هجص التخابر/ والخيانة/ والجيران/ والوطن
لدينا في سمائل عِبارة جَميلة للغاية، تصفُ العملَ الذي يأتي بطريقة مرتجلة عشوائية. يقولون لك [لا تسوي شغل مال هُوْي هُوْي]. شغلُ الهوي هوي هو بالضبط الذي يحدث الآن في الشارع العُماني، وبالتحديد منذ الانكشاف الإنترنتي المسرب عن قصد وعمدٍ لمجموعة من المدونين والمواقع الإلكترونية، وكذلك معلومات متعمدة تصل لبعض الأشخاص مُباشرةً.
لم يعد الأمر غريباً أو خفياً ومن الغباء أن نعتقد أن هذه المعلومات التي وصلت قد وصلت ــ بطرق خفية ــ فلو كنا في دولة بها إعلام يحترم المواطن، أو إعلام يحترم نفسه، أو إعلام يحترم المجتمع الذي فيه لكانت هذه الاعتقالات مانشيتات عريضة في الصفحات الأولى للجرائد، وكأي متهم في الأرض ــ حتى لو كانت خيانة عظمى ــ فإنَّ له حقوق، ولأهلِه ولذويه الحق في معرفة مكانِه وله هو الحق في معرفة سبب اعتقالِه، وكان الإعلام [الذي يحترم نفسه] سيقوم بتغطية محترمة للأمر، تغطية من يحترمُ الشعبَ ومن يحترم المواطن، ومن يحترمُ المجتمع، ولكن ماذا يمكنُ أن نقول؟ اللجوء الآن للتصعيد الجماهيري ولإثارة الرأي العام منذ عدة سنوات يمضي عبر السبلة، وعبر المواقع الإلكترونية، وعبر سلاح الإشاعة والتسريب المتعمد للمعلومات، لا تفهموني خطأ، أنا لا أقول أن هذا الشيء خاطئ، وأنَّ تسويق قرارات مصيرية وصعبة يكون بمعزل عن المجتمع، ولكنني أمارس أساي العلني على حال الإعلام في بلادِنا، وابتعادِه التام لأتفه الحجج، ففي كل دول العالم وزارات الإعلام هي أقوى الوزارات، وهي التي يهابها كل الوزراء الآخرين ما عدا في عُمان، إذ تتقتولُ وزارة الإعلام عند مديريات عموم بعض الجهات لنشر حلقة مسلسل، أو لنشر خبر أو تصريح، أو الحصول على رد [يبري الذمة] الإعلامية غير الموجودة أصلاً.
&&&
تحدثت سابقاً ــ كفرد ــ في التدوينة السابقة عن الخبر الذي نزل كالصاعقة على قلوبنا. وهذا الذي يُراد من هكذا خبر، أن ينزل كالصاعقة على القلوب، أما العقول فاتركها لغيرك، دع الآخرين يفكرون نيابةً عنك واصمت. حسناً أخبار الاعتقالات صحيحة، وحاضري الجلسة الكبيرة المنعقدة في مكانٍ ما تحدثوا لبعض مقربيهم عما يحدث، البعض شعرَ بالغدر والخيانة بسبب فعلة [أبناء البلد] والبعض شعر بالغدر والخيانة بسبب فعلة الجيران، وبالطبع لا يساوم المرء على وطنه مهما كان إلا أنَّ تأطير الأشياء وإخراجها من سياقها الحقيقي يعتبر كذباً وتدليساً وخداعاً.
ستخرجُ لنا دعاية الوطنيين الجدد الآن بشكلٍ صارخ، ولكن هذه المرَّة ليست تغنيا بالمنجزات والمستشفيات والمدارس، وإنما اللوم والتقريع على [الخونة]، وسيأتيك أحدهم متحدثا بلسان السلطة لكي يجعل المجتمع العُماني كلها [مجتمعاً ريفيا تافها بسيطا يحتاج إلى قائد يقوده] باختصار مجتمع قطيع يحتاج دائما إلى راعٍ يرعاه، وينسى أن هذا المجتمع ضمن تطوراته التاريخية كان مجتمعا حياً لم يترك السلاح، ولم يتوقف عن النضال من أجل البقاء، الشيء الذي تحترمُه، وتقدره في مجتمع مثل مجتمع عُمان، سواء كانت عُمان التاريخية، أو عُمان السلطنة.
&&&
الآن اختلطَ الحابل بالنابل، وحتى الآن وأمام هذه الفرقعات ومن المؤكد سيصمت العقلاء مرة أخرى، وسينأون بأنفسهم عن الدخول مع العامَّة في حديث عن بلاد يتقاسمونها، سيقولُ لك العارفون أنَّ كلام السوقة لا مجالَ له من الإعراب، وتلك نرجسية فائقة أن يرفض هؤلاء الجلوس إلى من ليس له نصيب من الفهم، نرجسية فائقة أن يكتب الكتاب ويرفضون الإنصات إلى صوت صغير يحاول أن يفهم، نرجسية فائقة مجنونة اخترقت مجتمع النخبة في عُمان، ولن يشفوا منها حتى يمارس المجتمع دورَه في هذه البلاد التي نرتبط بها وترتبط بها مصائرنا.
&&&
يجب أن تسمى الأشياء بمسمياتها، أولا ثمة فرق بين خيانة الوطن، وخيانة الحكومة. في سياقٍ ما يمكنك أن تخونَ الحكومة ولكنك لا تخون وطنك، يمكنك مثلا أن تخونَ وزيرك الذي يطلب منك مثلا إعطاء تصريح فني لابن عمِّه، وترفض ذلك وتذهب وتفضحه في النت، هذه خيانة، ولكنها ليست خيانة وطن قد تكون خيانة أمانة وظيفة ولكن من أجل هدفٍ أسمى ولكل بطولة ثمن. المعلومات الموجودة الآن لم تحدد لنا ماهية الاختراق، وهل لهذا الاختراق سبب واضح؟ أعني لماذا تتجسس الإمارات على عُمان؟ حسنا أفلتت عوائل الإمارات بدولة نشأت من الصفر حاولت الانبتات عن تاريخ الدولة الأم، حسنا وماذا بعد؟ هل السبب اقتصادي؟ سياسي؟ أمني؟ عسكري؟ ليست المسألة وجود [مُتخابر] فحسب، ولكن ما نوعية هذا التخابر. الأصوات والصراخ يعلو الآن مطالبة بإعدام هؤلاء في ميدان عام، وآخر يتبجح بأنَّه سوف يحرقهم بالزور، حتى لو كان هؤلاء خونة [ولم تثبت الإدانة بعد] فلهم حقوق، ولا ينبغي التضحية بالمبادئ الإنسانية من أجل الفورة الوطنية، سيَّان تشجعي كأس الخليج في هذه البلاد، مع الوقوف ضد خيانة وطنية. خانَ هؤلاء حكومتهم، وكان ذلك لسبب، الذي سيحدث أنَّ أحد المنظرين سوف يأتي الآن لكي يمرر رسالة أصبح البعض مهووسا بها مؤخرا، الرسالة تقول أنَّ العُماني [لذاته ولجوهره] خائن ويتبع الفلوس، وهو حاسد وقليل أدب، ولن يقول لك أن أخطاء فادحة وقعت فيها الحكومة خلقت هذا الوضع.
دعونا نكون صريحين قليلا. هل الواقع الحكومي غريب عليكم؟ أعني أنا نفسي مندهش أن تفعلها الإمارات، ولكن عندما تكون ضعيفاً فهذا ما سيحدث لك، سوف يتم اختراقك من أقرب الأقربين، وربما هدف الإمارات بعيد المدى غير هدفها قصير المدى، وربما السالفة حتى هذه اللحظة [ما شيء منها] وإنما للأمر علاقة بفساد مشترك بين رؤوس في الإمارات ورؤوس في عُمان، سوف تقصف الإمارات بعض الرؤوس، وتقصف عمان بعض الرؤوس وتعود الأشياء إلى طبيعتها، هل ألعاب السياسة غريبة عليكم؟
ما يهمني الآن ليست هذه القضية، هذه بيد القانون وهو الذي يحسمها. ولكن الذي يهمني هو التأطير الذي ستقوم به الدولة لنقل الخبر إلى المجتمع، ومرة أخرى لو كان لدينا إعلام [صاحي] يحترم نفسه والناس، لكان هذا درساً كبيراً.
ليس غريبا عليكم واقع العَمل الحكومي، تعرفون جيدا أن بكل وزارة في عُمان لوبيات تجمعها مصالح مشتركة، لوبيات قبلية، وبعضها عائلي، وبعضها اقتصادي. آخر ما يفكر به عدد هائل من المسؤولين في عُمان هو خدمة الصالح العام، فالصالح الخاص هو الذي أمام أعينهم دائما. خلقت مع نشأة الدولة مجموعة من المهمشين، ومن المرميين على الركن، كذلك وجدَ بعض هؤلاء الذين يريدون اختصار الطريق إلى الثراء وإلى النفوذ. البعض ضعيف النفس، والبعض بلا أخلاق، والبعض ببساطة لا يفكر بالدولة وإنما يفكر في نفسه، وبالطبع المجتمع آخر ما يفكر فيه كل هؤلاء، وكأن هذا المجتمع غير قادر على اتخاذ قرار ذات يوم سيشل كل شيء.
للسياسة طريقة في إدارة مصالحها، وأيضا في تهدئة الرأي العام أو تصعيده. عُمان تعرف قدرتها جيدا، وتعرف تَماماً أنها وإن لم تكن بثراء الإمارات، فإنَّها على الأقل تمتلك شعباً حقيقياً، شعباً نسيت لفترة طويلة أنه موجود بسبب انشغالها في الحقبة القابوسية التنموية الجيدة. تلجأ الأجهزة إلى التسريب المقصود، وربما كان ذلك جزءا من تجييش الرأي العام مع القضية، والقضية تستحق، ولكن الحقيقة أيضا يجب أن تُقال. يا جماعة الخير ليست المسألة وجود خونة، في كل بلاد الأرض يوجد خونة، ويوجد أولاد حرام، ويوجد كلاب وسفل. ولكن لماذا خانوا؟ وما الإغراء؟ هل كانوا تحت التهديد؟ أم خانوا طمعا؟ هل خانوا انتقاما؟ هل كان تخابراً تجسسيا؟ أم تسريب معلومات؟ ثمة فرق، الإدلاء بمعلومات يختلف عن تسريبها عمدا، والتجسس يختلف عن نقل ما يُشاهد، وفي دولة صغيرة مثل عُمان حيث لا شيء يختبئ كل شيء يمكن أن يعرف بسهولة.
&&&
يجب على الحكومة أن تكون شجاعةً هذه المرَّة، ويجب أن تعترف بأنَّه خلال بناء الدولة في هذه السنوات الطويلة كان هناك فريقٌ مهمَّشٌ قرر بيع القضية، فريقٌ من الذين ــ خانوا ــ ولكن أيضا من الذين وضعت لهم أسباب الخيانة أمام أعينهم. يجب عليها أن تكون واضحةً وحازمةً، ويجب أيضا أن تتوقف أبواق الحكومة الناطقة من الوطنيين الجدد عن الكذب على الناس، هذا الفكر الذي بات البعض يردده مؤخرا هو فكر عنصري بغيض، فكر يجعل رجالات الدولة والحكومة كما لو كانوا قادمين من مجتمع مختلف، فكر يجعل العُماني هو سبب كل مصائبه، بينما الماسك شؤونَه العامة يتبرأ من أخطائه علانيةً دون أن يرفَّ له جفن.
&&&
هجص .. هجص .. هجص .. سوف يتكرر كثيرا لأيامٍ طويلة. والعاقل هُنا عليه أن يحافظ على عقله وألا يندفع بجنون. بالنسبة لي لم يغير ما حدث موقفي من الإمارات، هي دولة طارئة على التاريخ ولكن الشرعية الدولية أكسبتها وجودا، دولة من عدة عائلات تتناحر الآن المشهد وليذهبوا للجحيم ما دامت زبالتهم لا تقع علينا. ما يعنينا هي عُمان، هذه البلاد التي يخاف المرء أن يرث ذات يوم مصيبة كبيرة تقع على الرأس. أقول لكم بكل ثقة هذه الأزمة السياسية ستنتهي، ستسقط رؤوس من الطرفين، ولا يمكنُ أن يتخلى العُمانيون عن جارهم الاستراتيجي الإمارات، ولا يمكن أن تتخلى الإمارات عن أصلها عُمان، وكذلك لا يستبعد أن يدفع الآن بمشروع استعادة الأرض المغصوبة التي حازَها هؤلاء أيام انشغال عُمان بحربين في الشمال والجنوب، حربين دعمها الجيران، بينما كان النظام الحالي يحاول حفظَ نفسه وكان السلطان الثامن من سلاطين آل سعيد يحاول استعادة عرشه. على قضية النظام، وقضية السلطان، ذكروني، ثمة موضوع كنت أريد الكتابة عنه منذ فترة طويلة، يتعلق بفهمنا وعلاقتنا مع النظام، مع القوة، مع السلطان، كتبت عنه من قبل، وأريد أن أطرح بعض الأمثلة لاحقاً.
&&&
أيها الأصدقاء .. احتفظوا برباطة جأشكم، ليست هذه أكبر أزمات البلاد، ومن حسن الحظ أنه تم الانتباه إليها قبل وقوع كارثة [الله أعلم بالمستور] ولكن حتى الآن تبدو الأشياء طبيعية. لا تشغلوا نفسكم بها كثيرا، ولا تبالغوا في إظهار ردة الفعل، دعوا الأشياء تأخذ مجراها، فلعالم السياسة ــ فن الممكن ــ طرقه في احتواء حروب، فما بالكم بخلية تجسسية؟
أعتقد أنها رسالة شديدة اللهجة، ودرس شديد لكل مسؤول عُمان سوَّلت له نفسه أن يمارس تصرفاتٍ بشعةٍ على العُمانيين مثله، رسالة شديدة اللهجة تقول له أنَّه مثلما يستقيل بعض العُمانيين من وظائفهم ويعملون في القطاع الخاص، أو يلجأ البعض لتجارة الممنوعات، أو يلجأ البعض للفساد بسبب المال السائب، فإنَّ عدداً منهم من الممكن أن يبيع ضميره وبلادَه والحكومة التي عملَ فيها. هذا الدرس يجب أن يركز عليه، ويجب أن ينتبه له وأن يعتنى به، فدولة القبائل التي تتأسس مرة أخرى سوف تكون لها تبعات وخيمة، ودولة العائلات وتوريث المناصب العامَّة ستكون لها تبعات وخيمة، نحن متكؤون حتى الآن على اللحظة الكاريزمية المؤثرة التي بدأ بها جلالة السلطان حكمه. ما الذي سيحدث لنا أو لعمان بعد قابوس؟ حتى الآن كل شيء في حكم الغيب، ونسأل الله الستر على البلاد والعباد.
دمتم بخير
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions