د. خالد الحروب
فداحة نص "القوقعة" وتفاصيله المذهلة تكمن في كونه سردا ليوميات حقيقية أتيح لصاحبها أن يرى الحياة ثانية خارج السجن. مع آخر صفحة، أو صفعة، من صفحات هذه الشهادة القاتمة تهجم على القارىء آلاف الأسئلة: لماذا الإصرار على تحويل الأفراد إلى حطام من الكراهية، والحقد، والتشظي التام، والرغبة في الانتحار، والنقمة على كل شيء له علاقة بالوطن
يلتهم القارىء الصفحات التي تقترب من الأربعمائة في هذه الرواية/ النص التي تصور جزءا من التاريخ الأسود للاستبداد والعنف المشرقي. مرارة تجر إلى مرارة ووصف دقيق لـ"آليات" تعذيب، وإذلال، وإهانات، وتعرية للروح والجسد لا تخطر ببال الشياطين. بشاعة ما في النص المبدع تؤرخ لحقبة وتجربة حقيقية مرّ بها عشرات الأولوف من الشباب العرب وهم في ريعان عمرهم. أطباء ومحامون ومهندسون ومثقفون كان يُطلب منهم الانبطاح تحت وابل السياط الملعونة التي تأكل من أجسادهم ليشربوا مياه بالوعات المجاري المفتوحة. عدد من الذين رفضوا الانصياع للأمر تمزقت أجسادهم تحت التعذيب وماتوا. يرصون في الزنازين كالحيوانات، ويخنقون في روائح العرق، والدم النازف والمراحيض والبول. مئات منهم انتهوا بإعاقات دائمة، فقدوا البصر أو السمع، أو أصيبوا بالشلل التام. الذين قدر لهم البقاء على قيد الحياة كانوا يهتفون في طابور الصباح والمساء بحياة الزعيم وحكمته وبطولاته ضد إسرائيل والامبريالية!
رواية، أو "يوميات" "القوقعة" للسوري مصطفى خليفة الصادرة عن دار الآداب تكاد تتجاوز رائعتي عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" و"شرق المتوسط مرة أخرى"، على ما مثلتاه من ذرى التوصيف الروائي للتقليد المشرقي في التعذيب والتفنن فيه. لا يهم هنا كثيرا أن تنطبق خصائص الصنعة الروائية على النص الذي بين أيدينا، فالكاتب لم يكن يوما ما روائيا، ولا هو يريد تقديم رواية بالمعنى والتعريف التقني. هو يريد نقل ما شهدته عيناه وحفظه عقله خلال سنوات السجن "متلصصا" على الجحيم الذي كان يواجهه ألوف السجناء. أهمية النص الفائقة تكمن في أن شخوصه وضحاياه وجلاديه حقيقيون. ليس ثمة استعارة هنا، ولا بناء شخصيات درامية أو حبكات. الواقع أكثف من كل ذلك بكثير.. وصادم أكثر من أي جنوح خيال.
بطل النص، أي الكاتب، مخرج سينمائي شاب عاد إلى بلده بعد استكمال دراسته في فرنسا يشده الشوق والحنين، والرغبة في إعادة اكتشاف الوطن بعين الكاميرا. لكن ما أن تطأ قدماه المطار حتى تبدأ الكارثة، إذ يعتقله رجال الأمن بكونه خطرا على النظام، إذ كتب فيه أحد المخبرين تقريرا بأنه تطاول على الحكم وهو في الغربة، ومن لحظتئذ وتشرع في وجهه بوابات الجحيم والتعذيب الذي يخلع القلب. لا وقت لدى جهات الأمن للتحقق من قصته فيضم سريعا، وهو المسيحي والملحد، إلى مساجين الإخوان المسلمين ويقضي سنوات سجنه الطويل معهم.
فداحة نص "القوقعة" وتفاصيله المذهلة تكمن في كونه سردا ليوميات حقيقية أتيح لصاحبها أن يرى الحياة ثانية خارج السجن. مع آخر صفحة، أو صفعة، من صفحات هذه الشهادة القاتمة تهجم على القارىء آلاف الأسئلة: لماذا، وكيف يخرج بعض البشر إلى درجات سادية تتجاوز التخيل ضد أبناء شعبهم، أو حتى أي بشر آخرين؟ ألم يكن بالإمكان الاكتفاء بالسجن الطويل؟ لماذا الإصرار على تحويل الأفراد إلى حطام من الكراهية، والحقد، والتشظي التام، والرغبة في الانتحار، والنقمة على كل شيء له علاقة بالوطن. مصطفى خليفة ودع باريس التي كانت تفتح ذراعيها إليه وتعده بمستقبل مشرق كي يعود إلى بلد حن إليه وعشق رائحته. لكنه عندما خرج من السجن الرهيب كان قد غرق في "قوقعته" إلى الأبد. أماتوا فيه الإنسان والروح والرغبة في الحياة. في الصفحة الأخيرة من سردية الحزن والمرارة هذه يقول: "قضيت هناك داخل قوقعتي في السجن الصحراوي آلاف الليالي أستحضر وأستحلب المئات من أحلام اليقظة. كنت أمني النفس أنه إذا قيض لي أن أخرج من جهنم هذه، سوف أعيش حياتي طولا وعرضا وسأحقق كل هذه الأحلام التي راودتني هناك. الآن ها قد مضى عام كامل (على الإفراج). لا رغبة لدي في عمل شيء مطلقا. أرى أن كل ما يحيط بي هو فقط: الوضاعة والخسة.. والغثاثة!".
khaled.hroub@yahoo.com
فداحة نص "القوقعة" وتفاصيله المذهلة تكمن في كونه سردا ليوميات حقيقية أتيح لصاحبها أن يرى الحياة ثانية خارج السجن. مع آخر صفحة، أو صفعة، من صفحات هذه الشهادة القاتمة تهجم على القارىء آلاف الأسئلة: لماذا الإصرار على تحويل الأفراد إلى حطام من الكراهية، والحقد، والتشظي التام، والرغبة في الانتحار، والنقمة على كل شيء له علاقة بالوطن
يلتهم القارىء الصفحات التي تقترب من الأربعمائة في هذه الرواية/ النص التي تصور جزءا من التاريخ الأسود للاستبداد والعنف المشرقي. مرارة تجر إلى مرارة ووصف دقيق لـ"آليات" تعذيب، وإذلال، وإهانات، وتعرية للروح والجسد لا تخطر ببال الشياطين. بشاعة ما في النص المبدع تؤرخ لحقبة وتجربة حقيقية مرّ بها عشرات الأولوف من الشباب العرب وهم في ريعان عمرهم. أطباء ومحامون ومهندسون ومثقفون كان يُطلب منهم الانبطاح تحت وابل السياط الملعونة التي تأكل من أجسادهم ليشربوا مياه بالوعات المجاري المفتوحة. عدد من الذين رفضوا الانصياع للأمر تمزقت أجسادهم تحت التعذيب وماتوا. يرصون في الزنازين كالحيوانات، ويخنقون في روائح العرق، والدم النازف والمراحيض والبول. مئات منهم انتهوا بإعاقات دائمة، فقدوا البصر أو السمع، أو أصيبوا بالشلل التام. الذين قدر لهم البقاء على قيد الحياة كانوا يهتفون في طابور الصباح والمساء بحياة الزعيم وحكمته وبطولاته ضد إسرائيل والامبريالية!
رواية، أو "يوميات" "القوقعة" للسوري مصطفى خليفة الصادرة عن دار الآداب تكاد تتجاوز رائعتي عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" و"شرق المتوسط مرة أخرى"، على ما مثلتاه من ذرى التوصيف الروائي للتقليد المشرقي في التعذيب والتفنن فيه. لا يهم هنا كثيرا أن تنطبق خصائص الصنعة الروائية على النص الذي بين أيدينا، فالكاتب لم يكن يوما ما روائيا، ولا هو يريد تقديم رواية بالمعنى والتعريف التقني. هو يريد نقل ما شهدته عيناه وحفظه عقله خلال سنوات السجن "متلصصا" على الجحيم الذي كان يواجهه ألوف السجناء. أهمية النص الفائقة تكمن في أن شخوصه وضحاياه وجلاديه حقيقيون. ليس ثمة استعارة هنا، ولا بناء شخصيات درامية أو حبكات. الواقع أكثف من كل ذلك بكثير.. وصادم أكثر من أي جنوح خيال.
بطل النص، أي الكاتب، مخرج سينمائي شاب عاد إلى بلده بعد استكمال دراسته في فرنسا يشده الشوق والحنين، والرغبة في إعادة اكتشاف الوطن بعين الكاميرا. لكن ما أن تطأ قدماه المطار حتى تبدأ الكارثة، إذ يعتقله رجال الأمن بكونه خطرا على النظام، إذ كتب فيه أحد المخبرين تقريرا بأنه تطاول على الحكم وهو في الغربة، ومن لحظتئذ وتشرع في وجهه بوابات الجحيم والتعذيب الذي يخلع القلب. لا وقت لدى جهات الأمن للتحقق من قصته فيضم سريعا، وهو المسيحي والملحد، إلى مساجين الإخوان المسلمين ويقضي سنوات سجنه الطويل معهم.
فداحة نص "القوقعة" وتفاصيله المذهلة تكمن في كونه سردا ليوميات حقيقية أتيح لصاحبها أن يرى الحياة ثانية خارج السجن. مع آخر صفحة، أو صفعة، من صفحات هذه الشهادة القاتمة تهجم على القارىء آلاف الأسئلة: لماذا، وكيف يخرج بعض البشر إلى درجات سادية تتجاوز التخيل ضد أبناء شعبهم، أو حتى أي بشر آخرين؟ ألم يكن بالإمكان الاكتفاء بالسجن الطويل؟ لماذا الإصرار على تحويل الأفراد إلى حطام من الكراهية، والحقد، والتشظي التام، والرغبة في الانتحار، والنقمة على كل شيء له علاقة بالوطن. مصطفى خليفة ودع باريس التي كانت تفتح ذراعيها إليه وتعده بمستقبل مشرق كي يعود إلى بلد حن إليه وعشق رائحته. لكنه عندما خرج من السجن الرهيب كان قد غرق في "قوقعته" إلى الأبد. أماتوا فيه الإنسان والروح والرغبة في الحياة. في الصفحة الأخيرة من سردية الحزن والمرارة هذه يقول: "قضيت هناك داخل قوقعتي في السجن الصحراوي آلاف الليالي أستحضر وأستحلب المئات من أحلام اليقظة. كنت أمني النفس أنه إذا قيض لي أن أخرج من جهنم هذه، سوف أعيش حياتي طولا وعرضا وسأحقق كل هذه الأحلام التي راودتني هناك. الآن ها قد مضى عام كامل (على الإفراج). لا رغبة لدي في عمل شيء مطلقا. أرى أن كل ما يحيط بي هو فقط: الوضاعة والخسة.. والغثاثة!".
khaled.hroub@yahoo.com
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions