الزمن العُماني الجديد ..
إلى:
المعتصم البهلاني
حميد البلوشي
بدر العبري
بدر الهنائي
حشر المنذري
وليد النبهاني
علي الغافري
عائشة السيفي
مازن الطائي
ناصر الدري
سعيد الهاشمي
عمار المعمري
محمد اليحيائي
ماجد الندابي
علي الزويدي
سليمان المعمري
موسى الفرعي
حمد الراشدي
عبد الله الحوسني
وإلى أمهاتِكم
وآبائكم
وباقي العُمانيين ..
لعلَّه ــ وبسبب الصمت المُرين عن نشاطات الإعلام البديل ــ مؤسسياً من قبل الجرائد والقنوات الإعلامية التي تتفنن في جلب الربح والمال، أو تلك الرسمية التي تطنطنُ اسطوانتها المشروخة منذ عصور ما قبل التاريخ، أو المؤسسات الاجتماعية التي لا تزال تترفسُ وتصرخُ وتتراجع وتتقدم في شدٍّ وجذبٍ بينَ رؤية الحكوميين الذين يقررون أنَّ [المجتمع ما يسوى بيسة حليانَة] وبين الاجتماعيين المفرطين في اجتماعيتهم الذين يرون أن [الحكومة لا تفعل إلا ما ينسجم مع مصالح شخوصِها]، أو بين الفريق الجديد من العاملين الاجتماعيين ذوي الموقف المُسالم للحكومة، والمُطالب بالتغيير في آن واحد.
&&&
لن أدخلَ في مُقاربات التغيير، فهي معروفة للجَميع، فهناك المقاربة الدموية التي تسفحُ وتقتل والتي قام بها الأمريكان في العراق مثلاً، مئات ألوف القتلى العراقيين [أكثر من الذين قتلهم صدام حسين] من أجل تعليم العراق درساً في الديموقراطية، حسنا لستُ عراقياً لأقول لكم أن الاستعانة بالسفاحين من أجلٍ سفَّاح أمرٌ يمكنني قبولَه، ولا يمكن أن أكون إلا عُمانياً، ولكن هي مُقاربة مفتوحة نظرياً، ويمكن أن ترى كيف شُنَّت بعض الهجمات الصغيرة هُنا وهُناك عبر أثير الإنترنت على الشيعة العُمانيين، بعدما قررت الماما أمريكا فجأة أنَّ إيران هي عدوُّها القادم، البعض يُراهنُ على هذا الكيان من أجل الإصلاح، والبعض يعتقد أنه من الممكن أن يأخذ منه ما يكفيه ومن ثم يقول له [روح بيتكم].
وما دمنا في ذكر هذه الماما لعلكم تتذكرون بوش الصغير وهو يخطبُ كقسِّ ابن ساعدة الفرنجة في الشعب وأعضاء الكونغرس عن [كراهية ما يراه الإرهابيون في تلك المنصَّة] وكأنما الدعم الأمريكي للمحتل الإسرائيلي، والقتل اليومي الذي يعيشُه الفلسطينيون ليس دافعا [منطقياً] للغضب ضد أمريكا، وللهجوم عليها في عقرِ دارِها، اكتفى السيد بوش الصغير بأن يقول أن [هؤلاء] يغارون من نجاحِهم وكأننا أصبحنا في حضانةٍ من الحضانات يتقاتلُ الأطفال فيها على رضى المعلمة الجَميلة.
هُناك مقاربات مختلفة، منها مقاربة الدستور التعاقدي مثلا الذي حمل شعلته محمد اليحيائي، وهُنا مقاربة عمار المعمري بالتأكيد على دولة القانون والمؤسسات، وهُناك مقاربة الدولة بتأجيج القبلية وإعادتها إلى وضعها السابق، وهُناك طبعا مُقاربة السبلة العُمانية بأن تكون [جسراً] بين المواطن والمسؤول، وهُناك مقاربة ناصر البدري وسعيد الهاشمي بالعَمل على تكوين ثقافة للعمل المدني، وهُناك مقاربة الحارة العُمانية بالكتابة عن المسكوت عنه تاريخياً واستخدام الفكرة العربية العامَّة لمخاطبة المجتمع، وهُناك مُقاربة حبيبة الهنائية في أخذ حالاتٍ فردية وحملها للناس، وهُناك مقاربة اللوبي الديني بالعودة إلى الله وأسلمة الدولة العُمانية تَماماً، وهُناك مقاربة وزارة الإعلام التي تبث مراراً وتكرارا فوارق المستشفيات بين العصرين القبل قابوسي، والبعد قابوسي، والتي تحمِّل الآن المواطن كلَّ المصائب وتجعله السبب الحقيقي لكل ما يحدث فيه منزهة الحكومة عن الخطأ والزلل، وفوق كلَّ هذه المقاربات هناك مقاربة القوَّة التي تقع بيد السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان والتي يمارسُ من خلاله توفيقا ناجحاً بين الكثير من المتناقضات في هذا المجتمع الفسيفسائي المعقَّد، وهي المقاربة التي أعلنتُها مِراراً وكتبتُ عنها مئات المرَّات حول ضرورة اتخاذ الإصلاح أدواتِه من الداخل والسعي للعَمل والحراك الاجتماعي بأدواتٍ من صميم المُجتمع، وقد أكون بهذا يمينيا بعض الشيء، ولكن ما دامَ الأمر واضحاً فلمَ لا يُقال، أعني نحنُ الآن لسنا في سياقٍ يتمُّ إعدام المُعارضين فيه في الشوارع، وصحيح الدولة ليست صديقة للمعارضين، ولكن أيضا ثمة ما يقول لنا أنها تريد أن تمشي دائما بالطريقة الهادئة، وشخصيا لا أختلف مع هذه النظرة ما دامت في صالح المجتمع.
&&&
تلكَ الأمثلة التي ذكرتُها على سبيل المثال لا الحصر لا تعني غياب [الخفي] غير المعروف أيضاً عن الحكاية، فالدولة العُمانية لها أسرارُها التي لا يعرفها أحد وعلاقتها بالمجتمع الدولي تدفعها للتأثر، ولتغيير بعض السياسيات ومن المؤكد أن لكلِّ تصرِّف حكمَة، ولست بصدد تحليل أفعال الحكومة الآن بقدر ما يهمني منها كراعٍ ومراقب وموزع وقائم على مصير وثروات هذا المجتمع، فالخلاف بين رجال الدولة الكبار له أثرُه، وكذلك سقوط البعض منهم في المحظور له أثرُه، وكذلك المطالبات الشعبية والرأي العام له أثره.
&&&
بالنسبةِ لي وقد أوضحت هذا مِراراً، أنَّ القضية الآن ليست في [القضية] نفسها، ولكنها قبل أن تكون كذلك هي في [الحديث عنها].
هي قناعة آمنت بها ولا زلتُ أؤمن بها أنَّ المسكوتَ عنه لا يمكنُ أن يحلَّ ما دام يقع في حيِّز غير المنطوق، وما دمنا عاجزين على مستوى الأفراد والمؤسسات عن التعبير، لسببٍ داخليٍّ أو خارجيٍّ عن ما تكنُّه ذواتُنا وما تنطق بها أفكارُنا، فنحن كأفرادٍ لسنا واحداً، ومن الطبيعي أنَّك لو حاولت جمع بلادٍ كاملةٍ في صحنٍ واحد فلن يجتمع لديك إلا الماء، كمن يحاول إيجاد العوامل الطعمية المشتركة بين الحليب وبين مرق الدجاج، سيخرج بالماء وبعض البروتينات الحيوية، وأرجو أن يكون المِثال واضحاً، عندما يحاول أحدهم الحديث عن عُمان كاملة فسيفشل، لأنَّ عُمان أكبرُ منه وهذا يحتاج إلى عملٍ طويل ودؤوب لفهم التداخلات الاجتماعية السياسية الاقتصادية في هذا البلد الصغير. تلك مُقاربات أكاديمية كان يجب على فريقٍ من الباحثين التصدي لها، ولكن هُنا يكمن العائق الدائم، ماذا يمكن أن يحدث في ثقافةِ الصمت؟ ثقافة الصمت وعدم المواجهة؟
الأمر يشبه ما يفعله الليبراليون، لا يقولون لك أنَّهم ينادون مثلا بحقوق المثليين، ولا يقولون لكَ أنَّهم ينادون بحقوق العاهرات ويؤيدون مثلاً حقوق الحيوان وإلى أخره من المصخ المستورد من أوروبا، وكذلك الدينيون لا يقولون لك أنَّه بدون إقامة الحدود فإنَّ الحكمَ حكمُ جورٍ. طيِّب السلطة تتدخل عندما [تفعل] ولكن هل تفعل ذلك عندما تتكلم أيضا؟ أعني بصدق يا قوم إنَّ المرء يقرأ في عُمان عجائب وصلت إلى كل مسكوت عنه، ولكن عندما يتعلق الأمر بالرؤية للقوَّة، ترى الجميع يقف حياداً، ولا أكذب عليكم حتى أنا أختار خطوطي الحمراء، وبالنسبة لي هما خطَّان [الذات الإلهية ــ والسلطان].
أعني لكي لا أكون مغرقاً في المثالية، ولكن ماذا لو كانت الخطوط كثيرة للغاية، خطوط تمشي على ما يريد الناس وهواهم، سنعود مرة أخرى إلى استعارة الماء في بداية الكلام، جمع ماصخٌ بين متضادات لا يفرز إلا ماء أو هواء.
وقوع عامٌ وشاملٌ في المأزق الأمريكي الذي يُسمى [الصحيح سياسياً] ففي أمريكا ليس من الصحيح أن تقول [خنيث] وإنما تقول لها [مثلي جنسيا] أو [صاحب ميول جنسية مختلفة]، ولديك في عُمان هذا التناقض المجتمعي الفادح الذي ترى الدولة الإسلامية فيه تتعامل مع الشواذ بكل إنسانية وتراهم موجودين في المجتمع دون أن يتعرض لهم بسوء، ففي نهاية المَطاف الحدود لا تؤخذ بالشبهات، وكذلك عقوبات القانون، ولذلك لا ترى في عُمان الممسوكين إلا هؤلاء الذين يلبسون ملابس النساء ويقوم أحدهم بالإبلاغ عليهم، ومع ذلكَ تكيف العقوبات كسكرٍ ظاهرٍ لتطفيشهم أكثر من التدخل في حياتِهم، وذلك ما لا أستطيع حتى هذه اللحظة أن أفهمَه على الإطلاق.
&&&
العادات والتقاليد والأخلاق والأجيال والوضع السياسي الجغرافي، كلها معطيات في أي مجتمع وعوامل قابلة للتأثير والتأثر، هذا كلام عامٌ وواضح ومعروف بالنسبة للجَميع. ما آمنت أنَّه فعلاً مُشكلة، هي ليست المشكلة نفسها، وإنما ذلك الرقيب العتيدُ الذي يمسك اللسان والقلمَ وربما القلبَ عن التعبير عن أبسط المَشاكل العُمانية، ولعلني أكثرت اللوم على وزراة الإعلام وبالذات على حمد الراشدي وعبد الله بن شوين لأنَّهما ــ للأسف ــ من يتقلَّد أرفع منصبين إعلاميين في البلاد. بالله عليكم كيف من أصلاحٍ سيحدث والإعلام صامت، يا إلهي أليس الأمر واضحا؟
سيقول قائل أن السبب هو السلطان قابوس نفسه ولو كان السلطان قابوس يهتم بالإعلام لانصلحَ في يومٍ وليلةٍ، وتلك مُراهنات تبدو غير منطقية إطلاقاً، ففعلا قد اهتمَّ جلالة السلطان بالمسرح وتم إنشاء لجنة للدراما ولكن ما الذي خرجَ لنا؟ درايش 4؟ وغيرِها من خطابات وزارة الإعلام التي حاولت الجمع بين مستحيلين، بين رسالة فنية، وبين خطاب حكومي. هل راعى الراشدي والحوسني أوامر السلطان في تطوير الصحفيين؟ أم تم استجلاب محاضرين وإلقاء محاضرات؟ أهذا هو التطوير؟ اسألوا طالباً في السنة الثالثة من كلية التجارة وسيقول لك إن كنت أردت خبازين فأرسلهم حيث يصنع الخبز لا أن تستجلبهم حيث لا يصنع، اعذروا المجاز الضعيف فهذا الذي يمكن أن يخطب ببالي عندما يوضع وضع عُمان الإعلامي في مجاز، المجاز ضعيف كحال الواقع.
فقط أودُّ أن أصحح للبعض، ذلك المقال الذي تناول وزارة الإعلام لم يكن عن درايش، فكما يلاحظ المتابعون نشر المقال في بداية رمضان ولم تعرض أكثر من ست حلقات من درايش، ولكنه كان ضد الخطاب الإعلامي الجامد الذي يفضل عدم الخوض في المتاعب والذي اختار الطريق السهل أيضا، فكان الناتج الإجمالي ماصخاً وبلا طعم ولا نكهةٍ ولا لون، هو فريقٌ واحدٌ من البشر التصق بالوزارة وطفق يعيد ويزيد في ما لا يمكن أن يعيد ويزيد فيه.
يقول العُمانيون [بو يسيس بالحرب يعينها] ولعلني هُنا أنطلقُ من هذا المنطق البسيط، حسنا الذي يطلبُ صلاحاً في الإعلام عليه أن يعين إصلاح الإعلام، ماذا يعني ذلك؟ الذي يطلب الخوض في المسكوت عنه عليه هو نفسه أن يخوض في المسكوت عنه، وهُنا جاءت نعمة المدونات التي فتحت المجال بعيدا عن الرؤى التحريرية في المنتديات، فالمدونة في نهاية المَطاف رؤى فردٍ واحد يقولُ ما لديه بوضوح وشفافية، وبالطبع يمكن للمدون أن تنسق النمط المفاهيمي الموجود في الواقع العُماني وتخرج لنا أيا مؤدلجة ومسيسةً وربما تسيء أكثر مما تفيد، ولكنها في نهاية المطاف ممارسة مشروعة لحرية فردية، لمن كان يؤمن بالحرية الفردية. عموما هذه هي الفكرة، وقد كتبت عنها سابقاً واستخدمت [إن آنستُ ناراً] حسنا ما دامَ الراشدي والحوسني لا يريدان أن يقدما عبر إعلامٍ هما يديران دفته شيئاً يخرج عن سياسيتهما التحريرية، فدعونا نحن نخرج من هذا السياق ونمارس روحنا ورؤانا كمجتمع، وبالطبع كحال كل البشر في الأرض لا بدَّ من الخطأ. حسنا هذه هي الفكرة الرئيسية والجوهرية، [افعل] وواصل الضرب في المسكوت عنه، في نهاية المطاف ستقوم الأمور [بالتَسنسل] وتفكُّ عقدة المسكوت عنها ظفيرتها وتنشحُ شعرَها للملأ.
وماذا بعدَ المسكوت عنه؟ طيب وماذا بعد الحديث عن المطاوعة، والخمر، والمخانيث، والدولة، والحكومة، والسياسة وكلُّ شيء؟ سيقول قائل: إنَّك لم تطرح حلولا، وبالطبع هذا سؤال ذكيٌّ للغاية ولكنَّه ينمُّ عن ثقافة صمتٍ وخنوع أيضا. في العالمِ أجمع يشغلُ العارفون شؤون العامَّة، شؤوننا العامَّة لا يجب أن تشغلها عصاباتٌ من التجار والأثرياء، ولا يجب أن تشغلها قبائل بني عمر وبني كلبان، ولا يجب أن تتوزع كما شاء أهل قريش توزيع دم النبي محمد بين القبائل، شؤوننا العامَّة يجب أن يشغلها العارفون لاعتبارات الكفاءة والأمانة، لا لاعتبارات بعضها تاريخي، وبعضه انتهى تَماما، فنحن اليوم لسنا في عصر السلطان الشاب الذي جاء لعُمان المفلسة في السبعينيات ليبنيها من الصفر، ولكننا في عصر مُختلف سعت فيه الدولة لتطوير مدنية نجحت بعض الشيء في بعض ملامحها.
حدثَ ما حدثَ وصارَ ما صار ومرِّت فورة النفط على عُمان وانحسرت، تغيرت الحياة وما الذي تغير، صمتُ العُمانيين الذي خرجَ من الفمِ ونسي الخوف من البعوض ومن أجهزة المايكروفون التي يتوهمون وجودَها ليصبح حديث المجالس والمقاهي والحانات. ماذا عن الكتابة؟ ماذا عن الوسيلة الأزلية للتغير؟ ماذا عن التنظير العام؟ ماذا عن كلِّ شيء؟ ركد في هوةِ الصمت واختار النمطُ العامُّ من يناسبه وانسحق هؤلاء في حياتِهم الخاصَّة ينظرون لما يحدث بتحسر وأسىً.
