هؤلاء جاءوا في أوقات عُمان الصعبة أخبار الشبيبة

    • هؤلاء جاءوا في أوقات عُمان الصعبة أخبار الشبيبة

      مسقط - محمد بن علي البلوشي

      مرّت على البلاد وجوه كثيرة من أوروبية وأمريكية، أنيطت بها مهام كثيرة مع بداية تولي جلالة السلطان مقاليد الحكم في السلطنة.. أتى كثيرون في ظروف صعبة ليساعدوا الدولة العمانية في تنفيذ مشاريعها؛ تربوية كانت أو اقتصادية أو عسكرية. كل منهم قضى فترة زمنية وعاد أدراجه إلى موطنه حاملاً معه تجربة بلد، يبدأ الحياة من جديد. وليعيش هناك في ما وراء الشاطئ الآخر للأطلسي ذكرى إقامته وعمله في عمان، وماذا حدث بعد تلك الفترة وكيف كانت.

      شخصيات عديدة عايشت بدايات السبعينيات في السلطنة.. تلك الفترة التي يحل فيها المرء على عُمان فلا يجد شيئا سوى ورشة عمل بدأت تنطلق باسم النهضة. واليوم، تنظر هذه الشخصيات الى التجربة بمزيد من الدهشة والارتياح من حيث القفزة التي حققتها السلطنة، والفارق الكبير لدى معايشتهم الواقع العماني في السبعينيات وما يشاهدونه ويسمعونه عن عُمان اليوم.

      أتى كثيرون الى البلاد حيث لم يكن فيها شيء سوى الفقر والمرض والجهل.. أتوا وعملوا وساهموا مع العمانيين في بناء البلاد.

      من ضمن هؤلاء الذين التقت بهم "الشبيبة" في حوار عادوا به الى خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي معلمة أمريكية وعسكري بريطاني وضعوا لنا شهادتهم أمام القارئ ليصفوا تجربتهم في السلطنة.. تجربة مليئة بالمشاهدات والتفاصيل الصغيرة.

      "أبله امينه"

      لم تتخيل آن فوجل الأمريكية ذات 22 عاما، وهي تحطّ رحالها في مسقط عام 1978، أنها ستكتشف بلداً به الكثير مما يستحق الاهتمام.. بلداً سيتغير خلال فترة زمنية قصيرة، ويصنع قصة التنمية والتحديث الخاصة به.

      جاءت إلى السلطنة ضمن فيالق السلام الأمريكية، التي تأسست في عام 1960 على يد السناتور جون كينيدي (رئيس الولايات المتحدة عام 1961)، وعمل ما يقرب من 200000 من متطوعيها في البلدان المضيفة لهم على قضايا تتراوح بين الإيدز التعليم لتكنولوجيا المعلومات والحفاظ على البيئة.

      آن فوجل تبلغ من العمر حالياً حوالي 54 عاماً، قدمت الى السلطنة في العام 1978، بعد حوالي 8 سنوات من بدء التنمية ومواصلة تأسيس الدولة وبنيتها الأساسية الإقتصادية والتنموية والتربوية والعسكرية.. جاءت إلى عُمان كمدرسة للغة الإنجليزية، حيث قضت 6 شهور في بهلاء لتدريس اللغة الإنجليزية.

      أسمتها الطالبات "أبله امينه"، تيمنا بالاسم الذي يطلق على المعلمة في تلك الفترة.

      وصلت إلى مسقط -كما تقول- صباح يوم حارق ملتهب، ثم انطلقت إلى المنطقة الداخلية، لتقوم بمهمتها في التدريس في قرية بولاية بهلاء، هي الغافات.

      تروي آن قصتها وذكرياتها الرائعة مع الأهالي في هذه القرية، بانفعال وحب. وتقول: جئت في العام 1978 لأعمل معلمة متطوعة للغة الانجليزية، مع فيالق السلام، وكنت مبتهجة جدا للعمل والعيش في عُمان.

      اللهجة العمانية

      لم يكن ذلك شعور آن وحدها، بل شعور أسرتها كذلك: "كانت أسرتي فرحة من أجلي أيضا، وعندما كانت طفلة كانت أسرتي تستضيف العشرات من الطلاب من مختلف دول العالم. وكانت أسرتي سعيدة جدا، فهم يعرفون عني حب المغامرة وحب المعرفة والسفر. وكنت أرسل لهم ولأصدقائي في أمريكا خطاباً كل أسبوع، أصف فيه التجارب التي أمر بها في عُمان. لذا كنت سعيدة أن أعلم وأتعلم المزيد عن عُمان وشعبها، وفي نفس الوقت أيضا كنت قلقة لأنه لم يتوفر لي سوى شهرين فقط لأتعلم العربية لأستخدمها بشكل مقبول في الحديث".

      لم تكن السلطنة الدولة الوحيدة التي سافرت إليها آن، بل ذهبت إلى دول أخرى، ومن بينها دول شرق أوسطية: "في العام 1978 سافرت لأول مرة الى عمان. وقبلها بعامين أو ثلاثة كنت ضمن برنامج التبادل الطلابي، حيث ذهبت الى إيران موفدة من قبل الكلية التي كنت أدرس بها، لويس أند كلارك كوليدج (كلية لويس وكلارك) في بورتلاند، ولاية اوريجون".

      ولم تكن لدى الزائرة الجديدة للسلطنة أية فكرة عن البلاد إلا ما استطاعت أن توفره من قراءات صغيرة: "درست قدر استطاعتي عن عمان، لكن في العام 1978، تعلمت قدر ما أستطيع من خلال الكتب ومن خلال متطوعي فيالق السلام. وقبل سفري إلى عمان درست العربية العمانية (اللهجة المحلية العمانية) بمساعدة العديد من المتطوعين في فيالق السلام. وتدربنا جميعا في الرباط (المغرب) على يد شاب عماني، كان أول شكل من أشكال الاتصال بيننا وبين عمان. وتعلمنا وقتها الأمور الأساسية البسيطة التي تمكنا من التواصل مع الناس".

      وفي المطار استقبلها مسؤولون عمانيون، بالاضافة إلى مسؤولين من فيالق السلام "ورحّب الجميع بي بشدة".

      في مسقط

      وتصف آن لحظة خروجها من المطار عند وصولها مسقط: "أول تجربة مررت بها كانت خروجي من المطار في مسقط وإحساسي بالجو الحار والرطوبة المرتفعة. ملأ الهواء الحار والرطوبة رئتي، والتصقت ملابسي بجسدي. ومن التجارب الأولى كان رؤيتي للميناء وقلاعه البرتغالية (ميناء السلطان قابوس) واقتراب خط السماء من البحر، وخلو المنظر الطبيعي من ناطحات السحاب التي تشوه جمال الطبيعة. كانت السماء صافية زرقاء جميلة".

      و"بدأت أحدق في الدشداشة الجميلة والكمة والخناجر العمانية. وكان الجميع مهذبين، مع بعض الفضول لمعرفة تلك المرأة ذات الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين".

      وتواصل آبله أمينة حديثها عن أولى أيامها في السلطنة: "أمضيت أياما قليلة في مسقط، بعدها خرجت إلى الصحراء في سيارة لاند روفر، عبر نزوى والحمرا، إلى قرية الغافات التي أقمت بها. وأتذكر أني رأيت القرية وأنا على بعد في غمر.. كان المشهد جميلاً، حيث اللون الأخضر لأشجار النخيل، والمنازل الصغيرة المبنية من الطوب "اللبن" تستكين تحت ظلال النخيل. وبعيدا عن خط الساحل، بالقرب من الجبل الأخضر، كان الجو أكثر لطفاً، والرطوبة كانت أقل. كنا نشرب المياه من قارورة من الطين (الجحلة) تكون معلقة على طرف شجرة نخيل، وعندما أحضرت الثلاجة إلى سكننا حلت المشكلة.. وكانت طالباتي يستغربن من عمل مكعبات الثلج في الثلاجة".

      في الغافات

      تتطرق آن فوجل إلى فترة علاقة الناس بالدولة الحديثة التي مضى على تشكلها 8 سنوات فتقول في العام 1978. وفي ذلك الوقت لم يكن الإحساس والشعور بالوطنية قوياً. كان الناس وقتها منحازين بقوة لعائلاتهم ولشيوخهم، ولكن لم يكن هناك ذلك الشعور بأنهم ليسوا جزءا من عمان. وكان كل المعلمين أجانب، لأن عُمان لم تكن قد خرّجت بعدُ أبناءها من المعلمين، لم يكن هناك مدارس ثانوية، وكان الطلاب العمانيون يسافرون للخارج لاستكمال تعليمهم. وكان معظم المعلمين مصريين".

      وتضيف: لم يكن هناك بالطبع هواتف ولا تلفزيون ولا تكنولوجيا حديثة، وكان الناس يسافرون ويتنقلون بالجمال أو بسيارات لاند روفر. ولم يكن في الغافات بنك، وكنت أتعامل مع بنك فى نزوى على ما أظن.

      وتتحدث آن عن يومياتها في الغافات، التي قامت بالتدريس فيها فتقول: "في الغافات كنت أعيش مع معلمتين مصريتين وأخرى أردنية في منزل جديد. وكنّ لا يتحدثن سوى العربية، وكانت لهجاتهن المحلية مختلفة بالطبع عن اللهجة العمانية، التي تعلمتها في الرباط (المغرب). لذا كان أسهل عليّ أن أتحدث مع العمانيين".

      "كنا نستيقظ مبكراً كل صباح ونمشي إلى مدرستنا الصغيرة، التي بناها رجال القرية في يوم واحد من أشجار النخيل والطين. كانت صغيرة جدا، لكنها لطيفة الجو. وما زلت أذكر النسوة العمانيات اللائي كن يعطينني كل صباح القهوة والتمر. وكانت هناك واحدة منهن تربت على كتفي وكأنني ابنتها وتهتم بهندامي ومظهري وتشجعني بكلمات طيبة".

      مشكلة الملاريا

      "أطلق الطلاب عليّ لقب "الأبله" أمينة، أحببت هذا الاسم. وكان طلابي جميعهم من الفتيات من عمر 6 الى 14 سنة. وكانت الطالبتان الأكبر سناً من بين الطالبات هما ابنتا الشيخ عبدالله الهنائي. واحدة كان اسمها شيخة، والأخرى لا أتذكر اسمها. وكانت كل الطالبات فضوليات نحوي لأني كنت أول شخص، رجلا أو امرأة غير عربي وغير مسلم يعيش في القرية. وكان الجميع مهذبين، وأحبوا تحدثي باللهجة العمانية وليس المصرية".

      وتقول أبله أمينة: "أسلوبي فى التدريس جعل الفتيات يحببنني، لم أكن أضرب أياً منهن، وكانت مناهج التدريس المستخدمة من قبل المدرسين العرب مختلفة تماما عما كنت قد تعلمته في الكلية. وعدت إلى استعمال أسلوب التعليم التفاعلي مع الحركة والمناقشات الجماعية. وكان من نتيجة ذلك أن الطلاب أصبحوا يتفاعلون ويسألون. لم أكن أستخدم العقاب البدني في الصف، وهذا شكل مشكلة صغيرة لأن مديرة المدرسة كانت تريد مني أن أضرب الفتيات. لكنني رفضت، يمكننا أن نتعلم معا كجزء من ديناميكة المجتمع. واحترمَت الطالبات ذلك فيّ، وكنّ جميعهنّ مهذبات ولديهنّ رغبة في أن يتعلمن".

      "كانت الملاريا هي المشكلة في ذلك الوقت، وأتذكر إصابة طالبتين بها، وإبقائهما في الشمس خارج المنزل حتى تحترق الحمى، وقتها كان هذا هو العلاج، حيث لم يكن هناك أي مستشفي أو عيادة قريبة".

      طرق التدريس

      أما عن الخدمات في البنية الأساسية في تلك المنطقة فتقول: "كانت القرية وقتها على أول الطريق نحو التحديث، لم يكن هناك طرق أو شوارع، وكانت الكهرباء من المولدات فقط. لكن حكومة السلطان قابوس التفتت إلى الغافات التفاتة كريمة، وبنت مدرسة حديثة للأولاد ورصفت الطرق وبنت سكناً جديداً للمعلمات".

      وتصف أول يوم لها في التدريس فقالت: "منذ اليوم الأول، وعندما وجدتُ أن غرفة الدراسة مبنية من النخيل أدركتُ أنه عليّ أن أكون مبدعة في التدريس، فلا موارد تعليمية متوافرة ولا كتب. عرفت أيضا أن الفتيات وقتها كنّ يبدأن تعلم اللغة العربية، وبالطبع الاهتمام باللغة الأم كان أكبر من الاهتمام بتعلم الانجليزية. لذا ركزت على تدريس الانجليزية المستخدمة في الحوار والمحادثة، وركزت على تعديل طرق التدريس لتتناسب مع الوضع الموجود".

      "وكنت أدرس للفتيات فقط، وكان هناك احتكاك محدود مع الطلاب. وفي البداية سألتني الطالبات عن كيف سمح لي والداي أن أسافر بلداً بعيدة بمفردي وأنا عزباء. وقلت لهم إن الفتيات قبل الزواج اعتدن في بلادي على السفر لبلاد بعيدة والعمل هناك، كما سألنني عن عائلتي وديني وكانت الطالبات يتابعن ما أقوم به من نشاط مثل المشي والجري، وساعدتني الفتيات على تعلم اللهجة العمانية أكثر، وكنت في المقابل أعلمهنّ الانجليزية، فكان جواً من المرح والتعلم أسعد الجميع".

      حياة بسيطة

      تتحدث أبله أمينة عن تعامل آباء الطالبات معها فتقول: "كان آباء الطالبات عطوفين جداً معي، وكانت الأمهات يرسلن لي هدايا صغيرة مع الطالبات مثل التمر والليمون والفاكهة أو صور صغيرة".

      لم يكن لدى الآباء معرفة واسعة بالجغرافيا، وكانوا يعتقدون أني إنجليزية، ولست أمريكية، طالما أني أدرس اللغة الإنجليزية "أوضحت أنني أمريكية، ولكن لا أعتقد أنهم فهموا. وبالنسبة لي هذا لا يهم فقط لأن الصداقة أهم من ذلك".

      أما عن تعليقها على تجربتها الحياتية والاجتماعية والثقافية فقالت: "كانت الثقافة العمانية مختلفة جدا، رغم هذا كانت ثقافة مضيافة. ارتديت قمصانا بأكمام طويلة، وتنورة طويلة وغطيت رأسي. وأعطتني بعض النسوة بعض الأغطية الملونة لأغطى بها رأسي. وعندما كنت أتناول الطعام مع أناس من القرية، وكانت بالطبع عادات الطعام مختلفة، لكن الجميع يبدون صبرا في تعليمي عادات الطعام العمانية. وبسبب حرارة الجو كنا نستيقظ مبكرا ونعمل حتى وقت الظهيرة ونرتاح قليلا، ثم نعود للعمل مرة أخرى".

      وتستطرد قائلة: "في العام 1978 كانت الحياة بسيطة بطيئة الوتيرة. وكنت أجلس مع المعلمات وبعض نساء القرية حتى وقت متأخر من الليل نتسامر. وقتها لم يكن هناك كهرباء، فكانت صفحة السماء أروع ما يكون في الليل. وفي ليلة أخبرتهم أن أمريكا أرسلت رجالاً إلى سطح القمر، لم يصدقني أحد بالطبع. ظنّت النسوة أني أمزح. بل وطلبن مني أن أعيد عليهن تلك الحكاية أكثر من مرة".

      كسوف الشمس

      وتضيف: "في عُمان كان اتصالنا بالرجال قليلاً حسب ثقافة المجتمع، وبالرغم من ذلك فقد تمّت دعوتي واثنين من الأجانب إلى منزل أحد وجهاء القرية. ومن خلال الحديث شعرتُ أنه يريد لبناته أن يصبحنَ معلمات كذلك، ويعلّمن النساء في القرية لا أن يتزوجن في سن مبكرة ويتركن الدراسة، كما كان يحدث لبعض طالباتي هناك.. كان ذلك تحولاً جيداً في المجتمع".

      "أتذكر كذلك وقوع كسوف للشمس في عُمان، وقتها خاف الناس بشدة، وفزعوا بعدما أظلمت السماء لمرور القمر بين الأرض والشمس، وبدأ البعض يصلي وبعضهم خرجوا من بيوتهم، لم يكن الناس آنذاك يفهمون ما يحدث".

      "كانت الوجبات أيضا بسيطة. كانت المعلمات المصريات يطهين الكثير من الفول والأرز، وكنت أشاركهن الأكل أحيانا. وكان الطعام المفضل لديّ هو التمر والفواكه الطازجة. وقدمت الطالبات لي العديد من أنواع التمر، التي لم تكن متوافرة في أمريكا. وكنت أحب القهوة مع الحلوى".

      أما عن أصعب ما كان يواجهها ولحظاتها فتقول: "أصعب ما كان في إقامتي في الغافات هو عدم التحدث بالانجليزية كما اعتدت، ورغم أن الطالبات كنّ يدرّسن لي العربية، كنت أحنّ إلى الحديث بالانجليزية. وكانت الفرصة الوحيدة لأتحدث الكثير جدا من الإنجليزية هي عندما أزور بعض الممرضين والمعلمين في فيالق السلام في مسقط. بخلاف ذلك كنت أستمتع تماما بالعيش في مسقط".

      وعندما سألتها عمّا إذا كان هناك تواصل بينها وبين أهالي الغافات قالت أبله امينه: "للأسف ليس هناك الآن تواصل بيني وبين أي أحد من الغافات. لكني أتمنى أن أزور أحداً هناك أو أراسل أي أحد من أهلها".

      تحيات وشكر

      زارت ابله امينه خلال إقامتها في السلطنة نزوى والحمراء ومسقط. وهي تتمنى أن تزور السلطنة مرة أخرى فتقول: "أتمنى أن أعود مرة أخرى لعُمان مع زوجي وابني البالغ من العمر 16 عاما وابنتي البالغة من العمر 10 سنوات".

      وعن أية أحداث كانت تسمعها في السلطنة في تلك الفترة قالت: "وجهتنا الحكومة الأمريكية ألا نسافر إلى الجنوب العماني، بالقرب من اليمن، بسبب الصراعات المحتملة هناك، والخطر الذي قد نتعرض له".

      ولا زالت أبله امينه تتذكر أسماء بعض الأهالي في البلاد، لا سيما في الغافات، القرية التي عملت بها فتقول: "أتذكر اسم الشيخ عبد الله الهنائي وأتذكر الأسماء الأولى لبعض تلميذاتي، مثل موزة وحمامة".

      وتضيف قائلة: "بعد انتهاء المدة التي عملت خلالها في عُمان وعودتي لأمريكا لم أتمكن من زيارة عُمان مرة أخرى. لكني أعلم أنه خلال العقود العديدة الماضية تغيرت عُمان كثيرا، وتوافرت بها التكنولوجيا الراقية والخدمات الصحية المميزة والعمران وصارت تتمتع ببنية أساسية قوية. وأتمنى ألا تكون روح الصداقة والطيبة عند الشعب العماني تغيرت".

      وتضيف: "في عُمان الآن مدارسها ومعلموها ومعلماتها ونظامها الخاص من المدارس العامة والجامعات. وهو أمر رائع أن تتغير الدولة هكذا بتلك السرعة تحت قيادة حكومة قوية وحكيمة".

      وتتحدث آن في ختام حديثها قائلة: "أعتقد أن أفضل طريقة يحل بها السلام في العالم كله هو أن نجعل الشعوب وخاصة أجيال الشباب، تمتلك الفرصة لأن تتعرف على ثقافات وشعوب أخرى. والآن، أبنائي مهتمون جدا بالسفر، ونحن كأسرة نستضيف الكثير من الطلاب من دول مختلفة في بيتنا في سياتل، في ولاية واشنون".

      وقدمت أبله أمينة كلمة شكر قائلة: "أود أن أرسل خالص شكري لكل الشعب العماني الذي رحب بي عندما كان عمري 22 عاما قادمة من مكان بعيد جدا. وأعبر عن عميق امتناني لكل الود وروح الصداقة التي رأيتها من الشعب العماني. وأود أن أرسل خالص التحية للسلطان قابوس وللشعب العماني في يوم النهضة الأربعين".

      عمان لعبت دوراً في الشؤون الإقليمية

      يبلغ المقدم (اللفتنانت كولونيل متقاعد) واتسون باتريك من العمر حالياً حوالي 70 عاماً، وقد أتى لأول مرة الى السلطنة عام 1958، قبل حوالي 52 عاما، في عهد السلطان سعيد بن تيمور والد جلالة السلطان المعظم، حيث يقول عن مجيئه: "أتيت لأول مرة إلى سلطنة عمان عام 1958 أثناء صراع الجبل الأخضر".

      ويصف باترك واتسون التنمية في البلد في تلك الفترة بأنها كانت محدودة، وكان المطار الرئيسي موجوداً بجوار الوادي الكبير في بيت الفلج.

      أقام باترك لفترة محدودة في البلاد، ثم رجع للعمل في مكان آخر في العالم كما يقول: "في تلك الأثناء كنت أعمل في مكان آخر من العالم مع الجيش البريطاني. ثم عدت الى عُمان عام 1981 إلى بيت الفلج للعمل كضابط أركان في وزارة الدفاع. ولذلك فقد شعرت بعظيم الدهشة والسرور عندما رأيت التطور الكبير الذي حدث منذ أن كنت في عُمان آخر مرة عام 1959، وبصفة خاصة منذ انطلاق النهضة المجيدة في يوليو عام 1970".

      فترة حساسة

      ويصف الضابط البريطاني تلك الفترة من عُمان بأنها كانت فترة حساسة جدا فيقول: "في أوائل سبعينيات القرن الماضي كانت بعض القلاقل في ظفار، وكان للمملكة المتحدة شرف الشراكة مع السلطنة وحلفائها الآخرين في إنهائها، كان وقتاً حساساً في تاريخ عُمان، وهو مؤشر على الحاجة إلى وجود قوات دفاع وأمن فعالة كإطار عمل تستطيع التنمية أن تحدث من خلاله. ومنذ ذلك الحين، ومع تطور مجلس التعاون الخليجي، لعبت عمان دورا حيويا في الشؤون الإقليمية، بالإضافة إلى كونها قوة كبيرة للخير على الساحة العالمية" على حد تعبيره.

      ويضيف الضابط البريطاني في تناوله المختصر عن فترة وجوده في عُمان ومشاهداته عن المراحل التي قطعتها البلاد في تطورها وتنميتها: "لقد كنت محظوظا بالعمل في بيت الفلج ثم بعد ذلك في مكتب رئيس أركان الدفاع في معسكر المرتفعة لمدة أحد عشر عاما، وأثناء هذا الوقت شهدت نموا ثابتا داخل قوات السلطان المسلحة وتطورا في السلطنة ككل، وكذلك الانتقال التدريجي للعمانيين إلى الوظائف في الإدارة العليا التي كان يشغلها في السابق مستشارون وافدون".

      العودة للسلطنة

      في عام 1995 عاد واتسون الى عُمان ليشغل وظيفة في طاقم نائب رئيس الوزراء للأمن والدفاع آنذاك، ثم بعد ذلك في مكتب الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع حتى تقاعده عام 2005.

      يقول واتسون: "أثناء هذا الوقت، وتحت قيادة صاحب الجلالة السلطان، سار التقدم في التنمية على قدم وساق في ظل قيود ميزانية مرتبطة بسعر النفط، ولكن مع التأكيد الواضح على رفاهية الشعب من حيث الصحة والتعليم والإسكان والمرافق والاتصالات، والحاجة إلى تطوير اقتصاد متنوع. وفي نفس الوقت كان هناك توجه واضح نحو موازنة احتياجات بناء بنية أساسية حديثة والحفاظ على تراث عمان الرائع. وانطباعي هو أن هذا التوازن تم تحقيقه بلمسة من الجمال، وهو أحد الأسباب التي جعلت من سلطنة عمان إحدى الوجهات السياحية المحبوبة".

      فوق ذلك كله يرى الضابط البريطاني بحكم تجربته في عُمان وعمله لسنوات طويلة واقترابه من العمانيين، وهو الذي يتحدث العربية بشكل جيد جدا أن أفضل ما تمتلكه عُمان هو شعبها فيقول: "لكن أعظم الأصول (أي الموارد) التي تمتلكها سلطنة عمان هو شعبها، ولا أعتقد أنني قد قابلت أبدا أي أوروبي زار عُمان ولم يكن قد أعجب بشكل كبير بالود والمجاملة والكرم الذي لاقاه في تعامله مع الشعب العماني. هذه الخصائص الوطنية ومعها الطبيعة الجميلة المتنوعة في سلطنة عمان تمتزج معا لتجعل من عمان واحداً من أفضل الأماكن في العالم سواء للعمل أو للترفيه".

      وحول تواصله الحالي مع عُمان كونها البلد الذي يمثل ذكرى خاصة له فيقول واتسون: "أما وقد حظيت بشرف العيش في السلطنة لما يزيد على خمسة وعشرين عاما، فقد أصبحت أنا وأمثالي كثيرون ممن عملوا هناك قادرين على الحفاظ على التواصل تحت رعاية الجمعية العمانية البريطانية ورابطة قوات السلطان المسلحة، وعلى الرغم من خلفياتنا المتنوعة المختلفة، فإننا لدينا جميعا شيء واحد مشترك وهو الميل الشديد الى سلطنة عمان وشعبها والفخر بإنجازاتها على مدى الأربعين عاما الماضية".


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions