• السيد محمد حسين فضل اللهحيث انّ النصوص الدينية تؤكد استحباب قراءة القرآن الكريم في هذه الشهر، فيمكن للإنسان أن يستفيد من الجو الروحي المتحرِّك مع الجو القرآني، وأن يحرِّك في داخله الحيوية والإنفتاح والامتداد، لأن قراءة القرآن قد تختلف في تأثيرها على النفس، تبعاً لاختلاف الجو الذي تعيش فيه القراءة..
فإذا كانت القراءة في جوّ فكريّ ينطلق من موقع استيحاء المفاهيم الفكرية منه، فإنّها توحي بالتأمّل الهادئ والمناقضة العلمية بعيداً عن أيّ انفعال بشيء آخر، وإذا كانت القراءة في الجوِّ الروحي الذي يعرج بالمؤمن في روحه إلى الله، كانت تأثيراتها انطلاقةً روحيةً إلى الله في ما تستوحيه من أفكار ومشاعر وتأمّلات، فلا تتحرّك بالفكر المجرّد ولا بالتأمل الشارد..
بل تلتقي بالفكر في حركة الروح في جوٍّ إيمانيًّ رائع.. لعلّ هذا الهدف الذي أراده الإسلام في مااستحبّه من تلاوة القرآن بعد الصلاة وفي أجواء الصوم، لأن الإيحاءات الروحية التي تبعثها هذه القراءة في شخصية المسلم تختلف كثيراً عمّا تولده في نفسه إذا كانت بعيدة عن هذه الأجواء..
بل نستطيع أن نقرِّر أنّ القرآن لا يُفهم جيِّداً إلا إذا عاشه الإنسانُ قراءة وسماعاً وتأمّلاً في داخل الأجواء الروحية.. لأنّه انطلق من خلال ذلك كله.. وذلك هو جوّ قراءة القرآن في شهر رمضان في لياليه وأيامه، حيث يرتفع بالإنسان إلى أجواء روحية عالية.. فإذا أضفنا إلى ذلك الثقافة الإسلامية التي تتمثّل في القرآن في ما تحمله آياته من مفاهيم الإسلام وأفكاره وشريعته، عرفنا كيف يساعد ذلك على نمو الشخصية الإسلامية التي ينبغي لها أن تعيش فكرها في أجواء روحية هادئة، لتتمكن من خلال ذلك من الانطلاق من قاعدة فكرية روحية عميقة في داخل النفس والفكر والوجدان.. وقد لا نحتاج إلى التنبيه كثيراً إلى ما يفرضه الوصول إلى هذا الهدف من التدبّر وتأمّل في قراءة القرآن، لأنّ ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على النتيجة المرجوّة من الانطلاق في وضوح الرؤية في ما يحمله الإنسان من فكر وفي ما يختزنه من مشاعر..
أمّا الطريقة التقليدية التي ترتكز على أساس ملاحظة الكمّ دون الكيف في قراءة القرآن بإنها لا تستطيع أن تضيف إلى الإنسان شيئاً في مشاعره وأفكاره، بل كلُّ ما هناك أنها تمنح القرآن سمة جمودٍ في الكلمة وتجميد في الوعي، في الأساليب التي تركتها لنا عهود التخلف.. وربّما كان بعض السبب في ذلك هو هذا التسابق في عدد "الختمات" التي تُهدى إلى الموتى في هذا الشهر، تكريماً لهم أو تحبّباً إليهم من خلال جلب الثواب لأرواحهم بتلك الوسيلة.. فإنّ تحقيق هذا الهدف يفرض على القارئ السرعة التي تبتعد به عن الوعي للفكرة والإستيحاء لمعاني الروح.