&&&
المُتصالح سياسياً، هو المتواطئ مع المصيبة. ذلك الذي ينكرُ وجود العيب يريدُ وجودَه، تَماما كما أنَّ الذي يجعلُ العيب من فردٍ، أو من مجتمعٍ، أو من جهةٍ أو من مؤسسةٍ فقط، الأخطاء منتشرة في كلِّ مَكان، ولكنَّ الأملَ المعقود دائما على السلطان، والوطنية السلبية التي يروجها بعض رجالات الدولة، ودمج مفهوم الدولة والحكومة والشعب والحاكم في بوتقة واحدة أفرزت كتلةً جامدة تحتاجُ إلى أزمنة لتشفى من جمودِها. ألسنا عُمانيين جَميعا؟ ألا يهمنا مصير هذه البلاد؟ ألا يعنينا تَماماً أن يتحرك أحدهم لتشخيص المشكلة وإيجاد مُعالجة استراتيجية موحَّدة تكفل الخير والرفاه لهذا المجتمع؟ أليست هذه من أبسط واجبات المواطنة الصالحة؟
&&&
دائماً ــ وللأسف الشديد ــ عندما أكتبُ في المدونة، لا أُجابه بسؤال [ماذا كتبت؟] ولكن بسؤال [لماذا كتبت؟]. مثلا في حالة وزارة الإعلام، أصبَّ اللوم ليل نهار على هذه الوزارة لأنَّها ليست رأس المُشكلة، ولكنَّها أولُّ الطريق إلى الحلِّ، ما دام الخطاب الإعلامي عاجز عن الوصول وعن الإقناع ومليء بالأكاذيب والنفاقيات والتمجيد والتطبيل الزائد عن الحد، التمجيد والمديح الذي يخالف كلام السلطان قابوس، والذي لا يعكس أبدا تصريحاته. ما دام الإعلام مكبَّلا بما عشعش فيه من خرابٍ طوال سنواتٍ طويلة من التسييس ومن الترسيخ المتعمد لفكرٍ إحاديٍّ فرديٍّ وتقريب ممنهج لفئاتٍ محددة، وإبعاد وتطفيش ممنهج لفئات أخرى، ما دام هذا الإعلام لا يقوم بدورِه المهم فنحن الآن لسنا في مرحلة إيجاد الحلول، ولكننا في مرحلة [إيجاد وسيلة تمكننا من إيجاد أفضل الحلول]. ولكن ما الذي يحدثُ؟ يحدث العكس تَماماً، والحق يُقال فإنَّ هذا طبيعي للغاية.
&&&
لم يعد التدوين في عُمان إلى سياقِه الطبيعي حتى هذه اللحظة، وحتى وقتِا هذا لا يزال المدونون في عُمان نقطةَ تساؤل واختلافٍ بين أصحاب الرأي وأصحاب السلطةِ وأصحاب الرغبة الشخصية والعامَّة. شخصيا حاولت آلافَ المرات إقناعَ الناس أنَّ الذي يكتبُ في نهاية المطاف يعبِّر عن رأيه [بصدق] وما دام المرء صادقاً مع نفسِه ومع غيرِه بالحد الذي لا يورد نفسَه في التهلكة فيجب أن يقول. مثلا في حال الملاحدة في عُمان، ما يثير استغرابي من بعض الدينيين سعيهم الدؤوب لإخراس أي صوت لاديني في عُمان، وكأنما هم المتحدثون باسم الحقيقة العُليا، مع أن الدينين في داخلِهم اختلافٌ شديد مع بعضهم البعض، فالذي يؤمن بالرؤية قد يكفر من لا يؤمن بها، والذي يؤمن بخلق القرآن قد يكفر بمن لا يؤمن بخلقه، ولكنهم أمامَ اللادينين سواء، مع أنَّ المنطقَ يقول أن اللاديني ليس بالضرورة [ضدَّ ديني] وإنما هو سياق فكري مختلف عن الإيمان بالغيبي والانطلاق من المادي المحسوس، ومن تجربةٍ قد لا تكون كافية أجد أن الانطلاق من المادي المحسوس يمكنه أن يكون أكثر علميةً، ولكنه لا يجيب على أسئلة كُبرى ستجعل من العقل مصراً على وجود [خالقٍ] ما فعلَ هذا الكون، أرجو أن تفهموني هُنا يا أصدقاء، لا أقول لكم أنني ملحد ولا أقول لكم أنني مع الملاحدة ولا أقول لكم أنني ضدهم، أنا أكتفي بالوقوف بعيدا ومُشاهدة ما يحدث، ثمة معارك ليست معاركنا، ولكن هذا لا يعني أنَّ نقف ضد من يخوضها، حتى هذا الملحد قد يكون في طريقِه لأن يصبح أكثر المؤمنون لو أتاح له من يؤمن بالدين الفرصة.
ليست الفكرة مقارعة الدين، أو مقارعة اللادين، وليست الفكرة مقارعة الحكومة أو مقارعة تنابلة الحكومة، الفكرة ببساطة أن نتوقف عن النظر بعيني غيرِنا ما دمنا نرى، وأن نتوقف عن السماع بأذني غيرنا ما دمنا نسمع، وأن نبدأ بالفعل كما نؤمن لا كما قيل لنا، أن نكون أنفسَنا قبل أن ندع منظومة أفكار عامَّة تتحدث من خلالِنا وتُمارس تناسلها الفكري الواسع على كل شيء فقط لأنَّ بعضنا جبن أن يفكر، وجبن أن يواجِه.
&&&
لا أعرف لماذا في الفترة الأخيرة صرتُ أتكلم بلسان المودِّع، ربما لأنني فعلاً لا أجد ما يمكن أن أضيفَه، ثلاثة آلاف صفحة من السعي الحثيث في بثِّ فكرة لم تنجح كما كنتُ آمل، بل على العكسِ تَماماً الذي نجح هو الاسمُ وقد فشلت الفكرة، وما أبخس الاسم أمام فكرة.
حسناً هذا المعاوية الآن قد أصبح حديث ساحات ضيقة، وكاتب منتديات ومدوِّن معروف؟ وماذا بعد؟ نقلت السي أن أن مقالاتي؟ وماذا بعد؟ يتابعني مئات أو آلاف وماذا بعد؟ ماذا بعد؟ ماذا بعد؟ كلُّ هذا قابل للفناء في لحظةٍ واحدة، في عشرة أشهر كاملةٍ فقط أختفي فيها لأكتشفَ أن علي العودة والبدء من الصفر، هذه الجماهيرية الخادعة التي يسعى البعض لها الآن فخٌّ أكثر خطورةٍ من فخاخ الفكرة والسلطة. حسنا أعترف لكم أن صناعة جماهيرية مهمٌ للتدوين، في النهاية الاسم يحملُ الأفكار، من يعرف الوصلة يقرأ المدونة، بهذا المنطق البسيط، ولكن ثمة فارق هائل بين ما يمكن أن تفعله الكتابة الحقيقة وبين ما تفعله هذه [الهفسة] التي أتعمد إثارتها دائما، قلت لصديق عزيز أنني أتمنى [في سياق التدوين] أن أكون [قرازة] تقرز الطريق للآخرين الذين لا يزالون في كابوس الخوف من النطق، فقط ضربَ مثالٍ حيٍّ على أنَّ ذلك الوهم المستشري والخوف المستورد من كلِّ شيء ليسَ في محلِّه، وبما أن الذي يسيس بالحرب يجب أن يعينَها فقد ارتكبت القرار الأحمق وانطلقت لأعين الحرب، وكانت معركة لعينةً للغاية.
يحلو للكتاب دائما أن يصفوا وضعهم بأنَّهم [يضحون] من أجلِ الآخرين. هذا كلام فارغ وعار وللاستهلاك الإعلامي، على الأقل فيما أراه أنا كمدوِّن. كنت أؤمنُ أن التدوين هو الفيصلُ الذي قد يحسم المسألة العُمانية في الكتابة، بينَ خطاب ثقافي أعرج عاجز عن الوصول إلى البشر، وبين خطاب إعلامي ميِّت، وخطاب ديني ممنهج متمترس وينتظر الفرصة التي يضعف فيه الوضع للقفز وللسيطرة على كلِّ شيء. قلتُ حسناً، فلتكن الكتابةُ صادقةً وفرديةً وليتأسس من هذا الخطاب فكرٌ جديد مختلفٌ عن الذي سبقَ؟ هل كنت أحلم حلما غير شرعي؟ تلك طريقتي في خدمة الوطن، وربما أكون تهورت في الأحلام ولكن ماذا غير الكتابة التي تعيد الأمور إلى نصابِها؟ ماذا لو انطلق المفكرون والكتاب والنقاد وتم الاحتفاء بنمط النقد الموضوعي القائم على رؤية فكرية والمعتمد على نظريات علمية، ببساطة إيجاد مجلس قومي علمي كبير للمفكرين العُمانيين ومن ثمَّ إعانتهم على معرفة ما يريد المجتمع وإلى أين يتجه، ماذا لو كان هذا حلما؟ أليس حلما مشروعاً؟ حيثما تذهبُ في عُمان تحاصرك السلبية من كلِّ جانب، وللأسف الشديد الذي يجبن أن ينطقَ سوف يحاسبك إن نطقتَ، والذي يجبن أن يفعلَ سوف يهاجمك إن فعلتَ، والذي يجبن أن يفكر خارج الصندوق سوف يراك عدواً لأنَّك كنتَ نفسك، المعركة يا أصدقاء في البديهي والبدائي والمبدئي وليست في العَميق من الأفكار، المعركة تشبه ردَّة فعل الشيخ أحمد الخليلي على خميس العدوي والعقلانيين، ليست معركة فكر، وإنما مسألة [لا يجب أن تقولَ أصلاً] وكأنما هو امتداد للتربية العُمانية التي يصخُّ فيها الطفل عندما ينطق الأب/ الإله/ القائد/ الإمام/ المدرس بحرف.
&&&
كانت تجربة التدوين مقرفةً للغاية، وهل أزيدكم من المعلومات، كانت سيئة للغاية وذات ضريبة باهظة. لكم أن تتخيلوا أن يمشي المرء في الشارع فيتعامل مع البعض كما لو كانَ مجندا في المخابرات، والذي لا يراك في المخابرات يراكَ مجندا من قبل الخارج، والذي يراك في العَمل يوقن في نفسِه أنك ستخون أخلاقيات العَمل وتكتبُ عنه في المنتديات. صورٌ نمطية باهظة الضريبة، في مجتمع حتى الآن لا يعترف مدخنوه بالتدخين وسكَّاروه بالسكر عندما تقرر أن تكون مدوِّنا عليك أن تعرف ما أنتَ مقبلٌ عليه، فعندما تذهب لمناسبة عامَّة يعتقد مئات البشر أنَّك سوف تذهب مباشرة للكتابةِ عنها غدا، وسوف يؤطرك بعض من يعرفك في إطار متعبٍ للغاية، وسوف يخاف منك الصديق والعدو، وسوف يعتقد وزير تنتقده أنك مدعوم من المكتب السلطاني ومن جهاز الأمن، وسوف يكيد لك من لا تعرفه، بل وربما سيضربك أحدهم في مكانٍ عامِّ بحجَّة أنَّك كتبت ما يضايقه، وربما يقرر أحدهم عدم توظيفك لأنَّك فلان الفلاني الذي لا أخلاق لديه. في بلادٍ مثل عُمان يمكنك أن تكون ما شئت سوى أن تكون مختلفا، المختلفون ينامون في الدرك الأسفل وينبحون بأحلامِهم للوسادة، المختلفون لا يقولون لكَ أنَّهم يسكرون في النوادي، وأنَّهم يخرجون من الحمَّام عراةً، وأنَّهم يحلقون شعرَ صدورِهم ويشمون خريطة عُمان عليها، المختلفون لا يقولون لك أنهم يحلمون بمضاجعة امرأة جميلة وقد فعلوا ذلك مراراً، والمختلفون لا يقولون لك [أختي فلانة] وإنما تحلُّ [الأهل ــ والأولاد] في ألسنتهم عنوةً وقسراً، والمختلفون هم الذين يرونَ هذا المأزق الفكري الجماعي العُماني ويتمنون لو يفعلُ أحدهم شيئا، وهم أيضا ــ للأسف الشديد ــ من يجبنُ عن الفعل حين تحين الفرصة، وعن القول حين يكون المقام مُناسباً، ولذلك يا أصدقائي كان من اللازم أن يبادرَ أحدهم، أحدهم مما ليس لديه الكثير ليخسرَه ومما لا يعوِّل كثيرا على هذه الحياة لأنَّ الأمر ببساطة [إمَّا أن تكون، أو لا تكن] أو كما قال محمود درويش [اكتب تكن، واقرأ تجد].
&&&
ما يثير التفاؤل فعلاً أن الأشياء في عُمان آخذة في التزحزح ببطء شديد، نعم ببطء، ولكنها آخر في التزحزح. صحيح أن أشياء غير مفهومة تحدث ولكن الفهمَ مقابل حدوث الخير يبدو رفاهيةً مفرطة. تجربة التدوين كانت وستظل بالنسبة لي وسيلة للتعلم من الحياة مُباشرة، عبر مئات البشر الذين عرفتهم في هذه السنوات، مئات الأخطاء التي قلتُها والتصويبات التي لقيتها والأهم تراجع ذلك الهامش الذاتي النرجسي وبدء تحمِّل الرأي الآخر مهما كان قاسياً. هل تتذكرون، أو هل يتذكر بعضكم زمااااان؟ كنت قد شاركت في دعوة في دبي جاءتني مع عمار المعمري، السبب الحقيقي لذهابي كان بسيطة وتافها، كنت [منتزقاً] على السكن في شانجرلا دبي، وكنت أريد أن أقابل عمار المعمري للمرة الثانية بعدما سافر عن عُمان دون أن ألقاه. قام أحد الأعضاء واسمه [الدعشري] في منتدى فرق بكتابة مقالٍ حارق، وحينها قد [حرَّقتُ] فعلاً، وقد أخذت سنتين لأقرأ ما كتبَه مرَّة أخرى وأعرف أنه كان محقاً، كيف لك أيها المهذون أن تكره الأمريكان بهذه الشدة وأن تركض لأول دعوة جاءت من منظمة أمريكية، حسناً لم أعد أكره الأمريكان كثيراً، ولم أعد أذهب للدعوات بسهولة، مع الوقت يكتشف المرء أن البعض يريد الحديث من خلالِه وإن كان يحترمُ نفسه فعليه ألا يستجيبَ للمسألة.
&&&
إني آنست نارا:
إنَّ الذي يحدثُ مقلقٌ مثلما هو مبشِّر، وبينما موضوع الحرية قد بدأت بالتزحزح بفضل جهود أناس آمنوا بها، أناس مثل مشرفي الحارة والسبلة العُمانية، أناسٌ مثل ناصر البدري وسعيد الهاشمي وعلي الزويدي، أناسٌ يعملون ويقيسون ما يمكنهم وما لا يمكنهم بخيط من خيوطِ المنطق الأكثر قابليةً للتصديق.
هذه النار مؤشر لتفاعلٍ مبدئي، تفاعل قد لا يكونَ نهائيا ولكنَّها قابل للحدوث، قابلٌ للتحول إلى تفاعلٍ مُنتج ومفيد للمجتمع، مفيد للعُمانيين.
&&&
يقول العقلاء في الإعلام أن الوضع الإعلامي في عُمان في حالة [مخاضٍ] وينتظرون المولود الجديد، ويقول العقلاء أن الوضع الحكومي أيضا في حالةِ مخاض، ويقول الاجتماعيون أن الوضع الاجتماعي في حالةِ مخاضٍ. كلُّ هذه التفسيرات تنطلق وتخرجُ كقطيع من الثيران الهائجة عابرة الأوراق إلى العقول، ومنها تخرجُ منَّا لكي تتحول إلى أفعال تضرُّ أو تسيء لنا. ليس منا من هو كامل أو مثالي، هذه حقيقة مطلقة، وليس منا من يعرف الحقيقة المُطلقة وهذه الحقيقة المطلقة الوحيدة التي يجب إطلاقَها، وكذلك ليس منا من يقرر ما هو صالح وما هو طالح.
&&&
والآن يبدأ الانتظار:
حسناً، ها هي الكتابةُ العُمانية الجديدة قد بدأت بأخذ دورِها تدريجياً وبدأت بالوصول للمجتمع. بدأ البعض في أن يكون نفسَه وأن ينتمي إلى فكرِه قبل أن يقرر الالتصاق بمنظومةٍ جاهزة من الأفكار يجعلها تتحرك من خلالِه، بدأ ذلك، ولكن ماذا بعد؟ المرحلة الأصعب قد بدأت أيضا، وهذه المرحلة باهظة التكاليف تحتاجُ إلى تضحيات كثيرةٍ وإلى أناس مسؤولون عن الصالح العُمانيِّ العام.
كالعادة هذا التداعي الحر هو تعبيرٌ آخر على ما كنتُ أردده دائما، أن يدع الإنسان نفسه وأن يقول، فإن أخطأ فسيعرف أنها أخطأ وإن أصاب فسيظهر الوقت أنَّه أصاب. أؤمن تَماما الإيمان أن طريقنا لأن نكون عُمانيين مساهمين ليس بأحد الطرائق الموجودة حالياً، ليس بالصمت المُرين والاختفاء المتعمد، وليس بالتطبيل الكثير والصراخ العالي، وليس بالتحالف مع الشيطان، وليس بالتحالف مع من يدَّعون أنَّهم الموقعين باسم ربِّ العَالمين. هذه المنظومة العُمانية، وهذه الفسيفساء الرائعة والتعددية والتسامح أكبر ميزات هذا المجتمع، وفي اللحظة التي نبدأ فيها بخسارة ذلك، نكون قد بدأنا فعلاً بخسارةِ أنفسنا. علينا أن نكون عُمانيين حتى النخاع، وأن نكون أنفسنا، وأن نترك مساحةٍ للغير قبل أنَّ تمحي تلك الفواصل الوهمية بين العقل والهوية، وقبل أن نستيقظ ذات يوم لنجدَ أننا كنا نعيش في بلادٍ اسمها [عُمان] ولا نعرفُ كيف حدث الذي حدث.
هذه مجموعة كبيرة من الأفكار التي كانت تمنعني من التركيز في أيِّ شيء آخر، وآمل أنني حاولت ترتيبها بما يكفي، إن كان أحدكم قد وصلَ لهذه النقطة في هذا المقال أقول له بكلِّ صدق ألا ينخدع بما يراه من قشر برَّاق أو من صوتٍ يتعالى هُنا وهُناك، في نهاية المطاف ثمَّة فكرة باقية اسمها عُمان، وثمَّة بشر راحلون اسمهم [نحن] وبين عُمان ونحن مسافة من العِمل الشاق التي يجب أن نكون كلنا جزءاً منه.
وعُمان من وراء القصد
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions