نباح القطيع

قطيع الغنم لم يغير عبوره الدائم في سكة بيوت القرية إلى أن يصل إلى الحظيرة الغربية الكبيرة لصاحبها الذي يقطن البيت الشرقي في أعلى سفح الجبل.
كان تيس القطيع أحد الفحول، الذي لا يتوانى عن أداء وظيفته المرتبطة به، مع أنه اشتُريَ بمبلغ زهيد لو علم القطيع ذلك لبخست قيمته ولم يمنح حتى مجرد النظرة الأولى.
الجلبة التي كان القطيع والرعاة يصدرونها في رحلتهم الصباحية والمسائية وسط القرية، وبقايا الروث التي تتساقط منها يوميا، والتخبط والاصطدام بالأبواب والأطفال جعلت من جميع أهل القرية يحملون بداخلهم سخطاً ، نفس الأسطوانة اليومية، والأكف مرفوعة للسماء علها تمطر حلاً أبدياً لقطيع وصفوه بالعامية "ربنا يعطي اللحم للي ما عنده أسنان".
لم يسمع الغنم ولا صاحبها كلمة جارحة في حقهم، وبفعل العادة لدى أهل القرية تحول كلامهم إلى صراخ مكتوم صادف ذلك التحول يوم ريح قوية لم يخرج فيه القطيع إلى المرعى استبشر الأهالي خيراً فأصبحت من عادتهم الصباحية والمسائية أن يصرخوا بحرقة وألم، لكن فعلهم هذا لم يغير شيئاً في عادة القطيع بل على العكس، جعلت الأطفال في البيوت يضحكون ويضحكون.
كان اليوم ماطراً عندما غير أهل القرية طريقتهم في استقبال قطيع الغنم، حيث لم يكن بالإمكان الجلوس خلف الأبواب والقيام بفعل الصراخ، فوجدوا بأن النباح من داخل الغرف ستكون أفضل طريقة لتشتيت القطيع ، لكن الرعاة تحولوا إلى تقليد أهل القرية في النباح واستأنس القطيع لنباحهم وتحول بصوته من الثغاء إلى النباح.
وصل الخبر لصاحب البيت الشرقي بأن قطيعه وأهل قريته غيروا من أصواتهم وأمسوا يقلدون أصوات الكلاب ، لم يحرك ذلك ساكنا فيه طالما القطيع كما هو يلد وينتج حليباً وصوفاً، وأهل القرية مقلدون في أحوالهم كما عهدهم دائماً.












المصدر : مدونة سعيد السيابي