجديد وتغيير نقل عُمان من بنياتها الفكرية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية السابقة المتخلفة إلى أخرى جديدة متقدمة؟
ليس من السهولة الإجابة الشاملة على هذه الاسئلة البحثية في مساحة تدوينية محدودة، سأحاول إيجاد قرائتي على عناوين ومداخل تلخص رؤيتي الشخصية للنتائج التي أصبح عليها الشعب والوطن العماني بعد أربعين عاماً من دولة قابوس.
استخدمت الآلة الدعائية للدولة منهج لم تغيره إلى اليوم، يقوم على المقارنة التضليلية التي لا تصح، بين قبل وبعد قابوس، ولا وجود لها في عالم المقارنات المعتمدة، فهذا المنهج لا يعبأ بالزمن وتبدلاته، ولا بحسابات العناصر المادية والبشرية والفكرية، ولا بالوجود في زمنه ومحيطه العالمي. فهو يستهدف عقلية جيل الستينيات، ومن قبلهم، الذي شهد تحول السبعينيات، هذا الجيل هو نفسه صاحب الفكرة الدعائية، وهذه الفكرة نفسها دالة على تعمد الانفصال عن حقائق الواقع، وتحمل في طياتها هدف إلغاء الزمن والإحساس به وإلغاء التفكير الموضوعي في عقل العماني، وهي بذلك أصبحت لا تخاطب إلا نفسها.
فالعماني كائن بشري ينمو زمنياً ويتطور عقلياً ويتناسل أجيالاً، بينما السلطة جيل فكري واحد لا ينمو وممنوع من التغير.
العماني يستمع للسلطة ويستمع لنفسه ويستمع لزمنه وعالمه، بينما السلطة آلة تسجيل تقرأ شريطاً لا يتغير ولا يتوقف منذ أربعين عاماً.
آلة دعائية- تشمل وسائط الميديا والخطابات السياسية والثقافية والتعليمية والتربوية- مدمنة للكذب والتزييف والحجب، احتقارية المنشأ، فاشية الفكر لا تقبل إلا نفسها، معبرة في مظهرها عن مخبر السلطة المتأزمة بامتناعها الإحساس بالزمن والاعتراف بمعطياته وحقائقه؛ بعبارة أخرى هي معبرة عن الأصول الفكرية للسلطة.
كانت الوصية الإنجليزية للحكمة السياسية التي يجب أن تقوم عليها دولة قابوس هي ثلاثة أركان: القبلية، المذهب الإباضي، والاحتفاظ بظفار مهما كان الثمن.
فهل هذه أسس محتملة "لنهضة" دولة حديثة أو مدنية؟
لم تكن وصية الاحتفاظ بظفار مهما كان الثمن لرغبة إنجليزية في وحدة وطنية عمانية، وهم أنفسهم الذين فصلوا دولة الإمارات حالياً ودقوا أسافين الخلافات الحدودية من الجهات الأربع،}أؤمن بحق تقرير الشعوب لمصيرها{، بل الاحتفاظ بظفار كان يعني احتفاظاً بالعرش السلطاني، واحتفاظاً بالهيمنة الإمبريالية، عن طريق إنهاء الثورة التي تشكل خطراً أكيداً في حال نجاحها أو حتى استمرارها لوقت أطول على قوى الرجعية والإمبريالية في المنطقة، ومحاصرة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المحررة من الاستعمار الإنجليزي والداعمة للتوجهات التقدمية في المنطقة وحليف القطب السوفيتي، وليس أخيراً ضمان قاعدة تنافسية دولياً، وإقليمياً وعلى الأخص في مواجهة مملكة آل سعود، والنتائج الفرعية تزيد على الأسباب الرئيسية.
وبالفعل تم الاحتفاظ بظفار بأثمان باهظة دفعت من الأرض والإنسان والمقدرات، وكانت تلك الحرب الإمبريالية بقرة حلوب تمت الاستفادة من لبنها وزبدتها الاستراتيجية والمالية والنفسية والحضارية على أتم وجه.
الوصية بالاحتفاظ بالمذهب الإباضي كابن أكبر للدولة وواجهة لم يكن لاعتبارات أنه مكون أساسي من مكونات الثقافة الحضارية لعُمان، ولا لاعتبار نجاحه طوال قرون طويلة في أن يكون رأس حربة في مواجهة المستعمر، ولا لقدرته على الاحتفاظ بتوازن وطني مع المكون السني حيث لم يشهد التاريخ العماني صراعاً واقتتالاً مذهبياً وإن حدثت أحياناً خلافات كالخلافات العابرة للجيران وهي قليلة جداً، بل كانت عُمان مشتركاً سياسياً فوق المذاهب الدينية وخير دليل على ذلك تقسيمة الهناوي والغافري سيئة الذكر.
كانت الوصية مبنية على ثلاثة اعتبارات، الأول أن المذهب الإباضي في نسخته الأخيرة لم يعد (جهادياً وثورياً)، وهو الذي أعطى الشرعية نحو أربعين سنة لحكم السلاطين وجمد الثورات ضدهم واعترف بتقسيم الوطن العماني(اتفاقية السيب 1920)، وهي مرحلة دولة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي.
الاعتبار الثاني، هو أن نظام الإمامة الذي كاد أن يشهد تحولاً انفتاحياً في الدولة المضطربة للإمام غالب بن علي الهنائي، التي تم القضاء عليها عسكرياً، كانت أركانه في صراعٍ الغلبة فيه للجناح الأوسع المحافظ وبقايا دولة الخليلي، والورثة الروحيين القبليين الذين مالوا عقب الهزيمة إلى التصالح وأبدوا رغبة التحالف مع السلاطين والتنازل نهائياً عن أية قيادة مقابل تسويات شخصية.
الاعتبار الثالث، هو الخبث السياسي الإنجليزي بعيد النظر دائماً فتبني المذهب الإباضي يعني، من جهة، إذكاء تاريخياً استمرارياً للصراع مع الوهابية ومملكة آل سعود.
ومن جهة ثانية، أن يكون فتيلاً مستقبلياً قابل للاشتعال في دولة غير مدنية وغير ديمقراطية يتوزع سكانها في شبه تكافؤ عددي بين إباضي وسني، وهو ما كان في العامين الأخيرين لأول مرة، وأحدث شرخاً لا يمكن تجاهله من الآن فصاعداً في الوحدة الوطنية للشعب العماني بسبب سوء تقدير وتعنت سياسي سلطوي، وبسبب التفاف وتبرير مخجل للنخبة الإباضية حول قضية وطنية النتائج في الأساس، ولقد حاولت مناقشة الموضوع حينها لكن فريقاً استمرأ العنت أو الصمت، وفريقاً آخر راح ينظر ويبرر فقهياً وسياسياً وعلمياً وفلكياً! متناسياً بذلك أنه يصادر نصفه الوطني الآخر ويفرض عليه ما لا يحب ولا يعتقد، وبهذا اتضحت الضحالة الخطرة التي تقدم الطائفي على الوطني، والتي تدين للحاكم وتدين للمرجعية المذهبية بإطلاق تجاوزاً على أية مفاهيم أخرى!
ألم تنجح الوصية الإنجليزية، مضافاً إليها الهوى القابوسي والطاعة العمياء للمرجعية المذهبية العمياء له، في جعل الإباضية والسلطة في خندق واحد ضد نصف الشعب السني؟
ألم ينجحوا حقاً، جميعهم، في شرخ الوحدة الوطنية وجرحها، وفتح أبواب الاستقطابات والتدخلات الخارجية في الشأن الوطني العماني؟
يتبع...
المصدر : عماني ممنوع من الكلام
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions