ربّما هي لمسة حانية، أو كلمة رقيقة تختزل كلّ المشاعر وتفجرها في لحظات لتُشعِر الإنسان، رجلاً كان أم امرأة بامتلاكه الدنيا وما فيها. مشاعر متماوجة تحلق بك إلى عوالم ساحرة. تضخ في عروقك ترياق الحياة فتعطي، وتحب، وتسامح، وتلتقط مفاتيح النجاح وتحب الحياة أكثر.
بعضنا يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره ومنحها للآخر، وبعضنا يفتقد هذه القدرة أو لا يجيدها وقد يرفض اطلاقها لدوافع وأسباب وعوامل شكلت تركيبته العاطفية الجافة. وهذا ما يطلق عليه الإختصاصيون "البخل العاطفي" والذي يعتبر أكثر تهديداً لسعادة شريك الحياة من البخل المادي.
مَنْ هو الشريك البخيل عاطفياً؟ وهل هذه حالة يعاني منها الرجل فقط، أم صفة مشتركة بين الجنسين؟ ما أسبابها وانعكاساتها على الشريك؟ وإلى أي حدّ تشكل خطراً على العلاقة الزوجية؟ وهل تنحصر توابعها على الزوجين أم تمتد لتطال الأولاد والمجتمع؟ وكيف يمكن التعاطي معها؟
أسئلة كثيرة يطرحها هذا التحقيق من خلال نماذج عانت من البخل العاطفي للشريك.
- الواقع أم الخيال: "أحببته بكل ذرة في كياني وما زلت، ومع هذا فأنا عاجزة تماماً عن مواصلة الحياة معه. أتألم بشدة لوصولي إلى هذه القناعة. زوجي رجل ناجح ووسيم وقادر على اجتذاب أية امرأة". تقول "سمر" بحزن لتختصر مشكلتها مع زوجها الذي أمضت معه 5 سنوات ولم تنجب أطفالاً، ليس لخلل لديها أو لديه، فكل منهما لديه إمكانية للإنجاب.
وتتابع "المشكلة ليست في الإنجاب"، وإن كنت أتمنّى ذلك ولكن في هذا القحط العاطفي الذي أعاني منه في أشدّ اللحظات التي يكون فيها بجانبي لم يحدث ما تمنيته. اعتقدت في بداية الزواج إنّ الخجل أو عدم القدرة على التعبير السبب الذي يحول بيني وبين الاستمتاع بحياة طبيعية مع الرجل الذي اخترته زوجاً.
ومع الوقت اكتشفت أنّه لا يعير هذا الجانب أهمية، وحين صارحته برغبتي في أن أشعر معه بدفء العاطفية، وأن يشعل قلبي بكلمات غزل صادقة، ويحتويني ويهديني في المناسبات ولو وردة. كلّ هذه التفاصيل لا توجد في حياته ولا يفكر في أن تكون جزءاً من العلاقة معي. وجوابه الدائم "لو لم أكن أحبك لما استمررت في العلاقة معك" وحين كنت أناقشه أكثر يقول في برود "الزواج ليس علاقة خيالية.. هو واقع نعيشه على الأرض. لماذا عليَّ أن أسمعك قصائد غزل وأن أضيء لك الشموع، وأنا أفعل كلُّ ما في وسعي لإسعادك".
أسئلة لا أجد لها إجابات مقنعة. فقد عجزت تماماً عن إيصال أهمية أن يشعرني بأني امرأة جميلة وأنه يحبني في كل تفاصيل حياتي. حين بدأت أشعر بالغربة عنه بدأت أذوي كامرأة وفقدت رغبتي في الإهتمام بمظهري، ولم أعد أفكر في أهمية أن أبدو جميلة في عينيه. وفي النهاية تحوّلت إلى امرأة غريبة عنه. وحين فكّرت في الإنجاب وناقشت الموضوع معه عرض عليَّ ببساطة شديدة أن نذهب معاً إلى الطبيب فأخبرنا اننا لا نشكو من عقم أو خلل يعيق الحمل والإنجاب. وطلب منّا أن نترك الأمر لعامل الزمن. ولكن أي زمن هذا وقد مضى على زواجنا 5 سنوات؟ لقد بدأت أنظر للعلاقة بمنظور متكامل فأنا أحتاج لمن يشعرني بأنني امرأة مرغوبة قبل أن أكون زوجة، من هنا أدركت انني سأصل إلى طريق مسدود فأنا لن أتآلف أبداً مع رجل يتعامل معي كما الآلة. وربّما من خلال ترددي على طبيبة خاصة بدأت أستعيد توازني النفسي والعصبي وفهمت أنّ الإحساس بالحب حاجة طبيعية وهي من مقومات شخصيتي. أيضاً ربّما افتقادي لهذا الإحساس كان وراء عدم تحقيق الإنجاب؟! الحقيقة أنّ القرار لم يكن سهلاً وخاصة عندما يكون الرجل بمواصفات زوجي. حينها لن يفهم أحد ولن يقدر أحد ما يمكن أن أقوله من أسباب للطلاق.
