هذه القصة للكاتب التركي الساخر " عزيز نسين ""
هذه القصة تدور حول رجل ذهب إلى قرية من القرى التركية النائية , وعندما وصل إلى القرية , استقل سيارة ليتنزه . وبينما هو في نزهته لفت نظره بيتا جميلا من طابق واحد وقد تجمهر حوله عدد كبير من رجال ونساء وأطفال القرية . فقال للسائق : بيت من هذا ؟ فوجد السائق يتذمر ويقول : بيت الزفت السافل ربنا ياخده ! إنه الرجل الذي أرسلته الحكومة ليرعى شئون القرية . فقال الرجل : وما أسمه ؟ فقال السائق : ليذهب إلى الجحيم هو وإسمه . . إننا ننعته بالرجل السافل الحقير . . سافل بمعنى الكلمة. وأندهش الرجل , فهو يعلم أن السائق رجل طيب وعلى خلق فكيف ينعت الرجل هكذا بأبشع الصفات !
وفي مساء نفس اليوم , جلس الرجل في المقهى الرئيسي للقرية وتحدث مع صاحب المقهى قائلا : ما رأيك في الرجل الموظف الذي يرعى شئون قريتكم ؟ فبصق صاحب المقهى وقال : سافل حقير . قال الرجل بفضول : لماذا ؟ قال له : أرجوك , لا تفتح سيرة هذا الرجل إنه حقير حقير حقير , لا تعكر مزاجي في هذه الأمسية بهذا السافل .
وظل الرجل يسأل كل من قابله من أهل القرية نفس السؤال , ولا يتلقى سوى نفس الإجابة (الحقير المنحط أسفل السافلين) .
عندها قرر الرجل زيارة هذا الموظف في بيته ليرى عن قرب ماذا يفعل لأهل القرية حتى وصفوه بكل هذه الأوصاف . ودخل إلى بيته رغم تحذير السائق , فوجد الرجل واقفا وأمامه فلاح يسيل الدم من قدميه الحافيتين والرجل يضمد له جروحه ويعالجه ويمسح الجروح بالقطن وبجواره ممرضته والتي كانت تعمل بكل همة مع الرجل لتطبيب ذلك الفلاح . إندهش الرجل وسأله : أأنت طبيب ؟ فقال له : لا. ثم دخلت بعد الفلاح فلاحة شابة تحمل طفلا أعطته إياه , فخلع الرجل ملابس الطفل وصرخ في أمه : كيف تتركي طفلك هكذا , لقد تعفن المسكين . ثم بدأ بغسل الطفل ولم يأنف بالرغم من رائحته الكريهة وأخذ يرش عليه بعض البودرة بحنان دافق وهو يدلل الطفل . ثم جاء بعد ذلك أحد الفلاحين يستشيره في أمر متعلق بزراعة أرضه , فقدم له شرحاً وافيا لأفضل الطرق الزراعية التي تناسب أرض ذلك .
الفلاح . ثم إنفرد بأحد الفلاحين , ودس في يده نقوداً وكان الفلاح يبكي وحينما حاول أن يقبل يده صرفه بسرعه وقال : المسألة ليست في العلاج فقط , الطعام الجيد مهم جداً. بعد ذلك جلست مع هذا الرجل وأحضرت ممرضته , والتي هي زوجته , الشاهي وجلسنا نتحدث - فلم أجد شخصاً أرق او أكثر منه ثقافةً ومودةً وحناناً .
وعاد الرجل ليركب سيارته وقال للسائق : لقد قلت لي أن هذا الرجل سافلً . . ولكنني قابلته هو وزوجته ووجدتهما ملاكيين حقيقيين , فما السيئ فيهما ؟ قال السائق : آه لو تعرف أي نوع من السفلة هما ؟ قال الرجل في غيظ : لماذا ؟ قال السائق : قلت لك سافل يعني سافل وأغلق هذا الموضوع من فضلك .
