"اليأس من الوردة".. تجديد وتحديث في القصيد7

    • "اليأس من الوردة".. تجديد وتحديث في القصيد

      بيروت- الشبيبة

      في جديده الشعريّ "اليأس من الوردة»، يُثبت الشاعر محمد علي شمس الدّين مجدّداً، كما أثبت في دواوينه السابقة، أنّ القصيدة العربيّة ما زالت بألف خير، وأنّ تحديثها من الداخل هو الأصحّ، لأنّ المطلوب تحديث القصيدة العربيّة؛ وأن الحداثة في الشعر لا تقتصر على الشكل، وهي في الجزء الأكبر منها مضمونيّة، وتشمل اللغة بحدّ ذاتها.

      وطريقة التعبير يكون بما فيها من أسلوب وخيال وعاطفة، وقدرة على اجتراح الهزّة الشعريّة الاستثنائيّة التي لا قصيدة من دونها، وخير إثبات ودليل على هذا النوع من الحداثة الموفّقة قصائد شمس الدّين وعدد من شعراء لبنان والعالم العربي، ويستهلّ الشاعر يأسه من الوردة بمطوّلة شعريّة كتبها بين العامين ٢٠٠٠ و٢٠٠٨، عنوانها «أرسلتُ غزالاً نحو الشمس» (دموع الحلاّج)، ويورد في بدايتها، وفي مواضع أخرى منها، أبياتاً حلاّجيّة ترضي، حسب الناقد اللبناني قزحيّا ساسين، نزعة شمس الدين الصوفيّة، وأوّلها: «يا نسيم الرّوض خبِّر للرّشا / لم يزدني الورد إلا عطشاً». وهذا الكلام بوصلة ترسم اتجاهات القصيدة التي تفتتح مشهدها الأوّل مع شاعر يرفع جرار دموعه إلى الله معيداً له الأمطار، جاعلاً الغوث من حصّة السماء والحزن من نصيب الشعراء: «فإنّ الغوث يعود إليك / والحزن يعود إليّ». وكيف لا؟ وينابيع الأرض لا رَحِمَ لها تطلع منه سوى ألم الشاعر الذي يكتفي بألمه قرباناً لجمال خالقه، وكم هو شمس الدّين بمنتهى صدقه الإنساني وشفافيّة لغته الشعريّة الصعبة حين يقول: «فأنا لست قويّاً / حتّى تنهرني بالموتْ / يكفي أن ترسل في طلبي / نسمة صيف فأوافيكْ». ويعلّق الناقد اللبناني: فلا داعي للموت بين الله والشاعر، واجتياز المسافة المثقلة بالحنين الموشومة بالشّوق بين الأرض والسماء، يكفيه جناحيْ نسمة صيف بدلاً من عاصفة سوداء تخطف نَبْت اللحم والدم من حقول الحياة، وتهزّ بعنف شجرة اللغة فتسقط مفردات الموت على بساط الفجيعة، وإذا كان لا بدّ من موت، فأجمله في الله كما أن أجمل الحياة فيه، وليست الآلام إلا فضّة مرآة تبوح بجمال الله: «هذا ألمي / هذا ألمي/ خفِّف من وقع جمالك / فوق فمي».

      ويستمرّ الشاعر معتمراً تاج الدمع ومرتدياً عباءة جروحه، وبعد الإقرار بالألم يأتي إعلان الأسباب وما يجعل فيض دمه في العنب بديلاً من النبيذ: «أسأل عمّن يسقيني الماء / فلا أسمع / غير طنين ذباب الأعراب/ على الكتب»، فهل صار الشرق حقّاً وأبداً مولود الصحراء عبثاً ينشد صوته ونجمته، والعرب مجرّد طنين ذباب على الكتب؟! يعلن شمس الدين شرود العقل العربيّ وجنون اللغة والشّعر بحرقة صوفيّة، وهو على يقين مسبق بأنّ رأسه على موعد لا يخطئ مع المقصلة: «وسأُقتل / أعلم / يقتلني الأمراء / وأُصلب / ما بين اللدّ ومكّة والنّقب». ولافتٌ أنّ الشاعر لا يلوذ بأنهار الدموع مكتفياً بواجب البكاء، إنّما هو يرفع الصّوت مسوّراً بدمعه الشاهق على نبل والتزام بمآسي شعبه، وإيمانه بأنّ الإنسان الهارب من وجع أخيه الإنسان لن يرى الله يوماً وجهاً لوجه: «من لم يعرف / وجع الإنسان / وغربته في الأرض / فلن يعرف ربّه». ومن نافذة الوجع العربي ينظر شمس الدّين الى الشمس، فيراها: «.. مرّة أخرى / مقنّعةً / ويحجبها الجراد». وما أقسى الجراد الطالع من ثقوب عباءات العرب نحو الله! وأمام هذا الواقع المفجع يبحث الشاعر عن بطل، أو عن البطل فيه، ليكون القائد والفادي المستعدّ للصّلب بلا تردّد: «كيف أعيدهم للضوء ثانيةً»... ويلاحظ الناقد أنه تحت وطأة الليل العربيّ المزمن، تزور الرؤيا شمس الدين ويعلنها، على رغم خوفه من إخوته الذين لن يكونوا أفضل من إخوة «يوسف»، ولن تكون بئرهم أكثر رحمة وأقلّ عمقاً: «رؤيا أخاف إذا ما قلت سيرتها / من إخوتي أن يخونوا أو يكيدوني/ فأكتم حكايتها في القبر يا أبتِ، فالورد ينبض في أصل البراكينِ». إذاً، إنّ أملاً، ولو بعيداً، يجود ببعض من مائه لعطش الشاعر، والأرض حبلى ببراكينها وتلد في زمان مفاجئ، والورد يطلع على فوهة بركان، وبعض النار أكثر انتساباً إلى الماء من الماء نفسه. وهكذا يخالف الشاعر، كما يرى ساسين، دلالة عنوان ديوانه «اليأس من الوردة»، ويرى وردة البركان ذات عطر وحده يذهب باليأس، ويثبت الحياة حياةً، لا احتمالاً، ليصير الماء ذا قدرة على إلقاء العطش وظلاله خارج الإنسان، بدل أن يبقى سبباً أوّل من أسباب العطش على سنّة الحلاّج: «لم يزدني الورد إلا عطشا». وفي هذا السياق التفاؤلي يواصل شمس الدّين إضاءة وروده على شرفات الفجيعة العربيّة مبصراً قميص الحلاّج يزهر، وإبرة الموت طالعة من جبينه: «تطلع من جبينك / إبرة الموت العميقة/ حرّةً / مكسوّة بدم الحياة».. والسؤال الواحد الذي يبقى في ممرّ الانتظار المضاء بالأمل، من هو البطل الآتي: «من ذا / هو الرّجل الملثّم بالنبوءة / والمعمّم بالنّهار؟». وفي نهاية مطوّلته الحلاّجيّة الوجع، لا يخفي شمس الدّين أنّ المخلّص المرتقب أمسى على قرب: «ينأى ويقرب مجلوّاً ومستتراً / كالغيب، أجمل ما في الغيب ما فيه».

      وينطلق الشاعر في مياه شعريّة خاصّة جدّاً بحّار عدمٍ يغنّي: «أنا صيّاد العدم / أسحب كلماتي على الشواطئ خلفي / كجثث الأسماك الميتة».. غريبٌ هذا الصيّاد يسوق مفرداته قطعاناً على الغمر، ويرفع عراء اللغة راية له، ويحاول نقشاً فرعونيّاً على لحم الدنيا بمناقير الكلمات. يسوق شمس الدين اللغة في مراعي الوجد، حيثُ عشبٌ ينبت مستجيباً لمشيئة الروح، وحيث أوطانٌ خرافيّة الجغرافيا، لا يفتح بوّابتها القصيّة إلا قلم شاعر. يعرف شمس الدّين أنّ الحكمة سمُّها منها وفيها، فيخاطب سقراطه الموجوع: «يا سقراط / في قاع الكأس/ ترسب قلب الحكمة/ مجموعاً/ في قطرة سمّ.. / يا سقراط/ هل من شأن الحكمة / أن تقتل نفسك؟».

      ويعتقد الناقد ساسين أنه في اتجاهه إلى البناء الشّعري الكلاسيكي يظهر شمس الدّين ممسكاً اللعبة على مستوى رفيع ونادر، وكلاسيكيُّ شعره حديث بشهادة اللغة والسّبك والقدرة على توليد ظلال للمعاني جديدة.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions