الرحلة الثانية - 4 - جديد عبدالله المهيري

    • الرحلة الثانية - 4 - جديد عبدالله المهيري

      موسم المطر في الهند يقابله الصيف في بلادنا، ما يسمونه مونسون (monsoon) هي فترة أربع أشهر من يونيو إلى سبتمبر وهي فترة المطر في الهند، هذا الموسم تعتمد عليه الهند لأنها تحصل على الماء منه ولأن الهند بلد زراعي فهي تنتظر موسم المطر، وكلما زاد المطر انتعش اقتصاد البلد أما فترات الجفاف فتعني موت المحاصيل وخسارة المزارعين وخسارة الاقتصاد كذلك.

      رحلتي الثانية كانت في آخر موسم المطر هذا لكن امتد الموسم إلى آخر شهر سبتمبر، الهند في هذا الموسم تختلف عن الهند التي زرتها في أول هذا العام، الجبال السوداء أصبحت مخضرة والأشجار أصبحت أكثر كثافة واللون الأخضر يغطي كل مكان والناس يحملون معهم المظلات في كل حين، الشمس لم نرها إلا فترات قليلة والمطر لم يتوقف إلا قليلاً كل يوم.

      الجو كان بارداً كفاية ولم تكن هناك حاجة لأي مكيف، غرفتي لم يكن فيها مكيف بل فقط مروحة وقد كانت كافية، بل وجدت المروحة مناسبة أكثر لي من أي مكيف، فهي هادئة ولا تستهلك طاقة كبيرة وبالتأكيد لا تأتي بالأمراض كما يفعل المكيف، لم لا نستخدم المراوح في منازلنا؟ لم منزلنا لا يحوي مروحة كبيرة في كل غرفة؟ حقيقة أستغرب ذلك، المراوح مناسبة للجو الرطب ويمكنها توفير تبريد كافي، لا أعني أننا يمكن أن نستغني كلياً عن المكيفات لكن نقلل من حجم استخدامها بقدر الإمكان، المراوح تذكرني بالبيوت القديمة، كانت تستخدم في الماضي أكثر من اليوم.

      في أول ليلة قضيتها هناك هطل مطر كالشلالات، استيقظت على صوته ووقفت عند النافذة أشاهد المطر لوقت طويل، عدت للنوم بعد ذلك لكن بدأت أشعر بأن رجلي تأكلني! نسيت لدغ الباعوض، في الرحلة الماضية احتجت لأسبوعين للتخلص من آثار هذا اللدغ وتكرر الأمر في هذه الرحلة بشكل أكبر.

      كنت أقضي معظم وقتي في قراءة كتب أحضرتها معي، وليس غريباً أنني أقرأ هناك أكثر مما أقرأ هنا حتى ظننت أنني لا أسافر للهند إلا للقراءة، في هذا الوقت كان المطر يهطل غزيراً وكنت أفكر بالاتصال بأخي فقط لإغاضته! في أبوظبي وفي رمضان الجو حار ورطب والحرارة تصل إلى 45 وأحياناً 50 بينما هنا الجو بارد والمطر لا يتوقف، الهنود في هذا الجانب في نعمة عظيمة.




      مشكلة المطر الوحيدة كانت الطريق بين بيت داوود والمسجد القريب، الساحة أمام المسجد أصبحت طيناً يصعب المشي عليه وعلينا أن نسير في متاهة لكي نصل للمسجد وفي الليل تزداد الصعوبة مع حلول الظلام وعدم توفر إضاءة أضف لذلك وجود فضلات الحيوانات، لكن عندما يكون المطر خفيفاً كنا نحمل المضلات ونسير، نسيت كم هو جميل أن أسير تحت مظلة والمطر يهطل، الآن أتمنى أن يهطل المطر لدينا فقط لكي أشتري مظلة وأسير تحت المطر.

      ساحة المسجد احتوت بحيرات صغيرة هنا وهناك وفي الليل كانت هذه البحيرات بيتاً للضفادع نسمع نقيقها طوال الليل، لو انتبه لها المرء لوجد أنها تتحدث مع بعضها البعض أو على الأقل هكذا تخيلتها، وعند اقتراب الفجر يمكن أن تسمع أصوات الغربان التي لا تهدأ طول النهار وتبدأ يومها مبكراً، والكلاب كذلك تبدأ يومها مبكراً وقد رأيت الكثير منها، الكلاب المشردة في كل مكان وفي أحيان تجتمع في الليل في ساحة كبيرة خلف بيت داوود وتبدأ في الغناء الجماعي، أعني العواء، هل يمكنك تخيل كل هذه الأصوات مرة واحدة؟ أضف لذلك أصوات الحشرات أيضاً.

      في يوم ما كنت أجلس على كرسي مريح ومعي كتاب مسلي، على يساري نافذة يأتي منها الهواء البارد وأرى من خلالها المطر يهطل غزيراً، وأسمع أصوات الطيور بين حين وآخر وأحياناً أصوات الكلاب، في هذه اللحظة بالذات كنت سعيداً ... جداً! أي نعمة هذه التي أعيش فيها؟ أنا في الهند، الجو جميل، كرسي مريح، وكتاب مسلي، لا أريد شيئاً آخر.

      عندما كنا نخرج بالسيارة لزيارة مسجد أو مدينة أخرى كنا نرى الجبال يغطيها الضباب، منظر بديع أتخيل أنه جاء من عالم خيالي، تذكرت رواية سيد الخواتم عندما رأيت هذه الجبال، كان الماء يهطل من الجبال على شكل شلالات صغيرة وكبيرة، كنت أرى الناس ينزلون من سياراتهم ويغرفون بأيديهم الماء ليشربوا ماء عذباً بارداً، الوديان خضراء على مد البصر وبعضها كان يخرج منها أشجار طويلة رفيعة عالية فلا أرى إلا أعمدة من الخشب الأبيض، يسمونها الشجرة الفضية، في بعض الأحيان يحوي الوادي أشجاراً عملاقة ترتفع عشرات الأمتار وعرض الواحدة منها يزيد عن عرض سيارة كبيرة، أوراقها تجمع الماء ثم تصبه قطرات كبيرة على الطرق فتصنع الحفر أو تسقط على السيارات فتسمع ضرباتها كأنها مطارق.



      في يوم ما زرنا مدينة تيشكماغلور ومنها ذهبنا لزيارة مسجد بعيد في منطقة ريفية، كنت أظن أنني رأيت ريف الهند لكنني عرفت أن الأرياف تختلف فما رأيته هناك كان مختلفاً، الطرق غير معبدة والأبقار في كل مكان فالناس هناك هم رعاة أبقار ومزارعون، كان روث الأبقار في كل مكان وسيارتنا وحتى ثيابنا اتسخت، المنازل قليلة والناس قلة أيضاً ولم نرى زحاماً أو حتى سيارات كثيرة، كانت الطرق خالية إلا من المشاة والبقر، زرنا سهلاً منبسطاً واسعاً خالي من الأشجار ولولا الحياء لركضت كالمجانين وأنا أصرخ فالمكان كان خالياً من أي شيء وواسع والجو بارد جميل.

      وفي اليوم الأخير من رحلتي وفي الظهر نزل مطر غزير لم أرى مثله من قبل، برق ورعد كالقنابل، كل شيء توقف، الطيور بحثت عن مأوى في الأشجار، الكلاب جلست تحت أي ظل يحميها من المطر، الناس دخلوا لمنازلهم ولم يعد هناك مخلوق يتحرك، جلست في الشرفة أشاهد المنظر لأنني أعلم أنني لن أره مرة أخرى في رحلتي هذه، استمر المطر طويلاً ولم يتوقف إلا بعد ساعة ونصف تقريباً والغريب أن الأرض تشرب هذا الماء كأنها عطشى أبد الدهر، بعد خمس دقائق من توقف المطر لم يعد هناك أثر له على الأرض.




      للأسف يوتيوب لا يعرض الفيديو بدقة عالية.




      المصدر : مدونة عبدالله المهيري


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions