مسقط -ش

تعد الصناعات الحرفية من الموروثات العمانية العريقة التي رسخت الوجود العماني وقد أبدع الحرفيون العمانيون في التعامل مع مخرجات الطبيعة وصنعوا من مفردتها منتجات حرفية تميزت بالتنوع والإبداع، ولإلقاء الضوء على عدد من الصناعات الحرفية قمنا بزيارة عدد من الحرفيين لمعرفة آرائهم وانطباعاتها.

المشغولات الفضية

تعد صناعة الفضة من أهم الصناعات الحرفية التي تشتهر بها السلطنة تنوعاً وإتقانا ولقد برع العمانيون في صناعة المشغولات الفضية، وللتعرف أكثر حول حرفة المشغولات الفضية التقينا محمد جمعة الفارسي وهو أحد صائغي المشغولات الفضية حيث قال: تتميز المشغولات الفضية العمانية بجودة في الصنع وحرفة في الإنتاج فالمهنية حاضرة في لمسات كل حرفي عماني باختلاف منتجاتهم الحرفية، وأضاف: هنالك جماليات يتميز بها كل حرفي عن الآخر وهذا ما يدعم ويسوق المنتجات الحرفية العمانية بشكل أوسع.

وحول تنوع المشغولات الفضية العمانية قال الفارسي: إن المشغولات الفضية متنوعة ومتعددة بحسب نوع الاستخدام فمنها ما تستخدمه المرأة لتزين أعلى الرأس وهو "الشمروخ" ومنها "المرية أم حلق والمرية أم حرز" وهي عبارة عن عدد الجوزات الفضية متناسقة في الشكل والتركيب وتستخدم لتجميل منطقة العنق، كما أن المرأة العمانية تستخدم "الغلميات" لتزين الأذنين بالإضافة إلى البناجري لتزين اليد، كما تلبس المرأة عشرة خواتم لكل أصبع من اليد وهي "الشاهد وأبو كمبوعة والحيسة وأبو قراطة" فيما تستخدم "الحيول" لتزين الأرجل.

أما الرجل العماني فقد تفرد بلبس الخنجر في المناسبات الرسمية والاجتماعية ويعد الخنجر جزءاً أساسياً في الزي الوطني وهناك أنواع عدة من الخناجر هي الخنجر السعيدي والخنجر النزواني والخنجر الصوري، ونجد أن بعض العصي "البواكير" وهي عبارة عن عصي خشبية عليها نقوش مزخرفة يضاف إليها قطع من الفضة تزيد من قيمتها وجمالها، وعادة ما يتزين الأطفال بالتلاحيق وهي مشغولات فضية تستخدم للبس في منطقة الخصر وبها أماكن لحفظ الملحقات.

وفيما يتعلق بالأشكال الجمالية والرسوم الإبداعية التي تشتهر بها حرفة الصناعات الفضية أوضح محمد الفارسي بأن تلك النقوش منقاة ومستوحاة من البيئة العمانية الأصيلة والتي تزخر بالكثير من المشاهد الطبيعية الجميلة والتي تثري مخيلة الحرفي وتمده بالأفكار والرؤى والذي يقوم هو بدوره بترجمتها في مشغوليته الفضية، وأضاف: إن التاريخ العماني الممتد عبر الأزمان كان له الأثر الأكبر في تطور وزهو صناعة الفضيات وانعكس ذلك التطور على حرفة صناعة الفضيات من خلال تعدد المنتجات الفضية وتنوعها فأصبحت لدينا باقة متنوعة من الصناعات الفضية تختلف بحسب استخدامها.

برامج تدريبية

وحول دور الهيئة العامة للصناعات الحرفية قال الفارسي: إن الهيئة تقدم لنا كل الدعم والمساندة وهي دائماً ما تكون السباقة في قيادة زمام المبادرة بخاصة في مجالي التأهيل والتدريب وفي حقيقة الأمر إن مركز صناعة الخنجر المشغولات الفضية خير شاهد على اهتمام الهيئة وحرصها الدائم على الحفاظ على حرفة الصناعات الفضية، وأضاف محمد الفارسي: إننا كحرفيين نجد كل العناية والاهتمام من قبل القائمين والمشرفين على الصناعات الحرفية في كل المجالات، كما أن الهيئة العامة للصناعات الحرفية مشكورة تعزز من مشاركاتنا الخارجية أو الداخلية والتي بدورها تثري عمل وإنتاج الحرفي العماني، وأشار الفارسي إلى مدى الاستفادة التي تكونت لديهم من خلال الاشتراك في البرامج التدريبية والتي تنفذها الهيئة بهدف تقديم خدمات التدريب والتأهيل للعاملين في مجالات الصناعات الحرفية وتوفير الدعم الفني للحرفيين في تلك المجالات، حيث قال: إن البرامج التدريبية التي تنفذها الهيئة والمخصصة للحرفيين أسهم في تطوير قدراتنا الإبداعية والفنية.

مركز صناعة الخنجر

وفي إطار اهتمام الهيئة العامة وعنايتها بالمشغولات الفضية أنشأت الهيئة مركزا لصناعة الخنجر والمشغولات الفضية بمسقط ويعمل المركز على تأهيل وتدريب الحرفيين على إنتاج مختلف التصاميم الفضية مثل (الخناجر، المشغولات الفضية النسائية ، الميداليات)، ويهدف المركز إلى تدريب الشباب العماني على صناعة فضية ذات هوية عمانية ورفد السوق المحلي بالمنتجات الفضية العمانية بالإضافة إلى رفع تعزيز مستوى الدخل لدى الأيادي الوطنية التي تعمل في مجال صياغة المشغولات الفضية.

صناعة الأخشاب

كما برع العمانيون في صناعة الأخشاب وتفننوا في صناعة السفن وفي هذا المجال يقول حسون بن جمعة العريمي: إن الصناعات الحرفية العمانية تتفرد بتقانة في الصنع وجودة في الإنتاج، كما أن المنتجات الحرفية تحتاج إلى ملكات إبداعية تختلف وتلك المهارات تختلف من حرفي إلى آخر وهنا نجد تفاوتا في المنتجات الحرفية، كما أن هناك خيارات متعددة ترضي جميع المهتمين بالحرف العمانية.

وفيما تعلق بالمواد المستخدمة في صناعة الأخشاب والتي يستعين بها الحرفي العماني قال حسون العريمي: إن معظم تلك المواد تجلب من البيئة العمانية وذلك ما يميز السلطنة كونها تحتوي على مواد طبيعية متعددة ومتنوعة نظرا إلى التنوع الجغرافي والذي انعكس إيجاباً على توافر المواد والخامات الأولية المستخدمة في صناعات الحرفيات العمانية، وأضاف: نحن كحرفيين نستطيع الحصول على تلك الخامات المستخدمة في حرفة صناعة الأخشاب بكل سهولة ويسر.

وحول سؤالنا للحرفي حسون العريمي عما إذا كانت الصناعات الحرفية العمانية هي مهن متوارثة ومتعاقبة عبر امتداد الأجيال أجاب: في حقيقة الأمر نحن نعمل باستمرار على تعزيز وترسيخ هذه الحرف والتي تعد ثروة وطنية ورصيدا فكريا وحضاريا تزخر به السلطنة في نفوس الأبناء والأحفاد، وأضاف العريمي: إن الصناعات الحرفية تحمل بين طيات نقوشها تاريخا عريقا لهذا الوطن المعطاء عبر قرون مضت، كما أن الصناعات الحرفية تربط ذاكرة الماضي بواقع الحاضر المزدهر والذي وجد فيه الحرفي العماني كل الرعاية والاهتمام من قبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية.

صناعة النسيج

خلال تجولنا في مصنع النسيج الذي يديره محمد بن حمد الداودي وما يحويه من منسوجات تباهت فيما بينها وازدانت ألقا كأنها لوحات فنية نسجت بأيادٍ عمانية ماهرة، قال لنا الداودي: إن معظم هذه الأشكال الفنية المنسوجة على المنتجات النسيجية مستوحاة من البيئة العمانية سواء كانت أشكالا هندسية ذات أبعاد وأنساق تشد الناظر إليها أو كانت صورا لنباتات أو مجسمات من وحي الطبيعة.

وأضاف النساج محمد: إن تباين الألوان وانتقاءها يرجع في الأساس إلى مهارة الحرفي العماني ومدى وضوح الرؤية الفنية التي يعمد من خلال نسجه إلى ترجمتها في قطعة النسيج حيث إن النساج يجمع عدداً من العناصر الفنية في وحدة مكتملة من التدريجات اللونية لتخرج بعد عملية النسج منتجات حرفية لليد العمانية ببصمة إبداعية عليها.

مصدر دخل

وأوضح محمد الدوادي بأن مهنة الصناعات الحرفية هي مهنة متوارثة عبر الأجيال حيث قال: نأمل أن يتواصل لدى الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد حب وإتقان الصناعات الحرفية والتي تمثل مصدر دخل بالإضافة إلى كون المنتجات الحرفية تعد رمزاً حضارياً تميزت به السلطنة، وأشار الداودي إلى أن حرفة صناعة النسيج بشقيها نسيج المنسوجات القطنية أو الصوفية تقوم على تفنن النساج وإبداعه في نسج النقوش والألوان التي تتكون منها منسوجاته بمختلف أنواعها حيث تشكل المنسوجات لوحة ومفردة فنية تتكامل فيها العناصر وتسهم في إبداع جمالية المنتج الحرفي، وأضاف: إن كل ما نحتاجه في حرفة النسيج نحصل عليه من البيئة المحلية ابتداء من أدوات النسيج وانتهاء بالمواد الخام التي تدخل في صناعة المنتجات النسيجية.

لمسة كريمة

وقال الداودي: إن جائزة السلطان قابوس للإجادة الحرفية لهي لمسة كريمة تفضل بها المقام السامي لدعم الحرفيين في مختلف المحافظات والمناطق في كافة ربوع السلطنة ونحن مدينون بالشكر والعرفان لكل من كان له الدور البارز والعمل والجهد المبذول في توثيق الصناعات الحرفية العمانية والتي تعد ذاكرة الوطن، وأضاف الداودي: نحن كحرفيين نواصل مسيرة وطريق الآباء والأجداد في الحفاظ على الإرث الوطني المتمثل في الصناعات الحرفية ومنتجاتها، وقال: ما زال المجتمع العماني متمسكا بمنتجاته الحرفية المحلية الصنع حيث نلقى إقبالا في مختلف الأوقات ومن الطبيعي أن يتزايد الإقبال على شراء المنتجات الحرفية وبخاصة المنسوجات في المناسبات الرسمية والاجتماعية.

مركز إنتاج النسيج

بهدف رفد السوق المحلي بمنتجات نسيجية مطورة تحرص الهيئة على تعزيز الصناعات النسيجية من خلال أنشطة مركز تدريب وإنتاج النسيج اليدوي والتطريز بولاية سمائل يحث يعمل المركز على التدريب الحرفيين على التقنيات الصحيحة والمطورة في صناعة النسيج من خلال إدخال التصاميم والملامح العمانية على صناعة النسيج، وينفذ المركز عددا من البرامج التدريبية بهدف التعرف على الخامات النسيجية وتصنيف خصائصها بالإضافة إلى إعداد مواصفات القطعة النسيجية وتصميمها كما يعطي المركز خلفيات واسعة عن النسيج بأنواعه مختلفة.

الآلات الموسيقية

من منا لا يدرك معنى التفاعل مع الآلات الموسيقية وإيقاعاتها المتنوعة بتنوع آلتها، ولقد عرفت السلطنة حرفة صناعة الآلات الموسيقية منذ القدم حيث توارثت الأجيال هذه الحرفة لتوثق إبداعا فنيا تميزت به السلطنة في إثراء الحس الفني الموسيقي وحول هذا الموضوع يقول صالح بن ثويني العلوي وهو أحد الحرفيين الصانعين للآلات الموسيقية: السلطنة متميزة في صناعة الآلات الموسيقية المتنوعة والمستخدمة في شتى المناسبات الرسمية والاجتماعية، كما أن الآلات الموسيقية العمانية تتفرد بكونها محلية الصنع في جميع مراحل إنتاجها.

وأوضح صالح العلوي بأن الإرث الموسيقي العماني والأدوات المصاحبة له يعد مخزونا فكريا ورصيدا ثقافيا للأجيال القادمة، حيث قال: منذ الأزل والموسيقى حاضرة في مختلف المناسبات، كما أن حرفة صناعة الآلات الموسيقية تعد حرفة وطنية تعاقبت عليها الأجيال في مراحل زمنية مختلفة وستظل هذه الحرف قائمة وراسخة في ذاكرة كل جيل حيث إنها تستمد ثباتها من خلال حرص المسؤولين والقائمين على حفظ وتوثيق الحرف العمانية، وأضاف: نحن نلمس مدى سعي الهيئة وحرصها على الحفاظ على الصناعات الحرفية من خلال حصر وتوثيق كافة الصناعات الحرفية وخامتها ومختلف استخداماتها التي تمتاز بها كل محافظات ومناطق السلطنة.

والزائر لورشة صناعة الآلات الموسيقية للحرفي صالح العلوي يرى أن الآلات الموسيقية العمانية ذات الصنع المتقن تتنوع وتتعدد حسب المناسبة المراد استخدامها فيها وبهذا الخصوص نوه العلوي بقوله: في السلطنة تتنوع الآلات الموسيقية باختلاف المناسبات والاحتفالات المقامة حيث نجد في مجال صناعة الطبول أن هناك الرحماني والكاسر والوقف والمسيندو وكل ما يدخل في حرفة صناعة تلك الآلات الموسيقية هو من البيئة المحلية سواء الأخشاب أو الجلود، أما ما يختص بالفترات الزمنية المستغرقة في صناعة الآلات الموسيقية فهي تختلف بنوع الآلة المصنعة فبعض تلك الآلات لا يستغرق من سوى دقائق وبعضها الآخر تحتاج صناعتها أياما.

وأكد صالح العلوي أن البيئة المحلية كان لها الدور والأثر الأكبر في تشكيل صناعة الآلات الموسيقية العمانية ويتضح ذاك الأثر في مدى الاستدارة والحجم، كما أن المواد المصنعة للآلات الموسيقية مأخوذة من بيئات جغرافية متباينة ومتنوعة وأدى ذلك إلى اختلاف في البنية التكوينية للآلات الموسيقية نتج عن ذلك تنوع في الإيقاعات والفنون العمانية المغناة، وأضاف العلوي: كما نجد أن هناك الآلات موسيقية عمانية مأخوذة من الطبيعة وليس للإنسان أي دخل في صناعتها مثل "اليم" وهي صدفة بحرية تستخدم في كثير من المناسبات الموسيقية.