* الحراصي : يمكن الاستعانة بالحساب الفلكي لا أن يكون هو الأصل بدلا من الشرع.

مسقط - ش

يستعد العالم الإسلامي لاستقبال شهر رمضان المبارك، وينتظر المواطنون والمقيمون إعلان ثبوت رؤية الهلال أو عدمه ومن ثم دخول شهر الخير والرحمة، وتأتي السلطنة ولله الحمد في طليعة الدول الحريصة على مسألة استطلاع الأهلة، وفي هذا التحقيق سنأخذ القارئ الكريم إلى ثلاثة جوانب متعلقة بالأهلة: الجانب الإداري والشرعي والفلكي.

كيفية الاستعداد لاستطلاع رمضان؟

بداية التقينا مستشار وزير الأوقاف والشؤون الدينية لشؤون الحج عضو اللجنة الرئيسية لاستطلاع الأهلة الشيخ ناصر بن محمد الخروصي وسألناه عن الاستطلاع في السلطنة الذي ليس وليد اليوم والليلة، بل هو نظام متوارث وأصيل مستمد من قيم هذا الدين، هل يمكن أن تطلعنا على الاستعدادات في هذا الشأن؟

فأجاب: تستطلع الوزارة الأشهر القمرية على مدار السنة من خلال اللجان المنتشرة في بعض محافظات وولايات السلطنة، ويكون لشهر رمضان وخروجه ميزة أخرى في الاستطلاع، إذ الجمهور وكافة المؤسسات توليه اهتماما بالغا وأهمية خاصة، والوزارة تحث المواطنين بالتعاون معها لإبلاغهم عن الرؤية أو عدمها، فأبوابها مفتوحة للجميع، وأرقام الهواتف متوفرة حسب ما هو معلن عنه.

الجديد في استطلاع هذا العام

وفي سؤالنا عمَّا هو الجديد في هذا العام من حيث الاستعدادات والتجهيزات؟

أجاب المستشار قائلا: الجدير بالذكر أن الوزارة استعدت لاستقبال شهر رمضان المبارك استعدادا تاما من ناحية مشاركة محافظات وولايات السلطنة والإعلان في جميع الصحف المحلية وفي التلفزيون والإذاعة لحث المواطنين والمقيمين على المبادرة في الاستطلاع.

والجديد الذي يمكن ذكره في هذا العام أن الوزارة ولله الحمد ستدشن بدخول شهر رمضان المبارك جهازا متنقلا خاصا برصد الأهلة موازيا للجهاز الموجود في جبل شمس، وسيكون استقراره في المكان الذي نرى فيه أن الأجواء صافية ومواتية.

والجديد أيضا أنه سيتم انتشار (25) فريقا مع لجان المحافظات والولايات وميزة هذه الفرق أنها ستكون متحركة وغير ثابتة في مكان واحد معتمدةً على نقاوة وصفاء الجو، وتتكون من واعظ وإمام مسجد وخبير من الجمعية الفلكية العمانية.

أدوار المؤسسات المشتركة في الاستطلاع

وسألناه عن المؤسسات المشتركة في الاستطلاع، هل يمكن أن تُعرفوا القارئ بالأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات؟فرد قائلا: عدة جهات مشتركة في هذا الأمر ويمكن أن نخص بعضها بالذكر كوزارة الإعلام ووزارة العدل ووزارة الداخلية، فوزارة الإعلام من تلفزيون وإذاعة تنقل الحدث للجمهور من داخل السلطنة وخارجها على الهواء مباشرة بجانب دورها قبل الحدث في حث المواطنين والمقيمين على الاستطلاع والإبلاغ عن الرؤية. ووزارة العدل ممثلة في القضاة دورها كبير في هذا الشأن إذ يتحقق القضاة من بلاغات المتصلين، أما وزارة الداخلية ممثلة في أصحاب السعادة الولاة فدورها الإشراف على اللجان الفرعية وتلقي البلاغات وتمحيصها ورفعها إلى اللجنة الرئيسية، ونشكر جميع من يساهم في هذا الصدد.

الصيام منوط برؤية الهلال

وحول الجانب الفقهي التقينا خبير البحوث والدراسات بمكتب الإفتاء د.سلطان بن محمد الحراصي وسألناه فقهياً كيف يتم التعامل مع البلاغ برؤية الهلال؟

فأجاب: من المعلوم أن الصيام منوط برؤية الهلال، وهذه الرؤية تثبت بشهادة عدلين، أو بالشهرة فيترتب على كل من ذلك الصيام، إلا أن هذا البلاغ برؤية الهلال لا بد من أن يكون من شخص عاقل بالغ عدل في دينه، وهنا يمكن أيضا الاستعانة بالحساب الفلكي ولا أن يكون هو الأصل بدلا من الشرع، وهذه الاستعانة قد تكون برد الشهادة عند وجود اليقين باستحالة رؤية الهلال، كمن يشهد برؤيته في غير مطلعه أو في بداية ولادته مع كثرة الغيوم، وهذا الاعتماد نظرا إلى التطور الكبير الذي وصل إليه علم الفلك حديثا.

التعامل الفقهي في حالة صعوبة الرؤية

سؤالنا الأخير له كان حول: رؤية الهلال هذا المساء تتراوح إمكانية الرؤية بين ست دقائق في بعض الولايات إلى إحدى عشرة دقيقة في ولايات مما يعني صعوبة بالغة في رؤية الهلال، كيف تنظرون إلى هذه الحالة فقهياً؟

فقال الحراصي: الصيام والإفطار منوطان بالرؤية الشرعية، بدليل قوله – صلى الله عليه وسلم –: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"، والصيام كالصلاة من حيث إنه قد نيط بأمر طبيعي توقيتي، فلكل صلاة وقت محدد، وكذا لكل بلد مطلع محدد، يرى من خلاله الهلال، وعليه فإن تمت رؤية الهلال في هذه الدقائق المحدودة والمعروفة فلكيا في بعض ولايات السلطنة، كان ذلك إيذانا ببداية شهر الخير والبركة (رمضان)، إذ يقدم الشرع في الإثبات لأنه الأصل، ويُعمل بعلم الفلك في النفي كوسيلة متطورة حيث الاستئناس به نظرا لبلوغه درجات عالية من الصحة والمصداقية.

رؤية الهلال غير ممكنة بالعين

وحول الجانب الفلكي التقينا رئيس الجمعية الفلكية العمانية د.صالح بن سعيد الشيذاني وسألناه: من خلال مدة المكث القصيرة هذه بتقديركم ما هي الإمكانية لرؤية الهلال؟

فأجاب قائلا: رؤية الهلال غير ممكنة بالعين في مثل هذه الظروف وحتى من خلال المنظار، حيث لم يسبق أن شوهد الهلال في مثل هذه الظروف.

سيكون هلال غدا كبيرا

وأردنا معرفة: في حال عدم رؤية الهلال هذا المساء- وهذا هو المتوقع- سيكون هلال مساء غدا كبيراً، ويذهب بعض الناس عندما يرونه كذلك إلى أنه هلال أمس، ما الذي يمكن قوله في هذه الحالة؟

فأجاب بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" هو اليوم الذي رأيتموه فيه"، القمر جرم سماوي يدور في مداره ولا يتوقف فتراه يتحرك شرقاً باستمرار متجاوزاً النجوم والكواكب القريبة منه، فلذا هو في حركة دؤوبة تحتم أن يظهر مرتفعا في اليوم التالي وواضحاً جليا لوقوعه خارج منطقة الغبار والوهج الشمسي ولزيادة مقدار ضوء الشمس المنعكس منه في يوما التمام وهكذا في اليوم التالي أيضا.

دور الجمعية الفلكية العمانية في استطلاع الأهلة

وعن سؤالنا: للجمعية الفلكية العمانية دور في استطلاع الأهلة، هل يمكن أن تطلعونا على ما تقومون به في هذا الجانب؟قال الشيذاني: تم ترشيح أكثر من عشرين عضواً للانضمام للجان الميدانية التي شكلتها الوزارة وتم تزويدهم ببعض الأجهزة وتدريبهم عليها وهناك 25 لجنة استطلاع ميدانية تتوزع على الولايات والنيابات التالية :

( بديه- بدبد- إزكي- الرستاق- السيب- نخل- صور- مسقط- قريات- صحار- إبرأ- عبري-صلالة- أدم- الكامل والوافي- بهلى- نزوى- هيماء- المضيبي- خصب- البريمي-ينقل- محوت- الجبل الأخضر-سمد الشأن) وتختار كل من هذه الجان مكانا مرتفعا مناسبا للرصد.

كيف جاءت فكرة المنظار المتنقل

وفي ختام تحقيقنا نسلط الضوء على المنظار المتنقل الذي سيدشن في رمضان فالتقينا الفلكي المختص في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المهندس عمار بن سالم الرواحي وسألناه عن: كيف جاءت فكرة استخدام مرصد فلكي متنقل؟

فقال: جاءت الفكرة في شراء مثل هذا النوع من المنظار أولا ليسهل عملية رصد الهلال وثانيا لسهولة حمله ونقله من مكان لآخر، حيث إن المنظار الثابت لا يمكن نقله، على سبيل المثال المنظار المركب بمرصد جبل شمس إن لم يساعد العامل الجوي من وجود سحب أو ما شبه ذلك فإنه يعيق الراصد عن الرؤية ولكن عندما تتوفر التقنية المتقدمة أو الجودة والعوامل الجوية والجغرافية معا فإن نسبة الرؤية تكون أكبر وأسهل إن كانت الرؤية غير صعبة.

الميزات الفنية للمنظار

وسألناه عن المميزات الفنية التي يتميز بها هذا المرصد؟ فأجاب المهندس: يمتاز هذا المنظار بمرشحات اسطوانية تعيق دخول ضوء الشمس إلى زاوية استطالة تصل إلى 5 درجات، أي إلى زاوية الميلان بين الشمس والقمر تصل إلى 5 درجات وهذا يسهل من عملية رصد الهلال إلا في أصعب الحالات النادرة، وقطر المنظار والمرآة الموجودة بداخل المنظار يساوي 6 بوصات وهذا يفي لغرض رصد القمر أول الهلال.

أما بالنسبة لطول المنظار فإن طوله يساوي مترين وثلاثة من عشرة متر، واحد وثلاثة من عشرة متر من أسطوانة المنظار بالنفس ومتر واحد من أسطوانة المرشحات الملاصق بالمنظار.

أما عن محرك المنظار والذي يسمى "قاعدة المنظار" فيمتاز بأنه ذو حركة ديناميكية من شركة "سلسترون" المعروفة عالميا وذلك كون أن رأس المحرك يُوجه إلى محور الأرض الشمالي المتجه إلى النجم القطبي وهذا يمتاز بأن المنظار يتحرك عموديا وأفقيا في آن واحد وهذا يسهل من عملية الرصد وحركة ودوران المنظار، مما يُسرع في عملية نصب وتوجيه المنظار وتحديده للجرم المراد رصده بشكل أدق، وتمتاز القاعدة والمحرك معا بأن لهما وزنا وثقلا يبلغ إلى 70 كيلو وهذا يساعد على تثبيت المنظار وقلة إمكانية عمل الاهتزازات، ولكن يبقى بأن يتطلب جهد شخصين أو أكثر في تنصيب المنظار.

ويمتاز محرك المنظار بوجود رابط متحكم يعمل بشكل آلي به حاسوب مصغر حيث يجيد الراصد كيفية التشغيل في البداية وإضافة المعلومات المطلوبة من زمان الرصد وإحداثيات المكان ومن ثم التوجيه إلى عدة أجرام ليلتقط الجهاز بالأقمار الصناعية ومعرفة مكانه تحديدا في هذه الأرض، ومن ثم يمكن توجيهه إلى أي جرم، حيث إن هذا الحاسوب مبرمج وذلك بوجود معظم الأجرام السماوية من كواكب وأقمار ونجوم وسدم ومجرات.