سؤال أهل الذكر 9 من ربيع الأول 1424هـ، 11/5/2003م
السؤال
الذي أوتي علماً غزيراً كيف يتعامل مع لآخرين ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا و نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد
فإن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان خلقاً سويا ، ومنّ عليه بنعمة العقل ورفع درجته وأعلى شأنه إذ كرمه بما آتاه من مواهب ، وبوأه منصب الخلافة في هذه الأرض، وجعله سيداً في هذا الكون ، يقول تبارك وتعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا)
الإسراء:70 ، هذا التكريم لا يعود إلى جسم الإنسان وأصله ، وإنما يعود إلى النفخة الربانية التي نفخها في هذا الجسم فتحول إلى خلق آخر ، فلو كان الأمر يعود إلى الجسم لربما كان جسم الحيوان أحسن من جسم الإنسان من حيث إن جسم الحيوان قد يكون أقوى بكثير من جسم الإنسان ، وقد يكون أقدر على مقاومة التحديات المختلفة والطبيعة المتنوعة ، ولكن الله تبارك وتعالى جعل تلكم النفخة الربانية هي التي رفعت من شأن الإنسان ، ولئن كان الإنسان رفع بهذه النفخة الربانية فعليه أن يعلم أن الحق سبحانه وتعالى جعله عبداً متحملاً لأمانته وأن فضله ومنزلته بقدر ما يتحمل هذه الأمانة لا أن يتعالى بسبب أي شيء أوتيه في هذه الحياة الدنيا ، إذ لا قيمة للعلم وحده من غير أن يكون العبد متخلقاً بالخلق الكريم ، فالله سبحانه وتعالى قد اختار عبده ورسوله محمداً صلى الله
عليه وسلّم وشرّفه فوق الخلائق كلها وأعلى منزلته وجعل رسالته رحمة للعالمين فقد قال سبحانه وتعالى مخاطباً عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، ولكن عندما أثنى سبحانه وتعالى عليه بماذا وصفه ؟ هل وصفه بالعلم الغزير ؟ لا ، وإنما وصفه بالخلق العظيم فقد قال تعالى مخاطباً إياه صلوات الله وسلامه عليه ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ، ولم يقل له وإنك لعلى علم غزير ، بل قال سبحانه وتعالى مخاطباً له ولغيره
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً - الإسراء: من الآية85 ، فإذاً هذا الإنسان لا يكون سموه في هذه الحياة بمنصبه ولا بجاهه ولا بعلمه إن كان مجرداً من الأخلاق ، فالأخلاق هي ميزان التفاضل بين الناس ، ذلك لأن الخلق الرفيع يؤدي إلى أن يكون الإنسان أولاً مراعياً لحق الله سبحانه الذي خلقه فسواه ، إذ غروره قد يجعله يرى أنه وصل إلى ما وصل إليه باستحقاق ، وأن الله تبارك وتعالى لا فضل له عليه وهذا أمر فيه من الخطورة ما لا يمكن أن يتصوره متصور ، فإن الغرور هو الذي يردي صاحبه ،
ما اغتر مغتر وإلا وكان غروره سبباً لما وصل إليه من إذلال الله تعالى له ومن إهانته إياه ، ففرعون اغتر حتى وصل به الأمر إلى أن يقول ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38) ، وقال ( وَهَذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)(الزخرف: من الآية51) ، فأهلكه الله سبحانه
وتعالى بما كان مغتراً به ، أهلكه بالماء إذ أغرقه فيه فكان عبرة للمعتبرين : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى - النازعـات:26 ، وكذلك غيره
والله تبارك وتعالى يبين لنا في كتابه أنه أهلك من أهلك من الأمم من قبلنا تلكم الأمم التي أوتيت ما أوتيت إياه من المنافح الإلهية ولكنها لم تضعها في موضعها فإنه سبحانه وتعالى يقول ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ
مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ
وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ
بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6) ، ولئن كان الغرور هو مصدر هلاك
الإنسان ، فإن غروره بالعلم أيضاً قد يكون مصدر هلاكه ، إذ الله تبارك وتعالى ، قد حكى عن قارون قوله ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من
الآية78) ، و قد كان ذلك سببا لهلاكه ، فهكذا يجب أن يعتبر المعتبرون .
والإنسان يجب عليه كلما زادت نعمة الله تبارك وتعالى عليه أن يكون أحسن خلقا وأطيب معاملة وأصفى سريرة ، ليس للإنسان أن يتعالى بأن يؤتى علماً أو يؤتى منصباً أو يؤتى مالاً بل يجب أن تكون هذه المواهب الربانية تجعله يتطامن ويطأطئ رأسه ويعامل الآخرين معاملة رقيقة معاملة حسنة ، على أن هذه الدعوة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلّم ما كان من أسباب انتشارها إلا ما كان متصفاً به
عليه أفضل الصلاة والسلام من الصفات الحميدة والسجايا الحسنة التي مهدت لهذه الدعوة حتى وصلت إلى حيث وصلت إليه ، ونجد أن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق وهو بين جيل هو أشرف الأجيال وأطهر الأجيال جميعاً ،
جيل المهاجرين والأنصار الذين أثنى الله تعالى عليهم في كتابه عندما قال
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
الفتح:29
نرى أن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق وبين ذلك الجيل العظيم القدر العلي المنزلة فيقول له ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: من الآية159) ، هكذا لو كان صلى الله عليه وسلّم قاسي المعاملة خشن الأخلاق لانفض أولئك الذين هم خير القرون من حوله وما كانت الصلة بينه وبينهم صلة سيا ، فكيف بغيره صلى الله عليه وسلّم ، وكيف بمن يعامل جيلاً آخر غير ذلك الجيل . على أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يكون دمث الأخلاق في دعوته حسن المعاملة للناس جميعاً إذ يقول له ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) ، كذلك نجد أنه سبحانه وتعالى يقول في مقام ذكر الدعوة: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ) (فصلت:34) ، وهذا يدل على تأثير ألأخلاق في تعامل الإنسان مع بني جنسه ، ولذلك نحن نجد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم ما يدل على أن الأخلاق هي التي تقرب العبد إلى الله ، وهي التي تقرب الإنسان المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم القيامة فيكون قريباً المنزلة منه ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول ( إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتفيهون )
فالإنسان إنما يحمد بأخلاقه ويوزن بأخلاقه ، إذ الإنسان نسبه ما يكون متحلياً به من أخلاق فاضلة وعمل صالح يقربه إلى الله تعالى زلفى ، ونجد في حديث آخر أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يقول للسيدة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها : يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة . ومعنى ذهاب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة أن حسن الخلق لم يدع لغيره من خير الدنيا والآخرة شيئاً ، بل احتوى خير الدنيا والآخرة ، فالإنسان بقدر ما يكون عليه من خلق فاضل في هذه الحياة الدنيا يكون له الخير الكثير في هذه الدنيا إذ تكون محبة الناس له تفعم قلوبهم ، وكذلك بالنسبة إلى الدار الآخرة فإن منزلته عند الله إنما تكون بقدر ما يكون عليه من أخلاق ، فلذلك على الإنسان أن يحرص دائماً على أن يحسن خلقه ، وأن يعامل الناس بما يحب أن يعامله به ، لا أن يعاملهم بالقسوة والخشونة ولو كان يغيّر منكرا ًعليهم عليه أن يأتيهم بالرفق واللطف إذ ما دخل الرفق شيئاً إلا زانه ، وما دخل العنف شيئاً إلا شانه ، فهكذا يجب أن تكون أخلاق المؤمنين ، أن تكون جذابة هي بنفسها تدعو إلى الحق وإلى الإسلام أكثر مما تدعو ألسنتهم ، والله تعالى ولي التوفيق .
السؤال
الذي أوتي علماً غزيراً كيف يتعامل مع لآخرين ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا و نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد
فإن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان خلقاً سويا ، ومنّ عليه بنعمة العقل ورفع درجته وأعلى شأنه إذ كرمه بما آتاه من مواهب ، وبوأه منصب الخلافة في هذه الأرض، وجعله سيداً في هذا الكون ، يقول تبارك وتعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا)
الإسراء:70 ، هذا التكريم لا يعود إلى جسم الإنسان وأصله ، وإنما يعود إلى النفخة الربانية التي نفخها في هذا الجسم فتحول إلى خلق آخر ، فلو كان الأمر يعود إلى الجسم لربما كان جسم الحيوان أحسن من جسم الإنسان من حيث إن جسم الحيوان قد يكون أقوى بكثير من جسم الإنسان ، وقد يكون أقدر على مقاومة التحديات المختلفة والطبيعة المتنوعة ، ولكن الله تبارك وتعالى جعل تلكم النفخة الربانية هي التي رفعت من شأن الإنسان ، ولئن كان الإنسان رفع بهذه النفخة الربانية فعليه أن يعلم أن الحق سبحانه وتعالى جعله عبداً متحملاً لأمانته وأن فضله ومنزلته بقدر ما يتحمل هذه الأمانة لا أن يتعالى بسبب أي شيء أوتيه في هذه الحياة الدنيا ، إذ لا قيمة للعلم وحده من غير أن يكون العبد متخلقاً بالخلق الكريم ، فالله سبحانه وتعالى قد اختار عبده ورسوله محمداً صلى الله
عليه وسلّم وشرّفه فوق الخلائق كلها وأعلى منزلته وجعل رسالته رحمة للعالمين فقد قال سبحانه وتعالى مخاطباً عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، ولكن عندما أثنى سبحانه وتعالى عليه بماذا وصفه ؟ هل وصفه بالعلم الغزير ؟ لا ، وإنما وصفه بالخلق العظيم فقد قال تعالى مخاطباً إياه صلوات الله وسلامه عليه ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ، ولم يقل له وإنك لعلى علم غزير ، بل قال سبحانه وتعالى مخاطباً له ولغيره
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً - الإسراء: من الآية85 ، فإذاً هذا الإنسان لا يكون سموه في هذه الحياة بمنصبه ولا بجاهه ولا بعلمه إن كان مجرداً من الأخلاق ، فالأخلاق هي ميزان التفاضل بين الناس ، ذلك لأن الخلق الرفيع يؤدي إلى أن يكون الإنسان أولاً مراعياً لحق الله سبحانه الذي خلقه فسواه ، إذ غروره قد يجعله يرى أنه وصل إلى ما وصل إليه باستحقاق ، وأن الله تبارك وتعالى لا فضل له عليه وهذا أمر فيه من الخطورة ما لا يمكن أن يتصوره متصور ، فإن الغرور هو الذي يردي صاحبه ،
ما اغتر مغتر وإلا وكان غروره سبباً لما وصل إليه من إذلال الله تعالى له ومن إهانته إياه ، ففرعون اغتر حتى وصل به الأمر إلى أن يقول ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38) ، وقال ( وَهَذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)(الزخرف: من الآية51) ، فأهلكه الله سبحانه
وتعالى بما كان مغتراً به ، أهلكه بالماء إذ أغرقه فيه فكان عبرة للمعتبرين : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى - النازعـات:26 ، وكذلك غيره
والله تبارك وتعالى يبين لنا في كتابه أنه أهلك من أهلك من الأمم من قبلنا تلكم الأمم التي أوتيت ما أوتيت إياه من المنافح الإلهية ولكنها لم تضعها في موضعها فإنه سبحانه وتعالى يقول ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ
مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ
وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ
بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6) ، ولئن كان الغرور هو مصدر هلاك
الإنسان ، فإن غروره بالعلم أيضاً قد يكون مصدر هلاكه ، إذ الله تبارك وتعالى ، قد حكى عن قارون قوله ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من
الآية78) ، و قد كان ذلك سببا لهلاكه ، فهكذا يجب أن يعتبر المعتبرون .
والإنسان يجب عليه كلما زادت نعمة الله تبارك وتعالى عليه أن يكون أحسن خلقا وأطيب معاملة وأصفى سريرة ، ليس للإنسان أن يتعالى بأن يؤتى علماً أو يؤتى منصباً أو يؤتى مالاً بل يجب أن تكون هذه المواهب الربانية تجعله يتطامن ويطأطئ رأسه ويعامل الآخرين معاملة رقيقة معاملة حسنة ، على أن هذه الدعوة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلّم ما كان من أسباب انتشارها إلا ما كان متصفاً به
عليه أفضل الصلاة والسلام من الصفات الحميدة والسجايا الحسنة التي مهدت لهذه الدعوة حتى وصلت إلى حيث وصلت إليه ، ونجد أن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق وهو بين جيل هو أشرف الأجيال وأطهر الأجيال جميعاً ،
جيل المهاجرين والأنصار الذين أثنى الله تعالى عليهم في كتابه عندما قال
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
الفتح:29
نرى أن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق وبين ذلك الجيل العظيم القدر العلي المنزلة فيقول له ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: من الآية159) ، هكذا لو كان صلى الله عليه وسلّم قاسي المعاملة خشن الأخلاق لانفض أولئك الذين هم خير القرون من حوله وما كانت الصلة بينه وبينهم صلة سيا ، فكيف بغيره صلى الله عليه وسلّم ، وكيف بمن يعامل جيلاً آخر غير ذلك الجيل . على أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يكون دمث الأخلاق في دعوته حسن المعاملة للناس جميعاً إذ يقول له ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) ، كذلك نجد أنه سبحانه وتعالى يقول في مقام ذكر الدعوة: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ) (فصلت:34) ، وهذا يدل على تأثير ألأخلاق في تعامل الإنسان مع بني جنسه ، ولذلك نحن نجد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم ما يدل على أن الأخلاق هي التي تقرب العبد إلى الله ، وهي التي تقرب الإنسان المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم القيامة فيكون قريباً المنزلة منه ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول ( إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتفيهون )
فالإنسان إنما يحمد بأخلاقه ويوزن بأخلاقه ، إذ الإنسان نسبه ما يكون متحلياً به من أخلاق فاضلة وعمل صالح يقربه إلى الله تعالى زلفى ، ونجد في حديث آخر أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يقول للسيدة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها : يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة . ومعنى ذهاب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة أن حسن الخلق لم يدع لغيره من خير الدنيا والآخرة شيئاً ، بل احتوى خير الدنيا والآخرة ، فالإنسان بقدر ما يكون عليه من خلق فاضل في هذه الحياة الدنيا يكون له الخير الكثير في هذه الدنيا إذ تكون محبة الناس له تفعم قلوبهم ، وكذلك بالنسبة إلى الدار الآخرة فإن منزلته عند الله إنما تكون بقدر ما يكون عليه من أخلاق ، فلذلك على الإنسان أن يحرص دائماً على أن يحسن خلقه ، وأن يعامل الناس بما يحب أن يعامله به ، لا أن يعاملهم بالقسوة والخشونة ولو كان يغيّر منكرا ًعليهم عليه أن يأتيهم بالرفق واللطف إذ ما دخل الرفق شيئاً إلا زانه ، وما دخل العنف شيئاً إلا شانه ، فهكذا يجب أن تكون أخلاق المؤمنين ، أن تكون جذابة هي بنفسها تدعو إلى الحق وإلى الإسلام أكثر مما تدعو ألسنتهم ، والله تعالى ولي التوفيق .