مُقدِّمة :
كيف يستطيع المرء أنّ لا يكتُب ...بل وكيف يعيش من امتهن الكِتابة دون أن يخط ولو جُملة تختصر ما بِه?؟
تساؤلٌ يُثيرني ... أن تنسحب الكِتابة من حياتك شئٌ مُختلِف من أن تسحب نفسك منها? الشِّعر سئِم منِّي ? وملّ مُصاحبتي..فـ ألصقتُ نفسي بالثّرثرات اليوميّة أو رسائِلي لـ سيّد الغياب.. أو كتابة هواجسي.. الكثير مما أكتب في الفترة الأخيرة لا أنشره..!

*****
مدخل :
المِحن تصقُل النّفس ? فبعد أن نُشفى من بعض الجِراح ? _ وقد لا نكون شُفينا تماما_ نتأمّل كيف واجهنا تِلك المِحن..؟عن نفسي بعد مُضي أكثر من سنة .. وبعد مرارة ما زلتُ استشعرها في حلقي حتّى الآن .. أشعرُ بالفعل أنّ الضّربة الّتي لا تقتل تقوِّي...الخارجون من المعركة _ كما يقول باولو_إمّا يعودون محمّلين على دروعِهم وإمّا يعودون أقوىٍ...وثمّة صِنفٌ ثالِثٌ يعود حيّا ميتا ..

كلّنا يتامى حُلمٍ ما ?كلّنا ذقنا مرارة الانكسارِ .. مهما اختلفَ الحُلمُ .. وسُبل تحقيقه.. ننكسرُ نفسيّا.. ينحدِر بِنا موت الحُلم نحو قِعرِ عميق لا نُدرك قراره.. فـ إمّا أن نتنبّه لما نحنُ عليهِ ولو بعد حين أو يبتلعنا عُمقٌ لا قرار له ...نُدرِكُ بعد أن نفيقُ من غيبوبة الخُذلان/الانكسار على سريرِ العجز منطرحين أنّنا أجهدنا أنفسنا كثيرا.. و آن الآوان لنستعيد أنفسنا.. نلتفِتُ ...حولنا كلّ شئٍ مُبعثر... والكثير من الموجودات فقدت ألوانها ورونقها .. نبدأ من جديد .. وكثيرا ما نتوقّف..نلتقطُ أنفاسنا الّتي أجهدها حُزن الفقد..نبكي على ما آل إليهِ وضعنا.. لكن نستمر في ترتيب الموجودات.. نُعيدُ ترتيبها على مقاسِ ذواتِنا هذِه المرة..نستغرِقُ وقتا طويلا نعم..تنتكس حالتنا عادةً .. فـ نرتمي نلعنُ الوفاء والإخلاص .. لكن سُرعان ما نقِف ثانيةً نمسح دموعنا ... ويحدُث أن نترُك الأشياء كلّها مُبعثرة كما هي .. نهرُبُ من أنفسنا.. فنملؤها بأشياء أُخرى مُحبّبة إلينا .. نحشرها بين فوضى الماضي .. حينها نستشعر الأشياء المحبّبة بشكلٍ لحظيٍّ فقط.. وبعدها تتماهى مع فوضى الموجودات فتفقد رونقها كغيرِها من الأشياء المُبعثرة .. يحدُث هذا كثيرا..عندما لا نُرتب ذواتنا بعد موتِ أحلامنا .. ونهرُب منها لـ نحشر أنفسنا ثانيةً بأحلام جديدة جميلة .. أو توجِّهُ محبّب ..هُنا تحدُث فجيعة أُخرى .. إذ أنّنا لم نُهيئ أرضيّة أرواحنا ومشاِعرنا وأنفسنا كما يجب لم نُرتِّب أنفسنا بعد لأحلامٍ جديدة .. ومُمارساتٍ طبيعيّة .. فحتّى القِراءات.. الكُتب.. الأمور الثّقافيّة أو أي شئ آخر مُحبّب للرُّوح .. ما أن نكثّفهُ في حالِ موت حُلمٍ ما .. دون أن نتخلّص من آثارِ ذلِك الحُلم .. و دون أن نُعيد ترتيب ذواتنا سـ ينقلب علينا المر ذات يوم?

أن نهرب من ذواتِنا .. ونتركها مُبعثرة .. ونلجأ لأشياء أُخرى نُمارِس من خلالها لعبة الحياة الطبيعيّة .. ومُطاردة الفرح الشّارِد الّذي تشبّت بأسمالِ الحُلم الّذي وافته المنيّة .. قمّة الحماقة .. أولى الخطوات بعدما نستوعب صدماتنا وانكساراتِنا هي ترتيب ذواتنا .. هي الإلتفات لأنفسِنا قبل أن نُحاول إلهائِها وإشغالِها بالموجودات.. أن نتصالح معها .. وأن لا نقرِّعها أو نُحمِّلها ذنبا لم تقترِفه.. أن نتصاحب مع ذواتِنا .. نُحبّها .. ونمنحها ما قاسمناهُ الحُلم وكانت هي أولى بِه بعد أن نُعيد ترتيب الأشياء في دواخِلنا .. ونمسح غُبار الحُزنِ عنها .. ونُهيّأها لحياةٍ طبيعيّة .. نستطيع حينها أن نؤثِّث الرُّوح دونما آثارٍ مستقبليّة.. دون أن يطفو القرف والحُزن على السّطح.. دون أن تفقد الموجودات المحبّبة رونقها ..دون أن يتداخل فقدُ الماضي بفرحِ الحاضِر وينتج عنهُ أبشع الشاعِر الذتي تُفقدك الحِس بكلِّ شئ .. تُفقدك القُدرة على الوصول لعُمق الإحساس .. تجفُّ حينها ينابيع الحِس .. وتتحجّر المشاعِر .. لا شئ يُثير .. أو ينطبع على الرُّوح .. فلكي تتجنّب إنطفاء الموجودات في روحك... حاول أن تُرتِّب نفسك دائِما قبل أن تُقحمها في أشياء مُحبّبة ، لكي لا تفقد نفسك ، ولا تفقد الأشياء المُحبّبة أو الأحلام الجديدة رونقها .. وتنطفئ سريعا قبل أن تتوهّج ...لا تورِّط نفسك بحشرِ الجمالِ والجرحِ معا .. حينها سـ تختلط عليك المشاعِر . وسـ تُقرفك الحياة ... وتتمنّى أن تنتهي بِك سريعا إلى أقربِ فُرصة موت...

مخرج:
كلّنا يتامى أحلامِنا ? فلا ننهار لحُلمٍ مهما كان عِظمه ، وقُربه لأرواحِنا وأحلامِنا ...فالمُخيلة الّتي حوت ذلك الحُلم قادِرة على استيعاب غيرِه .. فقط فلنتعلّم كيف نُهيّأ أنفسنا أكثر .. وكيف نؤمن أنّ ما بين أيدينا اليوم قابِل للزّوال في أيِّ لحظة.. حينها سـ تحتضن أنفسنا أحلاما متعدِّدة .. منها نتعلّم الكثي .. ونخرُج من الحياة بنتائِج أكثر!مع حبِّي للأحلام!

11:54 صباح الحُلم / الأربعاء
4 أُغسطس 2010-08-04


المصدر : مدونة بدرية العامري