"هيفاء" خضعت لتجربة أكثر تعقيداً وربّما كان انعكاسها على حياتها الشخصية أشد خطورة وسلبية وهي التي اعتادت أن ترى نفسها في عيون الآخرين رائعة الجمال. تقول والدموع تترقرق في عينيها الخضراوين "أشعر بالندم لتعاملي مع زوجي بأنانية وسطحية وهو الذي منحني الاستقرار والأمان، صحيح أنّه لم يكن بارعاً في التعبير عن مشاعره تجاهي لكن هذا التقصير لم يكن ليعيبه كرجل متفان تجاه عائلته. كان يكدح ليؤمن ليَّ ولطفلنا حياة مستقرة، لم يقصر يوماً في تلبية احتياجاتنا، وبذل جهده لنعيش حالة من الرفاهية طالما حلمت بها وأنا التي جئت من عائلة فقيرة أن لم أقل معدمة. كلُّ ما أمتلكه كان جمالي وطموحي وبهذه المقومات استطعت أنّ ألفته وهو الهادىء الخجول فتقدم لطلب يدي ولم أرفض. كان بالنسبة ليَّ فرصة العمر. لم يستوقفني أن غسّان كان مختلفاً في ردة فعله تجاهي كفتاة جميلة. لم أسمع منه قصائد مديح أو إطراء أو حتى كلمات حب كتلك التي تتوقّعها المرأة من الرجل الذي تحب. وحده غسان الذي التزم الصمت اختارني شريكة لحياته وربّما وحده كان الأكثر احتراماً لجمالي حتى وإن لم يحتفل به على طريقة العشاق. كان غسّان دائم الإنشغال حتى بدأت أتذمر لغيابه ولحضوره معا. بات الأمر بالنسبة ليَّ سيّان فهو في حضوره كأنّه غائب تماما. لم أر نفسي في عينيه لحظة ولم أشعر معه لمرة واحدة أنني متميّزة، بات قلبي مع الوقت مغلقاً بارداً وحزيناً، حتى كان ذلك اليوم الذي وقعت فريسة سهلة لأوّل صياد يتقن فنّ الرماية. هي مجرّد كلمات أتتني عبر سمّاعة الهاتف من رجل قال إن عينيّ خطفت قلبه فوقعت فريسة سهلة لإشباع عاطفة طالما بحثت عنها في عيني زوجي ولم أجدها. وكانت النتيجة أنني حكمت من خلال هذه المغامرة على نفسي بالضياع فقدت زوجي وحرمت من طفليّ ورفضني ذلك الرجل بإعتبار أنني سهلة المنال.
أمّا وجدان فاكتشفت صدفة قدرة زوجها على التغزل بالنساء في الوقت الذي كان يرفض أن يسمعها ولو كلمة حب واحدة لم تكن امرأة عادية أو تستسلم بسهولة لمعركة تعتبرها غير متكافئة. تقول بحدّة "أنا امرأة أوّلاً وأخيراً، حتى وإن كنت أماً، بل وجدّة أيضاً ولا يعني إنني أمارس عملاً مستقلاً أنني تخليت عن مشاعري. فهذا حقي الطبيعي كما هو حقّ الرجل. حين فوجئت بزوجي يتعامل معي وكأنني أداة بلا روح. لفتُّ انتباهه فسخر مني، وحين أصررت صرخ في وجهي وقال إنّه ليس لديه الوقت لهذا الجنون حتى كان ذلك اليوم الذي ضبطته مع امرأة أخرى. وكانت الصدمة أكبر من أن أحتملها، فقررت الإنفصال بلا أسف ولا ندم وساومته على الأولاد ونجحت في الإحتفاظ بحضانتهم..
- التربية الأساس: والسؤال الذي يطرح نفسه، من الرجل الذي يمكن وصفه بالبخل العاطفي؟ وما العوامل التي تؤثِّر في تشكيل هذه الشخصية؟
د. رندة شليطا (معالجة نفسية) أشارت إلى الدور الكبير الذي تلعبه البيئة الإجتماعية والتربية والتنشئة في تشكيل مقوماتها وملامحها. فالطفل منذ تفتحه على الحياة يربّى على أساس أنّه رجل وبالتالي ليس من الرجولة أن يبكي أو يظهر مشاعره. يزرع الأمل في لا وعيه أنّ من العيب أن يظهر ألمه. وإذا ما تساقطت دموعه ينهرونه بقسوة. قد تنمو أحياناً هذه الشخصية بعيداً عن هذه العوامل التربوية كشخصية "الماتشو" مثلا وهي الشخصية العدائية للمرأة والتي يلعب فيها البخل العاطفي دوراً والتي يتأثر الطفل من خلالها بأسلوب وطريقة معاملة الأب لأُمّه معتقداً أنّها الطريقة الأمثل للتعامل مع المرأة فيتصرف بالتالي بقسوة مع زوجته.
ومن بين الأسباب التي تعتبرها د. شليطا تسهم في البخل العاطفي أن تكون شخصية الأُم طاغية ومتسلطة وبالتالي فهو يرفض التعاطي بتوازن مع زوجته حتى لا تكون صورة من أُمّه. ويعاني البعض من خوف رهيب من إحتمال ان تحتويهم المرأة. فالشخصية الهستيرية لديها رفض للمرأة بسبب الخوف من الاحتواء. كذلك عدم النضوج العاطفي والجنسي يجعل الشخص متردداً في التعبير عن مشاعره.
هناك شخصيات قلقة يمكن علاجها وتفكيك ما تعانيه من خوف. وهي حالات لم تبلغ درجة المرض أو الاستفحال. كما أنّ هناك شخصيات انطوائية عدائية تعاني حالة البخل العاطفي.
أمّا كيف نعدّ شخصية سوّية قادرة على العطاء العاطفي فهذا يتم من الطفولة وعبر منح الطفل الكثير من العاطفة. لذا من المهم التعبير عن الحب ولا يكفي أن نعلم أطفالنا الحب بل أيضاً التعبير عنه، وهذا يتم من خلال إيصال المشاعر الحلوة والتعبير عنها. ومن الخطأ اعتبار العاطفة عدم جدية، مشددة على الصورة التي انتهت إليها مجتمعاتنا اليوم والتي أصبحت مادّية على كلّ المستويات حتى في حركة المرأة بات التركيز على المادة بأي وسيلة حتى باتت كلّ الوسائل مقبولة لتحقيق هذا الهدف ما أدّى إلى تراجع المشاعر والمفاهيم الأخرى لحساب مفاهيم مادية بحتة فغابت العواطف أو غُيبت ليصبح النموذج المادي هو المطروح والذي يسعى الجميع للإقتداء به بهدف لشهرة والنجاح والمال وبغض النظر عن الضوابط الأخلاقية.
- حالة خاصة: د. أحمد العياش (طبيب الأمراض النفسية) ميّز بين المرأة والرجل في هذا المجال، معتبراً أن من يشكو عادة من هذه الحالة هي الزوجة وليس الزوج. وأن الأنثى هي من يطلب المساعدة في ذلك. والسبب يعود لأنّ المرأة في حاجة إلى دعم معنوي فهي عرضة لتقلبات مزاجية ولأسباب هرمونية.
واعتبر د. العياش أنّ الرجل يتذمر عادة من عدم الإهتمام من زوجته ومبادلته الشعور العاطفي خاصة وأنّه بطبعه غرائزي أكثر بينما المرأة عاطفية.
وحول انعكاس هذه الحالة على العلاقة الزوجية اعتبر أنّ عدم التعبير الصريح يؤدِّي إلى الظنون والشكوك وأحياناً فإنّ شرح الأمور بطريقة خاطئة يسبب مشكلات بين الشريكين. وشدّد على أنّ العاطفة والقدرة على التعبير عنها بمعسول الكلام نقطة ضعف الأنثى.
المرشدة الإجتماعية غادة حكيم، ركّزت على أثر التنشئة والمجتمع في تحديد ملامح هذه الشخصية واعتبرت أنّ الأهل بأسلوب تعاطيهم السليم مع الطفل مهمتهم تشكيل شخصية وبنية نفسية سليمة، فإذا نجحوا في توصيل مشاعرهم إليه وغمره بالحب والتعبير عن هذا الحب بإعتباره حالة طبيعية سليمة يكبر على العاطفة ولا يخجل في التعبير عنها مع الشريك وحتى في حياته العملية والإجتماعية فالعاطفة شعور راقٍ ونبيل لا يجوز محاولة كتمها أو خنقها وهي أساس التواصل بين الناس. وبالتالي إذا عاش مرحلة طفولة مشبعة بدفء العاطفة أصبح قادراً على منحها ففاقد الشيء لا يعطيه. كذلك من المهم أن تلحظ الأسرة كالأُم والأب تحديداً عدم التمييز في مشاعرهم بين طفل وآخر أو بين البنت والصبي. فالحرمان العاطفي والتمييز العاطفي أو ربّما تعرض الطفل للعنف أو التحرّض كلّها أمور تؤثِّر في تشكيل شخصيته وتجعل منه مغلقا على ذاته وغير قادر على التعبير ويصبح شخصية مرضية.
- الحب والرغبة: لكن أليس في المبالغة أحياناً ما يرضي أنوثة المرأة ويجعل الرجل يمتلك قلبها ومشاعرها؟ ألا تمنحها العاطفة إحساساً بالسعادة والتوهج؟
د. نبيل نجا، الإختصاصي في أمراض الشيخوخة والناشط الإجتماعي، يتطرق إلى دور التعبير العاطفي في حالة الشريك الصحية الجسدية والنفسية. ويرى أنّ الشخصية الإنطوائية غير القادرة على التعبير عن مشاعرها بسهولة عرضة أكثر من غيرها للضغوطات النفسية والأمراض النفسية العصبية على إختلاف أنواعها. فالإنسان بمختلف أعماره بحاجة لأن يحب وأن يُحَب ليس العطاء فقط وإنّما الآخذ ونسبة الأخذ والعطاء تتفاوت حسب العمر. ففي الطفولة والمراهقة والشباب هو يأخذ أكثر مما يعطي أما عندما يتقدّم في العمر يصبح عطاؤه أكثر والعطاء هنا يخلق توازناً عاطفياً لدى مَنْ يتقدّم في العمر ويجعله يشعر بوجوده.
واعتبر د. نجا أنّ البخل العاطفي أشبه بحالة مرضية وكلّما كان المرء بخيلاً عاطيفاً تفاقمت مشكلاته النفسية. لذا يعتبر الكرم العاطفي نوعاً من علاج يستعمل في كثير من الأمراض لأنّ الإنسان الذي لا يكون لديه أي هدف عاطفي أو ما يحرك مشاعره شبه ميّت ويعطي أمثلة من خلال أسئلة عديدة يطرحها على مرضاه من بينها لماذا تعيش؟ فيلحظ من خلال الإجابة ارتباك مَن لا هدف له.
د. صالح إبراهيم الباحث والناشط الإجتماعي يميّز بين المرأة والرجل بشأن البخل العاطفي. فهو لدى المرأة مرتبط بواقع إجتماعي نفسي كونها في مجتمعاتنا لا تبوح بكل ما لديها خوفاً من نظرة المجتمع ونظرة الرجل لها. وتتوقع إذا ما باحت للرجل أن تهبط قيمتها في عينيه كونه الرجل الشرقي غالباً يحب المرأة الضنينة في هذا المجال. حتى في الزواج هي لا تعبّر كثيراً عن مشاعرها وعمّا يجول في داخلها. بل تلمّح إليه وتعطي إشارات وكأنّها بذلك تضمن استمرارية سعي الرجل للحصول على عاطفتها، وهي تشدّه بهذه الطريقة، مشيراً إلى أنّ سلوك الرجل يختلف قبل الزواج عنه بعد الزواج فهو قبل الزواج يكثر من التعبير عن عاطفة الحب ويبالغ أحياناً في التعبير لكنّه بعد الزواج، يتراجع شيئاً فشيئاً.
بعضنا يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره ومنحها للآخر، وبعضنا يفتقد هذه القدرة أو لا يجيدها وقد يرفض اطلاقها لدوافع وأسباب وعوامل شكلت تركيبته العاطفية الجافة. وهذا ما يطلق عليه الإختصاصيون "البخل العاطفي" والذي يعتبر أكثر تهديداً لسعادة شريك الحياة من البخل المادي.
مَنْ هو الشريك البخيل عاطفياً؟ وهل هذه حالة يعاني منها الرجل فقط، أم صفة مشتركة بين الجنسين؟ ما أسبابها وانعكاساتها على الشريك؟ وإلى أي حدّ تشكل خطراً على العلاقة الزوجية؟ وهل تنحصر توابعها على الزوجين أم تمتد لتطال الأولاد والمجتمع؟ وكيف يمكن التعاطي معها؟
أسئلة كثيرة يطرحها هذا التحقيق من خلال نماذج عانت من البخل العاطفي للشريك.
- الواقع أم الخيال: "أحببته بكل ذرة في كياني وما زلت، ومع هذا فأنا عاجزة تماماً عن مواصلة الحياة معه. أتألم بشدة لوصولي إلى هذه القناعة. زوجي رجل ناجح ووسيم وقادر على اجتذاب أية امرأة". تقول "سمر" بحزن لتختصر مشكلتها مع زوجها الذي أمضت معه 5 سنوات ولم تنجب أطفالاً، ليس لخلل لديها أو لديه، فكل منهما لديه إمكانية للإنجاب.
وتتابع "المشكلة ليست في الإنجاب"، وإن كنت أتمنّى ذلك ولكن في هذا القحط العاطفي الذي أعاني منه في أشدّ اللحظات التي يكون فيها بجانبي لم يحدث ما تمنيته. اعتقدت في بداية الزواج إنّ الخجل أو عدم القدرة على التعبير السبب الذي يحول بيني وبين الاستمتاع بحياة طبيعية مع الرجل الذي اخترته زوجاً.
ومع الوقت اكتشفت أنّه لا يعير هذا الجانب أهمية، وحين صارحته برغبتي في أن أشعر معه بدفء العاطفية، وأن يشعل قلبي بكلمات غزل صادقة، ويحتويني ويهديني في المناسبات ولو وردة. كلّ هذه التفاصيل لا توجد في حياته ولا يفكر في أن تكون جزءاً من العلاقة معي. وجوابه الدائم "لو لم أكن أحبك لما استمررت في العلاقة معك" وحين كنت أناقشه أكثر يقول في برود "الزواج ليس علاقة خيالية.. هو واقع نعيشه على الأرض. لماذا عليَّ أن أسمعك قصائد غزل وأن أضيء لك الشموع، وأنا أفعل كلُّ ما في وسعي لإسعادك".
أسئلة لا أجد لها إجابات مقنعة. فقد عجزت تماماً عن إيصال أهمية أن يشعرني بأني امرأة جميلة وأنه يحبني في كل تفاصيل حياتي. حين بدأت أشعر بالغربة عنه بدأت أذوي كامرأة وفقدت رغبتي في الإهتمام بمظهري، ولم أعد أفكر في أهمية أن أبدو جميلة في عينيه. وفي النهاية تحوّلت إلى امرأة غريبة عنه. وحين فكّرت في الإنجاب وناقشت الموضوع معه عرض عليَّ ببساطة شديدة أن نذهب معاً إلى الطبيب فأخبرنا اننا لا نشكو من عقم أو خلل يعيق الحمل والإنجاب. وطلب منّا أن نترك الأمر لعامل الزمن. ولكن أي زمن هذا وقد مضى على زواجنا 5 سنوات؟ لقد بدأت أنظر للعلاقة بمنظور متكامل فأنا أحتاج لمن يشعرني بأنني امرأة مرغوبة قبل أن أكون زوجة، من هنا أدركت انني سأصل إلى طريق مسدود فأنا لن أتآلف أبداً مع رجل يتعامل معي كما الآلة. وربّما من خلال ترددي على طبيبة خاصة بدأت أستعيد توازني النفسي والعصبي وفهمت أنّ الإحساس بالحب حاجة طبيعية وهي من مقومات شخصيتي. أيضاً ربّما افتقادي لهذا الإحساس كان وراء عدم تحقيق الإنجاب؟! الحقيقة أنّ القرار لم يكن سهلاً وخاصة عندما يكون الرجل بمواصفات زوجي. حينها لن يفهم أحد ولن يقدر أحد ما يمكن أن أقوله من أسباب للطلاق.
"هيفاء" خضعت لتجربة أكثر تعقيداً وربّما كان انعكاسها على حياتها الشخصية أشد خطورة وسلبية وهي التي اعتادت أن ترى نفسها في عيون الآخرين رائعة الجمال. تقول والدموع تترقرق في عينيها الخضراوين "أشعر بالندم لتعاملي مع زوجي بأنانية وسطحية وهو الذي منحني الاستقرار والأمان، صحيح أنّه لم يكن بارعاً في التعبير عن مشاعره تجاهي لكن هذا التقصير لم يكن ليعيبه كرجل متفان تجاه عائلته. كان يكدح ليؤمن ليَّ ولطفلنا حياة مستقرة، لم يقصر يوماً في تلبية احتياجاتنا، وبذل جهده لنعيش حالة من الرفاهية طالما حلمت بها وأنا التي جئت من عائلة فقيرة أن لم أقل معدمة. كلُّ ما أمتلكه كان جمالي وطموحي وبهذه المقومات استطعت أنّ ألفته وهو الهادىء الخجول فتقدم لطلب يدي ولم أرفض. كان بالنسبة ليَّ فرصة العمر. لم يستوقفني أن غسّان كان مختلفاً في ردة فعله تجاهي كفتاة جميلة. لم أسمع منه قصائد مديح أو إطراء أو حتى كلمات حب كتلك التي تتوقّعها المرأة من الرجل الذي تحب. وحده غسان الذي التزم الصمت اختارني شريكة لحياته وربّما وحده كان الأكثر احتراماً لجمالي حتى وإن لم يحتفل به على طريقة العشاق. كان غسّان دائم الإنشغال حتى بدأت أتذمر لغيابه ولحضوره معا. بات الأمر بالنسبة ليَّ سيّان فهو في حضوره كأنّه غائب تماما. لم أر نفسي في عينيه لحظة ولم أشعر معه لمرة واحدة أنني متميّزة، بات قلبي مع الوقت مغلقاً بارداً وحزيناً، حتى كان ذلك اليوم الذي وقعت فريسة سهلة لأوّل صياد يتقن فنّ الرماية. هي مجرّد كلمات أتتني عبر سمّاعة الهاتف من رجل قال إن عينيّ خطفت قلبه فوقعت فريسة سهلة لإشباع عاطفة طالما بحثت عنها في عيني زوجي ولم أجدها. وكانت النتيجة أنني حكمت من خلال هذه المغامرة على نفسي بالضياع فقدت زوجي وحرمت من طفليّ ورفضني ذلك الرجل بإعتبار أنني سهلة المنال.
أمّا وجدان فاكتشفت صدفة قدرة زوجها على التغزل بالنساء في الوقت الذي كان يرفض أن يسمعها ولو كلمة حب واحدة لم تكن امرأة عادية أو تستسلم بسهولة لمعركة تعتبرها غير متكافئة. تقول بحدّة "أنا امرأة أوّلاً وأخيراً، حتى وإن كنت أماً، بل وجدّة أيضاً ولا يعني إنني أمارس عملاً مستقلاً أنني تخليت عن مشاعري. فهذا حقي الطبيعي كما هو حقّ الرجل. حين فوجئت بزوجي يتعامل معي وكأنني أداة بلا روح. لفتُّ انتباهه فسخر مني، وحين أصررت صرخ في وجهي وقال إنّه ليس لديه الوقت لهذا الجنون حتى كان ذلك اليوم الذي ضبطته مع امرأة أخرى. وكانت الصدمة أكبر من أن أحتملها، فقررت الإنفصال بلا أسف ولا ندم وساومته على الأولاد ونجحت في الإحتفاظ بحضانتهم..
- التربية الأساس: والسؤال الذي يطرح نفسه، من الرجل الذي يمكن وصفه بالبخل العاطفي؟ وما العوامل التي تؤثِّر في تشكيل هذه الشخصية؟
د. رندة شليطا (معالجة نفسية) أشارت إلى الدور الكبير الذي تلعبه البيئة الإجتماعية والتربية والتنشئة في تشكيل مقوماتها وملامحها. فالطفل منذ تفتحه على الحياة يربّى على أساس أنّه رجل وبالتالي ليس من الرجولة أن يبكي أو يظهر مشاعره. يزرع الأمل في لا وعيه أنّ من العيب أن يظهر ألمه. وإذا ما تساقطت دموعه ينهرونه بقسوة. قد تنمو أحياناً هذه الشخصية بعيداً عن هذه العوامل التربوية كشخصية "الماتشو" مثلا وهي الشخصية العدائية للمرأة والتي يلعب فيها البخل العاطفي دوراً والتي يتأثر الطفل من خلالها بأسلوب وطريقة معاملة الأب لأُمّه معتقداً أنّها الطريقة الأمثل للتعامل مع المرأة فيتصرف بالتالي بقسوة مع زوجته.
ومن بين الأسباب التي تعتبرها د. شليطا تسهم في البخل العاطفي أن تكون شخصية الأُم طاغية ومتسلطة وبالتالي فهو يرفض التعاطي بتوازن مع زوجته حتى لا تكون صورة من أُمّه. ويعاني البعض من خوف رهيب من إحتمال ان تحتويهم المرأة. فالشخصية الهستيرية لديها رفض للمرأة بسبب الخوف من الاحتواء. كذلك عدم النضوج العاطفي والجنسي يجعل الشخص متردداً في التعبير عن مشاعره.
هناك شخصيات قلقة يمكن علاجها وتفكيك ما تعانيه من خوف. وهي حالات لم تبلغ درجة المرض أو الاستفحال. كما أنّ هناك شخصيات انطوائية عدائية تعاني حالة البخل العاطفي.
أمّا كيف نعدّ شخصية سوّية قادرة على العطاء العاطفي فهذا يتم من الطفولة وعبر منح الطفل الكثير من العاطفة. لذا من المهم التعبير عن الحب ولا يكفي أن نعلم أطفالنا الحب بل أيضاً التعبير عنه، وهذا يتم من خلال إيصال المشاعر الحلوة والتعبير عنها. ومن الخطأ اعتبار العاطفة عدم جدية، مشددة على الصورة التي انتهت إليها مجتمعاتنا اليوم والتي أصبحت مادّية على كلّ المستويات حتى في حركة المرأة بات التركيز على المادة بأي وسيلة حتى باتت كلّ الوسائل مقبولة لتحقيق هذا الهدف ما أدّى إلى تراجع المشاعر والمفاهيم الأخرى لحساب مفاهيم مادية بحتة فغابت العواطف أو غُيبت ليصبح النموذج المادي هو المطروح والذي يسعى الجميع للإقتداء به بهدف لشهرة والنجاح والمال وبغض النظر عن الضوابط الأخلاقية.
- حالة خاصة: د. أحمد العياش (طبيب الأمراض النفسية) ميّز بين المرأة والرجل في هذا المجال، معتبراً أن من يشكو عادة من هذه الحالة هي الزوجة وليس الزوج. وأن الأنثى هي من يطلب المساعدة في ذلك. والسبب يعود لأنّ المرأة في حاجة إلى دعم معنوي فهي عرضة لتقلبات مزاجية ولأسباب هرمونية.
واعتبر د. العياش أنّ الرجل يتذمر عادة من عدم الإهتمام من زوجته ومبادلته الشعور العاطفي خاصة وأنّه بطبعه غرائزي أكثر بينما المرأة عاطفية.
وحول انعكاس هذه الحالة على العلاقة الزوجية اعتبر أنّ عدم التعبير الصريح يؤدِّي إلى الظنون والشكوك وأحياناً فإنّ شرح الأمور بطريقة خاطئة يسبب مشكلات بين الشريكين. وشدّد على أنّ العاطفة والقدرة على التعبير عنها بمعسول الكلام نقطة ضعف الأنثى.
المرشدة الإجتماعية غادة حكيم، ركّزت على أثر التنشئة والمجتمع في تحديد ملامح هذه الشخصية واعتبرت أنّ الأهل بأسلوب تعاطيهم السليم مع الطفل مهمتهم تشكيل شخصية وبنية نفسية سليمة، فإذا نجحوا في توصيل مشاعرهم إليه وغمره بالحب والتعبير عن هذا الحب بإعتباره حالة طبيعية سليمة يكبر على العاطفة ولا يخجل في التعبير عنها مع الشريك وحتى في حياته العملية والإجتماعية فالعاطفة شعور راقٍ ونبيل لا يجوز محاولة كتمها أو خنقها وهي أساس التواصل بين الناس. وبالتالي إذا عاش مرحلة طفولة مشبعة بدفء العاطفة أصبح قادراً على منحها ففاقد الشيء لا يعطيه. كذلك من المهم أن تلحظ الأسرة كالأُم والأب تحديداً عدم التمييز في مشاعرهم بين طفل وآخر أو بين البنت والصبي. فالحرمان العاطفي والتمييز العاطفي أو ربّما تعرض الطفل للعنف أو التحرّض كلّها أمور تؤثِّر في تشكيل شخصيته وتجعل منه مغلقا على ذاته وغير قادر على التعبير ويصبح شخصية مرضية.
- الحب والرغبة: لكن أليس في المبالغة أحياناً ما يرضي أنوثة المرأة ويجعل الرجل يمتلك قلبها ومشاعرها؟ ألا تمنحها العاطفة إحساساً بالسعادة والتوهج؟
د. نبيل نجا، الإختصاصي في أمراض الشيخوخة والناشط الإجتماعي، يتطرق إلى دور التعبير العاطفي في حالة الشريك الصحية الجسدية والنفسية. ويرى أنّ الشخصية الإنطوائية غير القادرة على التعبير عن مشاعرها بسهولة عرضة أكثر من غيرها للضغوطات النفسية والأمراض النفسية العصبية على إختلاف أنواعها. فالإنسان بمختلف أعماره بحاجة لأن يحب وأن يُحَب ليس العطاء فقط وإنّما الآخذ ونسبة الأخذ والعطاء تتفاوت حسب العمر. ففي الطفولة والمراهقة والشباب هو يأخذ أكثر مما يعطي أما عندما يتقدّم في العمر يصبح عطاؤه أكثر والعطاء هنا يخلق توازناً عاطفياً لدى مَنْ يتقدّم في العمر ويجعله يشعر بوجوده.
واعتبر د. نجا أنّ البخل العاطفي أشبه بحالة مرضية وكلّما كان المرء بخيلاً عاطيفاً تفاقمت مشكلاته النفسية. لذا يعتبر الكرم العاطفي نوعاً من علاج يستعمل في كثير من الأمراض لأنّ الإنسان الذي لا يكون لديه أي هدف عاطفي أو ما يحرك مشاعره شبه ميّت ويعطي أمثلة من خلال أسئلة عديدة يطرحها على مرضاه من بينها لماذا تعيش؟ فيلحظ من خلال الإجابة ارتباك مَن لا هدف له.
د. صالح إبراهيم الباحث والناشط الإجتماعي يميّز بين المرأة والرجل بشأن البخل العاطفي. فهو لدى المرأة مرتبط بواقع إجتماعي نفسي كونها في مجتمعاتنا لا تبوح بكل ما لديها خوفاً من نظرة المجتمع ونظرة الرجل لها. وتتوقع إذا ما باحت للرجل أن تهبط قيمتها في عينيه كونه الرجل الشرقي غالباً يحب المرأة الضنينة في هذا المجال. حتى في الزواج هي لا تعبّر كثيراً عن مشاعرها وعمّا يجول في داخلها. بل تلمّح إليه وتعطي إشارات وكأنّها بذلك تضمن استمرارية سعي الرجل للحصول على عاطفتها، وهي تشدّه بهذه الطريقة، مشيراً إلى أنّ سلوك الرجل يختلف قبل الزواج عنه بعد الزواج فهو قبل الزواج يكثر من التعبير عن عاطفة الحب ويبالغ أحياناً في التعبير لكنّه بعد الزواج، يتراجع شيئاً فشيئاً.