هنا جن جنون الرجل وذهب إلى محامي القرية وأكبر مثقفيها , وسأله :
هل ذلك الموظف المسؤول عن القرية يسرق ؟ فأجابه المحامي : لايمكن , إنه هو وزوجته من أغنى العائلات . وهل في هذه القرية ما يسرق ؟ فسأل الرجل : هل تعطلت الهواتف في القرية بسببه ؟ فقال المحامي : كانت الهواتف كلها معطلة , ومنذ أن جاء هذا الحقير تم إصلاحها واشتغلت كلها . . فاستشاط الرجل في غيظ وقال للمحامي : طالما أن أهل القرية يكرهونه ويرونه سافلاً هكذا لماذا لا يشكونه للمسؤولين ؟ فأخرج المحامي دوسيهاً ممتلأً وقال : تفضل . . أنظر . . آلاف الشكاوى أُرسلت فيه ولكن لم يتم نقله وسيظل هذا السافل كاتماً على أنفاسنا .
قرر الرجل أن يترك القرية بعد أن كاد عقله يختل ولم يعد يفهم شيئا ً . وعند الرحيل , كان المحامي في وداعه عند المحطة . وهنا قال المحامي بعد أن وثق بالرجل وتأكد من رحيله : هناك شيئا أود أن أخبرك به قبل رحيلك . . لقد أدركت أنا وأهل القرية جميعاً من خلال تجاربنا مع الحكومة . . إنهم عندما يرسلون إلينا موظفا عموميا جيدا ونرتاح إليه ويرتاح إلينا تبادر الدولة فورا بترحيله من قريتنا بالرغم من تمسكنا به . . وأنه كلما كثرت شكاوى أهل القرية وكراهيتهم لموظف عمومي كلما احتفظ المسؤولون به . ولذا فنحن جميعاً قد إتفقنا على أن نسب هذا الموظف وننعته بأبشع الصفات حتى يظل معنا لأطول فترة ممكنه , ولذا فنحن نعلن رفضنا له ولسفالته , ونرسل عرائض وشكاوى ليبعدوه عن القرية . . وبهذا الشكل تمكنا من إبقائه عندنا أربعة أعوام . . آه . لو تمكنا من أن نوفق في إبقائه أربعة أعوام أخرى , ستصبح قريتنا جنة .
هذه القصة تدور حول رجل ذهب إلى قرية من القرى التركية النائية , وعندما وصل إلى القرية , استقل سيارة ليتنزه . وبينما هو في نزهته لفت نظره بيتا جميلا من طابق واحد وقد تجمهر حوله عدد كبير من رجال ونساء وأطفال القرية . فقال للسائق : بيت من هذا ؟ فوجد السائق يتذمر ويقول : بيت الزفت السافل ربنا ياخده ! إنه الرجل الذي أرسلته الحكومة ليرعى شئون القرية . فقال الرجل : وما أسمه ؟ فقال السائق : ليذهب إلى الجحيم هو وإسمه . . إننا ننعته بالرجل السافل الحقير . . سافل بمعنى الكلمة. وأندهش الرجل , فهو يعلم أن السائق رجل طيب وعلى خلق فكيف ينعت الرجل هكذا بأبشع الصفات !
وفي مساء نفس اليوم , جلس الرجل في المقهى الرئيسي للقرية وتحدث مع صاحب المقهى قائلا : ما رأيك في الرجل الموظف الذي يرعى شئون قريتكم ؟ فبصق صاحب المقهى وقال : سافل حقير . قال الرجل بفضول : لماذا ؟ قال له : أرجوك , لا تفتح سيرة هذا الرجل إنه حقير حقير حقير , لا تعكر مزاجي في هذه الأمسية بهذا السافل .
وظل الرجل يسأل كل من قابله من أهل القرية نفس السؤال , ولا يتلقى سوى نفس الإجابة (الحقير المنحط أسفل السافلين) .
عندها قرر الرجل زيارة هذا الموظف في بيته ليرى عن قرب ماذا يفعل لأهل القرية حتى وصفوه بكل هذه الأوصاف . ودخل إلى بيته رغم تحذير السائق , فوجد الرجل واقفا وأمامه فلاح يسيل الدم من قدميه الحافيتين والرجل يضمد له جروحه ويعالجه ويمسح الجروح بالقطن وبجواره ممرضته والتي كانت تعمل بكل همة مع الرجل لتطبيب ذلك الفلاح . إندهش الرجل وسأله : أأنت طبيب ؟ فقال له : لا. ثم دخلت بعد الفلاح فلاحة شابة تحمل طفلا أعطته إياه , فخلع الرجل ملابس الطفل وصرخ في أمه : كيف تتركي طفلك هكذا , لقد تعفن المسكين . ثم بدأ بغسل الطفل ولم يأنف بالرغم من رائحته الكريهة وأخذ يرش عليه بعض البودرة بحنان دافق وهو يدلل الطفل . ثم جاء بعد ذلك أحد الفلاحين يستشيره في أمر متعلق بزراعة أرضه , فقدم له شرحاً وافيا لأفضل الطرق الزراعية التي تناسب أرض ذلك .
الفلاح . ثم إنفرد بأحد الفلاحين , ودس في يده نقوداً وكان الفلاح يبكي وحينما حاول أن يقبل يده صرفه بسرعه وقال : المسألة ليست في العلاج فقط , الطعام الجيد مهم جداً. بعد ذلك جلست مع هذا الرجل وأحضرت ممرضته , والتي هي زوجته , الشاهي وجلسنا نتحدث - فلم أجد شخصاً أرق او أكثر منه ثقافةً ومودةً وحناناً .
وعاد الرجل ليركب سيارته وقال للسائق : لقد قلت لي أن هذا الرجل سافلً . . ولكنني قابلته هو وزوجته ووجدتهما ملاكيين حقيقيين , فما السيئ فيهما ؟ قال السائق : آه لو تعرف أي نوع من السفلة هما ؟ قال الرجل في غيظ : لماذا ؟ قال السائق : قلت لك سافل يعني سافل وأغلق هذا الموضوع من فضلك .
هنا جن جنون الرجل وذهب إلى محامي القرية وأكبر مثقفيها , وسأله :
هل ذلك الموظف المسؤول عن القرية يسرق ؟ فأجابه المحامي : لايمكن , إنه هو وزوجته من أغنى العائلات . وهل في هذه القرية ما يسرق ؟ فسأل الرجل : هل تعطلت الهواتف في القرية بسببه ؟ فقال المحامي : كانت الهواتف كلها معطلة , ومنذ أن جاء هذا الحقير تم إصلاحها واشتغلت كلها . . فاستشاط الرجل في غيظ وقال للمحامي : طالما أن أهل القرية يكرهونه ويرونه سافلاً هكذا لماذا لا يشكونه للمسؤولين ؟ فأخرج المحامي دوسيهاً ممتلأً وقال : تفضل . . أنظر . . آلاف الشكاوى أُرسلت فيه ولكن لم يتم نقله وسيظل هذا السافل كاتماً على أنفاسنا .
قرر الرجل أن يترك القرية بعد أن كاد عقله يختل ولم يعد يفهم شيئا ً . وعند الرحيل , كان المحامي في وداعه عند المحطة . وهنا قال المحامي بعد أن وثق بالرجل وتأكد من رحيله : هناك شيئا أود أن أخبرك به قبل رحيلك . . لقد أدركت أنا وأهل القرية جميعاً من خلال تجاربنا مع الحكومة . . إنهم عندما يرسلون إلينا موظفا عموميا جيدا ونرتاح إليه ويرتاح إلينا تبادر الدولة فورا بترحيله من قريتنا بالرغم من تمسكنا به . . وأنه كلما كثرت شكاوى أهل القرية وكراهيتهم لموظف عمومي كلما احتفظ المسؤولون به . ولذا فنحن جميعاً قد إتفقنا على أن نسب هذا الموظف وننعته بأبشع الصفات حتى يظل معنا لأطول فترة ممكنه , ولذا فنحن نعلن رفضنا له ولسفالته , ونرسل عرائض وشكاوى ليبعدوه عن القرية . . وبهذا الشكل تمكنا من إبقائه عندنا أربعة أعوام . . آه . لو تمكنا من أن نوفق في إبقائه أربعة أعوام أخرى , ستصبح قريتنا جنة .